منهاج الصالحين المجلد 1

اشارة

سرشناسه : طباطبائي حكيم، محمد سعيد، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الصالحين/ فتاوي محمدسعيد الطباطبايي الحكيم.

مشخصات نشر : مكتب آيه الله العظمي السيد الحكيم ، 14ق. = 19 - م. = 13 -

مشخصات ظاهري : ج.

وضعيت فهرست نويسي : كاربرگه كتاب فارسي

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ قبلي: مكتب آيه الله العظمي السيدالحكيم؛ موسسه المناره، 1416ق.

يادداشت : ج.1 (چاپ دوم: 1418ق. = 1977م. = 1376).

مندرجات : ج. 1. العبادات .--

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

موضوع : فتوا هاي شيعه -- قرن 14

رده بندي كنگره : BP183/9 /ط15م 8 1376

رده بندي ديويي : 297/3422

شماره كتابشناسي ملي : م 78-6270

مقدمة في بعض مسائل التقليد.

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

و بعد. فيقول العبد الفقير إلي اللّه تعالي (محمد سعيد) عفي عنه، نجل سماحة حجة الإسلام و المسلمين آية اللّه (السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم) دامت بركاته: هذه رسالة عملية تشتمل علي الأحكام الشرعية للمسائل الّتي تعمّ بها البلوي من أبواب العبادات و المعاملات و غيرها.

و قد سميتها (منهاج الصالحين) باسم رسالة سيدنا الأعظم مرجع الطائفة الأستاذ الجد (السيد محسن الطباطبائي الحكيم) أعلي اللّه مقامه لأني و إن خرجت عنها كثيرا في التعبير و التبويب و نظم المسائل، إلا أني قد جاريتها في منهجها، و سرت علي ضوئها، و استعنت بكثير من عباراتها. و قد حافظت علي هذا الاسم تيمنا به، و اعتزازا بصاحبه، و إبقاء لذكره، اعترافا بالفضل و أداء للحق.

و أسأله تعالي أن يعصمني من الزلل، في القول و العمل، و يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، و لا يحرمني أجره، و أن ينفع به إخواني المؤمنين و يوفقني لخدمتهم،

و يجعلني عند حسن ظنهم، و يرزقني مودتهم و دعاءهم.

و أسأله (جل شأنه) لي و لهم خير العاجلة و ثواب الآجلة إنه أرحم الراحمين و هو حسبنا و نعم الوكيل، نعم المولي و نعم النصير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 5

بسم اللّه الرحمن الرحيم العمل بهذه الرسالة الشريفة مجز و مبرئ للذمة ان شاء الله تعالي محمد سعيد الطباطبائي الحكيم 20 شوال 1414 ه

يبلغ الإنسان الذكر مرتبة التكليف بأحد أمور:

الأول: الإنبات، و هو ظهور الشعر الخشن في منطقة العانة و هي فوق الذكر و من جانبيه.

الثاني: خروج المني، سواء كان بالاحتلام أم بدونه و لو في حال اليقظة.

الثالث: إكمال خمس عشرة سنة قمرية. أما الأنثي فتبلغ مرتبة التكليف بإكمال تسع سنين قمرية.

مسألة (1): إذا بلغ الإنسان مرتبة التكليف و وجب عليه تطبيق أحكام الشريعة و تكاليفها علي أعماله أمكنه تطبيقها بأحد وجوه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 6

الأول: الاجتهاد، بأن ينظر في أدلة الأحكام الشرعية و يعرف بنفسه الحكم منها و يعمل عليه. و هو لا يتيسر إلا لقليل من الناس.

الثاني: الاحتياط، بأن يتحفظ علي التكليف في مورد احتماله، سواء قامت عليه حجة أم لم تقم.

فإن أفتي بعض المجتهدين بحرمة التدخين- مثلا- و أفتي بعضهم بحليته يلتزم بترك التدخين لاحتمال حرمته. و إن أفتي بعضهم بوجوب تسبيحة واحدة في الصلاة، و أفتي بعضهم بوجوب ثلاث تسبيحات يلتزم بالإتيان بثلاث تسبيحات لاحتمال وجوبها. و إن أفتي بعضهم بوجوب القصر و أفتي بعضهم بوجوب التمام يلتزم بالجمع بين القصر و التمام لاحتمال وجوب كل منهما.

و هكذا كلما احتمل وجود التكليف يحتاط بموافقته. و هذا الطريق يتعذر أو يعسر في حق أكثر الناس.

الثالث: التقليد، بأن يرجع

المكلف في ما لا يعرفه من الأحكام للمجتهد العالم بها الذي يأخذها من أدلتها الشرعية و العقلية المعتبرة، فيعمل بفتاواه فيها.

و هذا الطريق هو المتيسر لعامة الناس.

(مسألة 2): يعتبر في المجتهد الذي يصح تقليده أمور:

الأول و الثاني: الذكورة، و طهارة المولد علي الأحوط وجوبا.

الثالث: الإيمان، و هو الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت «صلوات اللّه عليهم».

الرابع: العدالة بمرتبة عالية، بأن يكون علي مرتبة من التقوي تمنعه عادة من مخالفة التكليف الشرعي و من الوقوع في المعصية و إن كانت صغيرة، بحيث لو غلبته دواعي الشيطان- نادرا- فوقع في المعصية لأسرع للتوبة و أناب للّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 7

و أما العدالة المعتبرة في غير المقلّد كإمام الجماعة و الشاهد فيكفي فيها التقوي المانعة من ارتكاب المعصية الكبيرة، و لا يقدح فيها ارتكاب المعصية الصغيرة من دون إصرار و استهوان.

(مسألة 3): إذا قلد مجتهدا فمات وجب البقاء علي تقليده إلي أن يظهر من الأحياء من هو أعلم منه بفارق ظاهر و مرتبة معتدّ بها.

(مسألة 4): إذا اختلف المجتهدون في الفتوي فإن كان أحدهم متفوقا علي الآخرين بمرتبة معتدّ بها وجب اختياره، و مع عدمه فالأحوط وجوبا العمل بأحوط الأقوال و مع تعذر ذلك أو تعسره- كما هو الغالب- فاللازم اختيار الأعلم و لو بمرتبة ضعيفة، و مع التساوي بينهم يترجح الأورع، و مع عدمه يتخير بين المجتهدين، فيقلد أحدهم، و يعمل بفتاواه.

(مسألة 5): يثبت اجتهاد المجتهد و أعلميته و عدالته- بالنحو المتقدم- بالعلم الناشئ من المخالطة و الاختبار أو من الشياع أو غيرهما. و مع عدمه يكفي فيه شهادة الثقة من أهل الخبرة، إذا استندت إلي الاختبار و نحوه مما يلحق

بالحس، و لا يكفي استنادها للحدس و التخمين، و مع اختلاف أهل الخبرة تسقط شهادتهم.

(مسألة 6): إذا احتمل أعلمية بعض المجتهدين وجب الفحص عنه، فمع ثبوته بالعلم أو غيره مما تقدم في المسألة الخامسة يلزم اختياره، و مع عدم تيسر معرفته بالوجه المتقدم، فإن أمكن العمل بأحوط الأقوال تعيّن، و مع تعذّره أو تعسّره- كما هو الغالب- إن احتمل أعلمية شخص بعينه من دون أن يحتمل أعلمية غيره منه يتعين تقليده.

و إن كان احتمال الأعلمية لأكثر من شخص واحد تعين اختيار من يظن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 8

بأعلميته، و مع اختلاط الأمر و عدم تيسر الظن بأعلمية أحدهم يتعين اختيار الأورع، و مع عدمه يتخير بينهم كما سبق في صورة التساوي.

(مسألة 7): إذا قلد مجتهدا ثم ظهر له أن تقليده لم يكن علي الوجه الشرعي لزم العدول عنه و التقليد لغيره علي الوجه المطلوب شرعا.

(مسألة 8): إذا بقي علي تقليد الميت فاستجدت له بعض المسائل التي لا يستطيع معرفة فتوي الميت فيها وجب الرجوع فيها للحي، و مع اختلاف الأحياء يجري ما سبق من الترجيح و التخيير. و كذا لو كان مقلدا للحي و تعذر معرفة رأيه في بعض المسائل.

(مسألة 9): إذا قلد مجتهدا و عمل علي رأيه مدة ثم عدل المجتهد عن رأيه اجتزأ المقلد بعمله السابق و لم يجب عليه قضاؤه في العبادات و نحوها مما يمكن فيه التدارك و كذا لو عدل المقلد من مجتهد إلي آخر إذا كان تقليده الأول علي الوجه الشرعي، أو علي غير الوجه الشرعي غفلة من دون تقصير، و أما إذا ابتني علي التسامح و التقصير فهو كما لو عمل من غير تقليد و سيأتي

حكمه.

(مسألة 10): إذا عمل من غير تقليد مدة من الزمان فليس له الاجتزاء بعمله، بل لا بد من الرجوع للمجتهد الجامع للشرائط فعلا و عرض عمله السابق عليه، فإن أفتي له بصحته أو بعدم وجوب إعادته اجتزأ به، و إلا أعاد.

(مسألة 11): من لا يتيسر له الفحص عمن يجب تقليده و أخذ الحكم منه، لبعده عن مراكز الثقافة الدينية، أو لقلة إدراكه كبعض النساء و العوام إذا وثق ببعض المتدينين- من طلاب العلوم الدينية أو غيرهم- في اختيار من يقلده أو في تعيين حكمه الفعلي ليعمل عليه، فأرشده في أمره و عيّن له الحكم أو المجتهد الذي يقلده فعمل علي ذلك كان كمن عمل عن تقليد صحيح، و تحمّل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 9

الشخص الذي أرشده مسئولية عمله، فيجب عليه بذل الوسع و استكمال الفحص عن مقتضي الميزان الشرعي أداء للأمانة، و إلا كان خائنا مسئولا أمام اللّه تعالي.

(مسألة 12): الوكيل في العمل عن الغير يعمل علي طبق تقليد موكّله أو اجتهاده، إلا مع القرينة الخاصة علي ابتناء الوكالة علي خلاف ذلك، و كذا الحال في الوصي فإنه يعمل علي طبق اجتهاد الموصي أو تقليده، إلا مع القرينة علي خلاف ذلك. نعم مع الجهل بتقليد الموكّل و الموصي أو اجتهاده يجوز العمل علي طبق اجتهاد الوكيل أو الوصي أو تقليدهما.

و أما الولي- المكلف بالقضاء عن الميت- فيعمل علي طبق تقليده أو اجتهاده بنفسه و كذا المتبرع. و أما الأجير فلا بد من اتفاقه مع المستأجر علي كيفية العمل إلا مع الانصراف إلي وجه معيّن تبتني عليه الإجارة ضمنا.

(مسألة 13): الحاكم الشرعي هو المجتهد العادل فإنه هو المنصوب من قبل أئمة أهل البيت عليهم

السلام للحكم و القضاء. فيجب الترافع إليه عند النزاع و التخاصم، و ينفذ حكمه في فصل الخصومة، و لا يجوز ردّ حكمه، بل الراد عليه كالراد علي الأئمة عليهم السلام الذي هو كالراد علي اللّه تعالي و هو علي حدّ الشرك باللّه، كما في الحديث الشريف.

(مسألة 14): لا يجوز الترافع لغير الحاكم الشرعي، بل يحرم المال المأخوذ بحكم ذلك الشخص و إن كان الآخذ محقا. نعم إذا علم صاحب الحق بثبوت حقّه جاز له استنقاذه بالترافع لغير الحاكم الشرعي، بشرط تعذّر الترافع عند الحاكم الشرعي أما للعجز عن الوصول إليه أو الخوف من ذلك أو امتناع من عليه الحق من الترافع عنده.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 10

(مسألة 15): لا يجوز للمقلد التصدي للقضاء و فصل الخصومة حتي علي طبق فتوي مقلّده و لا يجوز الترافع له و التحاكم عنده، و لا ينفذ حكمه.

نعم يجوز له بيان حكم الواقعة علي طبق تقليد المتخاصمين، فمع وثوقهما بصدقه و معرفته يجب عليهما العمل بقوله.

(مسألة 16): إذا مات المجتهد انعزل وكيله في الأمور العامة التي يرجع إليه فيها كتولّي أموال القاصرين و الأوقاف التي لا ولي لها و غير ذلك، بل لا بد من تجديد وكالته من مجتهد عادل آخر.

(مسألة 17): الاحتياط في هذه الرسالة علي قسمين:

الأوّل: الاحتياط الوجوبي، و يتخير المكلف بين العمل به و الرجوع لمجتهد آخر، الأعلم فالأعلم مع الإمكان علي التفصيل المتقدم.

الثاني: الاحتياط الاستحبابي، و يحسن من المكلف العمل به و إن كان له تركه.

(مسألة 18): إن كثيرا من المستحبات المذكورة في هذه الرسالة يبتني استحبابها علي ذكر العلماء لها أو ورود بعض الأخبار بها و إن لم تكن معتبرة السند، فيحسن الإتيان

بها برجاء المطلوبية، و كذا الحال في المكروهات، فيحسن الترك لها برجاء الكراهة، و لا يجوز في المقامين الجزم بالاستحباب و الكراهة.

هذا، و قد ورد في الأخبار الكثيرة عن الأئمة عليهم السلام أن من بلغه ثواب علي عمل فعمله كان له أجر ذلك و إن لم يكن علي ما بلغه، و منه سبحانه نستمد التوفيق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 11

كتاب الطّهارة

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 13

كتاب الطهارة و فيه مقاصد.

المقصد الأول في الماء و أحكامه

اشارة

ينقسم الماء 7 لي قسمين:

الأوّل: الماء المطلق، و هو ما يصح إطلاق لفظ الماء عليه من دون إضافة كماء المطر و ماء البحر و ماء النهر و ماء الآبار و العيون و الماء المقطر.

الثاني: الماء المضاف، و هو ما لا يصح إطلاق لفظ الماء عليه إلا بالإضافة و التقييد، و منه الماء المعتصر من بعض الأجسام كماء الليمون و ماء الرمان و ماء العنب، و منه الماء الذي يخلط به جسم آخر بقدر معتدّ به بحيث لا يصح إطلاق لفظ الماء عليه إلا مقيّدا به و مضافا إليه، كماء السكر و ماء الملح. و محل الكلام هو الأول، و أما الثاني فلا يذكر إلا تبعا.

إذا عرفت هذا فيقع الكلام في ضمن فصول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 14

الفصل الأول في طهارة الماء و نجاسته

الماء طاهر بالأصل، و هو بجميع أقسامه ينجس بملاقاة النجاسة إذا تغير لونه أو طعمه أو رائحته. و أما إذا لم يتغير بها فإنما ينجس بالملاقاة إذا كان قليلا دون الكرّ و لم يكن له مادة، أما إذا بلغ الكرّ أو كان له مادة فإنه لا ينجس بملاقاتها من دون تغير. و هو المسمي بالماء المعتصم.

(مسألة 1): إنما ينجس الماء القليل بملاقاة النجاسة مع استقراره، أما إذا كان متدافعا بحيث يصدق عليه الجريان عرفا باتجاه معيّن فلا ينجس منه إلا موضع الملاقاة، دون ما قبله. فإذا جري من الأعلي للأسفل، و لاقي الأسفل النجاسة لم ينجس الأعلي، و إذا اندفع من الأسفل للأعلي- كما في النافورات- و لاقي الأعلي النجاسة لم ينجس الأسفل، و كذا إذا جري من اليمين للشمال و لاقي جانب الشمال النجاسة لم ينجس من جانب اليمين و هكذا.

(مسألة 2): الماء القليل كما

ينفعل بملاقاة النجس ينفعل بملاقاة المتنجس بجميع أقسامه.

(مسألة 3): الكرّ بحسب الحجم سبعة و عشرون شبرا مكعبا. و الأحوط وجوبا القياس بالشبر المقارب لربع المتر. و أما الكرّ بحسب الوزن فهو أربعمائة و أربعة و ستون كيلو غرام و مائة غرام، و الأحوط استحبابا ما يزيد علي ذلك قليلا حتّي يبلغ أربعمائة و سبعين كيلو غراما.

(مسألة 4): المراد بالماء الذي له مادة هو المتصل بغيره بحيث إذا نقص

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 15

أمدّه، سواء جري عليه، كالماء الذي تجري عليه الحنفية التي تأخذ من المخازن الكبيرة، أم نبع فيه، كماء الآبار و العيون. و لا بدّ فيها من اتصال المادة بالماء و لا يكفي تقاطرها و ترشحها عليه من دون اتصال.

(مسألة 5): المادة إنما تمنع الماء من الانفعال بملاقاة النجاسة إذا بلغت وحدها كرا، و لا يكفي كريّة مجموع المائين، فإذا كانت المادة ثلاثة أرباع الكر مثلا و جرت علي ماء يبلغ نصف كر لم تمنع من انفعاله، بل ينجس بملاقاة النجاسة و إن لم يتغير.

نعم مع استقرار المائين و عدم تدافع أحدهما علي الآخر يكفي كرّية المجموع في اعتصامه و عدم تنجسه بملاقاة النجاسة، كما في الغديرين المتصل أحدهما بالآخر بساقية ضيقة، و كما في المخازن الصغيرة المتصل بعضها ببعض بانبوب صغير. كما أن المجموع حينئذ يصلح أن يكون مادة عاصمة فإذا جري منه علي الماء القليل لم ينجس ذلك الماء بملاقاة النجاسة من دون تغير.

(مسألة 6): لا بد في التغير- الذي ينجس معه الماء و إن كان كرا، أو كان له مادة- من أن يكون بأحد الصفات الثلاث المتقدمة و لا يكفي التغير بغيرها كالثقل و الثخانة و غيرهما. و كذا

لا بدّ من استناده للنجاسة، و لا يكفي استناده للمتنجس بها، فإذا تنجس الدبس مثلا بملاقاة الميتة، ثم وقع في الماء الكثير فغيّر طعمه لم ينجس. إلا أن يكون من الكثرة بحدّ يخرج الماء عن كونه ماء مطلقا و يجعله ماء مضافا.

نعم لو كان التغير بوصف النجاسة الذي يحمله المتنجس تنجس الماء علي الأحوط وجوبا، كما لو أنتن المتنجس بملاقاة الميتة ثم وقع في الماء الكثير فأنتن الماء. أو لاقي الدم المتنجس فغيّر لونه، ثم وقع ذلك المتنجس في الماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 16

الكثير فتأثر الماء بلون الدم الذي يحمله المتنجس.

(مسألة 7): لا بدّ في تنجس الماء بالتغير من استناده لملاقاة النجاسة، و لا يكفي فيه التغير بسبب مجاورة النجاسة أو نحوها من دون ملاقاة.

(مسألة 8): إذا تغير جانب من الماء الكثير بملاقاة النجاسة و لم يتغير الجانب الآخر لم ينجس الجانب غير المتغير إذا كان كرا أو متصلا بالمادة.

(مسألة 9): إذا شك في كرية الماء فلا مجال للبناء علي كرّيته حتي لو كان معلوم الكرّية سابقا و أخذ منه حتي شك في بقاء كرّيته، بل الأحوط وجوبا البناء علي عدم كرّيته، فينجس بملاقاة النجاسة و لو مع عدم التغير، و لا يكون مادة عاصمة للماء القليل.

(مسألة 10): إذا شك في أن للماء مادة بني علي عدم كونه ذا مادة. نعم إذا علم بسبق اتصاله بالمادة ثم احتمل انقطاعها عنه، بني علي أن له مادة.

(مسألة 11): إذا تنجس الماء القليل لم يطهر بإضافة الماء إليه حتي يبلغ الكرّ كما أن الكرّ إذا تنجس بالتغير لم يطهر بزوال التغير عنه بنفسه أو بعلاج.

و ينحصر تطهير الماء النجس غير المتغير- قليلا كان أم كثيرا-

باتصاله بالكرّ الطاهر مع استقرار المائين، أو مع جريان الكرّ الطاهر و تدافعه عليه، أما مع تدافع الماء النجس علي الكرّ الطاهر فلا يكفي الاتصال في تطهير النجس بتمامه، و إنما يطهر منه خصوص ما صار مع الطاهر و استقر معه بعد التدافع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 17

الفصل الثاني في ماء المطر

ماء المطر طاهر و معتصم في نفسه و لا ينجس بملاقاة النجاسة حال سقوطه من الجو، قبل استقراره، فإذا سقط علي الموضع النجس فنضح منه علي غيره لم ينجس المنتضح منه. نعم إذا لاقي المنتضح منه نجسا تنجس به. كما أنه إذا جري من موضع سقوطه و لاقي نجسا تنجس به. إلا أن يستمر التقاطر و يستند الجريان لاستمراره، فلا ينجس الجاري حينئذ حتي ينقطع التقاطر.

(مسألة 12): إنما يجري حكم المطر علي الماء إذا كان تقاطره من السماء مباشرة، أما إذا تقاطر علي مكان ثم سقط منه علي غيره لم يجر عليه حكم المطر، بل كان بحكم الماء القليل، كما لو تقاطر علي ورق الشجر أو الخيمة ثم سقط منها علي شي ء آخر. نعم إذا جري متصلا بسبب التقاطر كان الجاري معتصما ما دام التقاطر مستمرا.

(مسألة 13): ماء المطر بحكم المادة للماء المجتمع منه فلا ينجس بملاقاة النجاسة ما دام التقاطر عليه مستمرا.

(مسألة 14): إذا تقاطر ماء المطر علي ماء نجس طهّره و كان له بحكم المادة إذا كان التقاطر بمقدار معتدّ به، و لا تكفي القطرة و القطرتان و نحوها.

(مسألة 15): تقاطر المطر علي غير الماء من المائعات- كالماء المضاف و غيره- لا يطهرها مهما كثر التقاطر إلا أن تستهلك و يصدق علي المتجمع أنه ماء عرفا فيطهر مع التقاطر عليه حين صدق الماء

عليه.

(مسألة 16): إذا تقاطر المطر علي الأرض و نحوها من الأجسام الصلبة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 18

طهّرها إذا كانت نجسة بشرط إن يستولي علي الموضع النجس، و لا يحتاج إلي التعدد و إن كانت النجاسة محتاجة للتعدد في غير المطر. و كذا يطهر باطنها بنفوذ الماء فيه حال استمرار التقاطر.

و كذا الحال في الفراش و نحوه، فإن ظاهره يطهر باستيلاء ماء المطر عليه، و باطنه يطهر بنفوذه فيه حال التقاطر، و لا يحتاج إلي العصر و لا إلي التعدد. نعم لو كان نفوذه بعد انقطاع التقاطر جري عليه حكم التطهير بالماء القليل.

الفصل الثالث في الماء المستعمل في رفع الحدث أو الخبث

الماء المستعمل في الوضوء و الغسل طاهر إذا لم تصبه نجاسة خارجية سواء كان قليلا أم كثيرا.

(مسألة 17): الماء المستعمل في الوضوء يطهّر من الخبث و هو النجاسة. كما أنه يطهّر من الحدث، فيصح الوضوء به و الغسل.

(مسألة 18): الماء المستعمل في غسل الجنابة و غيره من الأغسال الواجبة لا يصح الوضوء و لا الغسل به، إلا أن يكون معتصما كالكرّ و ذي المادة. و أما المستعمل في الغسل المستحب فلا بأس باستعماله في الوضوء و الغسل، كماء غسل الجمعة إذا لم يصادف الجنابة و لم يكن رافعا لها.

(مسألة 19): إذا كان عليه غسل واجب و كان عنده ماء قليل لا يكفيه للغسل إلا بأخذ ما يتساقط منه و إكمال الغسل به، فالأحوط وجوبا الغسل به بالنحو المذكور ثم التيمم ثم إعادة الغسل بعد وجدان الماء الكافي للغسل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 19

(مسألة 20): الماء المستعمل في التطهير من الخبث- و هو النجاسة- إذا كان قليلا غير معتصم بمادة نجس، حتي ماء الغسلة التي يتعقبها طهارة المحل، كالغسلة الثانية

من البول. و لا يجوز استعماله في رفع الحدث و لا الخبث، بل هو منجّس لما يلاقيه.

(مسألة 21): ماء الاستنجاء و إن كان نجسا إلا أنه لا ينجّس ما يلاقيه بشروط:

الأوّل: عدم تعدي النجاسة المغسولة به عن موضع الغائط المعتاد عند الاستنجاء. و لا بأس بالتعدي القليل الذي يلزم من الانتقال من موضع التخلي لموضع الاستنجاء.

الثاني: عدم تغيره بالنجاسة المغسولة به.

الثالث: عدم حمله لعين النجاسة بوجه غير متعارف من الكثرة. و لا بأس بحمله لأجزاء صغيرة متميزة بالنحو المتعارف في الاستنجاء.

الرابع: أن لا تصيبه نجاسة من الخارج. بل الأحوط وجوبا اشتراط أن لا تصيبه نجاسة من الداخل، كالدم الخارج مع الغائط المغسول حال الاستنجاء.

نعم، لا بأس بإصابة اليد الغاسلة له المتنجسة بملاقاة النجاسة حين الاستنجاء، كما لا بأس بما يتعارف من إصابته لبعض أجزاء الطعام غير المهضوم الخارج مع الغائط و المتنجس به.

(مسألة 22): الأحوط وجوبا الاجتناب عن المكان الذي يستقر فيه ماء الاستنجاء كالطشت و المنخفض من الأرض، و ترتيب أحكام النجاسة عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 20

الفصل الرابع في الماء المشكوك

(مسألة 23): إذا تردد المائع بين أن يكون ماء مطلقا و غيره فلا مجال لترتيب أحكام الماء المطلق عليه، بل يتعين استعمال ما يعلم بكونه ماء مطلقا، و مع الانحصار بالماء المشتبه يجمع المكلف بين الوضوء أو الغسل به و التيمم، و بعد تيسر الماء المعلوم كونه مطلقا يعيد الوضوء أو الغسل.

(مسألة 24): إذا علم بأن أحد المائعين ماء مطلق كفي تكرار الوضوء أو الغسل بهما، بل وجب ذلك مع انحصار الماء بهما.

(مسألة 25): إذا شك في طهارة الماء بني علي طهارته. إلا أن يعلم بنجاسته سابقا و يشك في تطهيره فإنه يبني علي

نجاسته حينئذ.

(مسألة 26): إذا كان عند المكلف ماءان يعلم بنجاسة أحدهما و طهارة الآخر لم يجز استعمالهما في التطهير من الحدث، بل ينتقل للتيمم و الأولي إهراقهما قبل التيمم.

الفصل الخامس في الماء المضاف

الماء المضاف و غيره من المائعات لا تطهّر من الحدث و لا من الخبث و إذا لاقت نجسا تنجس و إن كانت كثيرة أو ذات مادة، نعم مع التدافع لا تسري النجاسة للمتدافع منه، كما سبق في الماء المطلق.

(مسألة 27): إذا تنجس المائع غير الماء المطلق لا يطهر باتصاله بالكرّ و غيره إلا أن يستهلك، نظير ما تقدم في المسألة (15) من فصل ماء المطر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 21

الفصل السادس في الأسئار

الأسئار كلها طاهرة إلا سور نجس العين، كالكلب و الخنزير. و يكره سؤر ما لا يحل أكل لحمه خصوصا الجلّال و آكل الجيف و الفأرة و الحية و العقرب و الوزغ و ولد الزنا، و المرأة الحائض و الجنب غير المأمونتين علي التطهير، بل مطلق الحائض خصوصا في الوضوء بسؤرهما، و لا بأس بسؤر الهرة.

(مسألة 28): يستحب سؤر المؤمن و هو شفاء، بل في النص الصحيح و غيره أنه شفاء من سبعين داء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 22

المقصد الثاني في أحكام الخلوة

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في أحكام التخلّي

يجب في حال التخلي بل في جميع الأحوال ستر العورة عن كل ناظر مميّز عدا الزوج و الزوجة فإنه يجوز كشف كل منهما عورته للآخر، و كذا المالك و مملوكته إذا حلّ له نكاحها. و كذا الأمة المحلّلة بالنسبة إلي من حلّلت له، إذا كان التحليل يتناول كشف العورة أو النظر إليها.

(مسألة 29): المراد بالعورة في الرجل القضيب و البيضتان و الدبر، و في المرأة القبل و الدبر.

(مسألة 30): المراد بستر العورة ستر بشرتها، و لا يضر ظهور الحجم، إلا أن يكون مثيرا للشهوة. و يكفي في الستر كل ما يمنع النظر حتي الظلمة.

(مسألة 31): المعيار في التمييز كون الشخص ممن يقبح التكشف أمامه عرفا، لكونه ممن يدرك قبح العورة.

(مسألة 32): يحرم النظر لعورة المؤمن. و كذا المخالف علي الأحوط وجوبا.

دون الكافر إذا كان مماثلا، فيجوز نظر الرجل لعورة الرجل الكافر، و نظر المرأة لعورة المرأة الكافرة، دون العكس. نعم لا بد أن لا يكون النظر إليها مثيرا للشهوة فإن كان مثيرا كان محرّما.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 23

(مسألة 33): يجوز النظر لعورة الطفل ما لم يبلغ مرتبة يقبح عرفا في حقه أن ينظر إليه بحيث يكون توهينا عليه منافيا لكرامته فيجري عليه حكم الكبير.

(مسألة 34): إذا احتمل وجود الناظر فالأحوط وجوبا التحفظ و الاحتراز من أن ينظر إلي العورة.

(مسألة 35): لا يجوز النظر لعورة الغير من وراء الزجاجة و نحوها كالماء الصافي. بل الأحوط وجوبا ترك النظر إلي صورتها المنعكسة في المرآة و نحوها.

(مسألة 36): إذا اضطر لكشف العورة أمام الغير للتداوي أو غيره فاللازم ترجيح المماثل علي غيره مع الإمكان. و كذا فيما لو اضطر للنظر إلي عورة

الغير، فإنه يلزم ترجيح النظر لعورة المماثل مع الإمكان.

(مسألة 37): إذا دار الأمر بين النظر للعورة و النظر لصورتها المنعكسة في المرآة و نحوها لزم اختيار الثاني.

(مسألة 38): المشهور حرمة استقبال القبلة و استدبارها حال التخلي و التبول.

لكن الظاهر الكراهة. و لا ينبغي للمؤمن ارتكاب ذلك. و في الصحيح عن الإمام الرضا عليه السلام: «من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتي يغفر له».

(مسألة 39): لا يجوز قضاء الحاجة في الأماكن العامة الموقوفة لذلك ما لم يحرز المكلف شمول الوقف له. و يكفي إخبار المتولي أو من يقوم مقامه في إدارة شؤون المكان بالشمول. و كذا ظهور حالهما في ذلك.

(مسألة 40): الأحوط وجوبا عدم التخلي في المواضع التي توجب مزاحمة صاحب الحق و الإضرار به، كالتخلّي في الطرق إذا زاحم المارة أو أضرّ بهم، و في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 24

أبواب الدور إذا زاحم صاحب الدار في دخوله إليها و خروجه منها أو أضرّ به.

الفصل الثاني في الاستنجاء

(مسألة 41): لا يجزئ في التطهير من البول إلا الماء. و يجب صب الماء علي الموضع الذي يصيبه البول مرّتين. و لا يجب الدلك إلا مع تلوّث الموضع بمادة غليظة متنجسة بالبول لا تزول بالصب، كالوذي و المذي.

(مسألة 42): يتخير في الاستنجاء من الغائط بين غسله بالماء و المسح بالأحجار أو الخرق أو نحوهما مما يزيل عين النجاسة. و الغسل بالماء أفضل.

و الأولي الجمع بتقديم المسح بالأحجار و نحوها ثم اتباعه بالغسل بالماء.

(مسألة 43): إنما يجزئ المسح بالأحجار و نحوها بشرطين:

الأوّل: عدم تعدي الغائط عن المخرج بمقدار خارج عن المتعارف.

الثاني: عدم خروج نجاسة أخري مع الغائط- كالدم-

بحيث يتنجس الموضع بها.

(مسألة 44): إذا زالت عين النجاسة بالمسح بأقل من ثلاثة أحجار أو نحوها فالأحوط وجوبا إكمالها حتّي تبلغ ثلاثة أحجار أو نحوها.

(مسألة 45): المسح بالحجر النجس إن أوجب تنجّس الموضع به- لوجود الرطوبة المسرية- لم يجز في الاستنجاء، بل لا بدّ بعد ذلك من الاستنجاء بالماء و لا يجزئ الحجر الطاهر، و إن لم يوجب تنجس الموضع فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء به لكن يكفي المسح بالحجر الطاهر بعده.

(مسألة 46): الأحوط وجوبا عدم الاستنجاء بالعظم و الروث. لكن لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 25

استنجي المكلف بهما أثم و طهر المحل.

(مسألة 47): يجب في الغسل بالماء إزالة عين الغائط و أثره، و هو الأجزاء الدقيقة و المادة الغروية المصاحبة له، و لا يجب إزالة اللون و لا الرائحة لو فرض تخلفهما. و أما مع المسح فيكفي إزالة العين دون الأثر و نحوه مما من شأنه أن لا يزول بالمسح.

الفصل الثالث في آداب التخلي

يستحب للمتخلي- علي ما تضمنته- النصوص الشريفة و ذكره علماء الطائفة (رضوان اللّه عليهم)- أن يكون بحيث لا يراه الناظر- و لو بالابتعاد عنه- و تغطية الرأس و أفضل منه التقنع- كما يستحب له التسمية عند دخول بيت الخلاء و عند التكشف و عند الخروج من بيت الخلاء و الدعاء بالمأثور، ففي النص الصحيح:

«إذا دخلت المخرج فقل: بسم اللّه اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم، فإذا خرجت فقل: بسم اللّه الحمد للّه الذي عافاني من الخبيث المخبث و أماط عني الأذي». كما يستحب تقديم الرجل اليسري عند الدخول و اليمني عند الخروج. و أن يتكئ حال الجلوس علي رجله اليسري و يفرج اليمني.

و يكره التخلي في الشوارع، و

مشارع المياه، و نحوها من الأماكن التي يستقي منها الماء، و تحت الأشجار المثمرة، و أبواب الدور إذا لم يزاحم أصحابها و إلا كان الأحوط وجوبا تركه، كما تقدم. و المواضع المعدّة لنزول القوافل، و قبلة المسجد و أفنيتها و هو ما اتسع أمامها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 26

كما يكره أن يستقبل الشمس و القمر بفرجه، خصوصا حال البول. و أن يستقبل الريح ببوله. بل يكره استقبال الريح و استدبارها في حال التخلي و البول معا، و البول في الأرض الصلبة و نحوها مما يوجب التعرض لنضح البول علي البدن. و البول في ثقوب الحيوانات، و في الماء، خصوصا الراكد.

كما يكره حال الجلوس للتخلي الكلام بغير ذكر اللّه تعالي و الأكل و الشرب و السوالك، و الاستنجاء باليمين، و أن يكون في اليد التي يستنجي بها خاتم فيه اسم اللّه تعالي، بل يكره استصحاب الخاتم الذي فيه اسمه تعالي أو شي ء من القرآن إلي غير ذلك مما ذكروه.

الفصل الرابع في الاستبراء

يستحب للرجل إذا بال أن يستبرئ من البول بتنقية المجري مما تبقي فيه من البول. و الأحوط الأولي في كيفيته: أن يمسح بشي ء من الضغط من المقعدة إلي أصل الذكر ثلاثا ثم يعصر أصل الذكر إلي طرفه- و يستحلب ما فيه من البول- ثلاثا، ثم ينتر طرف الذكر ثلاثا.

(مسألة 48): إذا خرج من المكلف بعد البول بلل مشتبه مردد بين البول و غيره من المواد الطاهرة كالمذي، فإن كان قد استبرأ بني علي طهارته و عدم انتقاض وضوئه به لو كان قد توضأ، و إن لم يكن قد استبرأ بني علي نجاسته و انتقاض وضوئه به.

(مسألة 49): يلحق بالاستبراء في الفائدة المذكورة ما إذا علم

بنقاء المجري من البول لعصر أو حركة أو طول مدة أو غيرها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 27

(مسألة 50): إذا شك من لم يستبرئ في خروج البلل منه بني علي عدمه، و علي طهارة المخرج إن كان قد طهّره و علي عدم انتقاض وضوئه إن كان قد توضأ.

(مسألة 51): إذا علم من لم يستبرئ بخروج المذي و نحوه من المواد الطاهرة و شك في خروج البول معه بني علي عدم خروجه، و علي طهارة البلل الخارج، و عدم انتقاض الوضوء به لو كان قد توضأ.

فما سبق من البناء علي النجاسة و انتقاض الوضوء مختص بما إذا لم يعلم بنوع البلل الخارج، دون ما إذا علم بأنه من النوع الطاهر و شك في خروج البول معه.

(مسألة 52): إذا شك المكلف في أنه هل استبرأ أو لم يستبرئ بني علي أنه لم يستبرئ حتّي لو كان من عادته أن يستبرئ، إلا أن يكون منشأ الشك الوسواس.

و كذا لو شك في أنه استنجي أو لا، فإنه يبني علي أنه لم يستنج حتّي لو كان من عادته أن يستنجي، إلا مع الوسواس أيضا.

(مسألة 53): إذا استبرأ أو استنجي ثم شك في وقوع الاستبراء أو الاستنجاء علي الوجه الصحيح بني علي الصحة.

(مسألة 54): لا استبراء علي المرأة، و البلل الخارج منها محكوم بالطهارة فلا يجب الوضوء منه إلا أن يعلم باشتماله علي البول. نعم الأولي لها أن تصبر قليلا و تتنحنح ثم تعصر موضع البول عرضا و تستنجي بعد ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 28

المقصد الثالث في الوضوء

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في نواقض الوضوء

ينتقض الوضوء و يصير الإنسان محدثا بأمور:

الأوّل و الثاني: خروج البول و الغائط من القبل و الدبر. و الأحوط وجوبا عموم الحكم لخروجهما من غير الموضعين، سواء كان خروجهما منه معتادا بسبب طارئ أم من غير اعتياد إذا كان يصدق علي الخارج أنه بول أو غائط.

و المعيار علي خروجهما عن حدّ الجسم و إن كان محبوسا بصوندة- انبوبة- أو كيس أو نحوهما.

الثالث: خروج الريح من الدبر. و الأحوط وجوبا عموم الحكم لما يخرج من غيره إذا كان من شأنه أن يخرج من الدبر. و لا عبرة بما يخرج من القبل و لو مع الاعتياد.

الرابع: النوم الغالب علي العقل. سواء حصل حال القيام أم القعود أم الاضطجاع. و لو شك في تحققه بني علي ذلك مع غلبته علي السمع.

الخامس: كل ما غلب علي العقل من جنون أو إغماء أو سكر أو غيرها علي الأحوط وجوبا.

السادس: الاستحاضة، علي تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 29

(مسألة 55): خروج ماء الاحتقان لا ينقض الوضوء و كذا خروج الدم أو القيح أو نحوهما إلا أن يعلم أن معه شيئا من البول أو الغائط.

(مسألة 56): لا ينتقض الوضوء بالمذي أو الودي أو الوذي. قيل: و الأول ما يخرج بعد الملاعبة، و الثاني ما يخرج بعد البول، و الثالث ما يخرج بعد المني.

و لا يهم تحديدها بعد انحصار الناقض بما سبق.

(مسألة 57): إذا شك في حصول أحد النواقض المتقدمة بني علي عدمه.

و كذا لو علم بخروج شي ء من السبيلين و تردد بين الناقض و غيره فإنه يبني علي عدم خروج الناقض إلا في خروج البلل المشتبه مع عدم الاستبراء علي ما

تقدم في الفصل الرابع من أحكام الخلوة.

الفصل الثاني في أجزاء الوضوء

الوضوء عبارة عن غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين فيقع الكلام في أمور:

الأوّل: يجب غسل الوجه، و حدّه طولا ما بين قصاص الشعر و أسفل الوجه- و هو طرف الذقن- و عرضا ما دارت عليه الإبهام و الإصبع الوسطي. و الأحوط وجوبا غسل شي ء مما خرج عن الحد لإحراز استيعاب الغسل لما دخل في الحد.

(مسألة 58): الأحوط وجوبا الابتداء من أعلي الوجه نازلا إلي أسفله، و عدم الاجتزاء بالغسل منكوسا. نعم لا يجب التدقيق في ذلك، بل يكتفي بصدق الغسل من الأعلي للأسفل عرفا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 30

(مسألة 59): غير مستوي الخلقة لكبر الوجه أو لصغره أو لطول الأصابع أو قصرها يرجع إلي متعارف الخلقة، فيغسل من جوانب الوجه ما يغسله متعارف الخلقة. و كذا الأغم الذي ينبت الشعر علي جبهته و الأصلع، فإنهما يغسلان طولا ما يغسله متعارف الخلقة.

(مسألة 60): إذا أحاط الشعر بموضع من البشرة و سترها- كاللحية و الشارب و الحاجبين- لم يجب البحث عن البشرة و إيصال الماء إليها، بل يكفي جريان الماء علي الشعر الظاهر. و إذا كان الشعر غير ساتر للبشرة- كالشعرات المتفرقة و الشعر الرقيق- لم يجب غسله و وجب غسل البشرة لا غير، فلو كان علي الشعر المذكور حاجب يمنع من وصول الماء إليه و لا يمنع من وصول الماء للبشرة لم يجب رفعه و لا إزالة الشعر المذكور.

(مسألة 61): إنّما يجب غسل الظاهر، الذي يصله الماء بإجرائه عليه- و لو بمعونة اليد و نحوها- من دون حاجة إلي بحث و عناية، و لا يجب غسل الباطن كباطن الأنف و الفم، و كذا مثل

ثقبة الأنف التي تجعل فيها الحلقة إلا أن تكون ظاهرة يصلها الماء بإجرائه و بإمرار اليد من دون عناية، و كذا لا يجب غسل باطن العين و مطبق الجفنين و الشفتين. هذا و لو شك في شي ء أنه من الظاهر أو من الباطن وجب غسله.

(مسألة 62): الشعر النابت خارج الحد إذا تدلّي علي ما دخل في الحد لا يجب غسله، بل يجب غسل ما تحته لا غير. كما أن الشعر النابت في الحد إذا استرسل و خرج عن الحد- كشعر اللحية- لم يجب غسل المقدار الخارج منه عن الحد، و أما الداخل في الحد فإن ستر البشرة وجب غسله، و إن لم يسترها وجب غسل البشرة علي ما تقدم في المسألة (60).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 31

(مسألة 63): يجب التأكد من استيعاب الوجه بالغسل بملاحظة الأماكن التي قد تتعرض لوجود الحاجب المانع من وصول الماء للبشرة كأطراف العينين التي قد يتجمع فيها من آثار الدمع ما يكون مانعا فيجب إزالته، و كذا كلما شك في وجود المانع أو علم بوجود شي ء و شك في مانعيته فإنه يجب الفحص عنه و العلم بإيصال الماء للبشرة في موضعه.

(مسألة 64): تجب إزالة الصبغ و الدهن و نحوهما مما يوضع للزينة أو التداوي أو غيرهما إن كان له جرم يمنع من وصول الماء للبشرة، و إن لم يكن كذلك للطافته و رقّته أو لنفوذ الماء فيه لا يجب إزالته، بل يجتزأ بالغسل مع بقائه.

و كذا الحال في الوسخ.

الثاني: يجب غسل اليدين من المرفقين إلي أطراف الأصابع. و المراد بالمرفق هو مجمع عظمي الذراع و العضد، و يجب إدخاله في المغسول.

(مسألة 65): يجب في الغسل الابتداء من المرفقين

نازلا إلي أطراف الأصابع بحيث يحصل الترتيب بالنحو المذكور عرفا، و لا يجوز النكس.

(مسألة 66): إذا قطعت اليد فإن بقي منها شي ء مما يجب غسله قبل القطع وجب غسله، و إن لم يبق منه شي ء فالأحوط وجوبا غسل ما بقي من العضد، و إن قطعت من الكتف سقط غسلها.

(مسألة 67): يجب غسل الزوائد النابتة دون المرفق مما يعدّ من توابع اليد كالإصبع و اللحمة الزائدتين. و كذا الحال في ما يقطع من اليد أو الوجه إذا بقي معلّقا بجلدة، فإنه يجب غسله، و لا يجب فصله.

(مسألة 68): الشقوق التي في اليد إن كانت معدودة من الظاهر وجب غسلها و إلا لم يجب، و كذا ما تحت الأظفار. و قد تقدم المعيار في الظاهر و الباطن في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 32

المسألة (61) من غسل الوجه. كما تقدم في المسألة (63) و (64) حكم المانع و الطلاء و نحوه.

(مسألة 69): لا يجب الدلك في غسل الوضوء، بل يكفي وصول الماء و استيعابه للبشرة بنحو الترتيب المتقدم. فيكفي جعل العضو تحت الحنفية و نيّة الوضوء بجريان الماء من الأعلي للأسفل، كما يكفي جعله تحت المطر كذلك إذا استوعب العضو بتمامه و جري الماء عليه بنحو الترتيب المتقدم.

(مسألة 70): يكفي غسل العضو بنحو الارتماس إما برمس العضو من الأعلي إلي الأسفل، أو برمسه بتمامه من دون نية الوضوء، و تبدأ نيّة الوضوء بنحو الترتيب بأحد وجهين:

الأوّل: بجريان الماء باتجاهه، فإذا كان اتجاه جريان النهر من الشمال إلي الجنوب وضع مبدأ العضو المغسول باتجاه الشمال و آخره باتجاه الجنوب و نوي الوضوء بجريان الماء عليه من أوله لآخره و انتظر حتّي يمر الماء من أول العضو لآخره

تدريجا.

الثاني: بتحريك العضو في الماء بنحو يمر الماء من أوله لآخره تدريجا.

و كذا بإخراج العضو من الماء تدريجا فيدخل اليد مثلا ثم يخرجها من المرفق إلي أطراف الأصابع تدريجا ناويا الوضوء بالإخراج.

نعم، يشكل المسح باليد المغسولة بإجراء الماء أو برمسها، علي ما يأتي في المسألة (73) بيانه إن شاء اللّه تعالي.

الثالث: يجب مسح مقدم الرأس. و حدّه طولا من أعلي الرأس إلي قصاص الشعر و عرضا ما يوازي الجبهة.

(مسألة 71): المقدار الذي يجب مسحه من المقدم هو المسمي، فيكفي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 33

المسح بإصبع واحدة قليلا. نعم الأحوط استحبابا أن يكون بعرض ثلاث أصابع و طول إصبع.

(مسألة 72): الأحوط وجوبا المسح بباطن الكف اليمني، فلو تعذّر فالأحوط وجوبا المسح بظاهرها، فإن تعذّر فالأحوط وجوبا المسح بباطن الذراع، فإن تعذّر فبظاهره. و مع تعذّر المسح باليمني يمسح باليسري علي الترتيب المتقدم.

(مسألة 73): يجب المسح بما تبقي في اليد من بلّة غسل الوضوء، و لا يجوز أخذ ماء جديد و المسح به. كما أن الأحوط وجوبا عدم اختلاط بلة اليد بغير ماء الوضوء بحيث يكون المسح بهما معا. بل الأحوط وجوبا أيضا عدم اختلاط بلّة اليد بماء بقية الأعضاء بعد إكمال الغسل الوضوئي. نعم لا بأس بما هو المتعارف من الاستمرار في غسل اليسري للاحتياط أو لتعوّد ذلك و إن استلزم اختلاط مائها بماء اليمني.

و يترتب علي ذلك أمران:

الأول: أن لا يكون علي موضع المسح بلل كثير يختلط ببلة اليد بحيث يكون المسح عرفا بالبلّتين معا. نعم لا بأس بالبلل القليل الذي يستهلك في بلة اليد، بحيث يكون المسح عرفا ببلّة اليد وحدها. و أولي بالجواز من ذلك ما إذا كان علي موضع المسح

رطوبة غير مسرية.

الثاني: أنه إذا كان غسل اليدين بإجراء الماء عليهما أو برمسهما في الماء فالغالب كثرة الماء الجاري بعد إكمال غسل اليد، أو نزول الماء من الذراعين للكفين حين إخراج اليد من الماء بعد رمسها فيه، و حينئذ يشكل المسح باليد لعدم كون بلّتها من ماء الوضوء و حدّه.

و من هنا يتعيّن لمن يتوضأ بإجراء الماء علي العضو أو برمس العضو في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 34

الماء أن يستثني قسما من اليد اليسري فلا ينوي وضوءها بذلك، بل يستعين باليد اليمني لإكمال غسلها. فإن تعذّر ذلك- لشلل أو عضب أو نحوهما- تحفّظ من كثرة الماء عند الوصول للكفين، فلا ينوي غسلهما بإجراء الماء عليهما أو باخراجهما من الماء بعد الرمس، بل ينوي غسلهما بعد ذلك بماء قليل و لو بأن يبل قطعة من القماش و ينوي غسل الكف بإمراره عليها. و بذلك يرتفع الإشكال الذي أشرنا إليه في آخر المسألة (70).

(مسألة 74): لو جفّ ما علي اليد من البلل لعذر- من نسيان أو حرارة الهواء أو غيرهما- أخذ من بلة الوضوء في اللحية أو أشفار العين أو الحاجبين أو غيرها من مواضع تجمّع البلل، و لا بأس بالأخذ من اللحية حتّي ما خرج منها عن الحد، كجانبي العارضين و ما نزل عن الذقن.

(مسألة 75): لو كانت وظيفته المسح بباطن الكف مثلا فجفّ ما عليه من البلل و بقي البلل علي ظاهر الكف فالأحوط وجوبا الجمع بين المسح بظاهر الكف و أخذ البلل من بقية أعضاء الوضوء بباطنها و المسح به. و كذا الحال في بقية المراتب المتقدمة في المسألة الخامسة عشرة، فمع جفاف البلل في ما هو متقدم رتبة دون المتأخر يجمع

المكلف بين المسح بالمتأخر رتبة و أخذ البلل من بقية أعضاء الوضوء بباطن الكف و المسح به.

(مسألة 76): لو تعذّر حفظ بلّة الوضوء للمسح لحر أو نحوه فالأحوط وجوبا الجمع بين المسح بماء جديد و التيمم.

(مسألة 77): يجوز المسح بأي وجه اتفق و لو منكوسا أو منحرفا أو عرضا.

(مسألة 78): يجوز المسح علي الشعر النابت في مقدّم الرأس لكن لا بد من كون الموضع الممسوح منه هو ما لم يخرج عن المقدّم، إما لكونه قصيرا لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 35

يخرج عن المقدّم، أو لكونه طويلا مع كون المسح علي أصوله غير الخارجة عن المقدّم، أو مع التفافه و تجعده بحيث يكون مقتضي طبعه عدم خروجه عن المقدّم حتّي لو أمكن خروج موضع المسح عن المقدّم بجرّة و مدّه بعناية.

نعم لا يجوز المسح علي أطراف الشعر الخارجة عن المقدّم. بل الأحوط وجوبا عدم المسح عليها حتّي لو أرجعت إلي المقدم و قلبت عليه إذا لم يكن ذلك مقتضي وضعها الطبيعي.

(مسألة 79): لا يجوز المسح علي الحائل و إن كان رقيقا لا يمنع من وصول البلل لما تحته، و مع تعذر رفعه فالأحوط وجوبا المسح عليه و ضمّ التيمم.

الرابع: يجب مسح ظاهر القدمين من أطراف الأصابع إلي الكعبين. و هما قبتا القدمين، و إن كان الأحوط استحبابا المسح إلي مفصل الساق. و يجزئ المسمي عرضا و لو بقدر إصبع أو دونه. و يستحب المسح بتمام الكف.

(مسألة 80): الأحوط وجوبا مسح اليمني باليمني و اليسري باليسري، مع تقديم اليمني علي اليسري.

(مسألة 81): المقطوع منه بعض القدم يمسح الباقي مما دخل في الحد، و لو قطع من الكعب فالأحوط وجوبا مسح ما بقي من ظهر القدم.

(مسألة

82): يكفي المسح بإمرار اليد علي القدم بالنحو المتعارف من دون حاجة للتدقيق و إحراز وصول البلة للمواضع المتعرجة أو لما تحت الشعر.

(مسألة 83): لا يجوز المسح علي الحائل إلا لبرد أو تقية من المخالفين أو نحوهما من موارد الضرورة.

(مسألة 84): يكفي في التقية الخوف علي النفس أو المؤمنين من الضرر، بل يكفي فيها التحبب للمخالفين و حسن معاشرتهم و مخالطتهم تجنبا لشرهم و لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 36

بلحاظ الأمد البعيد. نعم لا تشرع لمحض التزلف، كما إذا علموا مذهب أهل الحق في المسألة و علموا بأن المكلّف منهم و لم يكن من حالهم طلب متابعته لهم و ترك ما يقتضيه مذهبه، فإنه لا تجزئ متابعتهم حينئذ بل قد تحرم تكليفا، لما فيها من توهين مذهب أهل الحق.

(مسألة 85): إذا أمكن المكلف في مورد التقية أن يوهم من يتقي منه العمل علي طبق التقية، مع إتيانه بالعمل التام في الواقع وجب ذلك، و لم يجزئه العمل علي مقتضي التقية إذا التفت لذلك.

(مسألة 86): إذا دار الأمر في التقية بين المسح علي الحائل و غسل الرجلين اختار الثاني. لكن لو غفل المكلف عن ذلك و تخيل انحصار التقية بالمسح علي الحائل فمسح عليه أجزأه.

(مسألة 87): إذا غفل عن تحقق موضوع التقية فخالفها و أتي بالعمل التام صح وضوءه، و كذا إذا التفت لذلك و كانت التقية غير واجبة باعتقاده. نعم إذا اعتقد وجوبها و تعمّد مخالفتها عصيانا بطل وضوؤه.

(مسألة 88): يجوز مسح الرجلين تدريجا بأن يضع كفه علي الأصابع و يجرّها إلي الكعبين، كما يجوز دفعة بأن يضع كفه ابتداء علي تمام موضع المسح من القدم ثم يجرّها قليلا، لكن الأولي الأول.

(مسألة 89):

يجوز النكس في مسح الرجلين بأن يبتدئ من الكعب و ينتهي بأطراف الأصابع. و أما المسح عرضا- بأن يضع كفه علي تمام موضع المسح ابتداء و يمسحها إلي اليمين أو اليسار- فلا يخلو عن إشكال فالأحوط وجوبا تركه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 37

الفصل الثالث في شروط الوضوء

يشترط في الوضوء أمور:

الأول: إطلاق الماء، و قد تقدم توضيحه في أول كتاب الطهارة.

الثاني: طهارة الماء.

(مسألة 90): إذا كان العضو الوضوئي نجسا فإن كان الماء قليلا غير معتصم لم يمكن غسل ذلك العضو به للوضوء إلا بعد تطهيره من النجاسة، لأنّه ينجس الماء القليل بصبه عليه، فلا يصلح لأن يتوضأ به، و إن كان الماء معتصما- لكونه كرا أو له مادة- أمكن تطهير العضو من النجاسة و الوضوء به دفعة واحدة، فلو وضع العضو النجس تحت ماء الإسالة مثلا و نوي الوضوء بذلك طهر العضو و تحقق الوضوء، نعم الأحوط استحبابا تطهيره أولا، ثم غسله للوضوء بعد ذلك.

الثالث: عدم استعمال الماء في رفع الحدث الأكبر، علي تفصيل تقدم في الفصل الثالث من مقصد الماء و أحكامه.

الرابع: النية، و هي تتقوم بأمرين:

أحدهما: قصد الوضوء بالغسل و المسح، فلو غسل الأعضاء أو مسحها من دون أن ينوي الوضوء لم يتحقق الوضوء.

(مسألة 91): يكفي نية الوضوء إجمالا، فلو أراد شخص بأن يتعلم الصلاة مثلا فرأي رجلا يتوضأ و يصلي ففعل مثله ناويا متابعته في ما فعل صح منه الوضوء و إن لم ينو الوضوء بعنوانه لجهله به، لأن نية المتابعة ترجع إلي نية الوضوء إجمالا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 38

ثانيهما: قصد التقرب للّه تعالي بالوضوء، بحيث يكون الداعي للوضوء هو التقرب. و لازم ذلك عدم وقوعه بوجه محرّم إذا التفت المكلف

إلي ذلك، و له صور:

الاولي: أن يكون الوضوء استعمالا لإناء الذهب أو الفضة لما يأتي في مبحث الأواني من حرمة استعمال الإناء المتخذ منهما.

الثانية: أن يلزم من الوضوء التصرف في المغصوب، إما لكون الماء أو إنائه مغصوبا، أو لكون المكان أو الفضاء الذي يقع فيه الوضوء مغصوبا، أو لزم جريان الماء في مكان أو طشت مغصوب أو كان ثوب المتوضي مغصوبا بحيث يلزم من الوضوء تحركه و التصرف فيه أو غير ذلك.

الثالثة: أن يلزم من الوضوء الوقوع في ضرر يحرم إيقاع النفس فيه. و كذا لو وجب حفظ الماء لخوف عطش مضر بنفس محترمة يجب المحافظة عليها، إلي غير ذلك من صور وقوع الوضوء بوجه محرّم. فإن الوضوء يبطل لامتناع قصد التقرب بما هو محرّم.

نعم، لو غفل عن حرمة التصرف اللازم من الوضوء- و لو للتقصير في الفحص عن الحكم الشرعي- و تحقق منه قصد التقرب صح الوضوء. و هذا جار في جميع العبادات التي يعتبر فيها قصد التقرب، كما يأتي الإشارة إليه عند التعرض لكل منها إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 92): إذا كان قصد الوضوء مستلزما للعزم علي فعل الحرام امتنع التقرب به و بطل، كما لو توضأ في مكان مباح يلزم من إكمال الوضوء فيه الخروج من طريق مغصوب يحرم العبور فيه فشرع في الوضوء ملتفتا لذلك.

و هذا يجري في جميع العبادات.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 39

(مسألة 93): المراد من التصرف في المغصوب كل تصرف مناف لحق الغير ممن هو محترم شرعا، و له صور:

الاولي: أن يكون الغير مالكا للعين التي يقع التصرف فيها و لو بأن يكون شريكا فيها.

الثانية: أن يكون الغير مالكا لمنفعتها، كما لو كان مستأجرا للدار التي

يقع التصرف فيها.

الثالثة: أن يتعلق له حق فيها يكون التصرف منافيا له، كالعين المرهونة للغير حيث لا يجوز التصرف فيها بدون رضاه، و كتركة الميت المدين التي يتعلق بها حق الدائنين، و كذا تركة الميت التي تعلقت بها وصيته، حيث لا يجوز التصرف فيها قبل إنفاذ الوصية إلا بإذن الوصي. و كالمال المتعلّق للخمس و الزكاة، حيث لا يجوز التصرف فيه إلا علي تفصيل مذكور في كتابي الزكاة و الخمس، و منه التصرف في الأوقاف علي خلاف مقتضي وقفيتها، إلي غير ذلك مما يمنع من سلطنة المكلف علي التصرف.

(مسألة 94): إذا كان التصرف منافيا لحق الغير لم يحق التصرف إلا بإذنه- الصريح أو المعلوم من ظاهر حاله- أو العلم من حاله أنه لو علم بالتصرف لرضي به. هذا إذا كان مستقلا بالتصرف أما إذا كان قاصرا لصغر أو جنون أو غيرهما فاللازم مراجعة وليّه الشرعي.

(مسألة 95): لو شك في إذن صاحب الحق أو رضاه لم يحلّ التصرف له، و كذا إذا شك المكلف في دخوله في الموقوف عليهم، علي ما تقدم في المسألة الحادية عشرة من فصل أحكام التخلي.

(مسألة 96): يجوز الوضوء و الصلاة و غيرهما تحت السقف المغصوب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 40

و الخيمة المغصوبة إذا لم يكن الفضاء الذي تحتها مغصوبا، فمن غصب خيمة و نصبها في الصحراء مثلا فعل محرّما، و لكن يصح وضوؤه و صلاته تحتها. نعم إذا نصب شخص خيمة في الصحراء صار له أولوية التصرف في المكان الذي تشغله و إن لم يملكه، فلا يجوز لغيره الانتفاع بالمكان و التصرف فيه بالوضوء و غيره بغير إذنه و رضاه.

(مسألة 97): إذا توضأ في المكان المغصوب ملتفتا لحرمة عمله

بطل وضوؤه، و لا ينفع في صحته إرضاء المالك بعد ذلك و تحليله من تبعة التصرف.

(مسألة 98): يجوز التصرف- بمثل الوضوء و الصلاة- في الأراضي المكشوفة المعرّضة لمرور عامة الناس. و كذا يجوز استعمال المياه المكشوفة المعرّضة لاستعمال عامة الناس و إن لم يحرز رضا المالك في الجميع.

(مسألة 99): إذا كان ماء المسجد مثلا وقفا علي المصلين فيه حرم الوضوء منه بدون نية الصلاة فيه، و لو توضأ كذلك بطل وضوؤه مع التفاته لحرمة ذلك و لا ينفع في تصحيحه أن يصلي في ذلك المسجد، و لو توضأ بنية الصلاة في ذلك المسجد صح وضوؤه، و لو بدا له بعد الفراغ من الوضوء أن لا يصلي فيه لم يجب عليه الصلاة فيه و لم يبطل وضوؤه. و كذا لو توضأ غفلة عن وقفيته بالنحو المذكور أو غفلة عن حرمة الوضوء في هذا الحال فإنه يصح وضوؤه و لا يجب عليه الصلاة في ذلك المسجد لو علم بالحال بعد الوضوء.

(مسألة 100): إذا اعتقد المكلف حرمة التصرف بالماء أو في المكان فتوضأ به بطل وضوؤه، و ليس له الاجتزاء به حتّي لو ظهر له بعد ذلك عدم حرمة التصرف. و كذا الحال لو شك في الحرمة و لم يكن له مسوّغ شرعي للعمل، كما لو شك في رضا المالك بالتصرف، فإن وضوءه بطل حتّي لو انكشف بعد ذلك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 41

رضا المالك بتصرفه.

(مسألة 101): لا بد من الخلوص في النية، فلو قصد الرياء وحده أو مع التقرب للّه تعالي بطل العمل. و المراد بالرياء المحرم أو المبطل هو أن يعمل المكلف من أجل أن يراه الناس متديّنا، و ترتفع منزلته الدينية عندهم. نعم

إذا كان الغرض من ذلك دفع شرهم و إضرارهم به و اعتدائهم عليه ظلما فلا بأس به.

(مسألة 102): إذا أتي بالعمل بنيّة القربة خالصة من دون رياء، ثم خطر في باله أن ذلك يرفعه عند الناس لم يضر ذلك في صحة العمل بعد أن لم يكن عمله من أجل ذلك، بل قد يكون ذلك من وساوس الشيطان ليصدّه عن العمل، فليتعوّذ منه و ليستمر في عمله.

(مسألة 103): لا يضر في التقرب نية الضمائم الراجحة شرعا كإرضاء الوالدين بالعمل و استجلاب دعائهما أو دعاء المؤمنين، و تعليم الجاهلين، بل ذلك يؤكد التقرب. كما لا يضر أيضا نية الضمائم المباحة كالتبرد.

(مسألة 104): لا يعتبر نية الوجوب و لا الندب و لا نية رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو غيرها.

(مسألة 105): لا يجب في النية التلفظ بمؤداها، بل موقعها النفس. كما أنها لا تحتاج إلي تكلف و استحضار، بل يكفي حصولها بمقتضي طبع المكلف و ارتكازه، بحيث لو سئل لأجاب بأني أريد الوضوء قربة للّه تعالي. و كذا في سائر العبادات.

الخامس: من شروط الوضوء مباشرة المتوضي للغسل و المسح. فلو وضأه غيره بطل. إلا مع تعذّر المباشرة عليه، فيجتزئ بذلك. و الذي يتولي النية حينئذ هو المتوضي لا الموضّئ. و إن كان الأحوط استحبابا ضم نيته إليه أيضا. كما أنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 42

لا بد من تسبيب المتوضي لفعل الغير بأن يطلبه منه، أو تمكينه من أن يوضأه، ليتسنّي له قصد الوضوء و تقربه به.

السادس: الموالاة، و هي التتابع بين أجزاء الوضوء، بمعني عدم الفصل بنحو يلزم جفاف تمام السابق قبل البدء باللاحق فلو جفّ لقلّة الماء أو لحرارة الهواء أو نحوهما من دون فصل

عرفي لم يضر. و لا يضر المشي و الكلام و نحوهما في الأثناء مع عدم الجفاف.

(مسألة 106): الأحوط وجوبا عدم الاكتفاء ببقاء الرطوبة في ما خرج عن الحد من اللحية أو غيرها. و كذا بقاء الرطوبة في الباطن الذي لا يجب غسله و إن دخل في الحد كباطن اللحية.

(مسألة 107): لو استأنف الوضوء قبل فوات الموالاة صح الوضوء المستأنف.

و كذا لو استأنفه احتياطا لاحتمال فوت الموالاة.

(مسألة 108): لو شك في فوت الموالاة لاحتمال الجفاف بني علي عدمه، و اجتزأ بإتمام وضوئه.

السابع: الترتيب بين الأعضاء فيغسل الوجه أولا ثم اليد اليمني ثم اليد اليسري ثم يمسح الرأس ثم الرجلين. و الأحوط وجوبا تقديم مسح اليمني علي مسح اليسري. و كذا يجب الترتيب في كل عضو مغسول بالبدء بالأعلي فالأعلي، علي ما تقدم في فصل أجزاء الوضوء.

(مسألة 109): لو أخل بالترتيب فمع عدم فوت الموالاة يكتفي بإعادة ما قدّمه علي ما يحصل معه الترتيب و إلا استأنف الوضوء، مثلا لو غسل وجهه و غسل اليد اليسري فإن بقي بلل علي وجهه كفاه غسل اليد اليمني ثم يعيد غسل اليسري و يتم وضوءه، و إن جفّ وجهه استأنف الوضوء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 43

(مسألة 110): لو أخلّ ببعض العضو جري فيه ما سبق، فمع عدم فوت الموالاة يتم غسل العضو علي الترتيب المتقدم من غسل الأعلي فالأعلي ثم يتم وضوءه، و مع فوتها يستأنف الوضوء و لا يكتفي بتدارك خصوص الجزء الذي أخل به علي الأحوط وجوبا.

الفصل الرابع في الجبائر

من كان علي بعض أعضاء وضوئه جبيرة فإن أمكنه و لم يضرّه الوضوء الاختياري- بأجزائه و شرائطه السابقة- وجب، كما لو أمكن نزع الجبيرة أو إجراء الماء تحتها بنحو

يحصل الغسل تدريجا. و لو تعذّر ذلك لكن أمكن إيصال الماء لما تحت الجبيرة- و لو بغمسها في الماء حتي ينفذ للجلد- وجب أيضا و أجزأه و إن لم يحصل به الترتيب المعتبر في الغسل. بل يكفي ذلك في مواضع المسح- كالرجلين- و إن لم يتحقق به المسح الواجب حال الاختيار. أما مع تعذّر إيصال الماء للبشرة فيكفي المسح علي الجبيرة.

(مسألة 111): لا فرق في التعذّر المسوّغ للمسح علي الجبيرة بين أن يكون لتعذّر حلّ الجبيرة لكونه مضرا بالكسر أو الجرح من دون أن يضرّ به الماء، و أن يكون لإضرار الماء بالكسر أو الجرح. و أما إذا كان لتعذّر إزالة النجاسة، فإن كان منشؤه الإضرار بالجرح فالظاهر جريان الحكم المذكور فيه، فيجزئ المسح علي الجبائر، و إن كان منشؤه ضيق الوقت أو عدم الماء أو نحو ذلك مما لا يرجع للجرح فالظاهر الانتقال للتيمم و عدم الاجتزاء بالوضوء الجبيري.

(مسألة 112): لو أمكن مسح البشرة بالماء من دون أن يحقق الغسل المعتبر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 44

فالأحوط وجوبا الجمع بينه و بين المسح علي الجبيرة إما بالجمع بينهما في وضوء واحد، أو بتكرار الوضوء. بل لو أمكن نزع الجبيرة حال الوضوء و بقي الجرح مكشوفا اجتزأ بمسح البشرة و لم يجب وضع الجبيرة و المسح عليها.

(مسألة 113): لو تعذّر المسح علي الجبيرة في موارد وجوبه فالأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء الناقص و التيمم. و لا يجزئ غسل الجبيرة عن مسحها.

(مسألة 114): لا بد من استيعاب الجبيرة بالمسح عرفا، و لا تجب المداقة في ذلك، فلا يجب استيعاب مواضع الخلال- أي الفواصل- التي تكون بين الخيوط و نحوها.

(مسألة 115): المراد بالجبيرة في الأحكام المتقدمة

ما يعم عصابة الجرح.

(مسألة 116): الجرح المكشوف يكفي غسل ما حوله، و لا يجب وضع شي ء عليه و مسحه. نعم إذا كان في موضع المسح فإن أمكن مسحه وجب، و إلا فالأحوط وجوبا وضع شي ء عليه و مسحه.

(مسألة 117): إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان وضع الجبيرة لستر الجرح أو نحوه من دون أن يحتاج الجرح ذلك بطبعه لزم نزع الجبيرة و غسل الموضع الصحيح، و جري حكم الجرح المكشوف.

و إن كان وضع الجبيرة مما يقتضيه طبيعة الجرح فإن كانت الجبيرة ساترة للصحيح بالمقدار المتعارف لم يجب نزع الجبيرة و اجتزأ المكلف بمسحها بدلا عن غسل ما تحتها.

و إن كانت ساترة لأكثر من المتعارف لزم نزعها و غسل ما تحتها من المقدار الصحيح، و مع تعذر النزع أجزأه المسح عليها إن كان كبر الجبيرة مما تقتضيه طبيعة الجرح، أما لو كان لفقد الجبيرة الصغيرة أو نحو من دون أن يحتاجه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 45

الجرح بطبعه فالأحوط وجوبا ضم التيمم.

(مسألة 118): إذا كانت الجبيرة نجسة لم يجزئ المسح عليها، فإن أمكن تطهيرها أو تبديلها بجبيرة طاهرة أو نزعها و إجراء حكم الجرح المكشوف وجب، و إلا فالأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء الناقص- بعدم المسح علي الجبيرة- و التيمم. و إن أمكن وضع شي ء طاهر عليها و المسح عليه فإن عدّ ذلك من أجزاء الجبيرة عرفا أجزأ المسح عليه و لحقه حكم تبديل الجبيرة، و إن عدّ أمرا خارجا عنها زائدا عليها لم يجزئ المسح عليه و لحقه حكم تعذّر المسح علي الجبيرة من الجمع بين الوضوء الناقص و التيمم.

(مسألة 119): لا فرق في جريان حكم الجبيرة المتقدم بين الجبيرة الصغيرة

و غيرها حتّي المستوعبة للعضو الوضوئي، بل المستوعبة لتمام الأعضاء. و أما الجرح المكشوف الكبير جدا فيشكل الاكتفاء بغسل ما عدا موضعه، بل الأحوط وجوبا ضم التيمم إليه.

(مسألة 120): لا فرق في جريان حكم الجبيرة بين أن تكون علي العضو المغسول و أن تكون علي العضو الممسوح.

(مسألة 121): إذا استوعبت الجبيرة العضو الماسح مسح ببلّتها، و إلا مسح بالبشرة، إلا أن يكون الظاهر منها قليلا لا يكفي في المسح، فيتمّم المسح بالجبيرة.

(مسألة 122): لا فرق في جريان حكم الجبيرة و حكم الجرح المكشوف بين أن يكون المانع من استعمال الماء كسرا و جرحا و ورما و غيرها مما يعود لنقص في البدن، فمع وضع شي ء عليه من جبيرة أو عصابة يمسح عليه، و مع عدمه يغسل ما حوله علي ما سبق تفصيله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 46

نعم لو كان استعمال الماء للطهارة مضرا بما لا يجب غسله كباطن الأنف و العين يتعين التيمم و لا يجزي الوضوء الناقص. و كذا يتعين التيمم لو كان استعمال الماء موجبا لحدوث خلل في البدن من دون أن يكون موجودا بالفعل، كبعض الأمراض الجلدية التي يخشي من ظهورها باستعمال الماء.

(مسألة 123): اللطوخ و الدهون المطلي بها العضو للتداوي إن أمكن المسح عليها وجب، و إلا فالأحوط وجوبا الجمع بين غسل ما حولها و التيمم. هذا إذا كانت مكشوفة أما إذا كانت عليها جبيرة فيلحقها ما تقدم من وجوب المسح عليها.

(مسألة 124): الحاجب اللاصق اتفاقا من دون أن يحتاج إليه للعلاج الأحوط وجوبا الجمع بين المسح عليه و التيمم.

(مسألة 125): لا يجب تخفيف الجبيرة، إلا أن يكون الزائد خارجا عن الجبيرة عرفا، كما يجوز إضافة شي ء عليها إذا

صار بحيث يعدّ جزء منها عرفا.

(مسألة 126): ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة، و مع زواله يجب رفعها. فلو تعذّر رفعها لأمر خارج من ضيق وقت أو فقد من يحسن إزالتها أو نحو ذلك فالأحوط وجوبا الجمع بين المسح عليها و التيمم، نظير ما تقدم في المسألة (124).

(مسألة 127): إذا خاف الضرر فعمل بحكم الجبيرة ثم تبين عدمه، فإن انكشف عدم الجرح أو الكسر أو نحوهما مما هو موضوع الجبيرة انكشف بطلان الوضوء و لزم إعادته و إعادة الصلاة الواقعة بالوضوء الأول. و إن كان موضوع الجبيرة موجودا و انكشف عدم الضرر من استعمال الماء فالظاهر عدم وجوب التدارك، نعم يجب إعادة الوضوء للصلوات الآتية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 47

(مسألة 128): إذا كان موضع من أعضاء الوضوء نجسا و تعذّر تطهيره من دون أن يضرّ به الماء سقط الوضوء و وجب التيمم. و كذا جميع موارد تعذّر الوضوء من غير جهة وجود الحاجب أو خوف الضرر علي الموضع الذي يصيبه الماء.

(مسألة 129): لا فرق بين جريان حكم الجبيرة بين الوضوء و الغسل و التيمم.

(مسألة 130): لا يجوز إيقاع الطهارة الجبيرية- و نحوها من الطهارة الناقصة، كالطهارة في الجرح المكشوف- في سعة الوقت إلا مراعاة باستمرار العذر في تمام الوقت، فإن ارتفع العذر في سعة الوقت انكشف عدم صحة الطهارة، و لا العمل المترتب عليها من صلاة أو نحوها، و إن استمر العذر إلي آخر الوقت انكشف صحة الطهارة و صحة العمل. و حينئذ لو ارتفع العذر بعد الوقت لم تبطل الطهارة من وضوء أو غسل، فلا يجب الاستئناف. و إن كان هو الأحوط استحبابا، خصوصا في الوضوء، و التيمم.

(مسألة 131): إذا

شرعت الطهارة الجبيرية و نحوها في حق المكلف، فإن جهل ذلك أو غفل عنه و أتي بالطهارة التامة صحت فإذا كان استعمال الماء مضرا في الواقع، إلا أن المكلّف غفل عن ذلك و لم يخف الضرر فاستعمل الماء من دون جبيرة و أتي بالطهارة التامة صحت طهارته.

و إن خاف الضرر و تعمد الإتيان بالطهارة التامة، فإن لم يكن الضرر بحدّ يحرم إيقاع النفس فيه صحت طهارته أيضا، و كذا إذا كان بحدّ يحرم إيقاع النفس فيه إلّا انّه غفل عن احتمال الحرمة. و أما إذا التفت لاحتمال الحرمة حينئذ فإن كان إيصال الماء لما لا يضره الماء و غسله بنحو يستلزم وصوله لما يضره الماء بطلت طهارته، لعدم تأتّي قصد القربة منه مع التفاته لترتب الحرام علي فعله، و إن لم يكن كذلك بل كان وصول الماء لما يحرم وصوله إليه بحركة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 48

مستقلة صحت طهارته.

و يجري هذا التفصيل فيما لو خاف الضرر و تبين عدمه في الواقع بعد الإتيان بالطهارة التامة.

(مسألة 132): في كل مورد يشك المكلف في أن وظيفته الطهارة الجبيرية و نحوها أو التيمم يتعيّن عليه الجمع بينهما حتّي يتضح له الحال بالسؤال و نحوه.

الفصل الخامس في سلس البول و البطن

و المراد بالأول عدم استمساك البول، و بالثاني عدم استمساك الغائط، و بحكمه عدم استمساك الريح.

(مسألة 133): ذوا السلس و البطن إن كان لهما فترة مضبوطة تسهل معرفتها تسع الوضوء و الصلاة التامة وجب عليها انتظارها و إيقاع الصلاة بطهارة تامة فيها. و كذا الحال في كل مستمر الحدث.

(مسألة 134): يكفي في الحكم السابق سعة الفترة لأدني الصلاة الاختيارية الواجبة، بل يكفي سعتها لصلاة المستعجل كالفاقدة للسورة. و أما لو كانت تسع

الصلاة الاضطرارية دون الاختيارية كالصلاة بالإيماء، أو الصلاة بالتيمم فالأحوط وجوبا الجمع بينها و بين الوظيفة الآتية.

(مسألة 135): ذو السلس إذا لم تكن له فترة مضبوطة تسع الطهارة و الصلاة التامة يجمع بين الظهرين بأذان و إقامتين بوضوء واحد، و كذا بين العشائين، و يتوضأ لكل صلاة غيرها إذا كانت مضيقة، حتّي لو كانت مستحبة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 49

(مسألة 136): إذا فرّق ذو السلس في الفرض السابق بين الظهرين أو العشائين أعاد الوضوء للصلاة الثانية.

(مسألة 137): ذو البطن إن لم تكن له فترة مضبوطة تسع الطهارة و الصلاة التامة إذا فاجأه الحدث في أثناء الصلاة توضأ و بني علي ما مضي من صلاته.

و الأحوط وجوبا تجنّب منافيات الصلاة من الكلام و القهقهة و البكاء. نعم لا بأس بترك الاستقبال و ترك الستر- للمرأة- بالمقدار الذي يقتضيه الوضوء، و كذا الفعل الكثير الذي تقتضيه تهيئة مقدمات الوضوء القريبة أما البعيدة كاستقاء الماء فالأحوط وجوبا قدحه.

(مسألة 138): إذا لم تكن لذي البطن فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة كان عليه الوضوء لكل صلاة.

(مسألة 139): صلاة الاحتياط و قضاء الأجزاء المنسيّة تابعة لصلاتها في الأحكام السابقة.

(مسألة 140): يجب علي من به السلس و البطن التحفظ من تعدي النجاسة للبدن و الثوب مهما أمكن فيعلق الرجل كيسا فيه قطن للبول، و تستثفر «1» المرأة، كما يستثفران للغائط. و الأحوط وجوبا التطهير لكل صلاة. نعم في مورد الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد يكفي التطهير لكل صلاتين.

(مسألة 141): بقية أفراد مستمر الحدث- مثل من يفجؤه النوم- إذا لم تكن له فترة تسع الصلاة التامة اكتفي بالصلاة الاضطرارية مع الطهارة و لو بتيمم، فإن تعذّر ذلك فالأحوط وجوبا الوضوء

لكل صلاة. نعم لو كانت له فترة تسع

______________________________

(1) بأن تضع ما يمنع من انتشار النجاسة كالخرقة و نحوها كما سيوضحه في صفحة 76.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 50

الصلاة- و إن كانت اضطرارية بطهارة و لو بتيمم- لكنه لم يصلّ فيها للجهل بها أو تفريطا فالأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء لكل صلاة أداء و القضاء بعد ذلك.

الفصل السادس في غايات الوضوء

الوضوء لا يطلب لنفسه، بل لترتب الطهارة و رفع الحدث عليه، فكل ما يعتبر فيه الطهارة المذكورة يعتبر فيه الوضوء و يترتب علي ذلك مسائل:

(مسألة 142): لا بدّ من الوضوء في صحة الصلاة الواجبة و المندوبة، و كذا صلاة الاحتياط و قضاء الأجزاء المنسية. بل هو الأحوط استحبابا في سجود السهو.

(مسألة 143): لا يعتبر الوضوء في صحة الصلاة علي الميت.

(مسألة 144): يعتبر الوضوء في الطواف الواجب، و هو ما كان جزء من حج أو عمرة. و لا يعتبر في غيره حتّي لو وجب بنذر أو نحوه. نعم الأفضل إيقاعه عن وضوء. و إنّما يعتبر في صلاته لا غير.

(مسألة 145): يحرم علي المحدث غير المتوضي مسّ كتابة المصحف الشريف و أبعاضه. بل الأحوط وجوبا عدم مسّه لما يكتب من القرآن في غير المصحف، ككتب التفسير و الحديث و غيرها. نعم لا بأس بمسّ ما يكتب في الدراهم و الدنانير حتّي الورقية، كما تعارف في عصورنا.

(مسألة 146): إنما يحرم علي المحدث مسّ رسم الحرف القرآني في المصحف و نحوه، دون رسم الحركات الإعرابيّة و المدّ و التشديد و نحوها مما لا يكون رسما للحرف، بل لكيفيّة النطق به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 51

(مسألة 147): الأحوط وجوبا أن لا يمسّ المحدث غير المتوضي لفظ الجلالة و سائر أسماء

اللّه تعالي و صفاته. و لا يلحق به أسماء الأنبياء و الأئمة و سيدة النساء صلوات اللّه عليهم أجمعين.

(مسألة 148): لا فرق في الكتابة بين أنواع الخط العربي. بل الأحوط وجوبا العموم للخطوط غير العربية إذا رسم بها القرآن علي عربيته، و كذا إذا رسم بها لفظ الجلالة أو أسماؤه تعالي العربية.

(مسألة 149): لا يحرم علي المحدث مسّ ترجمة القرآن، و أما أسماؤه تعالي بغير اللغة العربية فالأحوط وجوبا عدم مسّها.

(مسألة 150): لا فرق بين الكتابة بالمداد و التطريز و الحفر و غيرها. و يتحقق المسّ في الحفر بمسّ القعر، بل الأحوط فيه العموم لمسّ الحواشي، و كذا الحال في مسّ الكتابة بنحو التخريم، فيكفي في الحرمة مسّ حواشيها.

(مسألة 151): الأحوط وجوبا عدم المسّ حتّي بما لا تحله الحياة، كالظفر. نعم لا بأس في المسّ بالشعر.

(مسألة 152): لا بد في صدق القرآن من قصد الكاتب- و لو إجمالا- الحكاية عنه و رسمه، فلو كتب ما يطابقه لفظا لا بنيّة رسمه و الحكاية عنه لم يحرم مسّه، من دون فرق بين الألفاظ المشتركة و المختصّة.

(مسألة 153): الظاهر أن الصور الفوتوغرافية لكتابة القرآن بحكم القرآن في المسّ.

(مسألة 154): الظاهر جواز كتابة القرآن الكريم و نحوه علي بدن المحدث، و لا يجب علي المحدث حينئذ المبادرة للوضوء أو الغسل.

(مسألة 155): لا يجب منع المحدث غير المكلف من مسّ القرآن و نحوه، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 52

يجوز التسبيب لمسّه، و كذا الحال في الجاهل بالحرمة جهلا معذّرا.

(مسألة 156): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يستحب الوضوء للطواف المندوب، و لسائر أفعال الحج، و لطلب الحاجة، و لحمل المصحف الشريف، و لصلاة الجنائز، و لتلاوة القرآن، و

لدخول المساجد، و لتغسيل الجنب للميت، و لجماع مغسّل الميت قبل أن يغتسل، و للنوم، و لسجود الشكر، و للكون علي الطهارة، و لتجديد الطهارة من دون حدث، و لغير ذلك.

(مسألة 157): يكفي في التقرب المعتبر في الوضوء الإتيان به من أجل بعض ما سبق، سواء توقفت صحته عليه- كالصلاة- أم توقف كماله عليه- كصلاة الميت و قراءة القرآن- أم توقف جوازه عليه كمسّ المصحف- أم توقف رفع كراهته عليه، كجماع مغسّل الميت قبل أن يغتسل. بل يكفي فيه الإتيان به برجاء المطلوبية لغاية يحتمل مشروعيته لها، كما هو الحال في بعض المستحبات المذكورة في كلماتهم، علي ما ذكرناه في أواخر مباحث الاجتهاد و التقليد.

(مسألة 158): إذا توضأ لغاية- كالصلاة- ثم تبيّن أنه قد أتي بها صح وضوؤه.

(مسألة 159): إذا توضأ لغاية- كقراءة القرآن- ثم لم يأت بها صح وضوؤه.

(مسألة 160): إذا توضأ للتجديد ثم تبيّن أنه كان محدثا صح وضوؤه و كان رافعا للحدث.

(مسألة 161): يصح الوضوء لغاية- كالصلاة- قبل دخول وقتها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 53

الفصل السابع في آداب الوضوء و سننه

(مسألة 162): لا إشكال في كفاية الغسلة الواحدة لكل عضو من أعضاء الوضوء، كما لا إشكال في مشروعية الثانية. بل قيل باستحبابها. لكنه لم يثبت.

و أما الثالثة فالظاهر أنها بدعة. بل يبطل الوضوء بها إذا تحقق المسح بمائها. كما لو غسل اليسري ثلاثا. و أما تعدد الغرفات للغسلة الواحدة فلا بأس به، و ليس لها عدد مفروض.

(مسألة 163): سنن الوضوء علي ما تضمنته النصوص الشريفة أو ذكره العلماء (رضوان اللّه عليهم) أمور:

منها: السواك و هو دلك الأسنان. بل هو مستحب حتّي لغير الوضوء.

و الأفضل أن يكون بعود الأراك و ليفه و عود الزيتون، ثم مطلق

قضبان الشجر، و أدناه أن يدلكها بإصبعه.

و منها: وضع الإناء الذي يتوضأ منه علي اليمين، و كذا الاغتراف باليمين حتّي لغسلها فيصبه في اليسري ثم يغسل اليمني بها.

و منها: التسمية حين وضع اليد في الماء حين الاستنجاء مقدمة للوضوء، و قبل وضع اليد في الماء للوضوء، و بعد الشروع في غسل الوجه. و يحسن تداركها في الأثناء لو تركها في أوّل الوضوء.

و منها: الدعاء بالمأثور، و قد وردت أدعية كثيرة، ففي النص الصحيح: «إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللّه و باللّه اللّهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين» و في حديث وضوء أمير المؤمنين عليه السلام: «فأتاه محمّد بالماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 54

فأكفاه فصبه بيده اليسري علي يده اليمني ثم قال: بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا. قال: ثم استنجي فقال: اللهم حصّن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرّمني علي النار. قال: ثم تمضمض فقال: اللهم لقّني حجتي يوم ألقاك، و أطلق لساني بذكراك. ثم استنشق فقال: اللهم لا تحرم عليّ ريح الجنة و اجعلني ممن يشم ريحها و طيبها. قال: ثم غسل وجهه فقال: اللهم بيّض وجهي يوم تسودّ فيه الوجوه و لا تسوّد وجهي يوم تبيض فيه الوجوه. ثم غسل يده اليمني فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني و الخلد في الجنان بيساري و حاسبني حسابا يسيرا، ثم غسل يده اليسري. فقال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، و لا تجعلها مغلولة إلي عنقي، و أعوذ بك من مقطّعات النيران. ثم مسح رأسه فقال: اللهم غشّني برحمتك و بركاتك و عفوك. ثم مسح رجليه فقال: اللهم ثبّتني علي

الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام و اجعل سعيي في ما يرضيك عني». و في الصحيح: «فإذا فرغت فقل: الحمد للّه رب العالمين». و هناك صور أخر و أدعية أخر يضيق المقام عن ذكرها.

و منها: المضمضة و الاستنشاق، و تثليثهما، و تقديم المضمضة.

و منها: بدء الرجل في غسل اليدين بظاهر الذراعين، و بدء المرأة بباطنهما.

و منها: إسباغ الوضوء بتكثير الماء لكل عضو غرفتان، أو غرفة وافية، بحيث يستولي الماء علي العضو المغسول و يفيض عليه، و عدم الاكتفاء بأقل المجزي الحاصل بوصول الماء للبشرة و إن قل.

و منها: الوضوء بمد و هو (ثمانمائة و سبعون غراما تقريبا). و الظاهر أن المقدار المذكور إنما يستحب مع الإتيان بآداب الوضوء.

و منها: فتح العينين عند غسل الوجه و إشرابهما الماء. إلي غير ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 55

(مسألة 164): يكره في الوضوء أمور:

منها: الاستعانة بالغير في صب الماء لوضوء الصلاة. بل يستحب عدم الاستعانة بالغير حتي في مقدمات الوضوء البعيدة.

و منها: الوضوء في المسجد من حدث البول و الغائط، و كذا غيرهما من الأحداث إذا وقع في غير المسجد. و يأتي الكلام في حكم المعتكف في محله.

و منها: الوضوء من الإناء المفضّض أو المذهّب أو المنقوش بالصور. و كذا الوضوء فيه.

و منها: الوضوء بالماء المسخن بالشمس. بل مطلق الغسل به، بل مطلق الاستعمال.

و منها: الوضوء من الماء القليل الذي يدخل المحدث بالنوم أو البول أو الغائط أو الجنابة يده فيه. و ترتفع الكراهة، في الأوّل بغسلها مرة، و كذا في الثاني و إن كان الأفضل فيه مرتين، و في الثالث بالغسل مرتين، و في الرابع بالغسل ثلاثا.

و منها: الوضوء بالماء الآجن، و بجميع المياه التي يكره استعمالها،

كماء البئر قبل النزح و الأسئار المكروهة إلي غير ذلك.

(مسألة 165): يكره صب الماء المستعمل في الوضوء في الكنيف، و هو مجري المرافق الصحيحة.

الفصل الثامن في أحكام الشك

(مسألة 166): من تيقن بسبق الحدث و شك في التطهر منه بني علي الحدث ما لم يتيقن الطهارة. و من تيقن بسبق الطهارة و شك في انتقاضها بني علي الطهارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 56

ما لم يتيقن الحدث. و لا أثر للظن في الموردين إلا أن يكون ظنا معتبرا شرعا كالبيّنة.

(مسألة 167): من تيقن سبق الحدث منه و الطهارة معا و جهل المتأخر منهما، فإن علم تاريخ الطهارة بني علي الطهارة و إن علم تاريخ الحدث بني علي الحدث. و إن جهل التاريخين لم يبن علي الطهارة و لا علي الحدث، فلا يصح منه الإتيان بما يعتبر فيه الطهارة- كالصلاة- حتي يتطهر، و لا يحرم عليه، ما يحرم علي المحدث- كمسّ المصحف- حتي يحدث.

(مسألة 168): إذا شك في أثناء الصلاة في أنه علي وضوء أو لا، قطعها و تطهّر و استأنف الصلاة. و لو كان شكه بعد الفراغ من الصلاة بني علي صحة الصلاة و توضأ لما عداها.

(مسألة 169): إذا شك بعد الفراغ من الوضوء في صحته بني علي الصحة حتي لو علم من نفسه عدم التفاته لمنشإ الشك، كما لو توضأ بخاتمه غفلة و احتمل وصول الماء تحته من دون أن يتعمد ذلك. نعم لو علم بعدم وصول الماء تحته وجبت عليه الإعادة.

(مسألة 170): إذا كانت أعضاء وضوئه نجسة فتوضأ ثم شك في أنه طهرها قبل الوضوء أو بقيت علي نجاستها بني علي صحة وضوئه، و علي نجاسة أعضائه فيطهّرها.

و كذا إذا توضأ بماء كان نجسا ثم شك

بعد الوضوء في أنه طهره قبل الوضوء به أو لا، فإنه يبني علي صحة وضوئه و علي نجاسة الماء الذي توضأ به فيطهّر كل ما وصل إليه ذلك الماء حتي أعضاء وضوئه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 57

المقصد الرابع في الغسل

اشارة

يجب الغسل من الجنابة و الحيض و الاستحاضة و النفاس و مسّ الميت، و يجب أيضا غسل الميت. كما يستحب الغسل في موارد كثيرة. فهنا مباحث.

المبحث الأول في غسل الجنابة

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في سبب الجنابة

تتحقق الجنابة بأمرين:

الأول: خروج المني من الرجل. و الأحوط وجوبا ثبوت الجنابة للمرأة بالإنزال أيضا.

و يترتب علي ذلك لزوم الجمع عليها بين الغسل و الوضوء احتياطا و تطهير ما يلاقيه من ملابسها و بدنها. و هذا هو الحكم في جميع موارد الاحتياط الوجوبي في ثبوت الجنابة.

(مسألة 171): إن عرف المني فلا إشكال و إن لم يعرف كفي في الحكم به مع المرض خروجه عن شهوة. و أما حال الصحة فلا بد في الحكم به من اجتماع الدفق و الفتور و الشهوة. نعم يكفيه مع النوم إحراز الشهوة و الدفق، و لو شك في الدفق كان قلة البلل أمارة علي عدمه، فلا يجب معه الغسل. هذا في الرجل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 58

و أما في المرأة فليس المني منها إلا ما يخرج من القبل عند بلوغ الشهوة الذروة. و لا أثر لما يخرج لنضح البلل بملاعبة أو نحوها بدون بلوغ الشهوة الذروة.

الثاني: الجماع، و لو بدون إنزال المني و يتحقق بدخول الحشفة في القبل. بل الأحوط وجوبا تحققها بدخولها في الدبر من الرجل و المرأة. و به تحقق الجنابة في حق الفاعل و المفعول به و إن لم يكن مكلفا. نعم في ثبوت الجنابة بوطء الميت للفاعل و المفعول به إشكال و إن كان هو الأحوط وجوبا. و أما الإدخال في فرج البهيمة فالظاهر عدم تحقق الجنابة به مع عدم إنزال المني.

الفصل الثاني في أحكام الجنابة

(مسألة 172): لا يصح من الجنب جميع ما لا يصح من غير المتوضئ مما تقدم في غايات الوضوء، كما لا يصح الصوم منه أيضا علي تفصيل يأتي في كتاب الصوم إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 173): يحرم علي الجنب جميع ما يحرم علي

غير المتوضئ مما تقدم.

كما يحرم عليه أيضا الكون في المسجد الحرام و مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مطلقا. بل لو أصابته جنابة فيهما وجب عليه المبادرة للخروج بعد التيمم. و أما في سائر المساجد فيستثني الاجتياز بالدخول من باب و الخروج من آخر، و الدخول لأخذ شي ء منها، و يحرم ما عدا ذلك.

(مسألة 174): لا يجوز للجنب الدخول للمساجد لوضع شي ء فيها، نعم يجوز له وضع شي ء فيها حال الاجتياز، كما يجوز إذا لم يستلزم الدخول فيها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 59

(مسألة 175): الأحوط وجوبا عدم مكث الجنب في مشاهد النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام فيقتصر من أعوزته حاجة لذلك أو أعجله أمر عن الغسل علي العبور فيها، أو الطواف بها من دون مكث. نعم لا بأس في المكث في الأروقة المطهرة التي هي خارج البنية التي فيها القبر الشريف.

(مسألة 176): إذا احتمل عدم مسجدية بعض أجزاء بنائه المسجد- كالساحة المكشوفة و المدخل- جاز الدخول فيه و المكث، و لم تجر عليه أحكام المسجدية.

(مسألة 177): لا فرق في جريان أحكام المسجد بين العامر منها و الخراب.

(مسألة 178): يحرم علي الجنب قراءة آية السجدة من سور العزائم الأربع، و هي (الم السجدة) و (حم السجدة) و (النجم) و (العلق). و يجوز قراءة بقية السور المذكورة، و إن كان الأحوط استحبابا تركها. نعم هو مكروه بل الأحوط استحبابا تركه، كما يكره قراءة القرآن مطلقا، خصوصا ما زاد علي سبع آيات، و أولي بذلك ما زاد علي السبعين.

(مسألة 179): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يكره للجنب الأكل و الشرب إلا بعد الوضوء أو غسل اليدين و

المضمضة و الاستنشاق، و النوم إلا بعد الوضوء أو التيمم بدلا عنه. و مسّ ما عدا الكتابة من المصحف. و أما الكتابة فيحرم علي الجنب مسّها، كما تقدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 60

الفصل الثالث في كيفية غسل الجنابة

و يجب فيه أمور.

منها: النية، و إيصال الماء للبشرة، و مباشرة المغتسل لغسله، و إطلاق الماء و طهارته، و قد تقدم تفصيل هذه الأمور في الوضوء، لأن المقامين من باب واحد.

(مسألة 180): لا يجب غسل الشعر، بل يجب إيصال الماء لما تحته من البشرة حتي لو كان الشعر كثيفا.

و منها: غسل تمام البدن. و المشهور أن له صورتين لا يجوز الخروج عنهما:

إحداهما: الترتيب بأن يغسل أولا تمام الرأس و الرقبة، ثم الجانب الأيمن من الجسد، ثم الجانب الأيسر منه.

ثانيتهما: الارتماس بتغطية البدن في الماء دفعة واحدة بحيث يحصل غسل تمام البدن حينها.

و هذا و إن كان أحوط إلا أن الظاهر عدم تعيّن إحدي الصورتين، غاية الأمر أنه لا يجوز تقديم الجسد علي الرأس، و يجوز ما عدا ذلك، فمن الصور الجائزة:

غسل تمام البدن بالوقوف تحت المطر أو الحنفية أو نحوهما، (و منها): صبّ الماء علي الرأس و الجسد، ثم إمرار اليد حتي يستوعب الماء تمام الرأس و الجسد، و لا بد من التأكد من وصول الماء لتمام الجسد، (و منها): تقديم الشق الأيمن من الرأس و الجسد علي الشق الأيسر منهما. و غير ذلك من الصور الأخري.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 61

(مسألة 181): لا يعتبر الموالاة في الغسل، بل يجوز التفريق بين أجزائه و إن جفّ المغسول قبل الإتيان بالباقي.

(مسألة 182): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يستحب للجنب عند إرادة الغسل غسل اليدين من المرفقين ثلاثا ثم

المضمضة ثلاثا ثم الاستنشاق ثلاثا.

الفصل الرابع في أحكام غسل الجنابة

(مسألة 183): إذا أحدث بالأصغر في أثناء غسل الجنابة فالأحوط وجوبا الجمع بين استئناف الغسل لاحتمال بطلانه، و الوضوء، و هكذا الحال في كل غسل غير غسل الجنابة.

(مسألة 184): غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء و كذا كل غسل مشروع غير غسل الجنابة واجبا كان أو مستحبا، نعم من آداب غسل غير الجنابة تقديم الوضوء عليه.

(مسألة 185): إذا اجتمعت أغسال متعددة واجبة أو مستحبة أو مختلفة أجزأ عنها غسل واحد سواء أتي به المكلف بنيّة بعضها أم بنية الجميع و يجزئ عن الوضوء، و لا سيما إذا كان المغتسل جنبا.

(مسألة 186): إذا علم بالجنابة و شك في أنه اغتسل منها بني علي العدم حتي لو كان من عادته الاغتسال، إلا أن يرجع الشك للوسواس، فإنّه لا يعتني به و يبني علي الطهارة.

(مسألة 187): إذا شك في أثناء الغسل في صحته أو في أنه هل غسل موضعا من البدن وجب عليه التدارك، أما إذا شك في ذلك بعد الفراغ من الغسل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 62

فلا يعتني بشكه و يبني علي صحة غسله و تماميته.

(مسألة 188): يستحب لمن كانت جنابته بخروج المني البول قبل الغسل، و ليس هو شرطا في صحة الغسل. و لكن فائدته أنه لو خرج منه بعد البول بلل مشتبه بالمني لم يبن علي أنه مني، أما لو خرج منه البلل قبل البول فاللازم البناء علي أنه مني فيتطهر منه و ينتقض الغسل به و يجب إعادته. و لو شك أنه هل بال أو لا بني علي العدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 63

المبحث الثاني في غسل الحيض

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في سببه

و هو خروج دم الحيض، الذي هو دم خاص يقذفه الرحم بمقتضي طبيعة مزاج المرأة. و لا بد فيه من النزول لظاهر الفرج، و لا يكفي النزول من الرحم لباطنه. و إن كان ذلك يكفي في استمرار الحيض و بقائه كما يظهر في ما يأتي.

(مسألة 189): إذا افتضت البكر فسال منها دم كثير و تردد بين أن يكون دم البكارة أو من دم الحيض أو منهما معا أدخلت قطنة و تركتها مدة قليلة ثم أخرجتها إخراجا رفيقا، فإن كانت مطوقة بالدم من دون أن يغمسها فهو من البكارة، و إن كانت مستنقعة فهو من الحيض.

(مسألة 190): كل دم تراه الصبية قبل بلوغها تسع سنين قمرية محكوم بأنه ليس بحيض، و كذا ما تراه المرأة بعد بلوغ سن اليأس. نعم لو علم يقينا بأنه من الحيض ترتبت عليه أحكامه.

(مسألة 191): حد اليأس في القرشية بلوغ ستين سنة قمرية، و في غيرها بلوغ خمسين سنة و يكفي الانتساب لقريش من الزنا. و مع الشك في كون المرأة قرشية يحكم بعدم كونها قرشية.

(مسألة 192): أقل الحيض ثلاثة أيام، و المراد باليوم هنا ما يعم الليل الحاصل بدورة تامة للأرض، لا خصوص بياض النهار.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 64

(مسألة 193): الظاهر أنه لا يعتبر التوالي في الأيام الثلاثة، بل تكفي الثلاثة المتفرقة. لكن لا بد من اجتماعها في ضمن عشرة أيام. نعم يجب عليها ترتيب أحكام الحيض بمجرد رؤية الدم، فإن استمر ثلاثة أيام، أو انقطع ثم رجع حتي تم لها ثلاثة أيام في ضمن العشرة تحققت كونه حيضا، و إلا انكشف أنه استحاضة و وجب عليها قضاء الصلاة التي تركتها حين رؤية الدم.

(مسألة

194): أكثر الحيض عشرة أيام. و هي أطول مدة بين أول الحيض و آخره، غايته أن الحيض قد يستوعبها، و قد يتفرق فيها، و إن كان اللازم بلوغ مجموعه ثلاثة أيام فأكثر.

(مسألة 195): إذا تفرقت الثلاثة أيام أو أكثر في ضمن عشرة كان النقاء المتخلل بحكم الطهر، فتغتسل له و تصلي، و إن لم تفعل وجب عليها القضاء. نعم لا عبرة بفترات التقطع القصيرة التي تقتضيها طبيعة دم الحيض و تتعارف في النساء سواء نزل الدم من الرحم لباطن الفرج أم لم ينزل، فإن الفترات المذكورة ما لم تكن منافية لاستمرار الحيض عرفا تكون بحكم الحيض.

(مسألة 196): أقل الطهر بين حيضتين عشرة أيام، فكل دم تراه المرأة قبل ذلك فهو ليس من الحيض.

(مسألة 197): كل دم تراه المرأة تحكم عليه بأنه حيض إذا لم ينقص عن الثلاثة أيام و لم يزد علي العشرة، و كان بينه و بين الحيض السابق عشرة أيام، سواء كان بصفات الحيض الآتية أم لا.

نعم، يأتي الكلام في حكم الحامل و حكم الصفرة.

(مسألة 198): تتحيض المرأة بمجرد رؤية الدم، إذا كان بعد عشرة أيام من الحيض السابق، سواء كان بصفات الحيض الآتية أم لا، و حينئذ فإن تمّ له ثلاثة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 65

أيام فما فوق فهو، و إن نقص عنها انكشف عدم كونه حيضا، فتقضي الصلاة التي تركتها.

(مسألة 199): تصير المرأة ذات عادة باتفاق الحيض مرتين متواليتين في العدد و الوقت أو في أحدهما. فإن اتفقا في الوقت و العدد فهي ذات عادة وقتية و عددية، كما لو رأت الدم في أول كل من الشهرين المتواليين سبعة أيام مثلا.

و إن اتفقا في الوقت دون العدد فهي ذات

عادة وقتية لا عددية، كما لو رأت الدم في أول الشهر الأول خمسة أيام، و في أول الشهر الثاني سبعة أيام مثلا. و إن اتفقا في العدد دون الوقت فهي ذات عادة عددية فقط، كما لو رأت الدم في أول الشهر الأول خمسة أيام، و في وسط الشهر الثاني خمسة أيام مثلا.

(مسألة 200): لا يزول حكم العادة باختلاف الحيض عنها في الشهور اللاحقة مهما طالت المدة ما دامت الشهور مختلفة في ما بينها. نعم تنقلب العادة باتفقا شهرين متعاقبين من دون فصل علي وقت أو عدد مخالف لعادتها السابقة، فتنعقد عادتها علي الوجه اللاحق و يكون العمل عليه.

(مسألة 201): الحيض يجتمع مع الحمل حتي مع استبانته، فإن كانت المرأة ذات عادة وقتية تتحيض برؤية الدم في عادتها أو قبل عادتها بقليل- يوم أو يومين- أو بعد عادتها قبل مضي عشرين يوما من أوّلها هذا إذا كان أحمر، و أما إذا كان أصفر فالأحوط وجوبا أن تجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة. و إن رأته بعد مضي عشرين يوما من أول عادتها فلا تتحيض به و إن كان أحمر. و أما إذا لم تكن ذات عادة فإنها تتحيض بالدم إذا كان أحمر، و لا تتحيض به إذا كان أصفر.

هذا و الظاهر أنه لا يعتبر في حيض الحامل بلوغ ثلاثة أيام، بل يكفي يوم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 66

واحد أو يومان. نعم لا يكفي ما دون ذلك.

(مسألة 202): الصفرة إن كانت سابقه علي دم محكوم عليه بالحيضية بيومين فما دون يحكم عليها بأنها حيض، سواء كانت في العادة أم لا. و كذا إذا كانت متأخرة عنه بيومين فما دون متصلة به، بل و إن

كانت منفصلة عنه علي الأحوط وجوبا. و إن تقدّمت أو تأخرت عنه بأكثر من ذلك فهي ليست بحيض.

كما أنها في أيام العادة الوقتية أو قبلها بيومين يحكم عليها بأنها حيض، اتصلت بدم أو لم تتصل، بشرط بلوغها وحدها أو مع الدم ثلاثة أيام. و في ما عدا ذلك لا يحكم عليها بأنها حيض، سواء لم تكن المرأة ذات عادة أم كانت ذات عادة و تأخرت الصفرة عن العادة و لو قليلا أو تقدمت أكثر من يومين.

(مسألة 203): إذا انقطع دم الحيض عن الخروج للظاهر و احتمل بقاؤه في باطن الفرج وجب الفحص و الاستبراء، و ذلك بأن تستدخل قطنة في باطن الفرج فإن خرجت ملوثة بالدم بقيت علي التحيض، و إن خرجت نقيّة بنت علي الطهر، و إن احتملت مع ذلك احتباس شي ء في الرحم فلتقم و تلصق بطنها بحائط و ترفع رجلها علي حائط و تستدخل القطنة فإن خرج فيها شي ء من الدم بقيت علي التحيض، و إن خرجت نقية بنت علي الطهر، و لا يجب المبادرة للاستبراء ليلا، بل لها أن تنتظر به النهار و تبني علي بقاء الحيض بدونه. و لو تعذّر عليها الفحص و لو نهارا فإنّها تبقي علي التحيض حتي تعلم بالنقاء.

(مسألة 204): إذا رأت المرأة الدم فتحيضت و استمر بها الدم فإن لم تكن ذات عادة عددية بقيت علي التحيض به ما دام مستمرا، فإن انقطع قبل العشرة بنت علي الطهر- بعد الاستبراء الذي تقدم في المسألة السابقة- و جري عليه حكمه و إن استمر بعد العشرة عملت أعمال المستحاضة الآتية في المقصد الثالث.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 67

و إن كانت ذات عادة عددية فإن انقطع الدم

عند مضي عادتها بنت علي الطهر بعد الاستبراء، و إن استمر بعد العادة جاز لها الاقتصار في التحيض علي عادتها و تعمل بعدها أعمال المستحاضة. لكن يستحب لها الاستظهار، بل هو الأحوط استحبابا. و ذلك بأن تبقي علي التحيض يوما أو يومين أو ثلاثة مخيرة بينها بل لها أن تستظهر حتي تتم لها عشرة أيام من حين رؤية الدم، فإن استمر بعد مضي مدة الاستظهار التي اختارتها تعمل أعمال المستحاضة.

(مسألة 205): إذا اقتصرت ذات العادة في المسألة السابقة علي عادتها و عملت أعمال المستحاضة ثم انقطع الدم علي العشرة أو قبلها لم ينكشف أن حيضها تمام العشرة، فلو كانت عادتها سبعة أيام مثلا فاقتصرت عليها و قامت بعدها بأعمال المستحاضة و صلّت و صامت، فإذا انقطع الدم علي العشرة أو قبلها لم يجب عليها قضاء الصوم الذي جاءت به بين أيام عادتها و العشرة.

و كذا إذا استظهرت بما لا يبلغ بها العشرة- كيوم أو يومين- ثم قامت بأعمال المستحاضة و صامت و صلّت ثم انقطع الدم علي العشرة، فإنها لا تقضي الصوم الذي جاءت به بين أيام استظهارها و العشرة. كما انها لو استظهرت بأي مقدار شاءت ثم تجاوز الدم العشرة لم ينكشف أن حيضها خصوص أيام العادة فلا يجب عليها قضاء الصلاة التي تركتها أيام الاستظهار.

(مسألة 206): إذا استمر الحيض بعد مدة الاستظهار في ذات العادة العددية و بعد العشرة في غير ذات العادة و عملت أعمال المستحاضة فإن انقطع بعد مدة قصيرة فلا إشكال، و إن استمر شهرا فما زاد فإن كانت ذات عادة وقتية و عددية اقتصرت عليها و لم تستظهر، و عملت بأحكام المستحاضة بعدها. لكن بشرط أن يمضي أقل الطهر

بين أول تحيضها و أيام عادتها، و إلا لم تتحيض في ذلك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 68

الدّور و انتظرت الدّور الثاني.

مثلا: لو كانت عادتها من الخامس عشر من الشهر إلي العشرين منه و رأت الدم في الثالث من الشهر، فتحيضت إلي السابع منه و استظهرت يومين، و بنت علي الطهر و عملت أعمال المستحاضة من اليوم العاشر، فليس لها أن تتحيض أيام عادتها من اليوم الخامس عشر، لعدم مضي أقل الطهر بين الحيضتين، بل تنتظر إلي الشهر اللاحق و تتحيض أيام عادتها، و تبقي علي ذلك في كل شهر استمر به الدم.

(مسألة 207): من استمر بها الدم شهرا أو أكثر إن لم تكن لها عادة وقتية و عددية أو كانت ذات عادة وقتية و عددية و نسيتها ترجع للتمييز بأن تتحيض بالدم الواجد لصفات الحيض دون الفاقد له، بل تعمل في الفاقد أعمال المستحاضة. هذا إذا كان الواجد للصفات واجدا لشروط الحيض الثلاثة المذكورة في المسائل المتقدمة من (192) إلي (196)، و هي أن لا يقل عن ثلاثة أيام و لو متفرقة في ضمن العشرة، و أن لا يزيد علي عشرة من أوله لآخره، و أن لا يقل الفاقد للصفة- المحكوم بعدم كونه حيضا- عن عشرة، لأن أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام كما تقدم.

نعم، لا يضر تخلل الفاقد في ضمن حيضة واحدة و إن كان محكوما بكونه استحاضة، كما لو كان الواجد لصفات الحيض متفرقا في ضمن عشرة أيام يبلغ بمجموعه ثلاثة أيام أو يزيد عليها. كما لو رأت يومين بصفة الحيض ثم يومين فاقدا لها ثم يومين بصفة الحيض ثم يومين فاقدا لها ثم يومين بصفة الحيض، ثم استمر الفاقد لها.

فإنها تجعل ما بصفة الحيض حيضة واحدة، و المتخلل بينه استحاضة، نظير النقاء المتخلل لحيضة واحدة، علي ما تقدم في المسألة (195).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 69

(مسألة 208): المعيار في صفات دم الحيض التي تقدم في المسألة السابقة أنه يرجع إليها، علي كون الدم شديد الحمرة بحيث يميل للسواد، و كونه حارّا يخرج بلذعة و دفع، فمع اجتماع هذه الصفات يحكم بحيضيته و مع عدمها أو عدم بعضها يحكم بكونه استحاضة.

(مسألة 209): من استمر بها الدم شهرا أو أكثر و لم تكن ذات عادة وقتية و عددية أو كانت لها و نسيتها إذا لم يمكنها الرجوع للتمييز و صفات الحيض- إما لعدمها أو لفقدها للشروط المتقدمة- رجعت إلي عادة أقاربها فتوافقها في العدد، و تستظهر بيوم فإن لم تعرف إلّا عادة بعضهن عملت عليها، فإن اختلفن أو جهلت عادتهن تحيضت بالعدد فتختار أي عدد شاءت من الثلاثة إلي العشرة.

و إن كان الأولي اختيار السبعة.

(مسألة 210): المراد من الأقارب الأم و الجدتان و الأخوات و العمّات و الخالات القريبات و بناتهن. و لا يضر موتهن.

(مسألة 211): الدم المنقطع علي صور:

الاولي: أن يتم له بمجموعه ثلاثة أيام فما فوق و يقع كله في ضمن عشرة أيام. كما لو رأت يومين أو ثلاثة دما ثم انقطع يومين ثم رأت يومين دما و انقطع يوما ثم رأت يوما دما و انقطع. و حكمه البناء علي كون الدماء حيضا واحدا.

و يكون النقاء بحكم الطهر علي ما تقدم في المسألة (195).

الثانية: أن يتم لكل دم- متصلا أو متفرقا في ضمن عشرة- ثلاثة أيام فما فوق و يفصل بين مجموعتين من الدم عشرة أيام، كما لو رأت خمسة أيام دما

ثم انقطع عشرة أيام ثم رأت خمسة أيام أخري دما، أو رأت ثلاثة أيام أو يومين دما و انقطع يوما ثم رأت يومين دما و انقطع عشرة أيام ثم رأت ستة أيام دما متصلة أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 70

منفصلة بيوم. و حكمه البناء علي أن مجموع الدم الذي قبل عشرة النقاء حيض واحد، و مجموع الدم الذي بعد عشرة النقاء حيض آخر، من دون فرق بين ما يقع في أيام العادة الوقتية و ما يقع في غيرها، و لا بين ما يكون بصفات الحيض المتقدمة في المسألة (208) و ما يكون فاقدا لها. نعم تقدم الكلام في حكم الصفرة في المسألة (202).

الثالثة: أن لا يتم لشي ء من الدم- مجتمعا أو متفرقا في ضمن عشرة أيام- أقل الحيض، و هو ثلاثة أيام كما لو رأت يومين دما ثم انقطع عشرة أيام و هكذا، أو رأت يوما دما و انقطع يوما ثم رجع يوما ثم انقطع عشرة أيام، ثم رأت الدم يوما و انقطع يوما ثم رجع يوما و انقطع عشرة أيام، و هكذا. و حكمها البناء علي عدم الحيضية في جميع الدماء مهما تكررت علي النحو المذكور.

الرابعة: أن يتم لشي ء من الدم- مجتمعا أو متفرقا في ضمن عشرة أيام- أقل الحيض إلا أنه لا يفصل بين المجموعتين أقل الطهر الذي هو عشرة أيام، كما لو رأت الدم سبعة أيام و انقطع سبعة أيام و عاد سبعة أيام و انقطع سبعة أيام و هكذا. أو رأت الدم ثلاثة أيام و انقطع يومين و عاد ثلاثة أيام و انقطع ثمانية أيام ثم عاد ثلاثة أيام و انقطع يومين و عاد ثلاثة أيام و انقطع سبعة

أيام ثم عاد ثلاثة أيام و هكذا من دون أن يتم انقطاعه عشرة أيام، و حكمها التحيض بالدم الحاصل في العشرة الأولي، دون الدم الثاني بل لا تتحيض بعد ذلك إلا بعد مضي أقل الطهر- و هو عشرة أيام- فإذا استمرت علي ذلك شهرا رجعت إلي وظائف المستحاضة المتقدمة في المسائل السابقة من المسألة (205) حتي المسألة (208).

(مسألة 212): إذا انقطع الدم لدون العشرة ثم عاد قبل مضي عشرة أيام من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 71

حين رؤية الدم الأول، فإن لم تكن ذات عادة عددية تحيضت بالأول و الثاني حتي تمضي العشرة، فإن انقطع و إلا عملت بعد العشرة أعمال المستحاضة.

و كذا إذا كانت ذات عادة عددية علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 213): ما تراه المرأة قبل مضي أقل الطاهر من حيضها- و هو عشرة أيام- يحكم عليه بأنه استحاضة، فإن استمر مدة طويلة فإن كانت ذات عادة وقتية و عددية تحيضت أيام عادتها، و إلا رجعت للتمييز، فإن تعذر رجوعها له رجعت بعد مضي شهر من رؤية الدم لعادة أقاربها، فإن اختلفن أو فقدن تحيضت بالعدد بين الثلاثة إلي العشرة علي ما تقدم توضيحه في المسائل السابقة.

الفصل الثاني في أحكام الحيض

تشارك الحائض الجنب في أكثر الأحكام المتقدمة، بل في جميعها علي الأحوط وجوبا. بل الأحوط وجوبا عدم صحة طواف النافلة منها أيضا.

(مسألة 214): يحرم وطء الحائض في القبل، كما يحرم عليها التمكين من ذلك. و كذا الوطء في الدبر علي الأحوط وجوبا. فإذا طهرت من الحيض حل وطؤها و إن لم تغتسل. لكنه يكره قبل الغسل.

(مسألة 215): لا يجب علي الزوج الكفارة بوطء زوجته الحائض، نعم تستحب الكفارة مع تعمده. و الأشهر أنها في أول الحيض دينار

و في وسطه نصف دينار و في آخره ربع دينار. و الدينار يساوي أربع غرامات و ربع غرام ذهبا. و يكفي دفع قيمته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 72

(مسألة 216): يجوز الاستمتاع بالحائض بغير الوطء. و يكره الاستمتاع بموضع المئزر، و هو ما بين السرة و الركبة.

(مسألة 217): لا يجوز طلاق الحائض و لا ظهارها علي تفصيل يذكر في بحث الطلاق و الظهار.

(مسألة 218): يجب علي الحائض قضاء صوم رمضان، و لا يجب عليها قضاء الصلاة الموقتة التي استغرق الحيض وقتها. فإذا كانت حائضا في تمام المدة من الزوال إلي الغروب مثلا لم يجب عليها قضاء الظهرين. نعم يجب قضاء الصلاة التي حاضت بعد خروج وقتها الفضيلي كالظهر لو حاضت بعد دخول وقت العصر الفضيلي، بل الأحوط وجوبا قضاء الصلاة التي حاضت بعد ما مضي من وقتها بمقدار أدائها. فلو حاضت بعد الزوال مثلا بمقدار أداء صلاة الظهر قضتها.

كما يجب عليها إذا طهرت أداء الصلاة التي طهرت في وقتها دون التي خرج وقتها. بل لا يبعد عدم وجوب قضاء الصلاة التي خرج وقتها الفضيلي، فإذا طهرت بعد خروج وقت الظهر أو المغرب الفضيلي لم يجب أداؤهما و إن بقي وقتهما الأدائي. لكن يستحب أداؤهما، بل هو الأحوط استحبابا.

تتميم.

إذا طهرت المرأة من الحيض جاز وطؤها و إن لم تغتسل. لكنه مكروه، و لو تعذر الغسل تخف الكراهة بالتيمم. و الأحوط وجوبا تطهير فرجها قبل الوطء.

(مسألة 219): جميع ما تقدم عدم صحته من الحائض أو عدم جوازه لها لا يصح منها و لا يحل لها بمجرد الطهر من الحيض بل لا بد معه. من الغسل الرافع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 73

لحدث الحيض.

(مسألة 220):

غسل الحيض كغسل الجنابة في الكيفية، و يشترك معه في الأحكام المتقدمة. نعم تقدم أنه يستحب عند إرادة غسل الحيض الوضوء قبله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 74

المبحث الثالث في غسل الاستحاضة

كل دم يخرج من الرحم لا يحكم عليه بأنه حيض أو نفاس فهو محكوم بأنه دم استحاضة و هو موجب للحدث، فيمتنع علي المستحاضة جميع ما يمتنع علي المحدث الذي تقدم ذكره عند الكلام في ما يتوقف علي الوضوء. و لا يصح منها إلا مع القيام بالوظائف الآتية.

(مسألة 221): للاستحاضة ثلاث مراتب:

الأولي: القليلة، و هي التي يلطخ فيها الدم القطنة- التي تستدخلها داخل الفرج- من دون أن ينفذ فيها و يخرج من الجانب الآخر.

الثانية: المتوسطة، و هي التي ينفذ دمها في القطنة التي تستدخلها في داخل الفرج و يخرج للجانب الآخر من غير أن يسيل عنها. نعم لا أثر لتلطخ الخرقة بالدم لمجرد مماسته للقطنة من دون أن يستند لقوة دفع الدم.

الثالثة: الكثيرة، و هي التي ينفذ دمها في القطنة و يسيل منها لقوة دفع الدم. بل الأحوط وجوبا الاكتفاء فيها بسيلان الدم لعدم وضع القطنة.

(مسألة 222): حكم القليلة وجوب الوضوء لكل صلاة فريضة كانت أو نافلة، دون الأجزاء المنسية و صلاة الاحتياط و سجود السهو المتصل بالصلاة مما يعدّ من توابعها عرفا. و أما مع الفصل المعتدّ به فالأحوط استحبابا الوضوء له. و لا يجب تبديل القطنة أو تطهيرها لكل صلاة، و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 223): حكم المتوسطة غسل واحد لليوم، فإن كانت في أوله لزم إيقاعه قبل صلاة الصبح، و إن حدثت في أثنائه لزم إيقاعه لما بعد ذلك من الصلوات.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 75

و يجب الوضوء لكل صلاة منفصلة

عن الغسل، كصلاة الظهر لو اغتسلت لصلاة الصبح، و كذا صلاة الصبح لو اغتسلت لها و لم تبادر إليها بعد الغسل.

و أما الصلاة المتصلة بالغسل فالظاهر عدم وجوب الوضوء لها، بل الظاهر الاجتزاء بالغسل لصلاتين لو جمعت بينهما، كما لو حصلت الاستحاضة المتوسطة قبل الظهر فإنها لو اغتسلت اجتزأت بغسلها عن الوضوء للظهرين إذا جمعت بينهما و جاءت بهما بعد الغسل بلا فصل و إن كان الأحوط استحبابا الوضوء لكل صلاة حتي الصلاة المتصلة بالغسل.

و تتخير بين تقديم الوضوء علي الغسل و تأخيره عنه، و يجزئ الوضوء أو الغسل لتوابع الصلاة كقضاء الأجزاء المنسية و صلاة الاحتياط و سجود السهو نظير ما تقدم في المسألة السابقة، و لا يجب تبديل القطنة لكل صلاة و إن كان الاحتياط آكد منه في المسألة السابقة.

هذا، و الظاهر الاكتفاء في غير اليومية بالوضوء لكل صلاة، و إن كان الأحوط وجوبا الاقتصار علي الصلوات المضيّقة من الفرائض و النوافل، كصلاة الكسوف و النوافل الرواتب، دون الموسّعة كصلاة القضاء، بل تنتظر بها الشفاء من الاستحاضة.

(مسألة 224): حكم الكثيرة الغسل لصلاة الصبح تبادر إليها بعده، و الغسل للظهرين تجمع بينهما و تبادر إليهما بعده، و الغسل للعشائين كذلك. فإن فرّقت بين الغسل و الصلاة إعادته، و إن فرّقت بين الصلاتين أعادته للثانية. و لا يجب الوضوء لكل صلاة بل لا يجوز إذا أخل بالموالاة العرفية بين الغسل و الصلاة أو بين الصلاتين. نعم لا بأس بالوضوء قبل الغسل لأنه من آدابه، كما تقدم.

و يجب عليها التحفظ من خروج الدم بعد الغسل حتي تفرغ من الصلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 76

بحشو الفرج بقطنة و التعصب و الاستثفار بأن تشدّ وسطها بحزام

و تجعل فيه خرقة من مقدمها ثم تنزلها بين فخذيها و تخرجها من مؤخرها و تجعلها في الحزام من خلفها مع شدّها بقوة و إحكام، و نحو ذلك مما يمنع من زيادة خروج الدم، و لا يجب عليها تبديل القطنة أو الخرقة بين الصلاتين بل يلزم تجنب ذلك إذا أخل بالموالاة المعتبرة أو كان سببا في زيادة خروج الدم.

هذا و الظاهر أن لها الجمع بين صلاتين بغسل واحد حتي في غير اليومية و إن كان الأحوط وجوبا الاقتصار علي الصلوات المضيّقة من الفرائض أو النوافل نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 225): ما تقدم من أقسام الاستحاضة إنما هو في الدم، و أما الصفرة التي لا يصدق عليها الدم عرفا فحكمها الوضوء لكل صلاة مهما كثرت.

(مسألة 226): إذا علمت المستحاضة أن لها فترة مضبوطة ينقطع فيها الدم تكفي الطهارة و الصلاة وجب انتظارها و إيقاع الصلاة فيها، و كذا مع الاطمئنان بذلك بل مع الظن أيضا علي الأحوط وجوبا، و أما مع عدم ذلك أو عدم تيسر ضبطه فلو عملت أعمال المستحاضة وصلت ثم حصلت الفترة بعد الصلاة لم تجب إعادة الصلاة و إنما تجب إعادة الأعمال للصلوات الآتية.

(مسألة 227): يحل الطواف للمستحاضة إذا عملت بالوظائف المقررة للصلاة من الوضوء في القليلة و المتوسطة أو الغسل في الكثيرة بل في المتوسطة إذا أرادت الإتيان به أول اليوم، فإذا كانت وظيفتها الغسل اغتسلت- كما في الكثيرة و المتوسطة أول اليوم- و طافت من غير وضوء، و إذا كانت وظيفتها الوضوء أتت به قبل الطواف و اجتزأت به لصلاته.

(مسألة 228): لا يتوقف صحة الصوم من المستحاضة علي القيام بوظائفها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 77

المتقدمة للصلاة،

بل يصح منها مع التفريط بالوظائف المذكورة. و كذا قراءة العزائم، و دخول المساجد، و إن كان الأحوط وجوبا عدم دخول الكعبة الشريفة لها حتي مع القيام بالوظائف. بل الظاهر عدم جواز مسّ المصحف لها، و أما لو اضطرت له- و لو لتوقف رفع هتك المصحف عليه- كان عليها تجديد الوظائف المتقدمة له مع تيسرها، و مع تعذرها فالأحوط وجوبا الانتقال للتيمم.

(مسألة 229): غسل الاستحاضة كغسل الجنابة و الحيض في الكيفية، و يجزئ هو عنهما و عن غيرهما من الاغتسال كما تجزئ عنه بقية الأغسال. كما يجزئ الإتيان بغسل واحد بنية الجميع نظير ما سبق في المسألة (185) من الفصل الرابع في أحكام غسل الجنابة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 78

المبحث الرابع في غسل النفاس

دم النفاس دم يقذفه الرحم بوضع الحمل سواء خرج أثناء الولادة بخروج جزء من الولد أم بعدها، دون ما خرج قبلها و إن استند إليها، بل يحكم عليه بأحكام الاستحاضة.

(مسألة 230): يشكل صدق النفاس علي ما يخرج بالسقط إذا لم يصدق عليه الولد، مثل ما يخرج عند إلقاء المضغة أو العلقة أو النطفة، و الأحوط وجوبا القيام معه بأعمال المستحاضة.

(مسألة 231): لا حدّ لقليل النفاس، بل قد لا يكون للمرأة نفاس كما إذا لم تر دما عند الولادة.

(مسألة 232): النفساء إن استمر بها الدم فإن كانت ذات عادة عددية تنفست بقدر عادتها، و استظهرت بيوم أو يومين إلي تمام العشرة، ثم تعمل أعمال المستحاضة نظير ما تقدم في المسألة (204) من الفصل الأول من مباحث الحيض و إن كان الأحوط وجوبا لها عدم ترك الاستظهار و لو بيوم. و إن لم تكن ذات عادة عددية تنفست إلي العشرة ثم عملت أعمال المستحاضة، و

إن كان الأحوط وجوبا لها القيام بتروك النفساء إلي ثمانية عشر يوما.

(مسألة 233): إذا لم تر المرأة بعد الولادة إلي عشرة أيام دما لم يكن لها نفاس أصلا، و إذا رأته بعدها كان حيضا إن كان واجدا لشروطه، و إلا كان استحاضة، و كذا لو انفصل الدم عن الولادة بمقدار معتدّ به بحيث لا يكون مسبّبا عرفا عنها و لا يعدّ نفاسا عندهم. نعم إذا كان الفاصل قليلا بحيث يعدّ عرفا نفاسا جري

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 79

عليه حكم النفاس.

(مسألة 234): مبدأ الحساب من حين تمام الولادة، لا من حين البدء بها و إن كان الخارج بظهور أول جزء من الولد نفاسا أيضا كما سبق.

(مسألة 235): إذا تعدد الولد كان لكلّ نفاسة، و يتداخل النفاسان في الزمن المشترك بينهما و ينفرد كل منهما بالزمن المختص به، فلو كان نفاس المرأة عشرة أيام و ولدت الأول في أول الشهر، و الثاني في خامسة كانت الخمسة الاولي من الشهر من نفاس الأول و الخمسة الثالثة منه من نفاس الثاني و الخمسة الثانية من نفاسهما معا، و لو لم يكن بينهما زمان مشترك- كما لو كان بينهما عشرة أيام فما فوق- اختص نفاس كل منهما بزمانه، و لا يعتبر فصل أقل الطهر- و هو عشرة أيام- بينهما، بل قد لا يفصل بينهما طهر أصلا.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 79

(مسألة 236): إذا تقطّع الولد كان مبدأ الحساب خروج آخر قطعة منه، و إن وجب ترتيب أثر النفاس علي الدم الخارج من أول ظهور جزء

منه، كما سبق.

(مسألة 237): الدم الخارج قبل المخاض حيض إن بلغ يومين فما زاد و لم يتجاوز العشرة، و لا يعتبر الفصل بينه و بين النفاس بأقل الطهر، بل يجوز أن يكون متصلا به من دون طهر أصلا، و إن لم يتجاوز العشرة أو لم يبلغ اليومين فهو استحاضة، و كذا ما يبدأ خروجه حال المخاض قبل ظهور جزء من الولد، أما بعد ظهوره فهو نفاس كما سبق.

(مسألة 238): إذا رأت النفاس ثم انقطع ثم عاد قبل مضي عادتها أو قبل العشرة فالنقاء المتخلل بين الدمين بحكم الطهر، كما تقدم نظيره في النقاء المتخلل بين دمي الحيض الواحد في ضمن العشرة.

(مسألة 239): إذا استمر الدم بعد الولادة مدة طويلة شهرا أو أكثر فقد تقدم في المسألة الثالثة بيان مقدار نفاسها و أنها تعمل بعده علي الاستحاضة و الظاهر أنها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 80

تبقي علي ذلك حتي ينقطع الدم فتحيض بمجرد رؤية الدم الجديد مع واجديته لشروط الحيض، و منها الفصل بينه و بين أيام النفاس بعشرة أيام. و لا تتحيض باستمرار الدم الأول بمجرد مضي أقل الطهر بعد أيام النفاس، و لا بحضور عادتها الوقتية- لو كانت لها عادة وقتية- و لا بالتمييز لو صار الدم بصفات الحيض و لا بغير ذلك مما تقدم في حكم مستمرة الدم في الحيض.

نعم، إذا طال أمد الدم بحيث خرج عما يتعارف عند النساء من الدم المتصل بالولادة، رجعت إلي حكم مستمرة الدم المتقدم في مبحث الحيض. و كذا إذا ضعف الدم المتصل بالولادة و خفّ، ثم رجع الدم إلي الكثرة بحيث يعدّ عرفا دما آخر غير الدم المسبّب عن الولادة.

(مسألة 240): يجب علي النفساء الاستبراء

عند انقطاع الدم عن الظهور بإدخال قطنة، نظير ما سبق في المسألة (203) من الفصل الأول من مباحث الحيض.

(مسألة 241): يحرم علي النفساء العبادات المشروطة بالطهارة، و تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة إلا التي تنفست أو طهرت في أثناء وقتها، كما يحرم عليها الدخول للمساجد علي نحو ما تقدم في الحائض. كما يحرم وطؤها حال النفاس، من دون أن تجب الكفارة بذلك. و يكره وطؤها بعد النفاس قبل الغسل.

كما لا يصح طلاقها، و لا ظهارها، علي نحو ما تقدم في الحيض. بل الأحوط وجوبا مشاركتها للحائض في الأحكام حتي المكروهات، بل هو الأظهر في أكثر تلك الأحكام.

(مسألة 242): يجب عليها الغسل بعد الحكم بطهرها من النفاس، و هو يشارك غسل الحيض في الكيفية و الأحكام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 81

المبحث الخامس في غسل الأموات

اشارة

و ينبغي التعرّض لسائر أفعال التجهيز و لما يناسب ذلك مما يتعلق بالموت، فيقع الكلام في ضمن مقدمة و فصول خمسة.

مقدمة في مقدمات الموت و لواحقه

يجب علي الإنسان عند تخوّف الموت أو ظهور أمارته المبادرة لأداء الواجبات المالية و غيرها التي في ذمته للّه تعالي- كقضاء الصوم و الصلاة و أداء الخمس و الزكاة و غير ذلك- و أداء حقوق الناس الحالّة و التوثّق من أداء ما لا يسعه أداؤه في حياته بالوصية علي أوثق الوجوه الموصلة لأدائه بعد وفاته، كما يجب عليه الإقرار و الإشهاد علي ما في ذمته و ما تحت يده من الأمانات توثّقا علي حفظها و وصولها لأهلها. كما يتأكد عليه وجوب المبادرة للتوبة و المسارعة للاستغفار و التكفير عما عليه مما يخلصه من تبعات ذنوبه.

(مسألة 243): يستحب توجيه المحتضر للقبلة، بل هو الأحوط استحبابا، كما يجب توجيهه إليها بعد الموت. و ذلك بأن يكون مستقبلا بوجهه و باطن رجليه إليها، بحيث لو جلس كان مستقبلا لها.

(مسألة 244): يستحب للإنسان حال الاحتضار- بل في جميع الأحوال- الإقرار بالشهادتين و بولاية الأئمة عليهم السلام و بجميع العقائد الحقة و تذكّرها و تقريرها في النفس دفعا لوساوس الشيطان. بل يستحب إشهاد من حضره من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 82

المؤمنين بذلك عند الوصية بالمأثور و يستحب تلقينه بذلك كله عند الاحتضار، كما يستحب أن يكون آخر كلامه «لا إله إلّا اللّه» ففي بعض النصوص المعتبرة «من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة» كما يستحب تلقينه كلمات الفرج، و هي: «لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن

و ما بينهن و ما [تحتهن] و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين». و نسأله سبحانه أن يعيذنا و جميع المؤمنين من الشيطان الرجيم و من الفتنة عند الموت و لا يخرجنا من الدنيا حتي يرضي عنا و أن يعيننا بأفضل العون و يلطف بنا برحمته و يسهل علينا جميعا سكرات الموت إنه أرحم الراحمين و ولي المؤمنين و هو حسبنا و نعم الوكيل.

(مسألة 245): يكره أن يمسّ حال النزع و أن يحضره جنب أو حائض.

(مسألة 246): يستحب بعد الموت المبادرة لتغميض عيني الميت و شدّ لحييه- و هما عظما الفك الأسفل- إلي رأسه. قيل: و أن يطبق فمه و تمدّ يداه إلي جانبيه و ساقاه، كما يستحب أن يغطي بثوب.

(مسألة 247): يستحب إعلام إخوانه المؤمنين بموته ليحضروا جنازته، و تعجيل تجهيزه إذا تحقق موته.

(مسألة 248): يجب علي المكلّفين كفاية تجهيز الميت المؤمن بحيث لو قام به أحدهم أجزأ عن الباقين، و إن تركوه كلهم كانوا عاصين، و من عجز عن القيام بذلك و تمكن من التسبيب له بإخبار غيره و إعانته عليه وجب عليه القيام بذلك.

(مسألة 249): لا بدّ من وقوع التجهيز بإذن الولي، بمعني حرمة الاستقلال عنه، فيكون الفعل محرّما. و مع الالتفات لذلك يمتنع التقرب به، فيبطل إن كان عبادة كالصلاة و التغسيل، أما مع الغفلة عن الحرمة فيصح العمل و يجزئ، كما يجزئ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 83

ما لا يعتبر فيه التقرّب كالتكفين و الدفن.

(مسألة 250): الزوج أولي بزوجته من كل أحد، إلا أن يكون مملوكا أو قاصرا عن مقام الولاية بصغر أو جنون أو نحوهما، كما أن المالك أولي من كل أحد بمملوكه، إلا مع قصوره.

ثم تكون الولاية لطبقات الميراث علي الترتيب بينهم و هم الأبوان و الأولاد، ثم الأخوة و الأجداد، ثم الأخوال و الأعمام، مع قيام أولادهم مقامهم عند فقدهم، علي ما يذكر في مباحث الإرث، ثم المولي المعتق، ثم ضامن الجريرة، ثم الإمام.

و لا يرجع للطبقة المتأخرة إلا مع تعذّر الرجوع للطبقة المتقدمة لبعض الموانع الخارجية أو امتناعها عن إعمال ولايتها أو قصورها عن مقام الولاية بصغر أو نحوه.

(مسألة 251): مع تعدد الأولياء في الطبقة الواحدة تسقط ولاية من يتعذّر الرجوع إليه لبعض الموانع الخارجية أو من يمتنع عن إعمال ولايته، أو يقصر عن مقام الولاية بصغر أو نحوه. و أما الترجيح بين أفراد الطبقة الواحدة فغير ثابت و الأحوط وجوبا الاستئذان من الجميع.

(مسألة 252): إذا تعذّر الرجوع للولي في جميع الطبقات فالظاهر جواز استقلال كل أحد بالتجهيز و لا يحتاج لمراجعة الحاكم الشرعي.

(مسألة 253): إذا كان الميت قد أوصي بأن يتولي أمره شخص غير الولي الشرعي فالأحوط وجوبا العمل بإذنه و إذن الولي معا، كما انه لو أوصي بخصوصيّات التجهيز كالغسل بماء خاص أو التكفين من نوع خاص أو الدفن في قبر خاص أو غير ذلك فالأحوط وجوبا عدم خروج الولي عن ذلك، إلا أن يستلزم صرف مال فيلحقه حكم الوصية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 84

(مسألة 254): مؤن التجهيز كالكفن و الماء و السدر و أرض القبر لو توقفت علي بذل المال من التركة تقدم علي الدين و الوصية. نعم مؤن تجهيز الزوجة علي زوجها، و لا تخرج من التركة إلا مع إعساره بحيث لا يقدر علي الاقتراض.

و كذا مع عصيانه، و إن جاز للورثة حينئذ الرجوع عليه إذا دفعوها بنيّة الرجوع عليه بعد

مراجعة الحاكم الشرعي. كما انّ مؤن تجهيز المملوك علي مالكه.

هذا و لو لم يكن للميت تركة أو امتنع الورثة أو الزوج أو المالك عن القيام بذلك و تعذّر إجبارهم لم يجب علي عامة الناس بذل المؤن كفاية، بل يسقط من التجهيز ما احتاج إلي بذل مؤنة عدا الدفن فإنه يجب القيام بمؤنته دفعا لهتك المؤمن و مراعاة لحرمته.

(مسألة 255): المقدار الذي يجب بذله من المؤنة من التركة أو علي الزوج أو المالك هو المقدار الذي يتحقق به الواجب، دون ما زاد عليه من المستحبات أو ما تقتضيه الأعراف الاجتماعية أو العادات الخاصة بالقبيلة أو نحو ذلك، بل لا يتحمل الزيادة إلا من يريد القيام بها أو كان الميت قد أوصي بها فتخرج من ثلثه.

نعم لو أعدّ الإنسان كفنه وجب تكفينه به و إن زاد فرقه عن أصل الواجب، علي الثلث أو استغرق التركة.

الفصل الأول في تغسيل الميت

(مسألة 256): الأحوط وجوبا تطهير كل موضع من بدن الميت من كل نجاسة خارجية غير الموت قبل الشروع في تغسيله.

(مسألة 257): كيفية تغسيل الميت كغسل الجنابة، و إن كان الرأس منفصلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 85

وجب تقديم غسل رأسه. كما أن غسل الميت يختلف عن غسل الجنابة بأمرين آخرين:

الأول: كثرة الماء و إفاضته بحيث يتحقق به الغسل عرفا علي النحو المعهود في التطهير من الخبث، و لا يكفي القليل منه كما تقدّم في غسل الجنابة و غيره.

الثاني: تثليث الغسلات، فيغسل أولا بماء السدر ثم بماء الكافور ثم بالماء القراح- و هو الماء المطلق.

(مسألة 258): لا بد فيه من النية علي النحو المتقدم في الوضوء و يجري فيه ما سبق هناك من الفروع. و يترتب علي ذلك عدم صحته بداعي أخذ

الأجرة أو الجعل عليه إذا لم يكن الداعي القربي صالحا للداعوية استقلالا. بل الأحوط وجوبا عدم الأجرة عليه و لا الجعالة مطلقا، و لو أريد دفع شي ء عليه كان هدية محضة غير مسبوقة بشرط أو اتفاق.

(مسألة 259): لو تعذّر أحد الخليطين أو كلاهما وجب الغسل بالماء القراح بدلا عن غسلته، و الأحوط وجوبا نيّة البدلية و لو إجمالا بقصد ما هو المشروع علي نحو ما شرع.

(مسألة 260): يعتبر في السدر أن يكون بمقدار يحقق تنظيف جسد الميت الذي هو الغرض منه عرفا، و الظاهر أن ذلك ملازم لخروج الماء به عن الإطلاق.

نعم لا بدّ من عدم كثرته، بنحو لا يصدق به الغسل بماء السدر. كما يعتبر في الكافور أن يكون بمقدار يتحقق به تطييب جسد الميت. و أما الغسل الثالث فيعتبر فيه إطلاق الماء و لا يقدح فيه اشتماله علي شي ء من السدر أو الكافور أو غيرهما مما لا يخرجه عن الإطلاق.

(مسألة 261): لو تعذّر تثليث الأغسال لقلة الماء لزم ترجيح الغسل بالماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 86

القراح. و مع القدرة علي غسل آخر يتخير بين أحد الخليطين. و الأحوط وجوبا ضمّ التيمم حينئذ.

(مسألة 262): إذا تعذر التغسيل لعدم الماء أو لخوف تناثر جلد الميت- لحرق أو غيره- وجب أن ييمّم. نعم لو أمكن صب الماء من دون دلك و لم يخف معه من تناثر جلد الميت، وجب و لم يشرع التيمم.

(مسألة 263): يكفي تيمم واحد. و إن كان الأحوط استحبابا التثليث كما في الغسل و ينوي بها ما هو المشروع واقعا من دون نيّة بدليّة كل واحد عن غسل خاص.

(مسألة 264): يجب في التيمم أن يكون الضرب و المسح بيد الميت مع

الإمكان، و مع تعذره يكفي الضرب و المسح بيد الحي الذي ييمّمه.

(مسألة 265): إذا تنجس بدن الميت بنجاسة منه أو من غيره بعد التغسيل قبل التكفين وجب تطهيره منها. و لا يجب إعادة الغسل لها. بل الأحوط وجوبا التطهير حتي لو أصابته النجاسة بعد التكفين بل بعد وضعه في القبر إذا لم يتم الدفن.

(مسألة 266): لا بد من المماثلة بين الميت و المغسل في الذكورة و الأنوثة.

و يستثني من ذلك موارد:

الأوّل: الصبي و الصبية، فيجوز تغسيل غير المماثل لهما اختيارا إلي ثلاث سنين. و أما مع الاضطرار و فقد المماثل فيجوز مطلقا.

الثاني: الزوجان فيجوز تغسيل الزوج زوجته و تغسيل الزوجة زوجها. و إن كان الأحوط وجوبا الاقتصار في الثاني علي فقد المماثل. كما إن الأحوط وجوبا فيهما معا عدم النظر للعورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 87

الثالث: المحارم بنسب أو رضاع أو مصاهرة بشرط فقد المماثل، و أحد الزوجين. و يستحب كونه من وراء الثياب. و يحرم النظر للعورة.

الرابع: تغسيل المولي لأمته و الأمة لمولاها علي كلام و تفصيل لا يهم التعرض لهما بعد عدم الابتلاء بذلك في هذه العصور أو ندرته.

(مسألة 267): إذا انحصر المماثل بالكتابي فمع وجود أحد الزوجين أو المحارم من غير المماثل يتعين تولّيهم التغسيل، و مع فقدهم يغتسل الكتابي ثم يغسّل الميت. و إذا أمكن المخالف قدّم علي الكتابي. و الأحوط وجوبا اغتساله قبل التغسيل كالكتابي. و إذا وجد المماثل المسلم أو أحد الزوجين أو المحارم بعد ذلك أعاد التغسيل ما لم يتضيق وقت الدفن لتعرض الميت للهتك.

(مسألة 268): إذا لم يوجد المماثل حتي الكافر و لا أحد الزوجين و الأرحام سقط التغسيل، نعم يستحب تغسيل غير المماثل له

من وراء الثياب، و دونه في المرأة غسل مواضع الوضوء، ثم غسل مواضع التيمم- بأن يغسل باطن كفيها ثم وجهها ثم ظاهر كفيها- ثم الاقتصار علي غسل الكفين. و يتخير بينها و بين التيمم أيضا.

(مسألة 269): إذا دفن الميت بلا تغسيل عمدا أو خطأ وجب نبشه لتغسيله.

و لو تعذّر التغسيل لتغيّر جسد الميت وجب تيممه، و كذا يجب نبشه للتيمم إذا كان حكمه التيمم قبل الدفن فلم ييمم. نعم إذا لزم محذور هتكه أو الإضرار ببدنه حرم النبش.

(مسألة 270): إذا مات في حال الإحرام قبل أن يحلّ له الطيب حرم تطييبه بجعل الكافور في ماء غسله الثاني و بتحنيطه و بغيرهما من أنحاء التطييب.

(مسألة 271): المقتول في جهاد مشروع إذا لم يدركه المسلمون حيا بعد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 88

الحرب أو في أثنائها عند تفقد الجرحي لا يغسّل و لا يحنّط، بل يصلّي عليه و يدفن بثيابه، إلا أن يجرّد من ثيابه فيكفّن.

(مسألة 272): من وجب قتله برجم أو قصاص فإنه يغتسل غسل الميت المتقدم و يتحنّط و يكفّن كتكفين الميت، ثم يقتل و يصلّي عليه و يدفن بلا تغسيل.

(مسألة 273): يحرم تقليم أظافر الميت و قصّ شعره و حلقه و ختانه و نحو ذلك ممّا يوجب فصل شي ء من بدنه، بل الأحوط وجوبا عدم تخليل أظافره إلا ما يتوقف عليه وصول الماء لظاهر البشرة الذي يجب غسله من الحي، و كذا ترجيل شعره و تمشيطه إذا احتمل سقوط شي ء منه بسببه. و لو سقط منه شي ء دفن معه.

(مسألة 274): ذكروا للتغسيل سننا و آدابا يضيق المقام عن ذكرها. فلتراجع في المطوّلات.

(مسألة 275): يستحب أن يستقبل الميت بعد التغسيل معترضا كما يستقبل به

حال الصلاة عليه.

الفصل الثاني في التكفين

يجب تكفين الميت بثلاثة أثواب.

الأول: القميص. و الأحوط وجوبا عدم الاجتزاء عنه بثوب شامل لجميع البدن.

الثاني: الإزار و الأفضل أن يلف به تمام البدن لكن يجزي ما يلف ما عدا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 89

الرأس منه.

الثالث: الرداء و لا بد أن يلف تمام البدن حتي الرأس. و الأولي كونه بردا يمانيا.

(مسألة 276): ذكروا أنه لا بد في القميص أن يكون ساترا من المنكبين إلي نصف الساق. لكن الظاهر كفاية ستره الفخذين.

(مسألة 277): المشهور أن أول ثياب الكفن مئزر يستر ما بين السرة و الركبة من دون حاجة للإزار الذي تقدم أنه الثوب الثاني من ثياب الكفن. و عليه اشتهر العمل اليوم. لكن لم يثبت مشروعيته فضلا عن الاجتزاء به عما ذكرنا. فاللازم التنبه لذلك. نعم قد يهون الأمر بلحاظ ما عليه كثير من المؤمنين من زيادة حبرة يلف بها الميت زائدا علي الكفن للبناء علي استحبابها، فإنه يتحصل بها العدد المطلوب.

(مسألة 278): لا بد من حصول الستر بمجموع الثياب. بل الأحوط وجوبا كون كل منها ساترا بنفسه لما تحته.

(مسألة 279): إذا تعذرت الثياب الثلاثة اقتصر علي الميسور منها. و يقدم الأشمل مع الدوران بينه و بين غيره. و إذا لم يتيسر إلا ما يستر العورة وجب سترها به، و مع الدوران بين القبل و الدبر يتعين ستر القبل.

(مسألة 280): لا يجوز التكفين بالحرير، و لا بالمخلوط به إلا أن يكون الخليط أكثر. و مع الانحصار فالأحوط وجوبا التكفين به.

(مسألة 281): الأحوط وجوبا عدم التكفين بالجلد و نحوه مما لا يكون من سنخ المنسوج إلا مع الضرورة.

(مسألة 282): لا بد من طهارة الكفن، و لو تنجس بعد التكفين به بنجاسة من

منهاج

الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 90

الميت أو غيره وجب تطهيره أو قرض موضع النجاسة و قطعه من الكفن.

و الأحوط وجوبا الاقتصار في القرض علي ما إذا كان موضع النجاسة صغيرا بحيث لا يكون القرض مفسدا للكفن مانعا من ستر بدن الميت به، و إلا لزم رد بعضه علي بعض. و لو انحصر الكفن بالنجس تعيّن التكفين به.

يحرم التكفين بالمغصوب و يسقط وجوب التكفين مع الانحصار به. لكن لا يجب علي من علم بغصبية الكفن السعي لنزعه أو تبديله إذا لم يكن هو الغاصب، و إن حرم عليه حينئذ التصرف به و لو بحمل الميت، نعم لو علم الوارث بغصبية الكفن وجب عليه بذل الكفن من التركة مع وفائها به أو بالميسور منه.

(مسألة 283): يستحب أن يزاد للميت خرقة يشدّ بها وركاه و فخذاه و عورته تحت القميص أو فوقه، و يزاد للرجل العمامة، و للمرأة الخمار كما يستحب أن يكثر من وضع القطن علي القبل و الدبر تحت اللفافة.

(مسألة 284): يستحب أن يكون الكفن من قطن أبيض و أن يكون من خالص المال و طهوره، و أن يكون فيه ثوب قد أحرم أو صلي فيه، و أن يكتب علي حاشية الإزار منه فلان يشهد أن لا إله إلا اللّه و يستحب أن يكتب ذلك بتربة الحسين عليه السلام. و لا بأس بإضافة الشهادة بالرسالة للنبي صلّي اللّه عليه و آله و الإمامة للأئمة عليهم السلام بل سائر الاعتقادات الحقة برجاء انتفاع الميت بها. و غير ذلك مما هو مذكور في المطولات.

(مسألة 285): يستحب للإنسان أن يعدّ كفنه في حياته و أن يكرر النظر إليه.

و حينئذ يعد الكفن المذكور من المؤن فلا يجب إخراج خمسه

إذا كان من أرباح سنة إعداده.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 91

(مسألة 286): يستحب أن يجعل مع الميت جريدة رطبة، و أفضل منه جريدتان. و ينبغي الاهتمام بذلك لأهمية فائدته بها. و قد أجمعت عليه روايات الفريقين، و هي كثيرة جدا إلا أن اللّه تعالي وفّق هذه الفرقة للاهتمام بذلك و العمل بسنة النبي صلّي اللّه عليه و آله فيه دون غيرها، حتي صار من متفرداتها، و في النص الصحيح «قلت لأبي جعفر عليه السلام: أ رأيت الميت إذا مات لم تجعل معه جريدة؟

فقال: يتجافي عنه العذاب ما دام العود رطبا، إنّما العذاب و الحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل في القبر و يرجع القوم، و إنما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب و لا حساب بعد جفوفهما إن شاء اللّه». و لعلّ الأفضل بقاء خوصها عليها.

(مسألة 287): المستحب بالأصل جريد النخل، فإن تعذّر فالأولي عود السدر، ثم عود الخلاف- و هو نوع من الصفصاف- ثم عود الرمان، ثم كل عود رطب.

(مسألة 288): يستحب أن يكون طول كل من الجريدتين قدر شبر، و أفضل منه قدر ذراع.

(مسألة 289): يستحب وضع الجريدتين بإحدي كيفيتين:

الاولي: وضع إحداهما في الجانب الأيمن من عند الترقوة إلي ما بلغت طولا ملصقة بالجلد، و الأخري في الجانب الأيسر فوق القميص من عند الترقوة إلي ما بلغت طولا كذلك.

الثانية: وضع إحداهما بين الركبتين طولا بحيث تكون الركبتان عند نصفها، و وضع الأخري تحت الإبط الأيمن. و الأولي اختيار الكيفية الأولي. و مع عدم تيسر ذلك فالأولي وضعهما في القبر كيف اتفق، و مع عدمه تغرزان بعد الدفن في القبر. و لو كانت جريدة واحدة فالأفضل جعلها

في يمين الميت.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 92

الفصل الثالث في التحنيط

يجب تحنيط الميت بعد تغسيله قبل إكمال تكفينه. و الواجب من مواضع التحنيط هو المساجد السبعة، و الأولي إضافة الأنف إليها، و يستحب أن يزاد عليها مفاصله و لبّته- و هي الحفرة في أصل العنق تحت الحنجرة- و صدره و باطن قدميه و ظهر كفيه و رأسه و لحيته و عنقه و منكباه و فرجه و فمه و راحتاه و موضع الشّراك من القدمين الذي هو قبّة القدم. و الأولي إضافة المغابن، و هي الآباط من اليدين و المرافق التي هي من الرجلين كالآباط من اليدين.

(مسألة 290): الحنوط هو الكافور. و يشترط فيه أن يكون مسحوقا له رائحة.

و الأحوط وجوبا أن يكون طاهرا.

(مسألة 291): التحنيط بالكافور إنما يكون بمسحه علي الموضع بنحو يبقي شي ء منه عليه.

(مسألة 292): يكره وضع الكافور في منخريه و عينيه و اذنيه و علي وجهه غير ما تقدم ذكره.

(مسألة 293): يكفي من الكافور المسمي، إلا أن الأولي أن يكون بقدر ثلاثة عشر درهما و ثلث، ثم أربعة مثاقيل شرعية- و تساوي سبعة عشر غراما- ثم مثقال و نصف- و تساوي ستة غرامات و ثلاثمائة و خمسة و سبعين ملغرام- ثم مثقال و يساوي أربعة غرامات و ربعا.

(مسألة 294): يستحب خلط الكافور بتربة الحسين عليه السلام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 93

الفصل الرابع في الصلاة علي الميت

لا تشرع الصلاة علي الطفل إذا لم يعقل الصلاة. و المشهور وجوبها بعد ذلك.

لكن الظاهر الاستحباب و عدم وجوبها حتي يبلغ و يكلّف بالصلاة. هذا و قيل بأن الحدّ في عقله للصلاة أن يبلغ ست سنين، لكن الظاهر أن المرجع فيه العرف، و هو يختلف باختلاف الأطفال.

(مسألة 295): تجب الصلاة علي المؤمن كما تجب علي المستضعف الواقف و هو

الذي لا يجحد الولاية و لا يقرّ بها، و لو لعدم التفاته لها، و كذا علي مجهول الحال. و لا تجب علي جاحد ولاية أهل البيت عليهم السلام، إنما تجب أو تحسن تقيّة من المخالفين أو مداراة لهم و تأليفا لقلوبهم.

(مسألة 296): الطفل ملحق بأبيه في الإيمان و غيره، و كذا المجنون المتصل جنونه بصغره، و أما من عرض له الجنون بعد البلوغ فهو محكوم بحاله حين البلوغ.

(مسألة 297): يجب في الصلاة علي المؤمن و المستضعف و مجهول الحال خمس تكبيرات لا بدّ من الذكر و الدعاء بينهما و ختامهما التكبيرة الخامسة من دون حاجة للتسليم، بل هو غير مشروع فيها. و أما الصلاة علي الجاحد لولاية أهل البيت عليهم السلام فهي أربع تكبيرات لا بد من الذكر و الدعاء بينها أيضا، و يكون ختامها بالرابعة.

(مسألة 298): لا بد في الصلاة علي الميت من الدعاء له إن كان مؤمنا بالغا، و أما إن كان طفلا فيكفي الدعاء لأبويه إن كانا أهلا لذلك و للمؤمنين، و في بعض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 94

النصوص أنه يقال: «اللهم اجعله لأبويه و لنا فرطا و سلفا». و إن كان مستضعفا واقفا غير جاحد للولاية يدعي للمؤمنين بدل الدعاء له، و يجوز الدعاء له علي سبيل الشفاعة لا علي سبيل الأخوة و الولاية في الدين. و أما مجهول الحال فيدعي بما ينفعه إن كان مؤمنا كالدعاء للمؤمنين عموما، و الدعاء له بأن يحشر مع من يتولاه، أو يقال: «اللهم إن كان يحب الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه»، و نحو ذلك.

و أما الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله فوجوبها في الصلاة علي

الميت لا يخلو عن إشكال، و إن كان الأحوط وجوبا الإتيان بها. و لا يجب في الصلاة علي الميّت ما عدا ذلك كالشهادتين و الدعاء للمؤمنين و إن كان حسنا.

و الأولي في كيفيتها: أن يكبر المصلي أولا و يتشهّد الشهادتين، و له أن يضيف الإقرار بسائر العقائد الحقة، ثم يكبّر ثانيا و يصلي علي النبي و آله (صلوات اللّه عليهم)، و يحسن أن يخص إمام العصر بالدعاء، و أن يضيف الصلاة علي جميع الأنبياء و المرسلين و الملائكة المقربين و غيرهم ممن يستحق أن يصلي عليه، ثم يكبّر ثلاثا و يدعو للمؤمنين و المؤمنان و يستغفر لهم. و يكبّر رابعا و يدعو للميت إن كان مؤمنا بالغا، و إلا فعلي النحو المتقدم ثم يكبّر خامسا و ينصرف.

و يجوز تكرار جميع الأدعية المتقدمة بين التكبيرات كلها، كما يجوز الاقتصار علي الصلاة علي النبي و آله (صلوات اللّه عليهم) و الدعاء للميت و تكرار ذلك بين التكبيرات. و لا يجب في جميع الأدعية المتقدمة التقيد بألفاظ مخصوصة، بل يكفي ما تضمن ذلك بأي لفظ كان.

(مسألة 299): الأحوط وجوبا أن يكون المقدار الواجب من الدعاء بالعربية و أن لا يكون ملحونا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 95

(مسألة 300): لا تجب قراءة القرآن في صلاة الميت. نعم يجوز الإتيان بالأدعية و الأذكار القرآنية المناسبة لصلاة الميت فيها.

(مسألة 301): يشترط في الصلاة علي الميت أمور:

و منها: النية علي نحو ما تقدم في الوضوء.

و منها: اذن الولي علي ما تقدم تفصيله في المسألة (249) من مقدمات الموت و لواحقه.

و منها: حضور الميت، فلا يصلّي علي الغائب. و ليست الصلاة عليه إلا الدعاء له.

و منها: وقوف المصلي خلفه محاذيا لبعضه، إلا

أن يكون المصلي مأموما و قد استطال الصف حتي خرج عن المحاذاة، أو كانت الجنائز متعددة قد وضعت بنحو التدرّج علي ما يأتي في المسألة (310).

و منها: أن يكون الميت قريبا من المصلي غير بعيد عنه و لا مرتفع عليه كثيرا و لا منخفض عنه كذلك، و لا محجوب عنه بجدار أو ستر أو نحوهما. نعم لا بأس بأن يكون محجوبا بالستر الموضوع علي السرير و نحوه كما لا يضرّ الفصل بالمقدار القليل، و اللازم أن يصدق عرفا كون المصلي واقفا عند الميت.

و منها: أن يكون المصلي قائما، و مع تعذّره يجتزأ بصلاة الجالس، بل تجب، أما مع تعذّر صلاة الجالس ففي وجوب صلاة المضطجع و المستلقي إشكال.

و منها: أن يكون الميت مستلقيا علي قفاه.

و منها: الاستقبال للمصلي و الاستقبال بالميت بأن يكون معترضا رأسه باتجاه يمين المصلي و رجلاه باتجاه يساره.

و منها: الموالاة بين التكبيرات و الأدعية علي الأحوط وجوبا. و اللازم فيها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 96

عدم الفصل بالنحو الذي يصدق معه عرفا عدم الانشغال بالصلاة. نعم لا بأس بإطالة الأدعية، بل يكفي الانشغال بالذكر و الدعاء و قراءة القرآن و إن لم يكن من سنخ الأدعية المعتبرة في صلاة الميت.

و منها: أن تكون الصلاة بعد التغسيل أو التيمم و التحنيط، و التكفين، و قبل الدفن. لكن مع سقوط أحدها بالتعذر أو بغيره- كما في الشهيد- لا تسقط الصلاة. نعم إذا كان الميت عريانا و تعذّر تكفينه و لو بثوب واحد، فإن أمكن ستر تمام بدنه بثوب حين الصلاة فقط و نزعه بعدها، وجب ستره و الصلاة عليه حينئذ ثم إنزاله في القبر، و إن تعذّر فالأحوط وجوبا إنزاله في لحده

و ستر بدنه به ثم ستر عورته باللبن و الحجر و نحوهما، ثم الصلاة عليه ثم دفنه.

(مسألة 302): لا يعتبر في الصلاة علي الميت طهارة المصلي من الحدث و لا من الخبث و لا إباحة اللباس، نعم الأحوط وجوبا ستر العورة حال الصلاة و ترك الكلام و الضحك و الانحراف عن القبلة، و نحوه مما يكون ماحيا لصورة الصلاة.

(مسألة 303): يشرع تكرار الصلاة علي الميت الواحد ممن لم يصلّ عليه، و كذا ممن صلّي عليه إذا كان هو الإمام. بل هو مستحب خصوصا إذا كان الميت من أهل الشرف في الدين.

(مسألة 304): الظاهر عدم مشروعية الصلاة بعد الدفن حتي علي من دفن بغير صلاة أو كانت الصلاة عليه باطلة. نعم لا بأس بالإتيان بها برجاء المطلوبية.

(مسألة 305): يستحب في صلاة الميت الجماعة. و كلما كان المصلون أكثر كان خيرا للميت. بل الظاهر عدم اعتبار إذن الولي في الائتمام، و إنما يعتبر إذنه في أصل الصلاة لمن يتقدّم لها لأنها من شؤون التجهيز التي تقدم اعتبار إذن الولي فيها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 97

(مسألة 306): الظاهر عدم اعتبار عدالة الإمام في الصلاة علي الميت و عدم اعتبار طهارته بالماء إذا كان المأموم متطهرا به، و عدم قدح الآفة في نطقه إذا كانوا فصحاء، لعدم تحمله عنهم شيئا.

نعم لا يبعد عدم انعقاد إمامة الجالس للقائمين، و كذا مع كون موقف الإمام أعلي من موقف المأمومين و مع عدم اتصالهم به بالنحو المعتبر في إمامة الجماعة في الصلاة. كما أن الأحوط وجوبا في انعقاد الجماعة تقدم الإمام علي المأمومين إذا كان رجلا. نعم إذا كانت امرأة كان لها أن تؤمّ النساء، لكن تقوم في وسطهن و

لا تتقدم عليهن.

(مسألة 307): إذا حضر شخص في أثناء صلاة الإمام كان له أن يكبر و يلتحق بالإمام في دعاء التكبيرة التي هو مشغول فيها و يجعلها أول صلاته، ثم يتابع الإمام في التكبيرات فإذا فرغ الإمام قبل أن يفرغ هو من تكبيراته أتم ما بقي عليه من التكبير من دون دعاء أو مع تخفيف الدعاء، فإن رفعت الجنازة تبعها مستقبلا و أتمّ برجاء المطلوبية.

(مسألة 308): الأفضل وقوف المصلي إذا كان إماما أو منفردا عند صدر الرجل و رأس المرأة. بل يكره وقوفه عند وسط المرأة. و لا بأس بوقوفه عند وسط الرجل و صدر المرأة. و أما إذا كان مأموما فإنه يقف حيث ينتهي به الصف.

(مسألة 309): إذا اجتمعت جنائز متعددة جاز تشريكها بصلاة واحدة، و يراعي في الدعاء لهم التثنية أو الجمع و إذا كان فيهم رجال و نساء فالأفضل جعل الرجال أقرب للإمام.

(مسألة 310): مع اجتماع الجنائز المتعددة يجوز أن يجعلوا جميعا في سمت واحد أمام المصلي. لكن الأفضل جعل كل منهم عند ورك الآخر فيكونون صفا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 98

واحدا شبه الدرج، و يقف الإمام وسط الصف وراءهم جميعا. و إذا كان فيهم رجال و نساء وقف وسط الرجال. و يكون أقربهم للمصلي من هو علي جانب يساره.

(مسألة 311): يستحب للمصلي الطهارة من الحدث، و إذا خاف فوت الصلاة الأولي جماعة إن تطهر بالماء تيمم و صلّي. بل لا بأس بالتيمم برجاء المطلوبية مع عدم خوف الفوت من استعمال الماء.

(مسألة 312): يستحب رفع اليدين عند التكبير، و الأولي أن يرفع الإمام صوته- في صلاة الجماعة- بالدعاء حتي يسمع المأمومين. و أن يتحري كثرة المصلين علي الميت. كما يستحب

الاجتهاد في الدعاء للميت، و تكره الصلاة علي الميت في المسجد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 99

الفصل الخامس في الدفن

يجب دفن المؤمن بمواراته في الأرض بنحو يؤمن علي جسده من السباع و نحوها، و يمنع من ظهور رائحته. و لا يكفي وضعه في تابوت محكم أو بناء إذا لم يكن في بطن الأرض.

(مسألة 313): يجب وضع الميت في قبره معترضا كما تقدم في حال الصلاة عليه، إلا أنه يكون مضطجعا علي جانبه الأيمن موجها وجهه إلي القبلة. و إذا تعذر العلم بالقبلة عمل بالظن، و مع عدمه يسقط وجوب الاستقبال.

(مسألة 314): من مات في البحر إن أمكن تجهيزه و الانتظار به حتي يدفن في البر وجب، و إن تعذر- للزوم هتكه بظهور رائحته و تفسخه أو لإضرار من معه من الأحياء أو لغير ذلك- وجب تغسيله و تحنيطه و الصلاة عليه، ثم إن أمكن حفظ جسده بوضعه في خابية كبيرة تسعه من دون أن يلزم تكسيره و الاعتداء، علي جسده وجب حفظه بجعله في الخابية، و من ثم يسدّ رأسها بأحكام و تلقي في البحر. و إن تعذّر ذلك وجب تثقيله ليرسب في الماء ثم يلقي فيه.

و يجري الحكم المذكور في من يموت في البر أو تعذّر دفنه فيه أو خيف من الاعتداء عليه بعد الدفن بنبشه و هتك حرمته.

(مسألة 315): يحرم دفن المؤمن في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة و البالوعة، كما يحرم الدفن في المكان الموقوف لجهة خاصة لا تعم الدفن، و لا في المكان المملوك بغير إذن مالكه.

(مسألة 316): يحرم دفن ميت في قبر ميت آخر حتي لو اتفق نبش ذلك القبر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 100

و فتح موضع الميت الأول

إلا في صورتين:

الاولي: أن يبتني دفن الميت الأول علي عدم اختصاصه بالقبر، بل علي مجرد جعله فيه مع كونه في معرض دفن غيره معه.

الثانية: أن يخرج الميت الأول من القبر و ينقل عنه، أو يتلاشي فيه و يصير ترابا، بحيث يخرج المكان عن كونه قبرا له. نعم لو كان للميت كرامة دينية بحيث يكون قبره رمزا من رموز الدين و شعائره حتي بعد الاندراس أو بعد نقله منه بحيث يكون نبشه و دفن شخص آخر فيه هتكا له و توهينا للدين حرم.

(مسألة 317): ورد في بعض النصوص النهي عن نقل الميت من بلد موته.

و يحسن متابعتها و إن كانت ضعيفة، لكنه غير واجب، بل يجوز النقل بلا إشكال كما جرت عليه سيرة المسلمين و المؤمنين من الصدر الأول. بل يحسن النقل للبقاع الشريفة كحرم مكة و مشاهد المعصومين عليهم السّلام و خصوصا الغري و الحائر الحسيني، فقد تضمنت الأخبار أن من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر، و أن الدفن في الغري بل في جميع مشاهد المعصومين عليهم السّلام مسقط لسؤال منكر و نكير.

(مسألة 318): يحرم نبش قبر الميت علي نحو يظهر جسده إذا كان فيه هتك له بظهور رائحته و تغير صورته، بل الأحوط وجوبا عدم نبشه بعد الدفن مطلقا.

نعم يجوز النبش في موارد:

الأوّل: ما إذا دفن بلا غسل أو بلا تكفين أو مع وقوعهما علي غير الوجه الشرعي، فيجوز نبشه لذلك إذا كان دفنه قريبا بحيث لا يلزم من النبش هتك الميت بظهور رائحته و تغير صورته، أما مع لزوم ذلك فيحرم النبش، و يسقط التغسيل و التكفين. كما أنه لو طال العهد و جف الميت بحيث لا يلزم هتكه لم

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 101

يجب النبش لتدارك التغسيل و التكفين.

الثاني: ما إذا كان النبش لمصلحة الميت، كالنقل للبقاع الشريفة أو لمقبرة عائلته إذا كان ذلك تعزيزا له أو سببا لذكره بما ينفعه من قراءة القرآن أو الاستغفار أو نحو ذلك. و اللازم تجنب هتكه بانتظار جفافه و التكتم به مهما أمكن. بل قد يجب النقل، كما إذا دفن في مكان يستلزم هتكه كالمزابل و نحوها.

و إذا لزم منه ظهور رائحته أو نحو ذلك مما يوجب هتكه لزم اختيار أقل المحذورين.

الثالث: ما إذا كان في النبش دفع عدوان محرم، كما إذا دفن في ملك الغير بغير إذنه أو دفن معه مال للغير أو نحو ذلك و يراعي في ذلك عدم هتكه بظهور رائحته و نحوه مهما أمكن، و إذا أصر ذو الحق علي التعجيل فالأحوط وجوبا الترجيح بالأهمية.

الرابع: ما إذا توقف علي النبش مصلحة مهمة أو دفع مفسدة كذلك، و يراعي في ذلك عدم هتكه بظهور رائحته و نحوه مهما أمكن.

(مسألة 319): يستحب أن يجعل الميت في موضع متسع من قبره بقدر ما يمكن فيه الجلوس، و الأفضل أن يكون بشق لحد له في جانب القبر، فإن تعذّر لرخاوة الأرض أو خيف انهدامه شقّ له في الأرض شقّا و سقف عليه ببناء و نحوه. كما يستحب أن يكشف عن وجهه و يجعل خده علي الأرض، و أن يجعل معه في القبر شي ء من تربة الحسين عليه السّلام، و الأولي أن يجعل أمام وجهه لبنة منها. و قد وردت أذكار كثيرة عند تناول الميت و إنزاله في القبر و بعد وضعه في القبر و عند سدّ القبر باللبن و بعد ذلك و لا يسع المقام ذكرها.

و

ينبغي الاهتمام بتلقينه و هو في القبر قبل إكمال الدفن بالشهادتين و العقائد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 102

الحقة و إمامة الأئمة عليهم السّلام واحدا بعد واحد. و كذا تلقينه بذلك من قبل أولي الناس به بعد إكمال الدفن عند انصراف المشيعين رافعا به صوته. كما يستحب تربيع القبر، و رشه بالماء. و الأفضل أن يستقبل من يفعل ذلك القبلة و يبدأ من عند الرأس إلي الرجلين ثم يدور إلي الجانب الآخر، فإن فضل منه شي ء فالأولي صبه في وسطه. و في بعض النصوص أنه يتجافي عنه العذاب ما دام الندي في التراب، كما يظهر من بعضها استحباب تكرار الصب في كل يوم إلي أربعين يوما أو أربعين شهرا، كما يستحب أن يضع الحاضرون أيديهم علي القبر عند رأسه مع تفريج الأصابع و غمزها فيه بعد رشه. و أن يستغفروا له و يدعوا له بمثل «اللهم جاف الأرض عن جنبيه و أصعد إليك روحه و لقّه منك رضوانا و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك». إلي غير ذلك.

(مسألة 320): يكره تعميق القبر أكثر من ثلاثة أذرع- و هي تقارب المتر و النصف- و نزول الأب في قبر ولده، و كذا نزول غير المحرم في قبر المرأة، و إهالة الرحم عليه التراب إلي غير ذلك.

تتميم. فيه مسائل ثلاث

الأولي: إذا مات الحمل دون أمه، فإن أمكن إخراجه صحيحا وجب، و إلا جاز تقطيعه مقتصرا من ذلك علي ما تقتضيه الضرورة، و لو خيف علي الام من الاحتياط في ذلك كان الاحتياط لها مقدّما علي الاحتياط له. و إن ماتت هي دونه و احتمل حفظ حياته بإخراجه وجب و لو بشق بطنها، لكنه يخاط بعد

ذلك.

الثانية: يجب إجراء تمام أفعال التجهيز علي أجزاء الميت في موارد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 103

الأول: العظام المجردة عن اللحم، و لا يخلّ نقص عظم أو عظمين مما يتعارف في من أكله السبع و نحوه.

الثاني: البدن التام و إن فقدت منه أطراف من الرأس و اليدين و الرجلين.

الثالث: النصف الذي فيه القلب عرضيا كان أو طوليا إذا كان واجدا للأطراف المناسبة له، فالعرضي أطرافه الرأس و اليدان، و الطولي أطرافه نصف الرأس و يد و رجل واحدة. لكن الأحوط وجوبا إجراء الأفعال المذكورة علي النصف الذي فيه القلب و إن فقد الأطراف أو فقد بعضها.

و أما في غير الموارد المذكورة فلا إشكال في وجوب دفنه، لكن الأحوط وجوبا في ما اشتمل منه علي عظم أن يغسل و يلفّ في خرقة قبل الدفن. لكنه لا يطهر بالتغسيل و الأحوط استحبابا في ما لا يشتمل علي عظم أن يلف في خرقة لا غير.

الثالثة: لا تشرع الصلاة علي السقط. لكن إذا كملت خلقته و نمت أعضاؤه غسّل و حنّط و كفّن و دفن. و هو الأحوط وجوبا فيما إذا تم له أربعة أشهر و لم تتم خلقته لو أمكن ذلك. و أما إذا لم يكن مكتمل الخلقة و لم تتم له أربعة أشهر فالواجب دفنه، و الأحوط وجوبا أن يكون بعد لفّه بخرقة و لا يجب تغسيله و لا تحنيطه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 104

المبحث السادس في غسل مسّ الميت

يجب الغسل بمس ميت الإنسان بعد أن يبرد جميع جسده، من دون فرق بين المسلم و الكافر. بل الأحوط وجوبه بمسّ السقط إذا ولجته الروح. و أما مسّه بحرارته فلا يوجب الغسل، بل يوجب تنجس الماس إذا كان المسّ

برطوبة.

(مسألة 321): إذا تم تغسيل الميت لم يجب الغسل بمسه، حتي لو كان المغسل له الكافر عند فقد المماثل. نعم يشكل الاكتفاء بالغسل الاضطراري الناقص، كالغسل الواحد مع قلة الماء و الغسل الفاقد للخليطين، كما يشكل الاكتفاء بالتيمم عند فقد الماء. فالأحوط وجوبا الغسل بالمسّ في المقامين.

(مسألة 322): الأحوط وجوبا الغسل بمسّ ما لا تحله الحياة من الميت كالسن و الظفر، و كذا مع المسّ بما لا تحله الحياة من الحي. نعم الظاهر عدم وجوبه بمسّ الشعر من الميت، و بالمسّ بالشعر من الحي.

(مسألة 323): يجب الغسل بمس القطعة المبانة من الحي أو الميت إذا كانت مشتملة علي العظم و لا يجب بمسّ اللحم الخالي من العظم، و لا العظم الخالي من اللحم سواء كان مقطوعا من حي أم من ميت. و كذا لا يجب بمسّ العظم إذا كان مشتملا علي قليل من اللحم غير معتدّ به، كالسن إذا قلع و معه قليل من اللحم.

(مسألة 324): لا يجوز لمن عليه غسل المسّ كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة و مس المصحف، و لا يحرم عليه ما يختص بالجنب و الحائض كدخول المساجد و قراءة العزائم.

(مسألة 325): غسل المس كغسل الجنابة و الحيض، و تقدم أنه يجزئ عن الوضوء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 105

المبحث السابع في الأغسال المستحبة

و هي أغسال كثيرة مذكورة في كتب الفقه و الأدعية و الزيارات و غيرها لا يسع المقام استقصاءها، إلا أنه لما تقدم منا في المسألة (184) من الفصل الرابع في أحكام غسل الجنابة أنّ كل غسل مشروع يجزئ عن الوضوء فالمناسب في المقام التعرض لجملة مما يثبت عندنا مشروعيته و استحبابه، ثم نشير لغيره مما لم يثبت عندنا استحبابه و إنما

يحسن الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء. و حينئذ نقول: الأغسال المستحبة علي أقسام ثلاثة:

القسم الأول الأغسال الزمانية: و هي التي تستحب لخصوصية الزمان، و هي عدة أغسال:

و منها: غسل الجمعة، و هو من المستحبات المؤكدة و وقته من طلوع الفجر يوم الجمعة إلي الزوال. و يقضي بعده إلي آخر نهار يوم الجمعة، فإن لم يقضه حينئذ قضاه يوم السبت.

(مسألة 326): مع إعواز الماء و قلّته علي المكلف في تمام يوم الجمعة يجوز تقديم غسله يوم الخميس. و لو أخطأ المكلف في اعتقاده ذلك، ينكشف بطلان غسله. و من ثمّ لو احتمل ذلك جاز له التقديم برجاء المطلوبية من دون أن يجتزئ به عن الوضوء.

و منها: غسل يومي العيدين- الفطر و الأضحي- و وقتهما من طلوع الفجر إلي غروب الشمس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 106

و منها: غسل يوم عرفة و يوم التروية- و هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة- من دون فرق بين من يريد الحج و غيره. و وقتهما من طلوع الفجر إلي غروب الشمس.

و منها: غسل الليلة الاولي من شهر رمضان، و السابعة عشرة منه، و غسل ليالي القدر- و هي الليالي التاسعة عشرة و الإحدي و العشرون و الثلاث و العشرون منه-، و أفضل الثلاث الأخيرة ثم الثانية.

(مسألة 327): يشرع غسل ليالي شهر رمضان في أي جزء من الليل، لكن الأفضل إيقاعه في أول الليل، و أفضل منه إيقاعه قبيل غروب الشمس بقليل.

و الأحوط وجوبا حينئذ عدم تخلل الحدث الأكبر أو الأصغر بينه و بين دخول الليل.

(مسألة 328): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) من الأغسال الزمانية غسل يوم الغدير- و هو اليوم الثامن عشر

من شهر ذي الحجة- و يوم المباهلة- و هو اليوم الرابع و العشرون منه- و يوم مولد النبي صلّي اللّه عليه و آله- و هو اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول- و يوم نيروز، و أول رجب و نصفه و آخره، و يوم المبعث- و هو اليوم السابع و العشرون منه- و ليلة النصف من شعبان، و أول يوم من شهر رمضان، و جميع ليالي الأفراد منه، و جميع ليالي العشر الأواخر منه، خصوصا ليلة الرابع و العشرين، و غسل ثان في آخر الليلة الثالثة و العشرين منه لمن اغتسل أول الليلة المذكورة، و غسل الكسوف إذا احترق القرص كله، و غير ذلك. و هي و إن وردت الأخبار في جملة منها، إلا أنها لم تثبت بنحو معتبر فيحسن الإتيان بها رجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ بها عن الوضوء.

(مسألة 329): يجوز إيقاع الأغسال الزمانية في أي جزء من أجزاء الزمان الذي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 107

نسبت له إلا ما تقدم التنبيه علي التقييد فيه بوقت خاص منه- كغسل الجمعة- أو لجواز إيقاعه قبل الوقت كأغسال ليالي شهر رمضان.

(مسألة 330): لا تنتقض الأغسال الزمانية بالحدث الأصغر أو الأكبر في أجزاء الزمان الذي نسبت له إلا ما تقدم التنبيه عليه في المسألة الثانية.

القسم الثاني من الأغسال المستحبة: الأغسال المكانية، و هي التي تشرع مقدمة للكون في مكان خاص، و هي عدة أغسال:

منها: الغسل لدخول مكة أو المدينة. و المتيقن منهما الدخول لأداء فرض أو نفل من حج أو عمرة أو زيارة. و أما في غير ذلك فالمتعين الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

و منها: الغسل لدخول الكعبة الشريفة.

و

منها: الغسل لدخول مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و منها: الغسل لدخول أحد الحرمين الشريفين حرم مكة و حرم المدينة.

(مسألة 331): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) من الأغسال المكانية الغسل لدخول المسجد الحرام، و الغسل لدخول مشاهد الأئمة عليهم السّلام، بل لكل مشهد أو مكان شريف. لكنه لم يثبت بوجه معتبر، فالأولي الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

(مسألة 332): وقت الأغسال المكانية قبل الدخول في الأمكنة المشروعة لها.

عدا غسل دخول حرم مكة، فإن تقديمه علي دخوله و إن كان أفضل إلا أنه يستحب لمن لم يفعله أن يأتي به بعد دخوله و لو في مكة نفسها.

القسم الثالث الأغسال الفعلية: و هي علي قسمين:

أحدهما: ما يستحب بداعي إيقاع فعل خاص، و هي عدة أغسال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 108

و منها: الغسل للإحرام.

و منها: الغسل لطواف الزيارة، و هو الطواف الواجب في الحج بعد الذبح عند الرجوع من مني. و قيل: باستحبابه لكل طواف و إن لم يكن جزءا من حج أو عمرة. لكنه لا يخلو عن إشكال. فالأولي الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

و منها: الغسل للوقوف بعرفة في الحج. و وقته بعد الزوال قريبا منه.

و منها: الغسل للذبح أو النحر في الحج و المتيقن منه استحبابه لمن يباشر ذلك بنفسه، دون من يستنيب فيه.

و منها: الغسل للحلق في الحج.

و هناك أغسال اخري وردت مقدمة لإعمال و عبادات لا يسع المقام استقصاءها.

(مسألة 333): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) من هذا القسم من الأغسال الفعلية الغسل للوقوف بالمشعر، لكنه لم يثبت بوجه معتبر. و أما الغسل لزيارة النبي صلّي اللّه عليه و آله و

الأئمة عليهم السّلام فقد تضمنته النصوص في زيارات خاصة كثيرة يضيق المقام عن استقصائها و تحقيق حالها، و لا مجال لاستفادة استحباب الغسل لكل زيارة منها، فالأولي الإتيان بالغسل في جميع الموارد المذكورة برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

(مسألة 334): يجزئ في الأغسال المكانية و في القسم الأول من الأغسال الفعلية غسل اليوم لما يؤتي به في ذلك اليوم، و غسل الليل لما يؤتي به في ذلك الليل، و لا يستمر أثره لما بعد ذلك، فمن اغتسل نهارا لدخول الكعبة أو للإحرام بالحج مثلا فلم يتهيأ له فعلهما حتي دخل الليل لم يجزئه غسله، بل عليه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 109

الإعادة.

(مسألة 335): تنتقض الأغسال المكانية و القسم الأول من الأغسال الفعلية بالحدث الأصغر- فضلا عن الأكبر- بين الغسل و الغاية التي أوقع لها، فمن اغتسل لدخول الكعبة أو لإحرام الحج مثلا ثم أحدث بالأصغر قبل فعلهما لم يجزئه غسله، بل عليه الإعادة.

ثانيهما: ما يستحب بسبب وقوع فعل خاص و هو عدة أغسال:

منها: الغسل لمسّ الميت بعد إتمام تغسيله.

و منها: الغسل لمن فرّط في صلاة الخسوف إذا احترق قرص القمر كله، فإنه يستحب له أن يغتسل و يقضي الصلاة.

و منها: الغسل للتوبة من تعمّد سماع الغناء و ضرب العود. بل يحسن الغسل للتوبة مطلقا برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

(مسألة 336): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) استحباب الغسل لقتل الوزغ و السعي لرؤية المصلوب و غير ذلك. لكنه لم يثبت بوجه معتبر فالأولي الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

(مسألة 337): لم يثبت عموم مشروعية التيمم بدلا عن الأغسال المستحبة عند تعذرها، بل قد

يظهر من بعض النصوص عدمه. إلا في موارد خاصة لا مجال لاستقصائها، فلا ينبغي الإتيان به إلا برجاء المطلوبية و حينئذ لا يجتزأ به عن الوضوء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 110

المقصد الخامس في التيمم

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأول في مسوّغاته

و هي أمور:

الأول: عدم الماء الكافي للوضوء أو الغسل بالمقدار الذي يتحقق به أقل الواجب من دون فرق بين أن يستند فقده للماء قهرا عليه و أن يكون لتفريطه به، كما لو كان عنده ثم أراقه.

(مسألة 338): لو احتمل وجود الماء وجب الفحص عنه حتي يحصل له العلم أو الاطمئنان بعدمه.

(مسألة 339): يكتفي المسافر في الفلاة بأن يطلب الماء في الأرض السهلة- و هي المنبسطة- غلوتين من كل جانب يحتمل وجوده فيه، و في الأرض الحزنة غلوة واحدة، و هي رمية سهم متعارفة.

(مسألة 340): يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت، كما يسقط إذا خاف علي نفسه أو ماله من لص أو سبع أو غيرهما. و كذا إذا عجز عن الطلب أو كان مجهدا له بنحو يبلغ الحرج.

(مسألة 341): إذا فرّط في الطلب حتي ضاق الوقت عصي و وجب عليه التيمم و الصلاة، ثم القضاء بعد ذلك إلا أن ينكشف عدم وجود الماء في محل الطلب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 111

فلا يجب القضاء.

(مسألة 342): إذا طلب الماء فلم يجده فتيمّم و صلّي ثم انكشف وجود الماء، فإن كان موجودا في مكان من شأنه أن يعثر عليه بالطلب إلا أن الطلب لم يكن كافيا وجب عليه الإعادة أو القضاء، و إن كان موجودا في مكان ليس من شأنه أن يعثر عليه، فإن وجده في الوقت فالأحوط وجوبا الإعادة، و إن وجده بعد ذلك صحت صلاته و لم يجب عليه القضاء.

(مسألة 343): إذا لم يكن عنده الماء إلا أنه كان واجدا لثمنه وجب شراؤه إلا أن يجحف به و يضر بحاله بمقتضي وضعه المالي فيتيمم حينئذ. كما أنه إذا أمكنه تحصيله بالاستيهاب و

نحوه وجب، إلا أن يستوجب هو انه بنحو يحرم الوقوع فيه، أو يكون حرجيا، فيتيمم أيضا.

الثاني: خوف العطش من استعمال الماء الذي عنده- و إن لم يبلغ مرتبة التلف- علي نفسه و من يتعلق به ممن من شأنه الاهتمام به حتي دابته و حيواناته.

و أما في غير ذلك فإنما يشرع له التيمم إذا خاف التلف علي نفس موجودة يجب حفظها.

(مسألة 344): إذا لم يعتن باحتمال العطش فلم يتيمم بل توضأ أو اغتسل، فإن كان العطش المخوف بالنحو الذي يحرم الوقوع فيه- كما لو خيف منه تلف نفس محترمة- فمع التفاته لذلك يبطل غسله أو وضوؤه، و يجب عليه الإعادة أو القضاء، و مع غفلته عن ذلك يصح منه الغسل أو الوضوء و لا يجب عليه الإعادة أو القضاء، و كذا إذا لم يكن العطش المخوف بالنحو الذي يحرم الوقوع فيه.

الثالث: خوف الضرر البدني من استعمال الماء بحدوث مرض أو زيادته أو بطء شفائه أو نحو ذلك. إلا أن تشرع في حقه الجبيرة فيتعين استعمال الماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 112

معها علي ما سبق تفصيله في مباحث الوضوء، و لا يشرع التيمم حينئذ.

(مسألة 345): إذا تيمم ثم تبين عدم الضرر صحّ تيمّمه و لم يجب عليه التدارك، إلا أن يتبين ذلك في الوقت فالأحوط وجوبا الإعادة.

(مسألة 346): إذا كان يضره الماء فتوضأ أو اغتسل، فإن كان الضرر بمرتبة يحرم الوقوع فيه، و كان عالما به أو خائفا منه ملتفتا لحرمته بطل وضوؤه أو غسله و وجب عليه إعادة الصلاة الواقعة به أو قضاؤها، و إلا صحّ وضوؤه أو غسله و صلاته و لم يجب التدارك، سواء كان غافلا عن الضرر أم ملتفتا له، و

لم يكن الضرر محرّما أم كان محرّما و كان غافلا عن حرمته.

الرابع: ما إذا وجب صرف الماء في واجب آخر، كتطهير المسجد أو تطهير البدن أو الثوب للصلاة أو نحو ذلك. نعم إذا غفل عن ذلك و توضأ بالماء أو اغتسل صح وضوؤه و غسله.

الخامس: ما إذا لزم من استعمال الماء محذور شرعي كالتصرف في أرض الغير أو إنائه من دون إذنه، أو محذور عرفي يصعب تحمّله كاعتداء ظالم عليه و نحوه مما يكون تحمله حرجيا. نعم إذا غفل عن ذلك فتوضأ بالماء أو اغتسل صح وضوؤه أو غسله. أما لو التفت لذلك و لم يعتن به فإن كان المحذور مما يحرم الوقوع فيه شرعا بطل وضوؤه أو غسله، و إن لم يكن كذلك- كما في موارد الحرج- صح وضوؤه أو غسله.

(مسألة 347): ذهب جماعة إلي أن ضيق الوقت عن استعمال الماء مسوغ للتيمم فيجتزأ به في صحة العمل، لكنه غير ثابت. نعم الأحوط استحبابا المبادرة لأداء الصلاة بالتيمم، ثم القضاء إذا تحققت شروطه. و يترتب علي ذلك أنه إذا احتمل سعة الوقت لاستعمال الماء وجبت المبادرة لاستعماله برجاء إدراك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 113

الصلاة بالطهارة المائية و لا يجوز له الاكتفاء بالتيمم في الوقت. بل حتي لو علم بضيق الوقت عن إدراك تمام الصلاة بالطهارة المائية لكن علم أو احتمل إدراك بعضها بمقدار ركعة فما زاد فالأحوط وجوبا المبادرة لاستعمال الماء و عدم الاكتفاء بالتيمم في الوقت.

هذا كله إذا كان واجدا للماء، أما إذا لم يكن واجدا له و أمكنه تحصيله بالسعي له أو بشرائه أو استيهابه إلا أن وقته يضيق عن ذلك فالظاهر مشروعية التيمم و الاجتزاء به في صحة عمله،

من دون أن يجب عليه القضاء.

(مسألة 348): يستحب النوم علي طهارة، فإذا آوي المكلف إلي فراشه و ذكر أنه علي غير طهر فقد روي أنه يتيمم بدثاره و ثيابه، فلا بأس بالإتيان بذلك برجاء المطلوبية و إن كان يستطيع القيام و التطهر بالماء.

الفصل الثاني في ما يتيمم به

و هو كل ما يسمي أرضا و إن كان صلبا لا يعلق منه شي ء بالكف عند ضربها به، كالصخر و الحجر الأملس. و إن كان الأحوط استحبابا التيمم بالتراب مع الإمكان.

(مسألة 349): لا يصح التيمم بما لا يصدق عليه الأرض، و إن كان أصله منها، كالنبات و الملح و الزجاج، و بقية المعادن كالياقوت و الزمرد و الفيروزج و مسحوقها. نعم الظاهر صدق الأرض علي درّ النجف، لأنه نوع من الحصي عرفا، و أما العقيق فالأمر فيه لا يخلو عن إشكال فالأحوط وجوبا مع الانحصار التيمم به ثم القضاء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 114

(مسألة 350): الظاهر جواز التيمم بالأرض بعد طبخها كالجص و النورة و الإسمنت، و إن كان الأحوط استحبابا عدم التيمم بها مع تيسر غير المطبوخ.

(مسألة 351): يشترط في ما يتيمم به الطهارة، فلا يجوز التيمم بالنجس.

(مسألة 352): لا يجوز التيمم بما يمتزج بغير الأرض بحيث لا يصدق عليه الأرض وحدها، نعم إذا كان الخليط مستهلكا في الأرض فلا بأس بالتيمم به.

(مسألة 353): لا يجوز التيمم بما يملكه الغير من غير إذنه، و لو تيمم به ملتفتا لحرمته بطل تيممه، لعدم تحقق نية التقرب به علي ما يتضح مما تقدم في مبحث النية من الوضوء.

نعم لو أكره علي المكث في أرض الغير بحبس و نحوه جاز التيمم بها و صح تيممه إذا لم يضر بها ضررا زائدا علي

ما يقتضيه الحبس. كما يجوز التيمم بمثل حائط الغير من جانب الشارع و بالأرض المكشوفة و نحو ذلك، مما يجوز العبور فيه من دون إذن مالكه.

(مسألة 354): إذا تيمم بأرض الغير بغير إذنه غفلة عن حرمة ذلك صح تيممه.

(مسألة 355): إذا عجز عن التيمم بالأرض فإن أمكنه جمع الغبار من ثيابه و فراشه و غيرهما بحيث يصدق عليه الأرض وجب و تيمّم به. و إن لم يمكنه ذلك وجب التيمم بالغبار الموجود في ثوبه أو فراشه أو عرف دابته أو غيرها و إن قلّ.

نعم لا بد من كونه غبارا أصله من الأرض، أما إذا لم يكن أصله منها كغبار الدقيق و غبار الخشب المجتمع من نجارته فلا يصح التيمم به.

(مسألة 356): إذا كان عنده طين، فإن أمكنه تجفيفه و التيمم به وجب و كان مقدّما علي التيمم بالغبار، و إن عجز عن تجفيفه فلا يجوز التيمم به إلا مع العجز

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 115

عن التيمم بالغبار. و الأحوط وجوبا في التيمم به أن يزيله عن الكفين بعد الضرب بهما عليه بفرك و نحوه ثم يمسح بهما وجهه و يديه بعد ذلك.

(مسألة 357): إذا وجب عليه التيمم بالطين فالأحوط وجوبا في كيفيته أن يضرب بكفه علي الطين ثم يفرك إحدي كفيه بالأخري ليزيل ما علق بهما من الطين ثم يمسح بهما وجهه و يديه علي ما يأتي في كيفية التيمم، و لا يمسح بكفيه قبل إزالة ما علق بهما من الطين.

(مسألة 358): إذا عجز عن استعمال الماء و عن التيمم حتي بالطين صار فاقد الطهورين و سقط عنه أداء الصلاة في الوقت. و حينئذ إن كان قادرا في أثناء الوقت علي استعمال الماء

أو التيمم فلم يفعل غفلة أو تقصيرا ثم عجز عنهما في آخر الوقت وجب عليه قضاء الصلاة مع الطهارة. و هو الأحوط وجوبا فيما إذا كان عاجزا عنهما من أول الوقت إن كان العجز مستندا إليه- قصورا أو تقصيرا-، كما إذا كان عنده ماء فأراقه، أو سافر إلي مكان يعجز فيه عن استعمال الماء و عن التيمم.

و أما إذا كان عاجزا عنهما من أول الوقت و لم يستند العجز إليه، بل كان مغلوبا علي أمره- كالسجين و نحوه- فلا يجب القضاء عليه. نعم الأحوط استحبابا في جميع الصور الجمع بين أداء الصلاة في الوقت بلا طهارة و القضاء في خارج الوقت مع الطهارة.

(مسألة 359): يكره التيمم بتراب الطريق و نحوه مما يطؤه الناس بأرجلهم.

و الأولي التيمم من الأماكن العالية التي هي أبعد عن القذر و ملاقاة النجاسة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 116

الفصل الثالث في كيفية التيمم

أجزاء التيمم أمور:

الأول: ضرب باطن اليدين بالأرض دفعة واحدة. و لا يكفي مجرد مسّ الأرض من دون أن يصدق عليه الضرب.

الثاني: أن يمسح بباطن يديه جميعا جبهته. و هي العظم المستوي في أعلي الوجه، و حدّه من الأعلي قصاص الشعر و مبدأ الوجه و من الأسفل عظم الحاجبين، و من الجانبين صفحتا الوجه. و ينبغي مسح شي ء مما خرج عن الحد ليعلم استيعاب الجبهة بالمسح. و لا بد من كون المسح من الأعلي إلي الأسفل، و لا يكفي المسح منكوسا و لا معترضا.

الثالث: مسح ظهر الكف اليمني بباطن الكف اليسري، و يبدأ من الزند- و هو المفصل الذي بين الكف و الذراع- و ينتهي بأطراف الأصابع.

الرابع: مسح ظهر الكف اليسري بباطن الكف اليمني، علي النحو المذكور في سابقه.

(مسألة 360): لا بد

من كون الضرب و المسح ببشرة الكفين من دون حائل كما لا بد من ذلك في الممسوح، فيجب إزالة الحاجب كالخاتم و غيره مما يمنع من مماسّة البشرة. هذا مع الإمكان و سيأتي الحكم مع التعذّر.

(مسألة 361): لا تجب إزالة الشعر النابت في الجبهة و ظهر الكفين بل يكفي المسح عليه.

(مسألة 362): لا تجب المداقّة في استيعاب المسح للوجه و الكفين بملاحظة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 117

المواضع المتعرجة بل يكفي الاستيعاب العرفي الحاصل بإمرار اليدين مرة واحدة علي المكان الممسوح، من دون حاجة لتخليل الأصابع و نحوها للوصول لما بينها من المواضع العميقة في ظاهر الكفين.

(مسألة 363): الظاهر أنه يكفي ضرب الكفين مرة واحدة للوجه و الكفين في التيمم، كما سبق، سواء كان التيمم بدلا عن الوضوء أم عن الغسل. لكن الأحوط استحبابا الضرب مرة أخري للكفين، فإذا أراد ذلك أتي بالتيمم علي الوجه السابق فإذا أكمل مسح الكفين ضرب بهما مرة أخري علي الأرض و أعاد مسحهما فيمسح ظهر اليمني بباطن اليسري، ثم يمسح ظهر اليسري بباطن اليمني.

(مسألة 364): إذا تعذّر الضرب و المسح بباطن الكفين انتقل إلي ظاهرهما.

(مسألة 365): من كان بعض كفه مقطوعا يضرب و يمسح بالباقي، و من كانت إحدي كفيه مقطوعة بتمامها إن أمكنه أن يضرب ببقية يده المقطوعة الأرض ضرب بها مع كف اليد الأخري و مسح تمام جبهته بالكف و مسح ظهر كفّه ببقية يده المقطوعة. و إن لم يبق من يده المقطوعة ما يضرب به الأرض ضرب بكفّ يده السالمة الأرض و مسح بها وجهه و مسح ظهر كفه بالأرض مباشرة.

و الأحوط وجوبا أن لا يقتصر علي ذلك، بل يطلب أيضا- مع الإمكان- من شخص

آخر أن يضرب بكفّه الأرض ثم يمسح ذلك الشخص بكفه تلك كفّ الأقطع.

(مسألة 366): من كان تمام كفّيه مقطوعا إن أمكنه أن يضرب ببقية يديه الأرض ضرب بهما و مسح جبهته، و كذا إذا تمكن أن يضرب ببقية يد واحدة فقط. و إن تعذّر عليه أن يضرب بشي ء من يديه الأرض مسح جبهته بالأرض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 118

مباشرة. و الأحوط وجوبا أن يضم إلي ذلك مسحها بكفّ شخص آخر مع الإمكان علي النحو المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 367): من تعذر عليه المسح بكفّه أو بكفّيه لشلل أو قيد أو نحوهما جري عليه حكم مقطوع الكف و الكفين المتقدم في المسألتين السادسة و السابعة.

(مسألة 368): من كان علي بعض أعضاء تيممه جبيرة لجرح أو كسر أو نحوهما و لم يمكن إزالتها جري عليها حكم البشرة فيمسح بها و عليها. أما إذا لم يكن الحائل جبيرة و تعذّرت إزالته فإن كان في الجبهة أو ظهر الكف مسح عليه، و إن كان في باطن الكف ضرب الأرض بكفه و مسح بها بنحو يكون المسح بما لا حاجب عليه.

نعم إذا كان مستوعبا لباطن الكف- بحيث لا يمكن مسح الوجه و ظهر الكفين ببشرتها- فالأحوط وجوبا أن يضيف إلي ذلك ضرب الأرض بذراعه و المسح به، فإن تعذر عليه ذلك طلب من غيره أن يضرب بكفه الأرض و يمسح له، نظير ما تقدم في المسألتين (365) و (366).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 119

الفصل الرابع في شروط التيمم

يشترط في التيمم أمور:

الأول: النية علي نحو ما تقدم في الوضوء، و لا بدّ من حصولها من حين الضرب.

(مسألة 369): لا تجب نية البدلية عن الوضوء أو الغسل حتي لو اجتمعت أسبابهما،

بل يكفي تيمم واحد عنهما حينئذ.

الثاني: المباشرة مع الإمكان، بحيث يستقل المتيمم بالإتيان بإجزاء التيمم السابقة. نعم مع تعذّر ذلك يجوز الاستعانة بالغير لكن لا بد من نية المتيمم، و لا تكفي نية الغير الذي ييمّمه.

(مسألة 370): لا بد مع الاستعانة بالغير من الضرب بيدي المتيمم و المسح بهما مع الإمكان، نعم مع تعذّر ذلك يضرب الغير الأرض بكفّيه و يمسح بهما وجه المتيمّم و ظاهر كفيه.

الثالث: الترتيب بين أجزاء التيمم علي النحو المذكور في ما تقدم.

الرابع: الموالاة علي الأحوط وجوبا و إن كان التيمم بدلا عن الغسل. و لا بدّ فيها من تعاقب الأجزاء و عدم الفصل بينها، بحيث يصدق أن المتيمم منشغل بالتيمم عرفا من حين الشروع فيه حتي يكمله و لا يصدق أنه تركه في الأثناء ثم عاد إليه.

(مسألة 371): إذا خالف الترتيب عمدا أو سهوا وجب عليه التدارك علي ما يطابقه بتكرار الجزء الذي قدّمه إذا كان حقه التأخير، فلو ضرب بكفيه الأرض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 120

ثم مسح الكفين ثم الوجه أعاد مسح الكفين، و لو مسح الكف اليسري ثم اليمني أعاد مسح اليسري. بل إذا طالت المدة حتي فاتت الموالاة فالأحوط وجوبا استئناف التيمم من أوله.

الخامس: طهارة أعضاء التيمم فلا يصح التيمم مع نجاستها برطوبة إذا كانت موجبة لنجاسة الأرض التي يتيمم بها. بل الأحوط وجوبا اعتبار طهارتها حتي لو لم تستلزم ذلك، لجفافها. نعم إذا تعذّر تطهيرها يصح التيمم مع الجفاف.

(مسألة 372): إذا شك في صحة التيمم بعد الفراغ منه لم يلتفت و بني علي صحته. و إذا شك في الإتيان بجزء منه بعد الإتيان بالجزء الذي بعده بني علي الإتيان به، كما لو شك بعد

مسح اليمني في مسح الوجه. و إن كان الأحوط استحبابا التدارك.

(مسألة 373): يستحب نفض اليدين بعد الضرب بهما قبل المسح إذا علق بهما شي ء من الأرض، و يكفي عنه كل ما يزيل عنهما ما علق بهما، كضرب إحداهما بالأخري أو مسحها بها.

الفصل الخامس في أحكام التيمم

(مسألة 374): الأحوط وجوبا عدم التيمم للصلاة قبل وقتها حتي لو علم بتعذر الطهارة المائية عليه للصلاة ذات الوقت في تمام وقتها. نعم إذا علم أو خاف تعذّر التيمم عليه بعد الوقت وجبت عليه المبادرة له، ليتمكن من الصلاة في وقتها.

(مسألة 375): لا تجوز الصلاة بالتيمم في سعة الوقت إلا مع احتمال استمرار

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 121

العذر في تمام الوقت، فإن استمر أجزأت، و إن ارتفع لم يجتزأ بها و وجبت إعادتها بالطهارة المائية.

و يستثني من ذلك من كان عذره عدم وجدان الماء الذي يسعه الطهارة به فإنه إذا لم يعلم أو يظن بقدرته عليه في أثناء الوقت تجوز له المبادرة للصلاة بالتيمم و يجتزئ بها حتي لو وجد الماء بعد ذلك قبل خروج الوقت. نعم يستحب له الإعادة حينئذ بالطهارة المائية، كما يستحب له الانتظار من أول الأمر بالصلاة حتي يقدر علي الماء.

(مسألة 376): لو تيمم لصلاة فريضة أو نافلة ثم دخل وقت صلاة أخري جاز له الصلاة بذلك التيمم علي التفصيل المتقدم في المسألة السابقة. و لا ينتقض التيمم مهما طالت المدة إلا بالحدث أو بارتفاع العذر المسوغ للتيمم كوجدان الماء و الشفاء من المرض و نحوهما. و لو ارتفع العذر لكن لم يستعمل الماء ثم عاد العذر وجب إعادة التيمم و لا يكتفي بالتيمم السابق.

(مسألة 377): من دخل في الصلاة بتيمم ثم وجد الماء قبل الركوع قطع

الصلاة و تطهر بالماء و استأنف الصلاة، و إن وجده بعد الركوع أتمّ صلاته بتيمّمه، و تطهر بالماء للصلوات الآتية. هذا إذا كان دخوله في الصلاة بالتيمم مشروعا كما تقدم في المسألة (375).

(مسألة 378): يشرع التيمم بدلا عن الوضوء في جميع موارد مشروعية الوضوء حتي للكون علي الطهارة، كما يشرع بدلا عن الأغسال الواجبة. نعم لا بدّ من كون الغاية مما يرجح تحققه فيجوز التيمم للكون في المسجد مثلا، لأنه أمر راجح شرعا، و لا يجوز التيمم لمسّ المصحف، إلا أن يرجح المسّ أو يضطر إليه، بخلاف الوضوء، فإنه يجوز إيقاعه لمسّ المصحف و إن لم يرجح و لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 122

يضطر إليه. و أما مشروعية التيمم بدلا عن الأغسال المستحبة فهي لا تخلو عن إشكال، كما تقدم في آخر الكلام في الأغسال المستحبة.

(مسألة 379): من تيمم لغاية جاز له الدخول بتيممه ذلك في جميع الغايات، فمن تيمم لصلاة جاز له الدخول بتيممه ذلك في صلاة أخري و في الطواف، و جاز له به مسّ المصحف و الدخول للمسجد و إن كان مسبوقا بالجنابة و غير ذلك.

(مسألة 380): تقدم في المسألة (367) أن التيمم ينتقض بالحدث، و انتقاضه به علي نحو انتقاض الوضوء أو الغسل الذي يقع بدلا عنهما. و حينئذ فالمحدث بالأكبر إذا كانت وظيفته التيمم فتيمم ثم أحدث بالأصغر لم تنتقض طهارته من الحدث الأكبر، و لم تترتب عليه احكامه، بل تنتقض طهارته من الحدث الأصغر و تترتب أحكامه لا غير، فيجب عليه الوضوء مع القدرة عليه و مع تعذره يتيمم بدلا عنه لا عن الغسل. نعم الأحوط استحبابا مع القدرة علي الوضوء الجمع بينه و بين التيمم بدلا

عن الغسل، و مع تعذر الوضوء التيمم بدلا عمّا في ذمته من دون تعيين.

(مسألة 381): سبق في المسألة الثالثة أن التيمم ينتقض بالقدرة علي استعمال الماء. و عليه فلو وجد شخصان متيممان أو أكثر ماء يكفي لشخص واحد، فإن قدر كل منهم علي استعماله لعدم تسابقهم إليه بطل تيممهم جميعا.

و إن لم يقدر بعضهم علي استعماله، لسبق غيره إليه لم يبطل تيممه و بطل تيمم السابق فقط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 123

المقصد السادس في الطهارة من الخبث

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في عدد النجاسات

و هي عشرة.

الأول و الثاني: البول و الغائط من كل حيوان يحرم أكل لحمه إذا كانت له نفس سائلة، أما ما يحل أكل لحمه فبوله و غائطه طاهران، و إن كان مكروه الأكل كالحمار و البغل و الفرس.

(مسألة 382): لا فرق بين ما يحرم أكل لحمه بالأصل كالثعلب و الأرنب، و ما يحرم أكل لحمه بالعرض و هو أمور ثلاثة:

الأول: الجلّال و هو الذي يتغذي بالعذرة فقط مدّة معتدا بها، بحيث يصدق عرفا أن غذاءه العذرة.

الثاني: الجدي الذي يرضع لبن الخنزيرة حتي يشتدّ عليه و يكبر.

و الأحوط وجوبا العموم لكل حيوان يرتضع منها.

الثالث: البهيمة التي يطؤها الإنسان، حتي الذكر علي الأحوط وجوبا، بل الأحوط وجوبا العموم لكل حيوان و إن لم يكن من البهائم كالطيور. و النسل في الجميع تابع للأصل.

(مسألة 383): بول الطير و ذرقه طاهران و إن حرم أكل لحمه كالصقر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 124

(مسألة 384): ما يحرم أكله مما ليس له نفس سائلة إن لم يكن له لحم- كالبق و الذباب- فما يخرج منه طاهر و إن كان له لحم- كالجرّي و السلحفاة- فغائطه طاهر. و ان كان له بول فالأحوط وجوبا الاجتناب عنه و إجراء حكم النجس عليه.

(مسألة 385): المراد بالحيوان الذي له نفس سائلة هو الذي له عروق يشخب منها الدم، و غيره إما لا دم له كالخنفساء، أو له دم يجتمع في بطنه كالبق، أو ينضح دمه من لحمه عند قطعه كالسمك.

(مسألة 386): ما يشك في أن له نفسا سائلة يحكم بطهارة غائطه، و الأحوط وجوبا الاجتناب عن بوله إن كان له لحم يحرم أكله.

(مسألة 387): ما يشك في حلية أكل لحمه يحكم

بطهارة بوله و غائطه، الثالث: المني من كل ما لا يؤكل لحمه و كان له نفس سائلة. و أما ما لا نفس له سائلة فمنيّه طاهر، و كذا ما يؤكل لحمه و إن كان الأحوط استحبابا اجتنابه.

الرابع: الدم من الحيوان ذي النفس السائلة. أما دم ما لا نفس له سائلة كدم السمك و البرغوث و غيرهما فهو طاهر.

(مسألة 388): دم العلقة في الحيوان و في البيضة طاهر، و الأحوط وجوبا عدم أكله.

(مسألة 389): الدم المتخلف في الذبيحة بعد خروج ما يتعارف خروجه بالذبح و النحر طاهر، إلا أن يتنجس بنجاسة خارجية كما لو لاقي السكين أو يد القصاب النجسة. نعم يحرم أكله، إلا ما يعدّ من أجزاء اللحم عرفا لقلّته و تخلفه في العروق الدقيقة.

(مسألة 390): دم الحيوان المشكوك في كونه ذا نفس سائلة محكوم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 125

بالطهارة. و كذا الدم الذي لا يعلم أنه من حيوان له نفس سائلة أو من حيوان ليس له نفس سائلة. فمن وجد علي ثوبه دما و لم يعلم أنه منه أو من البرغوث أو البعوض يبني علي طهارته، و كذا الحال في كل دم مردد بين الطاهر و النجس كالدم المردد بين الخارج بالذبح و المتخلف في الذبيحة بعد الذبح.

(مسألة 391): الظاهر أن الحكم بنجاسة البول و الغائط و المني و الدم مشروط بخروجها للظاهر و أما قبل ذلك فهي طاهرة، و ملاقاتها لا توجب نجاسة الملاقي.

الخامس: ميتة الحيوان الذي له نفس سائلة. و أما ميتة ما لا نفس له سائلة فهي طاهرة، و منها الخفاش.

(مسألة 392): الجزء المقطوع من الحي نجس كالميتة، و يستثني من ذلك الأجزاء غير اللحمية التي هي من سنخ

زوائد البدن، كقشور البدن و أسفل القدم و كذا الثالول و نحوه مما من شأنه الانفصال.

(مسألة 393): إذا أوصل الجزء المقطوع من الحيوان بجسم الإنسان أو بحيوان آخر و جرت فيه الحياة طهر، كما في موارد زرع أعضاء الجسم و أجهزته، و كذا موارد ترقيع الجلد. نعم إذا نقل من نجس العين لطاهر العين أشكل الحكم بالطهارة بمجرد وصله و جريان الحياة فيه. بل الأحوط وجوبا عدم الحكم بطهارته إلا بعد إلحاقه عرفا بالحيوان الطاهر بحيث يعدّ كسائر أجزائه.

(مسألة 394): ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة طاهر كالصوف و الشعر و العظم و القرن و الظفر، و كذا ما ينفصل عنها كالبيضة إذا اكتست القشر، و اللبن و الأنفحة و هي ما يؤخذ من السخال و نحوها لصناعة الجبن. و الأحوط وجوبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 126

الاقتصار في طهارتها علي المادة المتجمدة الموجودة داخل الكرش دون نفس الكرش الذي فيه تلك المادة.

(مسألة 395): المراد بالميتة هنا كل ميت لم يذكّ. و مع الشك في التذكية يحكم بعدمها، و بنجاسة الحيوان و أجزائه من جلده و لحمه و شحمه و دهنه و غيرها، إلا أن يقوم دليل شرعي علي تذكيته.

(مسألة 396): ما يكون تحت يد المسلم من أجزاء الحيوان المشكوك التذكية يحكم بتذكيته إذا كان يعامله معاملة المذكي بإعداده للبيع أو للأكل أو استعماله في المأكول و المشروب أو لبسه أو نحو ذلك، دون ما لا يعامله كذلك كظروف العذرات و النجاسات.

و كذا يحكم بتذكية ما يباع في سوق المسلمين، أو يصنع في بلاد الإسلام- و لو لغلبة المسلمين عليها- إذا احتمل كون البائع أو الصانع لها مسلما، و كذا ما يوجد مطروحا

في بلاد الإسلام إذا احتمل كونه مسبوقا بيد المسلم، و كان عليه أثر الاستعمال المناسب للتذكية.

(مسألة 397): ما يؤخذ من يد الكافر إذا كان مسبوقا بيد المسلم محكوم بالتذكية.

(مسألة 398): ما لم يكن في يد المسلم إذا صار في يد المسلم إن احتمل أخذه له بعد إحرازه لتذكيته بوجه شرعي كان محكوما بالتذكية، و إن علم بعدم إحراز المسلم لذلك فهو محكوم بالنجاسة و عدم التذكية.

السادس و السابع: الكلب و الخنزير البرّيان و كذا أجزاؤهما و إن كانت مما لا تحلّه الحياة كالشعر و نحوه. و أما البحريّان فهما طاهران.

الثامن: الكافر غير الكتابي علي الأحوط وجوبا. أما الكتابي- و هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 127

اليهودي و النصراني و المجوسي- فالظاهر طهارته بنفسه، و إنما ينجس بملاقاة النجاسة كالميتة و الخمر و نحوهما مما يستعمله مستحلا له أو غير مستحل.

(مسألة 399): الإسلام هو الإقرار بوحدانية اللّه تعالي و نبوة النبي محمد صلّي اللّه عليه و آله و بما جاء به من عند اللّه تعالي، فالكافر هو الذي لا يتدين بذلك، إما لعدم اعتقاده بدين أصلا أو لتدينه بدين غير الإسلام بالمعني المذكور.

(مسألة 400): إنكار الضروري من الدين إن رجع إلي عدم الإقرار به بعد العلم بانزاله من قبل اللّه تعالي، أو إلي تكذيب النبي صلّي اللّه عليه و آله في تبليغه به بعد العلم بتبليغه له كان موجبا للكفر، و إن رجع إلي عدم العلم بثبوته في الدين أو بتبليغ النبي صلّي اللّه عليه و آله له، لم يوجب الكفر، كما إذا نشأ من الجهل بتحريمه أو من شبهة اعتقد معها عدم التحريم.

(مسألة 401): الناصب نجس- علي الأحوط وجوبا- إذا رجع نصبه إلي إنكار

الضروري بالنحو الموجب للكفر الذي تقدم في المسألة السابقة. و كذا الغالي إذا رجع غلوه إلي إنكار التوحيد للّه تعالي أو إنكار النبوة أو إنكار الضروري بالنحو المتقدم.

(مسألة 402): يكره مباشرة الكتابي برطوبة، إذا احتمل نجاسته بالعرض، و ترتفع الكراهة المذكورة بتطهيره بدنه من الخبث.

التاسع: الخمر و كل مسكر مائع بالأصل و إن لم يتعارف شربه. و أما المسكر الجامد- كالحشيشة- فإنه طاهر و إن صار مائعا بالعرض.

(مسألة 403): لا ينجس العصير العنبي إذا غلي، بل يبقي طاهرا و إن حرم شربه حتي يذهب ثلثاه.

(مسألة 404): إذا وضع العنب في ماء و اغلي الماء، فإن لم يغل الماء الذي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 128

في داخل حبات العنب فلا إشكال في حليته، و إن غلي ماء العنب في داخله فالأحوط وجوبا الاجتناب عنه، و كذا لو غلي ماء العنب في داخله بتعريضه لحرارة النار رأسا من دون أن يوضع العنب في ماء.

(مسألة 405): الفقّاع نجس و إن لم يظهر إسكاره. و هو شراب يتخذ من الشعير علي وجه خاص يعرفه أهله.

العاشر: عرق الإبل الجلّالة، بل كل حيوان جلّال علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 406): الظاهر عدم نجاسة عرق الجنب من الحرام. نعم الأحوط وجوبا أنه مانع من الصلاة، فإذا أصاب الثوب لا تصح الصلاة فيه حتّي يغسل.

(مسألة 407): إذا تردد الشي ء بين الطاهر و النجس يحكم بطهارته، كما إذا تردد الشعر بين أن يكون من الماعز و أن يكون من الخنزير. و هكذا كل ما يشك في طهارته لاشتباه حاله.

الفصل الثاني في كيفية سراية النجاسة

لا ينجس الجسم الطاهر بملاقاة النجاسة إلا مع الرطوبة المسرية التي تنتقل من أحدهما إلي الآخر بمجرد الملاقاة، سواء كانت مائية أم دهنية. و أما الندي

الذي لا ينتقل إلا بمدة طويلة- كالحائط الذي يتأثر بالرطوبة- فلا تسري به النجاسة.

(مسألة 408): الذوبان من دون رطوبة مسرية لا يكفي في التنجيس فالفلزّات إذا أذيبت في بوتقة نجسة لم تنجس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 129

(مسألة 409): الأجسام الجامدة إذا لاقت النجاسة برطوبة مسرية لم ينجس منها إلا موضع الملاقاة، و لا تسري النجاسة إلي غيره و إن كانت الرطوبة المسرية مستوعبة له. فالثوب المبتلّ مثلا لا ينجس منه إلا موضع الملاقاة.

(مسألة 410): إذا لاقت النجاسة المائع تنجس كله. نعم إذا كان جامدا لبرد و نحوه لم يتنجس منه إلا موضع الملاقاة. و المعيار في الجمود علي ما يكون عليه العسل و السمن في الشتاء علي الأحوط وجوبا. و يلحق بالعسل ما يشبهه مما يتكثف بالجمود مع السيلان البطي ء كالشيرة الكثيفة، و بالسمن ما يشبهه مما يتكثف بالجمود من دون سيلان كاللبن الناشف، و لا يكفي فيه التكثف مع السيلان البطي ء.

(مسألة 411): الأقوي أن المتنجس كالنجس ينجس ما يلاقيه بالرطوبة مهما تعددت الوسائط، من دون فرق بين الماء و غيره.

(مسألة 412): سبق في المسألة (391) من فصل عدد النجاسات إن الأعيان النجسة لا تحكم بالنجاسة ما لم تخرج للظاهر، و أن ملاقاتها في الباطن غير منجسة للملاقي. سواء كان الملاقي من الباطن كالريق يلاقي دم الأسنان فيخرج للظاهر، أم كان الملاقي من الظاهر، كماء الاحتقان يلاقي الغائط ثم يخرج للظاهر. أما إذا كانت النجاسة من الظاهر فلملاقاتها في الباطن صورتان:

الاولي: أن يكون الملاقي من الباطن كالخمر يشربه الإنسان فيلاقي فضاء الفم أو الجوف، و بحكمه اللسان يخرجه الإنسان فيذوق به الطعام النجس، و الظاهر هنا الحكم بالطهارة أيضا.

الثانية: أن يكون النجس و

الطاهر معا من الخارج و يتلاقيان في الداخل، فإن كان الطاهر من توابع الباطن لم ينجس، كالذي يشد أسنانه بالذهب أو يضع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 130

سنا صناعية ثم يتمضمض بالماء النجس، و إن لم يكن الطاهر من توابع الباطن فالأحوط وجوبا نجاسته، كما لو أدخل إصبعين في فمه و كان أحدهما نجسا فتلاقيا في الفم برطوبة ثم انفصلا و أخرجا منه.

(مسألة 413): مع الشك في الملاقاة يبني علي الطهارة، و كذا مع العلم بها و الشك في أن الملاقي هو الطاهر أو النجس، و كذا مع العلم بملاقاة النجس و الشك في وجود الرطوبة، أو في كونها مسرية.

الفصل الثالث في أحكام النجاسة

يشترط في صحة الصلاة طهارة بدن المصلي و ثيابه، و إن لم تكن ساترة للعورة من دون فرق في الصلاة بين الواجبة و المستحبة، بل حتي صلاة الاحتياط. و كذا قضاء الأجزاء المنسية. بل هو الأحوط استحبابا في سجود السهو. نعم تصح الصلاة علي الميت مع النجاسة.

(مسألة 414): لا بد من طهارة مسجد الجبهة بالمقدار الذي يجب إمساس الجبهة له. و لا يضر نجاسة ما زاد علي ذلك مما يمسّ الجبهة أو يمس بقية المساجد السبعة أو غيرها من أجزاء بدن المصلي فضلا عمّا لا يمسّه. نعم مع الرطوبة و سريان النجاسة لبدن المصلي أو لباسه لا تصح الصلاة، كما تقدم.

(مسألة 415): لا تضر نجاسة الغطاء في صلاة المستلقي أو المضطجع إذا لم يصدق عليه اللباس، إلا إذا لف المصلي به جسده بحيث يصدق أنه صلي فيه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 131

(مسألة 416): من صلي مع النجاسة جهلا بوجودها و لم يعلم إلا بعد الفراغ صحت صلاته، و لا إعادة عليه. إلا

في دم الحيض فالأحوط وجوبا الإعادة.

(مسألة 417): من علم بوجود سبب النجاسة و صلي فيها للجهل بسببيته للنجاسة صحت صلاته، كما لو علم بإصابة البول لثوبه فغسله مرة واحدة، و صلي فيه لاعتقاده- خطأ- بكفاية الغسلة الواحدة في التطهير من البول.

(مسألة 418): من علم بالنجاسة و صلي فيها للجهل بمانعيّتها من الصلاة صحت صلاته.

(مسألة 419): من علم بالنجاسة ثم نسيها و صلي كان عليه إعادة الصلاة إذا ذكر في الوقت، بل الأحوط وجوبا القضاء، لو ذكر بعد خروج الوقت.

(مسألة 420): إذا دخل في الصلاة مع النجاسة جهلا بوجودها ثم علم بها في أثناء الصلاة بطلت صلاته، و عليه استئنافها بعد التطهير.

(مسألة 421): إذا دخل في الصلاة مع الطهارة و أصيب بالنجاسة في أثناء الصلاة فإن لم يعلم بها إلا بعد الفراغ صحت صلاته، و إن علم بها في الأثناء فإن تيسر له التخلص من النجاسة- بالتطهير منها أو نزع الثوب النجس- من دون أن يقع فيما ينافي الصلاة- كالانحراف عن القبلة و الكلام- فعل ذلك و صحت صلاته، و إلا تخلّص من النجاسة و استأنف الصلاة. هذا مع سعة الوقت، و أما مع ضيق الوقت عن التخلص من النجاسة فاللازم إتمام الصلاة بالنجاسة و الاجتزاء بها.

(مسألة 422): إذا رأي النجاسة في أثناء الصلاة و شك في أنها قد أصابته قبل الدخول فيها أو بعده بني علي الثاني، و جري عليه الحكم المتقدم في المسألة السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 132

(مسألة 423): إذا علم بنجاسة ثوبه أو بدنه فطهّره هو أو غيره و صلي و ظهر له بعد الفراغ من الصلاة عدم صحة التطهير صحت صلاته و لم تجب عليه الإعادة. نعم لو اعتمد

علي تطهير غيره فيما يحتاج إزالته إلي كلفة كالمني و نحوه من دون فحص عن حاله و ظهر بعد الصلاة عدم صحة تطهيره، فالأحوط وجوبا الإعادة.

(مسألة 424): لو علم بالنجاسة و اعتقد بأنها قد طهرت فصلي، ثم ظهر له خطأ اعتقاده و عدم وقوع التطهير أصلا صحت صلاته، و ليس الحال فيه كالمسألة السابقة.

(مسألة 425): لو علم بنجاسة ثوبه فصلي فيه و هو يري أنه صلي في غيره صحت صلاته.

(مسألة 426): لو علم بنجاسة شي ء فنسي و لاقاه برطوبة فتنجس بدنه أو ثوبه و هو لا يعلم فصلي، و بعد الفراغ ذكر أن الذي لاقاه كان نجسا صحت صلاته.

(مسألة 427): من لم يجد إلا ثوبا نجسا فإن اضطر الي لبسه لبرد أو نحوه صلي فيه، و أجزأته صلاته. و أما مع إمكان نزعه و الصلاة عاريا فالأحوط وجوبا الجمع بين الصلاة فيه و الصلاة عاريا بالكيفية الآتية في الكلام في تعذر الساتر الشرعي من مبحث لباس المصلي.

(مسألة 428): إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما وجب عليه الصلاة في كل منهما بتكرار الصلاة، و مع تعذّر الجمع في الوقت يأتي بالأخري في خارجه.

(مسألة 429): إذا كان بدنه وثوبه نجسا و تعذّر تطهيرهما معا رجح تطهير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 133

البدن، و جري عليه في الصلاة بالثوب ما تقدم في المسألة (427).

(مسألة 430): لا يجب علي المكلف إعلام غيره بنجاسة بدنه أو ثوبه ليطهّرهما في الصلاة بل يجوز له إيهامه في ذلك من دون كذب، إلا مع استئمانه له علي ذلك، كما لو أوكل إليه أمر التطهير، أو طلب منه أن يختار له ثوبا للصلاة، فإن الأحوط وجوبا له حينئذ إعلامه بالحال و عدم

الخروج عن مقتضي الاستئمان.

(مسألة 431): يحرم أكل النجس و المتنجس و شربهما، و يجوز الانتفاع بهما في ما لا يشترط فيه الطهارة، كاللبس و الفرش و التسميد بالعذرة و الدم و نحو ذلك.

(مسألة 432): يحرم سقي الأطفال و المجانين المسكر. و أما سقيهم أو إطعامهم بقية الأعيان النجسة أو المتنجسة فلا يحرم، إلا إذا كان منافيا لمصلحته الدينية أو الدنيوية أو بغير إذن الولي.

(مسألة 433): يحرم تنجيس المسجد و إن لم يوجب هتكه من دون فرق بين ظاهر أرضه و باطنها و سقفه و سطحه و حيطانه و غيرها. نعم إذا كان تنجيسه لمصلحته- كما لو توقف عليه تعميره- جاز بنظر الولي الخاص أو العام.

كما أن الظاهر جواز تنجيس حائط المسجد من الخارج بالنحو المتعارف في ظاهر الأبنية التي جرت السيرة علي التصرف فيها بالمسّ و نحوه من دون استئذان المالك أو نحوه. نعم إذا كان تنجيس حائط المسجد من الخارج هتكا له حرم.

(مسألة 434): تجب إزالة النجاسة عن المسجد إذا كان هتكا له. بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. نعم لا تجب إزالتها عن باطن أرضه لو أمكن من دون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 134

تخريب. بل لا يجوز إزالتها عن باطن أرضه و غيره من أجزائه لو توقفت علي تخريبه بالنحو المضرّ به، إلا مع وجود الباذل لعمارته بعد التخريب أو أهمية المفسدة المترتبة علي النجاسة حسب تشخيص الولي الخاص أو العام.

(مسألة 435): وجوب الإزالة فوري يقتضي المسارعة، إلا مع لزوم الضرر أو الحرج أو المزاحمة بتكليف أهم.

(مسألة 436): وجوب الإزالة كفائي يعم جميع المكلفين و لا يختص بمن نجّسه أو بوليّه أو غيرهما.

(مسألة 437): يحرم تنجيس فراش المسجد. و يجب تطهيره بعد

التنجيس إذا استلزم بقاء النجاسة هتك المسجد.

(مسألة 438): بقية آلات المسجد و ما يوقف له إن ابتني وقفه علي التعرض للنجاسة- كالخشب المعدّ لوضع الأحذية- لم يحرم تنجيسه، و إلا حرم تنجيسه.

و أما تطهيره بعد التنجيس فيجري فيه ما تقدم في الفراش.

(مسألة 439): المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس. كما يجب تطهيرها إذا كان بقاء النجاسة هتكا لها. و كذا الحال في جميع الموقوفات للجهات المقدسة، إذا لم يبتن وقفها علي الإذن في تنجيسها.

(مسألة 440): لا يجوز تنجيس المسجد الخراب و إن صار أرضا خالية.

و يجب تطهيره بعد التنجيس إذا لزم الهتك من بقاء النجاسة.

(مسألة 441): يحرم تنجيس المصحف الشريف إذا كان هتكا له، و يجب تطهيره حينئذ. و كذا الحال في كل ما يكتسب قدسية بنسبته لجهة مقدسة، كتربة الحسين عليه السّلام و كسوة الكعبة و غيرهما.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 135

الفصل الرابع في ما يعفي عنه في الصلاة من النجاسة

تجوز الصلاة في النجاسة في موارد:

الأول: دم الجروح و القروح في البدن و اللباس، حتي تبرأ. نعم إذا لم يكن الجرح أو القرح مبنيا علي استمرار النجاسة، بل يمكن تطهيره و يبقي طاهرا من دون أن يبرأ فالظاهر عدم العفو عن نجاسته.

(مسألة 442): يختص العفو بما إذا كانت سراية النجاسة مستندة لطبيعة الجرح أو القرح بمقتضي المتعارف. أما لو استندت لأمر خارج عن ذلك فلا عفو، كما لو مسّ الجرح بيده فتنجست، فإنه لا يعفي عن نجاستها.

(مسألة 443): كما يعفي عن الدم في الجروح و القروح يعفي عن القيح الخارج من الجرح أو القرح و الدواء الموضوع عليهما و العرق المتنجس بهما.

نعم يشكل العفو عن الأشياء الخارجية الملاقية للجرح أو القرح، كما لو وقع عليه ماء جري منه للموضع الطاهر.

(مسألة

444): الظاهر عدم العفو عن دم الجروح و القروح الباطنية، كدم الرعاف و قروح المعاء الذي قد ينزل من الأسافل و دم البواسير. بل يشكل العفو عن دم البواسير الظاهرة، و الأحوط وجوبا التطهير منه.

(مسألة 445): إذا كانت الجروح أو القروح متقاربة بحيث لا يجدي عرفا التطهير من بعضها في تخفيف النجاسة لتعرّض ما ينجس بسببه للنجاسة بسبب الآخر لم يجب التطهير منه عند برئه، و إن كان يوجب تخفيف النجاسة دقة، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 136

ينتظر بالتطهير برء الجميع.

و إن كانت متباعدة فإذا برئ بعضها وجب التطهير منه، و إن لم يبرأ الباقي.

(مسألة 446): إذا شك في دم أنه من دم الجروح أو القروح أو من غيره من أقسام الدم النجس وجب التطهير منه.

الثاني: الدم دون الدرهم في اللباس، و أما في البدن فالأحوط وجوبا عدم العفو عنه.

(مسألة 447): لا عفو عن دم الحيض و إن كان قليلا. و كذا النفاس علي الأحوط وجوبا. و أما دم الاستحاضة فالظاهر أنه كسائر الدماء يعفي عنه إذا كان دون الدرهم، و إن كان الأحوط استحبابا الاجتناب عنه.

(مسألة 448): لا يعفي عن دم ما لا يؤكل لحمه غير الإنسان و إن كان أقلّ من درهم. و الأحوط وجوبا عدم العفو عن دم الميتة و دم نجس العين أيضا.

(مسألة 449): العفو المتقدم إنما هو عن الدم الخالص دون المخلوط بغيره من طاهر أو نجس، دون المتنجس به، فلا تصح الصلاة في جميع ذلك، و إن كان أقل من الدرهم.

(مسألة 450): إذا تفشّي الدم من أحد الجانبين إلي الآخر فهو دم واحد و كذا إذا وقع الدم في الجانبين من مكان واحد إذا اتصلا حتي صارا

دما واحدا.

و إن لم يتصلا فهما دمان فيلزم ملاحظة سعة مجموعهما. و علي ذلك يجري الدم في الثوب ذي الطبقات- كالظهارة و البطانة- فإنه إن اتصل الدم في الطبقات لتلاصقها كان دما واحدا، و إن لم يتصل كان دمين.

(مسألة 451): إذا شك في أن الدم الموجود في الثوب من المستثنيات أو من غيره- كدم الحيض- بني علي العفو عنه. و إذا شك في أنه بقدر الدرهم أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 137

دون ذلك بني علي عدم العفو عنه.

(مسألة 452): الظاهر أن المدار في التقدير علي الدرهم الشائع استعماله في عصر الصادقين عليهم السّلام، و الأحوط وجوبا الاقتصار فيه علي ما يكون قطرة سنتمترين و ثلاثة ملمترات.

الثالث: ما لا تتم به الصلاة وحده، لعدم إمكان ستر عورة الرجل به.

كالخف و الجورب و المنديل الصغير و التكة و القلنسوة و الخاتم و غيرها. فإنه لا بأس بالصلاة في جميع ذلك و إن أصابته النجاسة.

(مسألة 453): الأحوط وجوبا عدم العفو عن نجاسة المحمول غير الملبوس إذا كان مما تتم به الصلاة كالثوب يحمل في الصلاة من دون لبس.

(مسألة 454): لا يعفي عن الملبوس المتخذ من نجس العين أو الميتة و إن كان مما لا تتم به الصلاة، و كذا لا يعفي عن الميتة التابعة للملبوس كالسيف الذي يكون قرابة من جلد الميتة، بل الأحوط وجوبا عدم العفو عن النجس و الميتة المحمولين من دون لبس كالمحفظة المتخذة من جلد الميتة. و أولي بذلك ما إذا كان غير مأكول اللحم، إذا كان طاهرا، كالمحفظة المتخذة من شعر الأرنب فضلا عمّا إذا كان نجسا كالذي يتخذ من شعر الكلب مثلا.

الرابع: ثوب الام المربية لطفلها، فإنّه معفو عنه بشروط:

الأول:

أن تكون نجاسته ببوله، دون غيره مما يخرج منه، فضلا عن النجاسة الأجنبية عنه.

الثاني: أن لا يكون لها إلا ثوب واحد. و الأحوط وجوبا أن تكون بحيث يصعب عليها تحصيل غيره و إن لم يبلغ مرتبة الحرج.

الثالث: أن تغسله في اليوم مرة. و الأحوط وجوبا أن يكون غسله بحيث

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 138

تقدر علي حفظ طهارته لأكثر من صلاة مع عدم لزوم الحرج من ذلك. كما أن الأحوط وجوبا أن يكون غسله في النهار.

(مسألة 455): لا يلحق بالأم غيرها ممن يربي الطفل من النساء فضلا عن الرجال.

(مسألة 456): إذا كان عندها ثياب متعددة تحتاج إلي لبسها جميعا لبرد أو نحوه فهي بحكم الثوب الواحد.

(مسألة 457): لا يعفي عن نجاسة بدنها من بول ولدها، بل لا بد من تطهيره للصلاة.

الخامس: جميع موارد الاضطرار للصلاة مع النجاسة أو لزوم الحرج من تجنبها. و قد تقدم حكم الانحصار بالثوب النجس في المسألة (427) من الفصل السابق.

الفصل الخامس في التطهير من النجاسات

و هو يختلف باختلاف المطهرات، و هي أمور.

الأول: الماء المطلق الطاهر، و هو مطهر لكل متنجس يصل إليه و يستولي عليه. بل تقدم في المسألة (11) من الفصل الأول من أحكام المياه أنه يطهر الماء المطلق النجس.

و أما الماء المضاف و سائر المائعات فلا تطهر به إلا أن تستهلك فيه لغلبته عليها بكثرته بحيث تنعدم فيه عرفا. و لا بد في طهارتها حينئذ من طهارة الماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 139

حين استهلاكها فيه لاعتصامه بالكرية أو بالمادة أو بالمطر. إذا عرفت هذا فالكلام في مقامين:

المقام الأول: في شروط مطهريّة الماء للمتنجس باستيلائه عليه.

(مسألة 458): لا بد في تطهير الجسم بالماء من زوال عين النجاسة عرفا، و لا

يضر بقاء الأثر من اللون أو الرائحة. كما أنه لو كان متنجسا بالمتنجس- كاللبن أو التراب المتنجس- فلا بد من زوال عينه أيضا، إلا أن يطهر بغسله بالماء مع ما تنجس به، كالثوب الطاهر ينجس بملاقاة الثوب المتنجس فيطهران بغسلهما معا بالماء.

(مسألة 459): بعض ما ينفذ فيه النجاسة كالثياب و الفراش يحتاج زوال عين النجاسة فيها إلي عناية و لا يكفي فيه مجرد وصول الماء بصب أو غمس، بل لا بد من فركه أو نحوه مما يحقق الغسل عرفا.

(مسألة 460): الدسومة إذا لم تبلغ مرتبة الجرم المانع من وصول الماء للمحل النجس لا تمنع من التطهير.

(مسألة 461): يشترط في التطهير بالقليل انفصال ماء الغسالة علي النحو المتعارف، فإذا كان المتنجس صلبا لا ينفذ الماء فيه و لم تدخل النجاسة في أعماقه كفي صب الماء عليه و انفصاله عنه، و إذا كان مما ينفذ الماء فيه كالفراش و الثياب و الاسفنج فلا بد من إخراج ماء الغسالة منه بعصر أو غمز أو نفض أو نحوها، و يكفي توالي الصبّ عليه حتي يخرج ماء الغسالة منه و يخلفه غيره.

و إذا لم ينفصل و تجمّع في موضع بقي ذلك الموضع نجسا بل الأحوط وجوبا المبادرة بانفصاله علي النحو المتعارف في غسل القذارات العرفية و عدم بقائه مدة أطول من ذلك. نعم لا يضر تخلف قليل من ماء الغسالة في الجسم المغسول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 140

بالنحو المتعارف في الغسل بالماء. و أما مع الغسل بالمعتصم- كرّا كان أو غيره- فلا يعتبر شي ء من ذلك.

(مسألة 462): لا يضر تعدي ماء الغسالة من الموضع النجس بسبب تطهيره للموضع الطاهر المتصل به، فلو كان موضع من ذراعه نجسا فصبّ

عليه الماء فجري منه علي كفه و وقع علي الأرض لم تنجس كفّه. و إذا لم ينفصل عن كفّه في المثال لقلّة الماء لم تطهر الكف، بل تنجس بماء الغسالة. و كذا إذا لم يتصل الموضع الطاهر بالموضع النجس الذي وصل منه الماء له، كما إذا طهر وجهه فتقاطر ماء الغسالة علي بطنه فإنّ الظاهر نجاسة بطنه.

(مسألة 463): إذا كان المتنجس صلبا قد تنجست أعماقه و لا ينفذ فيه ماء التطهير، كالشمع الذائب إذا تنجس ثم جمد فلا يطهر إلا ظاهره الملاقي للماء و يبقي باطنه نجسا. و حينئذ إذا أزيل منه سطحه الظاهر و ظهر ما تحته فهو نجس.

و لو شك في إزالة ظاهره و تبدّل سطوحه حكم بنجاسته أيضا.

(مسألة 464): إذا كان للمتنجس صلابة تمنع من نفوذ الماء في باطنه بمجرد وصوله و إن أمكن نفوذه فيه ببطء فله صورتان:

الاولي: أن يكون باطنه متنجسا قبل تصلبه، كالصابون المصنوع من الدهن المتنجس و الجبن المصنوع من الحليب المتنجس و الوحل المتنجس إذا انجمد حتي صار طينا، و الظاهر أنه لا يظهر لا بالماء القليل و لا بالماء المعتصم مهما طال اتصاله به إذا بقي علي تماسكه، إذ لا ينفذ في باطنه حينئذ إلا رطوبة لا يصدق عليها الماء أو بلل كثير يمتزج بأجزائه بنحو لا يصدق عليه أنه ماء مطلق.

نعم يمكن تطهير مثل الطين المتجمد إذا ذاب في الماء المعتصم و استهلك فيه من دون أن يخرجه عن الإطلاق، فإنه يكون طاهرا إذا تجمّع بعد ذلك و رسب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 141

في الماء.

الثانية: أن يتنجس ظاهره بعد تصلبه فإن لم تنفذ الرطوبة النجسة لباطنه أمكن تطهيره بالماء سواء كان معتصما أم

لم يكن. و كذا إذا نفذت فيه رطوبة من النجاسة غير مسرية. أما إذا نفذت فيه رطوبة مسرية من النجاسة فالحكم فيه كما في الصورة الأولي.

(مسألة 465): اللحم الطري إذا طبخ بماء متنجس أمكن تطهيره بغسله في بالماء. و أما اللحم المجفف فإن علم بنفوذ الرطوبة المسرية لباطنه امتنع تطهيره بالماء، و إن لم يعلم بذلك، بل علم أو احتمل كون الرطوبة النافذة في باطنه غير مسرية أمكن تطهيره بغسله بالماء، و إن كان الأولي إطعامه للأطفال و نحوهم ممن لا تكليف عليه. و يجري هذا التفصيل في جميع ما يطبخ بالماء المتنجس.

(مسألة 466): لا بد في التطهير بالماء القليل من ورود الماء علي المتنجس.

نعم ما يتعارف في تطهيره غسله داخل الماء المجموع لا فرق بين ورود الماء عليه و وروده علي الماء، كالثوب يطهر بغسله في الطست الذي يجتمع فيه الماء.

(مسألة 467): إذا طهر الثوب المتنجس ثم وجد فيه شيئا من الطين أو دقيق الأشنان أو الصابون فإن كان ذلك الشي ء مما يطهر ظاهره بالغسل لأن له نحوا من الصلابة كالأشنان بني علي طهارة ظاهره كالثوب لغسله معه تبعا، و إلا تعيّن البناء علي نجاسته و نجاسة الموضع الذي هو فيه من الثوب و طهارة باقي الثوب.

المقام الثاني: في العدد اللازم في التطهير.

فاعلم أنه يكفي في تطهير المتنجس استيلاء الماء عليه- بالشروط المتقدمة- مرّة واحدة إلا في موارد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 142

المورد الأول: المتنجس بالبول ثوبا كان أو جسدا أو غيرهما فإنه لا يطهر بالماء القليل إلا مع الصب أو الغسل مرتين بأن يتخلل انقطاع الماء عنه و انفصال ماء الغسالة بينهما. و لا يكفي استمرار الغسل أو الصب فيه مرة

واحدة مدة طويلة تعادل المرتين في الزمن.

(مسألة 468): لا بد من زوال عين النجاسة بالمرة الاولي، و لا يكفي زوالها بهما معا.

(مسألة 469): سبق في المسألة الثانية أن الثياب و نحوها لا بد فيها من الغسل. و لكن يكفي في بول الصبي و الصبية اللذين لم يتغذيا بالطعام صب الماء. بل يكفي في بول الصبي صبة واحدة. و الأحوط وجوبا فيهما معا العصر بعد الصب.

(مسألة 470): يسقط التعدد في البول مع الغسل بالماء المعتصم كرا كان أو ذا مادة أو مطرا.

الثاني: الإناء فإنه إذا تنجس لا يطهر بالماء القليل إلا إذا غسل ثلاث مرات بجعل الماء فيه كل مرة بنحو يصل إلي موضع النجاسة ثم يفرغ منه. أما إذا طهر بالماء المعتصم- كرا كان أو غيره- فيكفي مرة واحدة.

(مسألة 471): يلحق بالإناء كل موضع لا يمرّ فيه الماء مرورا، و ينفصل عنه، بل يجتمع فيه و يقر في قعره كالحب، بل حتي مثل الحوض و الحفيرة.

(مسألة 472): إذا أمكن تطهير الإناء و نحوه من دون أن يتجمع فيه الماء أجزأ غسله مرة واحدة، كما إذا كان قليل التقعير، أو كان مثقوبا في أسفله بنحو ينزل الماء منه كالمغسلة التي في أسفلها ثقب لجريان الماء، و كذا إذا تنجس ظاهر الإناء و أريد تطهيره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 143

(مسألة 473): يجب في تطهير الإناء الذي يشرب فيه الكلب أن يغسل أولا بالتراب، ثم بالماء مرّتين. من دون فرق بين شربه للماء و شربه لبقية المائعات.

(مسألة 474): الأحوط وجوبا في لطع الكلب للإناء و وقوع لعابه فيه الغسل مرّة بالتراب ثم ثلاث مرات بالماء. و أما ملاقاته للإناء بغير ذلك مما يوجب تنجيسه له فلا

يجب معها إلا الغسل ثلاث مرات بالماء وحده من دون تراب.

(مسألة 475): لا بد من طهارة التراب الذي يغسل به الإناء كالماء.

(مسألة 476): لا بد في الغسل بالتراب من أن يكون التراب ممزوجا بالماء بمقدار معتدّ به، بحيث يصدق أن الغسل بالتراب، نظير الغسل بالصابون و الأشنان و السدر و نحوها.

(مسألة 477): يجب في تطهير الإناء الذي يشرب منه الخنزير الغسل سبع مرات.

(مسألة 478): الأحوط وجوبا غسل الإناء الذي يتنجس بموت الجرذ- و هو الكبير من الفأر- فيه سبع مرات. بل يستحب فيه ذلك و إن لم يتنجس بموته فيه لعدم سريان الرطوبة للإناء مما تحله الحياة من جسده الميت.

(مسألة 479): يسقط التعدد في غسل الإناء بالماء المعتصم، كما سبق. لكن لا يسقط معه الغسل بالتراب إذا تنجس بشرب الكلب منه.

(مسألة 480): الإناء و نحوه إذا كان كبيرا أو مثبتا في موضعه- كالحوض- إذا طهر بالماء القليل و كان يصعب أو يتعذر تفريغه من ماء الغسالة رأسا يكفي تفريغه بالواسطة و لا يضر تقاطر ماء الغسالة فيه حال الإخراج كما لا يضر فيه نجاسة آلة التفريغ بسبب ماء الغسالة الذي يفرغ بها تدريجا، نعم الأحوط وجوبا تطهيرها لكل غسلة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 144

(مسألة 481): لا يعتبر التوالي بين الغسلات في كل ما يجب فيه التعدد، بل يكفي تحقق العدد المعتبر و لو مع الفصل بين الغسلات بزمان طويل.

نعم تقدم في المسألة الرابعة أن الأحوط وجوبا المبادرة لإخراج ماء الغسالة في كل غسلة بمجرد تماميتها، و عدم تركه مدة طويلة مع المتنجس المغسول به.

الثاني من المطهرات: الأرض. و هي تطهر باطن القدم و ما يتوقّي به كالنعل و الخف و الحذاء و غيرها

بالمشي عليها.

(مسألة 482): لا بد من طهارة الأرض و جفافها، بل يبوستها. و لو شك في طهارتها بني علي الطهارة، إلا أن يعلم بنجاستها سابقا و يشك في تطهيرها بعد ذلك. أما لو شك في جفاف الأرض و يبوستها فاللازم البناء علي عدم التطهير بالمشي عليها.

(مسألة 483): لا بد في تطهير باطن القدم من زوال عين النجاسة و لو قبل المشي. و لو شك في زوالها بني علي عدم التطهير و كذا لو شك في أصل علوق عين النجاسة بالقدم.

(مسألة 484): الظاهر عموم الأرض لكل ما يطلق عليه اسمها، حتي المطبوخ منها كالطابوق.

(مسألة 485): الظاهر اختصاص مطهرية الأرض بما إذا كان التنجس بسبب المشي علي الأرض لوجود عين النجاسة عليها أو لتنجسها، دون ما إذا لم يكن بسبب المشي علي الأرض فإن المشي علي الأرض حينئذ لا يكون مطهرا، و كذا إذا كان بسبب المشي علي الأرض إلا أنه لم يكن لنجاسة الأرض أو نجاسة ما عليها، بل كان لمثل جرح القدم حال المشي و تنجسها بالدم الخارج من الجرح.

(مسألة 486): الظاهر تحقّق التطهير لمثل الجورب إذا كان هو الواقي للقدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 145

لكن لا يطهر بالمشي إلا وجهه المماس للأرض، دون الباطن المماس للرجل إذا نفذت له النجاسة أو رطوبتها بالمشي.

(مسألة 487): لا يكفي في تطهير القدم و النعل مسحهما من النجاسة بالأرض من دون المشي عليها.

(مسألة 488): الأحوط وجوبا عدم طهارة نعل الدابة بمجرد زوال النجاسة أو المتنجس عنه، بل لا بد مع ذلك من مشيها علي الأرض. بخلاف رجل الدابة فإنها تطهر بزوال عين النجاسة كسائر أجزاء جسمها، كما يأتي في المطهر التاسع.

الثالث: الشمس فإنها تطهّر الأرض و

كل ما لا ينقل من الأبنية و ما ثبت فيها، و كذا الأشجار و الزرع و النبات و الثمر و إن حان قطافه.

(مسألة 489): يشترط في التطهير بالشمس أمور:

الأول: رطوبة الموضع.

الثاني: جفافه بالشمس، بحيث يستند عرفا لإشراقها عليه، و لا يكفي استناده لحرارتها. نعم لا بأس بمشاركة الريح بالنحو المتعارف في التجفيف.

الثالث: زوال عين النجاسة إذا كان لها جرم ظاهر كالغائط و الدم. دون مثل البول مما لا جرم له بعد التجفيف و إن بقي أثره. نعم إذا تكثر و تكاثف ففي كفاية جفافه بالشمس من دون أن يخفف بالماء إشكال، و الأحوط وجوبا عدم طهارته.

(مسألة 490): إذا جف الموضع النجس بغير الشمس و أريد تطهيره بالشمس فلا بد من بلّه، و لو بالماء النجس، فيطهر بتجفيف الشمس له.

(مسألة 491): لا تطهر الشمس الحصر و البواري و كل ما ينقل. و في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 146

تطهيرها لمثل السفينة و السيارة و نحوهما من المنقولات التي لها نحو من السعة إشكال و الأحوط وجوبا العدم، نعم ما يكون من غير المنقول عرفا لوضعه علي الأرض و استقراره فيها كالبيوت الجاهزة ملحق بالأرض. و كذا ما يعدّ من أجزاء الأرض عرفا كأحجارها و صخورها و نحو ذلك، دون مثل الحجر الموضوع في غير موضعه.

الرابع: الاستحالة إلي جسم آخر، بحيث يعد المستحال إليه مباينا عرفا للمستحال منه و ناشئا منه، كاستحالة الطعام و الشراب النجسين اللذين يتناولهما الحيوان المأكول اللحم روثا و بولا له، و استحالة الخشب المتنجس رمادا و استحالة الماء بخارا و غير ذلك. نعم يشكل تحققها بصيرورة الخشب فحما فالأحوط وجوبا البناء علي نجاسته لو كان الخشب نجسا، بل لا إشكال في

عدم تحققها بمثل صيرورة الطين و الصخر و نحوها آجرا أو خزفا أو جصا أو نورة.

(مسألة 492): إذا استحال المتنجس بخارا ثم استحال البخار عرقا كان العرق طاهرا، و كذا إذا استحال عين النجس بخارا ثم استحال البخار عرقا، إلا أن يصدق علي العرق عنوان نجس كالخمر فينجس حينئذ.

الخامس: الانقلاب، فإنه مطهر للخمر إذا انقلبت خلا أو شيئا آخر لا يصدق عليه الخمر، سواء انقلبت بنفسها أم بعلاج و لو بوضع شي ء فيها كالملح و نحوه، سواء استهلك ذلك الغير في الخمر أم لم يستهلك.

(مسألة 493): لا بد في الانقلاب المطهر من تبدل حال ما كان متصفا بالخمرية بحيث ينسلخ عنه اسم الخمر مع بقاء عينه. و لا يكفي مزجه بغيره بحيث يستهلك الخمر فيه و لا يصدق علي المجموع عنوان الخمر أو لا يكون مسكرا بسبب التخفيف و المزج.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 147

(مسألة 494): لا بد في طهارة الخمر بالانقلاب من عدم وصول نجاسة خارجية من غير جهة الخمر إليها قبل الانقلاب فلو وضعت الخمر في إناء متنجس بغير الخمر ثم انقلب خلّا لم تطهر، و كذا لو لاقت نجاسة أخري غير الخمر. و كذا لو تنجّس الخل بغير الخمر ثم انقلب خمرا، ثم انقلبت الخمر خلا فإنه لا يطهر.

السادس: الانتقال، فإنه مطهّر للمنتقل منه، كانتقال دم نجس العين إلي البق و البرغوث و القمل و نحوها، فإنه مطهّر له. و أما انتقال دم طاهر العين لها فهو غير مطهّر له، لأنّه لم يكن نجسا عند ما كان في باطن الحيوان حتّي يطهر بالانتقال.

(مسألة 495): إذا امتص العلق الدم من الإنسان أو نحوه مما هو طاهر العين ثم انفجر يشكل الحكم

بطهارة الدم المذكور و الأحوط وجوبا إجراء حكم النجس عليه. و أما إذا امتص دم نجس العين ثم انفجر فلا إشكال في نجاسته.

و كذا ما يمتصه الحيوان الكاسر من الدم النجس أو يشربه، ما دام في جوفه قبل أن يتحلل و يستحيل و يصير جزء منه، فلو قاءه وجب الاجتناب عنه.

السابع: الإسلام فإنه مطهّر للكافر النجس، حتي المرتد عن فطرة. و تطهر فضلاته المتصلة به معه.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 147

(مسألة 496): يكفي في الإسلام الإقرار ظاهرا بالتوحيد و الرسالة من دون إعلان بعدم الاعتقاد بمضمونهما أو بلوازمه من الضروريات التي يلزم من الإقرار به الإقرار بها. و الظاهر قبول الإقرار من الشخص بالنحو المذكور و إن علم بعدم الاعتقاد بأحد الأمرين إذا كتم ذلك.

(مسألة 497): الظاهر قبول إسلام الصبي المميز الذي يحسن وصف الإسلام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 148

الثامن: التبعية فإنها مطهرة في موارد:

منها: ما إذا أسلم الكافر، فإن إسلامه كما يطهّره يطهّر ولده الصغار الذين لم يعلنوا الإسلام و لا الكفر. و كذا الحال في غير الأب ممن يعيش الطفل معه و في كنفه كأقاربه و أسره إذا انقطع عن أبيه انقطاعا تاما لموت الأب، أو لنهبه من أبيه أو نحو ذلك.

و منها: تبعية أواني الخمر له إذا انقلبت و خرجت عن الخمرية فإنها تطهر معه، و كذا الآلات المستعملة في عملية الانقلاب المذكور و المصاحبة له كغطاء الأواني المذكورة. و كذا ما يتعارف جعله فيها من الأجسام الطاهرة بالأصل سواء وضعت قبل صيرورته خمرا- كالتمر الذي يجعل

في الماء للتخليل حتي يصير الماء خمرا ثم يصير خلا- أم بعد صيرورته خمرا، كالملح الذي يجعل في الخمر من أجل أن ينقلب خلا.

و منها: تبعية الإناء الذي يغسل فيه الثوب و نحوه له، فإنه و إن كان ينجس بملاقاة النجس الذي يغسل فيه و بملاقاة ماء الغسالة إلا أنه لا يحتاج إلي تطهير مستقل بعد تطهير ما يغسل فيه، بل يكفي غسله تبعا لما يغسل فيه و يطهر معه بعد تفريغه من ماء الغسالة من دون حاجة إلي تثليث.

و منها: طهارة يد الغاسل للميت و ثوب الميت إذا غسل فيه و آلات تغسيله فإنها تطهر بتمامية تغسيل الميت تبعا لطهارته. و بعضها و إن كان يغسل مع الميت فيطهر بذلك لا بالتبعية، إلا أنه قد لا تتم فيه شروط التطهير، كالعصر لثوب الميت.

التاسع: زوال عين النجاسة أو المتنجس عن بواطن الإنسان و تمام جسد غيره من الحيوانات لو قيل بأنها تنجس بملاقاة النجس و المتنجس. و أما لو قلنا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 149

بأنها لا تنجس فلا يحتاج إلي زوال عين النجاسة أو المتنجس من أجل تطهيرها، بل من أجل اجتناب ملاقاتهما و هما عليها.

(مسألة 498): إذا علم بملاقاة باطن الإنسان أو جسد غيره من الحيوانات للنجاسة، ثم احتمل زوال عينها عنها، فإذا لاقاها جسم طاهر برطوبة لم يحكم بنجاسته، بل يبقي علي طهارته.

(مسألة 499): الملاقاة في الباطن لا توجب النجاسة، علي تفصيل تقدم في المسألة (412) من فصل كيفية سراية النجاسة.

العاشر: استبراء الحيوان الجلال، فإنه مطهّر لبوله و خرئه، و كذا لعرقه بناء علي أنه نجس. و كذلك استبراء الحيوان الذي يرتضع من لبن خنزيرة. و المراد بكونه مطهّرا لها أن

ما يتجدد منها بعد الاستبراء طاهر ابتداء، لا أنه يطهر بعد نجاسته.

(مسألة 500): يتحقق الاستبراء في الجلال بمنع الحيوان مدة طويلة عن أكل العذرة، بحيث يصدق عليه أنه ليس غذاؤه العذرة. و قد حدّد شرعا في الإبل بأربعين يوما، و في البقر بعشرين يوما، و الأحوط الأفضل ثلاثون، و أحوط منه أربعون. و في الشاة بعشرة أيام، و الأحوط الأفضل أربعة عشر يوما، و الأحوط وجوبا إلحاق الماعز بالشاة في ذلك. و في البطة بخمسة أيام، و الأحوط الأفضل سبعة أيام، و في الدجاجة بثلاثة أيام. و أما في ما عداها فالأحوط وجوبا ملاحظة أكثر الأمرين من صدق أنه ليس غذاؤه العذرة و من مضي مدة مناسبة لحجمه بالإضافة إلي ما سبق عده من الحيوانات. و أما الحيوان الذي يرتضع من لبن خنزيرة فإنه يحبس عنها و يعلف سبعة أيام أو يلقي علي ضرع شاة هذه المدة.

الحادي عشر: تغسيل الميت، فإنه مطهر له من نجاسته بالموت. لكنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 150

يختص بالغسل التام، دون الناقص، للضرورة، و دون التيمم عند تعذر الغسل.

الثاني عشر: حجر الاستنجاء و نحوه مما يزيل الغائط عن موضع التخلّي، علي تفصيل تقدم في أحكام التخلّي.

(مسألة 501): إذا علم المكلف بتنجس الجسم و شك في تطهيره بني علي عدمه. إلا مع قيام الأمارة الشرعية علي تحققه، كالبينة، و إخبار ذي اليد.

(مسألة 502): لو علم بوقوع الغسل أو نحوه بعنوان التطهير و شك في صحته بني علي صحته.

(مسألة 503): إذا علم المكلف بتنجس بدن المسلم أو ثوبه أو إنائه أو نحو ذلك من متعلّقاته ثم غاب عنه بني علي طهارة ذلك المتنجس بشروط ثلاثة:

الأول: احتمال حصول التطهير لذلك المتنجس و

لو من دون قصد الثاني: أن يعلم المسلم بأن الشي ء الخاص الذي تحت يده قد تنجس.

الثالث: أن يتعامل مع ذلك الشي ء الذي كان متنجّسا تعامله مع الطاهر، إما باستعماله في ما يشترط فيه الطهارة شرعا كشربه أو تقديمه ليشرب، أو باستعماله في ما لا يستعمل فيه النجس عادة، كما لو غمس يده التي كانت نجسة في ماء طاهر معرّض لأن يشرب أو يتوضأ منه. نعم الأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي المساورة لما يشك في تطهيره بالأكل و الشرب و الوضوء من الماء الذي يلاقيه و نحوها، دون بقية أحكام الطهارة، كلبس ثوبه الذي كان متنجسا في الصلاة و السجود علي ما كان متنجسا من الأرض و نحو ذلك مما لا يرجع للانفعال و المساورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 151

خاتمة في الأواني

(مسألة 504): أواني الخمر قابلة للتطهير بغسلها ثلاثا مع الشروط المتقدمة في التطهير بالماء، و يجوز استعمالها بعد ذلك من دون فرق بين ما تنفذ فيه الرطوبة كإناء الخزف، و غيره كإناء الصّفر.

(مسألة 505): يحرم استعمال أواني الذهب و الفضة في الأكل و الشرب و غيرها من أنواع الاستعمال. و لا يحرم التزيين بها، و لا اقتناؤها للادخار فقط.

(مسألة 506): إذا انحصر الغرض من الإناء عادة بالاستعمال حرم صنعه من الذهب و الفضة، و أخذ الأجرة عليه، و كذا يحرم بيعه و شراؤه، و يحرم ثمنه إن كان لهيئته دخل في بيعه و شرائه. و أما إذا كان البيع و الشراء لمادته من دون دخل للهيئة فلا بأس به.

و أما إذا لم ينحصر الغرض من الإناء بالاستعمال بل كان صالحا له و للتزيين، أو متمحضا في التزيين فلا بأس بصنعه و بيعه و

شرائه و يحل ثمنه. أما بعد صنعه فلا بأس بالتزيين به و اقتنائه للادخار حتي في القسم الأول.

(مسألة 507): يجوز استعمال الإناء المفضض، و هو الذي فيه قطعة أو قطع من الفضة. نعم هو مكروه. بل الأحوط وجوبا عدم الشرب من موضع الفضة، كما أن الأحوط وجوبا إلحاق المذهّب بذلك.

(مسألة 508): لا إشكال في صدق الإناء علي ما يتعارف وضع المأكول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 152

و المشروب فيه ليؤكل منه أو يشرب، و كذا ما يجعل فيه الماء ليتوضأ به أو يغتسل منه أو نحوهما، حتي مثل الأباريق علي الأحوط وجوبا، دون مثل الملاعق مما يعد من سنخ آلات الأكل و الشرب و نحوهما.

و كذا ما يتعارف خزن الشي ء فيه من دون أن يعد لأن يؤكل أو يشرب منه و كذا ما يتعارف وضع بعض الأمور المستعملة مما ليس من سنخ المأكول و المشروب و نحوهما، كظروف العطر و التبغ و غيرهما، و ما يصنع بيتا للقرآن الشريف و العوذة و نحوهما لحفظها أو التزيّن بها. بل يشكل صدقه علي مثل زجاجة المشروبات الغازية و إن أعدت لأن يشرب بها. فلا بأس باستعمال ما يصنع بهيئتها من الذهب و الفضة. و كل ما شك في صدق الإناء عليه جاز استعماله.

(مسألة 509): لا فرق في الحرمة بين أن يكون الذهب و الفضة خالصين و أن يكونا مغشوشين، إذا لم يكن الغش مانعا من صدق الذهب و الفضة علي المادة التي يصنع منها الإناء.

(مسألة 510): إذا شك في كون الإناء من الذهب أو الفضة جاز استعماله.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 153

كتاب الصّلاة

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 155

كتاب

الصلاة و هي إحدي الدعائم التي بني عليها الإسلام بل هي أوّلها و أفضلها بعد الإيمان، و هي أصل الإسلام و عمود الدين و وجهه، و هي آخر وصية النبي صلّي اللّه عليه و آله و وصايا الأنبياء عليهم السّلام و أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، كما تضمن ذلك الأخبار عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة الأطهار عليهم السّلام. و في بعضها: أن من ترك صلاته متعمدا فقد برئت منه ملة الإسلام، و انّه ما بين الكفر و الإيمان إلا ترك الصلاة.

و هي الصلة بين العبد و ربه و المذكّرة له به، فينبغي الاهتمام بها و التعاهد لها و التوجه و الخشوع فيها و التأني في أدائها و إتمام ركوعها و سجودها و سائر أجزائها، فإنّها إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها. و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة». و لا يسعنا استقصاء ما ورد في فضلها و يكفينا ما عن الإمام الباقر عليه السّلام «قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لو كان علي باب دار أحدكم نهر و اغتسل في كل يوم منه خمس مرات أ كان يبقي في جسده من الدرن شي ء؟ قلت: لا. قال: فإنّ الصلاة كمثل النهر الجاري كلما صلّي صلاة كفّرت ما بينهما من الذنوب». و ما عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:

«صلاة الفريضة خير من عشرين حجة، و حجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتّي يفني».

و يحزّ في النفس ما نراه اليوم من التسامح و التهاون من كثير من أهل هذه الأمّة في هذه الفريضة العظيمة و

الاستخفاف بها ف إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، و نرجو أن يكون ما قدّمناه رادعا لهم عن ذلك و محفّزا للاهتمام بهذه الفريضة، فَإِنَّ الذِّكْريٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ. و منه سبحانه و تعالي نستمدّ العون و التوفيق، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 156

مقدمة

الصلاة الواجبة في هذا الزمان بالأصل خمس: الصلاة اليومية، و صلاة الجمعة، و صلاة الآيات، و صلاة الأموات، و صلاة الطواف.

و الباقي صلوات مستحبة، و إن كانت قد تجب بالعرض لنذر أو إجارة أو نحوهما.

أما صلاة الطواف فالكلام فيها موكول لكتاب الحج، و صلاة الأموات تقدم الكلام فيها عند الكلام في أحكام الأموات تبعا للكلام في تغسيل الميت من كتاب الطهارة، فلم يبق إلّا الصّلاة اليومية، و صلاة الجمعة، و صلاة الآيات، و الصلوات المستحبة. فيقع الكلام فيها ضمن مقاصد:

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 157

المقصد الأول في الصلاة اليومية

اشارة

و فيه مباحث

المبحث الأول في أعدادها

يجب في اليوم و الليلة خمس صلوات: الصبح و الظهر- و هي الصلاة الوسطي- و العصر و المغرب و العشاء.

أما الصبح فركعتان، و أما المغرب فثلاث ركعات، و أما الباقي فأربع ركعات.

(مسألة 1): تقصر الرباعية- و هي الظهر و العصر و العشاء- فتكون ركعتين في السفر و الخوف. علي ما يأتي تفصيله في محله إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 2): يتخيّر المكلف في الحضر في عصر الغيبة و عدم بسط يد الإمام عليه السّلام بين إقامة الظهر في يوم الجمعة أربع ركعات و إقامة الجمعة بشروطها المقررة.

(مسألة 3): الصلوات المستحبة و إن كانت كثيرة و يأتي الكلام في بعضها إن شاء اللّه تعالي إلا أن المناسب هنا التعرّض للنوافل الرواتب التي هي ملحقة بالصلاة اليومية، و هي ثماني ركعات للظهر قبلها، و ثمان للعصر بينها و بين الظهر، و أربع للمغرب بعدها، و ركعتان من جلوس تعدّان بركعة للعشاء بعدها، و تسمي الوتيرة. و ثماني ركعات صلاة الليل، و ركعتا الشفع بعدها، و ركعة الوتر بعدها. و ركعتان نافلة الفجر قبل الفريضة، و في يوم الجمعة يزاد في نافلة النهار

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 158

قبل الزوال أربع ركعات أو ست ركعات و هو الأفضل.

(مسألة 4): النوافل المذكورة ركعتان ركعتان، لكل ركعتين تشهّد و تسليم، عدا ركعة الوتر، فإنّها ركعة واحدة بتشهّد و تسليم، و تفصل عن الشفع بتشهّد و تسليم. و أما بقية الصلوات المستحبة فهي ركعتان ركعتان بتشهّد و تسليم، إلا ما استثني فينبّه عليه عند التعرّض له.

(مسألة 5): الوتيرة و إن كانت مشروعة في الأصل ركعتين من جلوس إلا أنّه يشرع الإتيان بها من قيام، بل هو أفضل.

(مسألة 6):

يجوز الاقتصار علي بعض النوافل المذكورة، كما يجوز الاقتصار في نافلة العصر علي أربع ركعات، و في نافلة المغرب علي ركعتين، و في صلاة الليل علي الشفع و الوتر، و علي الوتر خاصة.

(مسألة 7): تسقط نافلة الظهرين في السفر عند قصر الفريضة. و الظاهر عدم سقوط الوتيرة، و هي الركعتان بعد العشاء.

(مسألة 8): يجوز الإتيان بالنوافل الرواتب و غيرها حال الجلوس اختيارا.

لكن يستحب عدّ كل ركعتين بركعة، و عليه فيكرّر الوتر مرّتين. كما يجوز الإتيان بها حال المشي و الركوب و يومئ في الحالين للركوع و السجود. و الأحوط وجوبا أن يكون الإيماء للسجود أخفض.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 159

المبحث الثاني في أوقات الفرائض اليومية و نوافلها

وقت الظهرين من الزوال إلي المغرب. إلا أنه يجب تقديم الظهر علي العصر و وقت المغرب و العشاء للمختار من المغرب إلي نصف الليل، إلا أنه يجب تقديم المغرب علي العشاء. و أما المضطر- لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها- فيجب عليه الإتيان بالمغرب و العشاء قبل الفجر. لكن ينوي بهما حينئذ الأمر الفعلي المردد بين الأداء و القضاء. بل ذلك هو الأحوط وجوبا في حق العامد في تأخيرهما عن نصف الليل، فإنّه و إن كان آثما بالتأخير إلا أنه يبادر إليهما قبل الفجر بنيّة الأمر الفعلي المردّد بين الأداء و القضاء. و وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق إلي طلوع الشمس.

(مسألة 9): الفجر الصادق هو البياض المعترض في جانب المشرق الذي يتزايد وضوحا و جلاء حتّي تطلع الحمرة ثم الشمس. و قبله الفجر الكاذب، و هو البياض المستطيل في الأفق صاعدا إلي السماء كالعمود، و هو يتناقص و يضعف حتّي ينمحي.

(مسألة 10): الزوال منتصف ما بين طلوع الشمس و غروبها،

الذي تميل فيه الشمس إلي جانب المغرب بعد منتهي ارتفاعها. و يعرف بزيادة ظلّ شاخص معتدل بعد نقصانه، أو بحدوث ظله بعد انعدامه.

(مسألة 11): نصف الليل منتصف ما بين غروب الشمس و طلوع الفجر الصادق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 160

(مسألة 12): المغرب عبارة عن غروب الشمس و سقوط قرصها و غيابه في الأفق. و مع الشك فيه لا بدّ من اليقين به. و يكفي في معرفته ذهاب الحمرة المشرقية، و هي الحمرة التي تظهر في جانب المشرق عند مغيب الشمس. بل يكفي تغير الحمرة و ذهاب الصفرة. و أما مع اليقين به فلا يجب الانتظار، بل يستحب الانتظار قليلا بما يقارب ذهاب الحمرة.

(مسألة 13): يجوز الجمع بين الظهر و العصر في وقتهما المتقدم و بين المغرب و العشاء في وقتهما المتقدم في السفر و الحضر، من غير مطر و لا ضرر، تأسيا بالنبي صلّي اللّه عليه و آله علي ما رواه الفريقان شيعة أهل البيت عليهم السّلام و غيرهم. نعم الأفضل الإتيان بكل منهما في وقت فضيلته علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 14): من قدّم العصر علي الظهر عامدا بطلت صلاته، و لو قدّمها ناسيا فإن ذكر في الأثناء عدل بنيّته إلي الظهر و أتمّها ظهرا ثم جاء بالعصر، و إن ذكر بعد الفراغ فالأحوط وجوبا أن يجعل ما أتي به ظهرا، ثم يأتي بأربع ركعات بنيّة ما في الذمة مردّدة بين الظهر و العصر. و لا فرق في ذلك بين الإتيان بالعصر عند الزوال و الإتيان بها بعده بمقدار أداء الظهر. و إن كان الأحوط استحبابا في الصورة الاولي عدم الاعتداد بها، و الإتيان بالفريضتين معا برجاء المطلوبية.

(مسألة 15): من

قدّم العشاء علي المغرب عمدا بطلت صلاته، و من قدمها سهوا فإن ذكر في الأثناء قبل القيام للرابعة عدل بنيّته إلي المغرب و أتمّها ثم جاء بالعشاء، و إن ذكر بعد القيام للرابعة بطلت. و إن ذكر بعد الفراغ صحت، و وجب عليه الإتيان بالمغرب لا غير.

(مسألة 16): لا يجوز العدول من السابقة إلي اللاحقة، فإذا صلّي الظهر مثلا، و في الأثناء التفت إلي أنه كان قد صلّاها ليس له العدول إلي العصر، بل تبطل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 161

تلك الصلاة و يجب عليه استئناف العصر. و كذا المغرب و العشاء. نعم تقدم في المسألتين السابقتين جواز العدول من اللاحقة إلي السابقة.

(مسألة 17): من أخر صلاة الظهرين حتّي خاف مغيب الشمس قبل الإتيان بهما معا قدم العصر، ثم إن علم أو احتمل بقاء شي ء من الوقت و لو بمقدار ركعة وجبت المبادرة إلي الظهر بنيّة الأمر بها من دون تعيين الأداء و لا القضاء، و إن علم بخروج الوقت لم تجب المبادرة للظهر. و كذا الحال لو أخر صلاة المغرب و العشاء حتّي خاف فوت الوقت لو صلّاهما معا.

(مسألة 18): وقت فضيلة فريضة الظهر من الزوال إلي بلوغ ظل الإنسان قدمين (سبعي الشاخص تقريبا). و كلما عجّل بها كان أفضل ما لم يشتغل بالنافلة، فإذا لم يكمل النافلة حتّي يبلغ الظل سبعي الشاخص تركها و بادر لفريضة الظهر. و إذا لم يصلّ الظهر حتّي بلغ مثل الشاخص بادر إليها و كره له تأخيرها.

(مسألة 19): وقت فضيلة فريضة العصر من بلوغ ظل الإنسان قدمين (سبعي الشاخص تقريبا) إلي بلوغه أربعة أقدام (أربعة أسباع الشاخص تقريبا). و كلّما عجّل بها في ضمن الوقت المذكور كان

أفضل ما لم يشتغل بالنافلة، فإذا لم يكمل النافلة حتّي بلغ الظل أربعة أقدام (أربعة أسباع الشاخص تقريبا) تركها و بادر لفريضة العصر. و إذا لم يصلّ العصر حتّي بلغ الظل مثلي الشاخص بادر لها و كره له تأخيرها. و الحكم في هذه المسألة و ما قبلها غير خال عن الإشكال، و كذا الحال في كثير من أوقات الفضيلة للفرائض و أوقات النوافل فالأولي العمل علي ذلك برجاء المطلوبية مراعاة للاحتمالات البعيدة. و يهون الأمر أنّه علي الاستحباب.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 162

(مسألة 20): وقت فضيلة فريضة المغرب من المغرب- بالمعني المتقدم في المسألة (12)- إلي ذهاب الشفق و هو الحمرة المغربية، و يمتدّ في السفر إلي ثلث الليل. و كلّما عجّل بها في ضمن الوقت المذكور كان أفضل.

(مسألة 21): وقت فضيلة فريضة العشاء من ذهاب الشفق إلي ثلث الليل، و كلّما عجل بها في ضمن الوقت المذكور كان أفضل.

(مسألة 22): وقت فضيلة فريضة الصبح من الفجر إلي أن يجلّل الصبح السماء، بحيث يطبق ضياؤه علي جوانبها. و الغلس بها في أول الفجر أفضل.

و قد ورد أن من صلاها مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين فتثبتها ملائكة الليل و تثبتها ملائكة النهار.

(مسألة 23): من المستحبات المؤكدة التعجيل بالصلاة في أول وقتها. و قد ورد في بعض الأخبار أن من تعاهدها في أوقاتها الفضيلية المتقدمة لم يعد من الغافلين و أن ملك الموت يلقنه شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و ينحّي عنه إبليس. و قد ورد في النصوص الكثيرة النهي عن تأخيرها عمدا عن أوقات الفضيلة، و يظهر من النصوص أنه هو المراد

بتضييع الصلاة و الاستخفاف بها الذي سبق الردع عنه. و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «إن الصلاة إذا ارتفعت في أول وقتها رجعت إلي صاحبها و هي بيضاء مشرقة تقول:

حفظتني حفظك اللّه، و إذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلي صاحبها و هي سوداء مظلمة تقول: ضيّعتني ضيّعك اللّه». فالأمل بالمؤمنين الاهتمام بذلك و الالتزام به حتّي يتعوّدوا عليه فيخفّ عليهم.

(مسألة 24): وقت نافلة الظهر من الزوال إلي أن يبلغ الظل الحادث قدمين (سبعي الشاخص تقريبا). و وقت نافلة العصر من أول وقتها إلي أن يبلغ الظل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 163

أربعة أقدام (أربعة أسباع الشاخص تقريبا).

(مسألة 25): وقت نافلة المغرب بعد الفراغ منها إلي نصف الليل، غايته أنه بعد ذهاب الحمرة المغربية يستحب تقديم فريضة العشاء عليها. و أما نافلة العشاء فالأولي الإتيان بها قبل نصف الليل، و إن أخّرها بعده أتي بها بنيّة الأمر المردد بين الأداء و القضاء.

(مسألة 26): وقت نافلة الليل من منتصف الليل إلي الفجر الصادق، و أفضله قرب الفجر، و ربما يكون الأفضل من ذلك التفريق، بأن يصلي عند نصف الليل أربع ركعات، ثم يفصل مدة- بنوم أو غيره- ثم يصلي أربع ركعات، ثم يصلي الشفع و الوتر قرب الفجر.

(مسألة 27): وقت نافلة الفجر السدس الأخير من الليل، فإذا طلعت الحمرة المشرقية بعد الفجر و لم يصلّهما كان الأولي تأخيرهما عن فريضة الفجر و يجوز دسّهما في صلاة الليل قبل ذلك، لكن إن نام بعدها استحب له إعادتها.

(مسألة 28): يجوز تقديم نافلتي الظهرين علي الزوال يوم الجمعة. كما يجوز في بقية الأيام أيضا إذا علم أنه يشغله عنها شاغل. بل يجوز من غير

شاغل إلا أن أداءهما في وقتهما أفضل.

(مسألة 29): يجوز تقديم صلاة الليل علي نصف الليل للمسافر و المريض، و لمن يخشي أن يغلبه النوم فلا يقوم بعد نصف الليل، و لمن يصعب عليه القيام نصف الليل، بل مطلقا، و إن كان مرجوحا. و قضاؤها في النهار أفضل من تقديمها.

(مسألة 30): لا يجوز تقديم الفريضة علي الوقت بل تبطل حينئذ. نعم لو دخل الوقت قبل الفراغ من الصلاة صحت الصلاة بشرط أن يكون قد دخل في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 164

الصلاة اعتمادا علي حجة شرعية أو باعتقاد دخول الوقت و لو كان اعتقادا بدويّا راجعا للذهول و الغفلة عمّا يوجب الشك فيه.

(مسألة 31): لو دخل في الصلاة و هو شاك في دخول الوقت فلا تصح صلاته إلا إذا انكشف دخول الوقت قبل الصلاة، و لا يكفي دخولها في الأثناء.

(مسألة 32): يثبت الوقت بأمور:

الأول: العلم و لو حصل من إخبار ثقة عارف.

الثاني: قيام البينة، بأن يشهد عادلان بدخول الوقت إذا كان خبرهما مستندا إلي الحس فإنّه يجوز الاعتماد علي خبرهما حينئذ و إن احتمل بعيدا خطؤهما.

نعم إذا استند خبرهما إلي الحدس و التخمين فلا يجوز الاعتماد عليه إلا إذا أوجب اليقين.

الثالث: أذان العارف الثقة، الذي ينحصر خطؤه بالغفلة، دون التسامح أو قلّة المعرفة.

(مسألة 33): إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت فإن كان قد صلّي اجتزأ بصلاته، و إن كان في أثناء الصلاة أتمّ صلاته و اجتزأ بها. و إن لم يكن صلّي وجبت عليه الصلاة إذا وسعها الوقت، بل الأحوط وجوبا المبادرة إليها إذا بقي من الوقت مقدار أداء ركعة.

(مسألة 34): يجوز الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة، نعم مع تضيّق وقت الفريضة تجب المبادرة لها.

و كذلك يجوز الإتيان بالنافلة لمن عليه قضاء فريضة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 165

المبحث الثالث في القبلة

و هي الكعبة الشريفة، و ما حاذاها من تخوم الأرض إلي عنان السماء. و يجب استقبالها في الصلاة الواجبة مع الإمكان، و كذا في توابعها كصلاة الاحتياط و قضاء الأجزاء المنسية، بل في سجود السهو علي الأحوط وجوبا. و كذا النوافل إذا صلّيت علي الأرض حال الاستقرار. أما إذا صلّيت حال المشي أو الركوب أو في السفينة، فلا يجب فيها الاستقبال.

(مسألة 35): إذا علم المكلّف حين إرادة الصلاة باتجاه القبلة الحقيقية وجب عليه التوجه لها، و لا يجوز له الانحراف عنها إلا في العراق و ما كان في سمته من البلاد فيجوز أن ينحرف المصلي إلي اليسار قليلا. و مع الجهل باتجاه القبلة الحقيقية يجزيه التوجه لجهتها العرفية التي لا يخلّ بها الفارق القليل فيتخير بين جميع نقاطها التي يحتمل وقوع القبلة الحقيقية فيها، و لا يجب معه تكلّف تحصيل العلم بالقبلة الحقيقية و لا المداقّة في ذلك. فمثلا لو علم ببناء مسجد أو مكان علي القبلة الحقيقية لم يجب عليه الصلاة فيه، بل يجزيه الصلاة في مكان آخر متوجها لجهة القبلة العرفية.

(مسألة 36): يجزي الرجوع في معرفة القبلة إلي البيّنة إذا ابتنت شهادتها علي الحس أو الحدس القريب من الحس و هي حينئذ مقدّمة علي كل طريق، و لا تسقط عن الحجية إلا مع العلم بخطئها.

(مسألة 37): يجزي العمل علي قبلة بلد المسلمين التي يصلون و يذبحون إليها و عليها بنيت مساجدهم و محاريبهم و قبورهم. و لا يضر فيها الاختلاف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 166

اليسير الذي لا يخل بالجهة العرفية، بل يتخير بين نقاط تلك

الجهة المتحصلة من المجموع. نعم إذا ظن بخطئها و خروجها حتّي عن الجهة العرفية لم يجز العمل عليها.

(مسألة 38): مع تعذّر العلم بالقبلة و فقد الطرق المتقدمة يجب علي المكلف بذل الجهد و الوسع في معرفتها بسؤال من يتيسر سؤاله و النظر في الأمارات الظنية و غير ذلك، و يعمل علي ما تحصل له منها و إن كان ظنا. و يجزيه في عمله حينئذ الظن بالجهة العرفية التي لا يضرّ فيها الاختلاف اليسير.

(مسألة 39): إذا تعذّر علي المكلف معرفة القبلة أو الظن بها أجزأته صلاة واحدة لأيّ جهة يحتمل كونها القبلة، و يستحب له الاحتياط بالصلاة إلي الجهات الأربع- بأن يكون بين كل صلاتين ربع دائرة عرفا- إذا احتمل وقوع القبلة في كل منها، و إن علم أو ظن بعدم وقوعها في بعضها سقط الاحتياط فيها و أجزأه الصلاة للباقي. كما أنه لو صلّي لبعض الجهات فانكشف وقوع القبلة في ضمنها صحت صلاته و لم يحتج إلي الصلاة لبقية الجهات.

(مسألة 40): من صلّي إلي جهة و هو يري أنها القبلة أو قامت حجة له علي ذلك و بعد الفراغ تبيّن أنها ليست إلي القبلة فإن كانت القبلة أمامه في ما بين يمينه و يساره صحت صلاته و لا إعادة عليه، و إن كان انحرافه أكثر من ذلك بحيث تتجاوز ما بين اليمين و اليسار إلي الخلف فإن تبيّن ذلك في الوقت أعاد الصلاة و إن كان بعد الوقت مضت صلاته و لا قضاء عليه، حتّي لو كان مستدبرا للقبلة.

(مسألة 41): من صلّي إلي جهة يري أنها القبلة أو قامت حجة له علي ذلك و تبين له في الأثناء أنها ليست إلي القبلة فإن كانت القبلة

أمامه في ما بين يمينه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 167

و يساره انحرف إليها و أتم صلاته، و إن كان انحرافه أكثر من ذلك بطلت صلاته و وجب استئنافها إلي القبلة.

(مسألة 42): الأحوط وجوبا جريان التفصيل المتقدم في المسألتين السابقتين في المتحيّر الذي تعذر عليه العلم بالقبلة و الظن بها الذي تقدم حكمه في المسألة (39).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 168

المبحث الرابع في لباس المصلي

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في ما يجب ستره في الصلاة

يجب علي الرجل حال الصلاة ستر العورة، و هي القضيب و الأنثيان و الدبر.

و في المرأة جميع جسدها عدا الوجه و الكفين و القدمين. من دون فرق بين وجود الناظر و عدمه و لو من جهة الظلمة المانعة من النظر. و قد تقدم في أحكام الخلوة تحديد الستر و بيان الضابط فيه.

(مسألة 43): المراد بالوجه في المرأة طولا من قصاص الشعر إلي تحت الحنك المسامت للرقبة، و عرضا ما بين الأذنين. و يجب عليها ستر الشعر حتّي المنسدل علي الأحوط وجوبا، و كذا العنق.

(مسألة 44): يسقط وجوب ستر الرأس و الرقبة عن الأمة التي لم يتحرّر شي ء منها. و كذا عن الصبية و المراد بها علي الأظهر من لم تحض لصغرها، و إن كان الأحوط استحبابا الاقتصار علي غير المكلّفة.

(مسألة 45): لا يجب ستر العورة و البدن من جهة الأسفل بسراويل و نحوها.

نعم إذا كان المصلي واقفا علي شباك أو طرف سطح فالأحوط وجوبا التستر بحيث لو كان تحته أحد لم يره.

(مسألة 46): إذا أخلّ بالستر جهلا أو نسيانا و لم يلتفت إلا بعد الفراغ صحت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 169

صلاته. و أمّا لو التفت في الأثناء فإن كان حين الالتفات مستورا صحت صلاته و لا يبطلها الإخلال به قبل الالتفات، و إن لم يكن حين الالتفات مستورا فبادر إلي الستر ففي صحة صلاته إشكال، فالأحوط وجوبا الإعادة. و له قطع الصلاة بفعل المبطل حين الالتفات و الاستئناف.

الفصل الثاني في اللباس الساتر

يكفي في الساتر عن النظر المحرّم كل مانع عن الرؤية كالثياب و ورق الشجر و الحشيش و الطين و اليدين، بل حتّي البناء الحاجب عن الناظر و الظّلمة علي ما تقدم في أحكام الخلوة. أما

الساتر في الصلاة فلا يكفي فيه ذلك، و لذا تقدم عموم وجوب الستر لحالة عدم الناظر، بل الأحوط وجوبا مع الإمكان لزوم كون الساتر من سنخ الثياب و اللباس كالمئزر و السراويل و القميص و الرداء و القناع للمرأة و نحو ذلك، و عدم الاجتزاء بمثل ورق الشجر و الحشيش و اليدين، فضلا عن مثل الطين و الوحل و نحوها مما يطلي به البدن و يحجب عن النظر، إلا أن يضطر إلي ذلك فيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

إذا عرفت هذا فيشترط في لباس المصلي أمور:

الأول: الطهارة، إلا في ما يعفي عنه علي ما تقدم في أحكام النجاسات.

و تقدم حكم انحصار الساتر بالنجس.

الثاني: الإباحة، فلا تجوز الصلاة في المغصوب إذا كان يتحرك بحركات الصلاة الواجبة، كالهوي للركوع و السجود و القيام منهما، بحيث تكون الأفعال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 170

اللازمة في الصلاة تصرفا فيه. نعم منشأ شرطية الإباحة هو امتناع التقرب مع الحرمة، و ذلك يختص بما إذا كان المكلف ملتفتا حين الصلاة لحرمة التصرف في المغصوب الذي عليه. علي ما تقدم نظيره عند الكلام في نية الوضوء و تقدم كثير من الفروع المتعلّقة بذلك فاللازم مراجعتها.

(مسألة 47): لا فرق في مانعية المغصوب، بين كونه ساترا لما يجب ستره في الصلاة و غيره كالجورب للرجل. بل تعمّ المانعيّة المحمول الذي يتحرّك بحركات المصلي.

الثالث: أن لا يكون من الميتة النجسة، و أما الميتة الطاهرة فالأحوط وجوبا الاجتناب عما كان له جلد ينتفع به منها. و لا بأس بغيره كميتة البق و القمل و نحوهما. كما لا بأس بما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة. و قد تقدم في النجاسات بيان ذلك، و بيان

حكم الشك في تذكية الحيوان.

(مسألة 48): إذا صلّي في الميتة جاهلا و لم يعلم حتّي فرغ من صلاته صحت صلاته، و إن صلّي فيها ناسيا فإن كانت طاهرة صحت صلاته، و إن كانت نجسة فالأحوط وجوبا الإعادة لو ذكر في الوقت و القضاء لو ذكر بعد الوقت.

(مسألة 49): ما يشك في كونه من جلد الحيوان لا بأس به، مثل ما يشتبه في هذا الزمان فلا يعلم كونه من مادة «النايلون» و كونه من الجلد الذي تحرم الصلاة به.

الرابع: أن لا يكون من أجزاء ما لا يحل أكل لحمه من ذي النفس السائلة، و أما من غير ذي النفس السائلة فالأحوط وجوبا المنع إذا كان له لحم، دون مثل البق و البرغوث و النحل و الخنافس مما لا لحم له.

(مسألة 50): لا فرق في المنع بين الملبوس و المحمول مما تتم به الصلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 171

و غيره. بل حتّي مثل الشعرات القليلة الواقعة علي الثوب علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 51): يستثني من غير مأكول اللحم الإنسان، فإنّه يجوز الصلاة في أجزائه و فضلاته الظاهرة.

(مسألة 52): يستثني من أجزاء ما لا يؤكل لحمه وبر الخزّ و جلده، و هو دابة تعيش في الماء، و تخرج إلي البرّ له وبر ينسج منه الثياب. لكن في تعيينه إشكال، لأن المعروف بالخزّ الآن ربّما يكون حيوانا بريا. و هناك مستثنيات أخر قيل بها، و لا يخلو استثناؤها عن إشكال فالأحوط وجوبا الاجتناب عن الكل.

(مسألة 53): إذا صلّي في غير المأكول جاهلا به صحت صلاته، و كذا لو صلّي به ناسيا له، أو جاهلا بمانعيته.

(مسألة 54): إذا شكّ في أن شيئا مّا من أجزاء الحيوان صحت الصلاة به،

و كذا لو علم بكونه من أجزاء حيوان مردّد بين الحلال و الحرام كالماعز و الثعلب.

الخامس: أن لا يكون من الذهب الملبوس و إن لم يكن ساترا، كالخاتم، و لا بأس بالمحمول المستور. و أما الظاهر الذي يتزين به فالأحوط وجوبا مانعيّته.

و هذا كله للرجال و أما للنساء فلا بأس بذلك كله.

(مسألة 55): يحرم علي الرجال لبس الذهب حتّي في غير الصلاة، و الأحوط وجوبا عدم التزيّن به، كتعليق الأوسمة من الذهب. نعم إذا لم يكن بنفسه زينة للرجل عرفا، بل زينة لما يحمله فلا بأس به، كتحلية السيف و القلم به و إن ظهرا.

بل تصح الصلاة به حينئذ، و أظهر من ذلك المحمول المستور.

(مسألة 56): لا بأس بالمطلي بالذهب إذا كان الطلاء من سنخ اللون عرفا و لم يكن له جرم معتدّ به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 172

(مسألة 57): لا بأس بشدّ الأسنان بالذهب إذا لم يصدق عليه التزيّن عرفا. أما لو صدق عليه التزيّن فالأحوط وجوبا الترك إلا مع الحاجة لذلك و انحصار الأمر به.

(مسألة 58): لا بأس بالبأس الأسنان الداخلية الذهب، و أما الظاهرة فالأحوط وجوبا ترك إلباسها الذهب، إلا لدفع الضرر.

(مسألة 59): إذا صلّي بالذهب جاهلا بوجوده أو ناسيا له صحت صلاته، و كذا لو صلّي جاهلا بكونه مبطلا للصلاة.

السادس: أن لا يكون من الحرير الخالص للرجال، و أما للنساء فلا بأس به.

(مسألة 60): يحرم لبس الحرير الخالص للرجال حتّي في غير الصلاة.

(مسألة 61): لا بأس بلبس الحرير للرجال في الحرب، و تصح الصلاة به حينئذ، و كذا مع الاضطرار علي ما يأتي في الفصل الثالث.

(مسألة 62): الأحوط وجوبا عدم الصلاة في ما لا تتم به الصلاة من الحرير

المحض كالقلنسوة و التكة.

(مسألة 63): لا بأس بكفّ الثوب بالحرير المحض و إن زاد علي أربع أصابع، و المراد به ما يجعل في أطراف الثوب، و كذا السفائف و الأزرار و نحوها من توابع الثياب مما تزيّن به أو تشدّ فيه. و كذا إذا كان الثوب محشوا بالحرير.

(مسألة 64): لا بأس بحمل الحرير و افتراشه و التغطي و التعصب به و شدّ الجروح و غير ذلك مما لا يعدّ لبسا له.

(مسألة 65): الأحوط وجوبا عدم لبس الثوب الذي يكون بعضه حريرا محضا بحيث يكون البعض المذكور بعصا من الملبوس عرفا لا تابعا له، كأكمامه و بطانته و صدره و نحوه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 173

(مسألة 66): لا بأس بلبس ما يصنع من الحرير الممزوج بغيره، و إن كان الحرير أكثر ما لم يكن الخليط مستهلكا عرفا، بحيث يصدق علي النسيج أنه حرير خالص.

(مسألة 67): إذا شكّ في كون اللباس حريرا جاز لبسه و الصلاة فيه، و كذا إذا تردد بين الحرير الخالص و غيره.

(مسألة 68): إذا صلّي في الحرير جهلا به أو بحرمته و مانعيّته أو نسيانا لهما صحت صلاته.

(مسألة 69): يجوز إلباس الصبيان الحرير أو الذهب. لكن لا تصح صلاتهم فيهما.

الفصل الثالث في تعذر الساتر الشرعي

تقدم في أول الفصل الثاني أن الأحوط وجوبا في الساتر الصلاتي أن يكون من سنخ الثياب و اللباس. و حينئذ إن تعذر ذلك فإن وجد المصلي ما يتستر به كالحشيش و ورق الشجر و القرطاس و نحوها تستّر به و أتمّ صلاته. و إن تعذر عليه ذلك أيضا و أمكنه التستّر بالطين و الوحل و نحوهما وجب أيضا و أتمّ صلاته. و إن تعذر عليه ذلك و أمكنه النزول في حفيرة

ضيّقة يتمّ بها ركوعه و سجوده وجب عليه ذلك. و إن كان الأحوط وجوبا أن يستر عورته بيديه، رجلا كان أو امرأة. و يلحق بالحفيرة نحوها كالبناء الضيّق و التنور و نحوهما، و إن كان الأحوط وجوبا تقديم الحفيرة مع الإمكان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 174

(مسألة 70): من لم يجد ساترا حتّي ما تقدم، فإن رآه أحد صلّي جالسا و يومئ للركوع و السجود، و إن لم يره أحد صلّي من قيام و يومئ للركوع و السجود أيضا. لكنه يجلس للتشهد و التسليم. و يستر قبله بيديه و يتعمّد أن لا ينفرج ليستر الدبر بالأليتين.

(مسألة 71): إذا اضطر إلي لبس الساتر الفاقد للشروط السابقة لبرد أو غيره صحت صلاته فيه.

(مسألة 72): إذا انحصر الساتر بالفاقد للشروط السابقة و لم يكن مضطرا إلي لبسه- لبرد أو نحوه- ففي المغصوب و الحرير و الذهب يجب الصلاة عاريا بالكيفية المتقدمة في المسألة (42) و في غير المأكول الأحوط وجوبا الجمع بين الصلاة به و الصلاة عاريا. و كذا الحال في النجس علي ما تقدم في أحكام النجاسات.

(مسألة 73): لا يجوز البدار للصلاة عاريا في أول الوقت أو مع الساتر الفاقد للشرائط إلا مع اليأس عن وجدان الساتر الواجد للشرائط في تمام الوقت، و لو صلّي مع اليأس ثم اتفق وجدان الساتر الواجد للشرائط قبل خروج الوقت وجب إعادة الصلاة به.

(مسألة 74): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يكره الصلاة في الثوب الأسود حتّي للنساء عدا الخفّ و العمامة و الكساء و منه العباءة. و في السروال وحده للرجل و إن كان صفيقا- ثخينا كثيف النسج- لا يحكي ما تحته، بل يجعل علي منكبيه شيئا، و في

ثوب واحد للمرأة و إن كان ساترا. و كذا يكره الصلاة في العمامة من دون تحنك. و كذا يكره في خاتم عليه صورة أو ثوب عليه صورة ذي روح و في لباس الكفار و أعداء الدين، و في الثوب الوسخ و في الثوب الضيق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 175

و غير ذلك.

(مسألة 75): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يستحب الصلاة في أنظف الثياب و أن تكون بيضاء و أن تكون قطنا أو كتانا مع التطيب و لبس السراويل و الخاتم من العقيق، و العمامة للرجل و ستر القدمين للمرأة و الرداء لإمام الجماعة و غير ذلك.

المبحث الخامس في مكان المصلي

لما كانت الصلاة من العبادات المعتبر فيها التقرّب فلا تصح إذا وقعت في المكان و الفضاء المغصوبين إذا كان المصلي ملتفتا للحرمة و كانت نيّته للصلاة تبتني علي نية المكث المحرّم بقدرها من دون فرق بين أن تكون حركات المصلي تصرفا محرما فيهما كما في صلاة المختار، و أن لا تكون كذلك كما في صلاة الإيماء من دون قيام و قعود و ركوع و سجود، نعم إذا لم تبتن نيّته للصلاة علي نيّة المكث المحرّم بقدرها و لم تشتمل الصلاة علي حركات تستلزم التصرف المحرّم صحت الصلاة، كما في صلاة العابر في الأرض المغصوبة إيماء. و قد تقدم في الوضوء كثير من الفروع المتعلقة بذلك تنفع في المقام، فاللازم مراجعتها.

(مسألة 76): إذا دخل المكان الغصبي جهلا ثم التفت فمع سعة وقت الصلاة لا يجوز التشاغل بالصلاة، بل يجب قطعها و المبادرة بالخروج إذا لم يحرز رضا المالك بالصلاة حينئذ. و مع ضيق الوقت تجب الصلاة حال الخروج مع الإيماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 176

للركوع و

السجود.

و كذا الحال لو دخله عمدا عصيانا ثم تاب، فإنّه يصلي بالإيماء مع ضيق الوقت. بل و كذا الحال إذا لم يتب، لأن الخروج حينئذ و إن كان عصيانا محرما إلا أن الصلاة حال الخروج بالإيماء لا تكون تصرفا في المكان المغصوب عرفا.

(مسألة 77): المحبوس في المكان المغصوب له أن يصلي فيه صلاة المختار إذا لم توجب تصرفا مضرا بالمكان.

(مسألة 78): من سبق إلي مكان في المسجد أو المشهد أو غيرهما من الأماكن العامة فهو أحق به، و تحرم مزاحمته فيه، و لو قهره شخص و نحّاه و أخذ مكانه كان مكثه في المكان محرما ما دام الأول غير معرض عن المكان، و وجب تمكينه منه. فلو صلّي فيه الغاصب بطلت صلاته. نعم إذا أعرض الأول عنه بعد غصبه منه- و لو لتجنب المشاكسة و الاهتمام بقضاء وطره في مكان آخر- حلّ المكث و صحت الصلاة فيه من الغاصب و غيره.

(مسألة 79): لا بدّ في سبق الشخص للمكان الموجب لأحقّيته به من جلوسه فيه و إشغاله في ما هو معدّ له من عبادة أو نحوها، و لا يكفي وضعه شيئا فيه كسجادة و سبحة، فمن اكتفي بذلك جاز لغيره إشغال المكان. نعم يحرم عليه التصرف في ذلك الشي ء الموضوع فيه. فإذا أمكنه الانتفاع بالمكان- بصلاة أو غيرها- من دون تصرف في ذلك الشي ء، الموضوع فيه جاز له و صح عمله.

بل إذا كان حجز المكان بالشي ء الموضوع فيه موجبا لتعطيله عرفا لطول المدّة و وجود من يحتاج لإشغاله فيه سقطت حرمة ذلك الشي ء الموضوع فيه و جاز إشغال المكان و إن أوجب التصرف في الشي ء الموضوع فيه، غاية الأمر أنه يلزم الاقتصار في التصرف فيه علي

مقدار الضرورة و الحاجة التي يقتضيها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 177

الانتفاع بالمكان.

(مسألة 80): إذا سبق شخص لمكان من الأماكن العامة و أشغله فيما هو معدّ له و صار أحق به، ثم قام عنه، فإن قام معرضا عنه سقط حقه، و إن قام ناويا للعود إليه فإن ترك فيه شيئا لتحجيره، بقي حقّه فيه، فإن أشغله غيره في غيابه لم يحلّ له منعه منه إذا عاد إليه إلا أن تطول مدة غيابه، بحيث يلزم تعطيله عرفا لو بقي محجّرا عليه.

و أما إذا لم يترك فيه شيئا لتحجيره ففي ارتفاع حقه إشكال، خصوصا إذا قام لحاجة كالوضوء و نحوه. فالأحوط وجوبا التراضي بينه و بين من يريد إشغال المكان. نعم إذا طالت المدة بحيث يلزم تعطيل المكان عرفا فلا يبقي حقه.

(مسألة 81): تحرم الصلاة في الطريق إذا أضرت بالمارة.

(مسألة 82): لا بأس بصلاة الرجل و المرأة في مكان واحد، متقدمة عليه و محاذية له و متأخرة عنه. نعم يكره ذلك، بل الأحوط استحبابا تركه، إلا أن يتقدم الرجل و لو بصدره- بحيث إذا سجدا يحاذي رأسها ركبتيه- أو يكون بينهما حائل- كجدار و نحوه- و إن كان قصيرا لا يمنع من المشاهدة- أو يكون بينهما مسافة عشرة أذرع بذراع اليد- تقارب خمسة أمتار- و دون ذلك أن يكون بينهما ما لا يتخطي- و يقارب المتر و الربع- و دون ذلك أن يكون بينهما قدر عظم الذراع، و دون ذلك أن يكون بينهما شبر.

(مسألة 83): لا فرق بين المحارم و غيرهم و الزوج و الزوجة و غيرهما، و البالغ و غيره. نعم لا بدّ من صحة صلاة كل منهما.

(مسألة 84): لا يجوز لمن يصلي عند قبر

النبي صلّي اللّه عليه و آله و قبور الأئمة عليهم السّلام الصلاة أمام القبر الشريف، بحيث يكون القبر خلفه. بل تكون الصلاة خلف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 178

القبر و عن يمينه و شماله. و لا بأس بالتقدم من الجانبين عن سمت القبر الشريف، بحيث لا يصدق عرفا أن القبر خلف المصلي.

(مسألة 85): يختص المنع عن الصلاة أمام القبر بالصلاة في البنية التي فيها القبر الشريف دون ما خرج عنها من الأروقة المتصلة بها.

(مسألة 86): لو تقدم المصلي علي قبر المعصومين عليهم السّلام جهلا بموضع القبر أو بالحرمة أو غفلة فالظاهر صحة الصلاة.

(مسألة 87): الأحوط وجوبا إلحاق قبر الصديقة الزهراء عليها السّلام بقبور النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام في الحكم المذكور لو تيسر العلم بموضعه. بخلاف قبور غير المعصومين مهما ارتفع مقامهم حتّي الأنبياء الآخرين عليهم السّلام فإنّه يجوز التقدم عليها بالمعني المذكور إلا أن يستلزم التوهين و سوء الأدب، فيحرم و تبطل الصلاة مع الالتفات لذلك.

(مسألة 88): تجوز الصلاة في جوف الكعبة و سطحها. نعم يكره ذلك في صلاة الفريضة، بل الأحوط استحبابا تركه مع الاختيار.

(مسألة 89): يجب في مسجد الجبهة- مضافا إلي الطهارة، كما تقدم في فصل أحكام النجاسة- أن يكون من الأرض أو ما أنبتت غير المأكول و الملبوس.

و السجود علي الأرض أفضل، و أفضلها طين قبر الحسين عليه السّلام فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه كان قد أعدّ منه لصلاته و أنه قال «إن السجود علي تربة أبي عبد اللّه عليه السلام تخرق الحجب السبع». و قال: «السجود علي طين قبر الحسين عليه السّلام ينور إلي الأرضين السبعة». و أما بقية المساجد فلا

تجب مماستها للأرض، و إن كانت أفضل.

(مسألة 90): لا يجوز السجود علي المعادن إذا لم يصدق عليها الأرض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 179

كالقير، و قد تقدم في التيمم ما ينفع في المقام.

(مسألة 91): يجوز السجود علي الأرض المطبوخة كالجص و الآجر و الخزف و الإسمنت و نحوها.

(مسألة 92): المراد بالمأكول و الملبوس ما من شأنه أن يؤكل أو يلبس و إن احتاج إلي إعداد من طبخ أو غزل أو نحوهما، و المدار فيه علي تعارف أكل الإنسان و لبسه له بحسب طبعه، و لا عبرة بالحالات الاستثنائية من مرض و مجاعة و نحوهما. نعم إذا كان عدم أكله أو لبسه في الحال المتعارف لندرته و قلّة وجوده فيدخر للضرورات و نحوها كان من المأكول أو الملبوس الذي لا يجوز السجود عليه.

(مسألة 93): الأحوط وجوبا عدم السجود علي غير المأكول مما يستخلص منه مادة تؤكل أو تشرب كاللبنّ و الشاي.

(مسألة 94): المدار في الأكل و اللبس علي عامة الناس، و لا عبرة بالنادر. نعم إذا كان عدم أكل العامة له أو عدم لبسهم لعدم واجديّتهم له مع أكلهم أو لبسهم له لو وجدوه كان من المأكول أو الملبوس الذي لا يجوز السجود عليه.

(مسألة 95): الأحوط وجوبا عدم السجود علي ما يؤكل أو يلبس إذا كان في قشره غير الصالح للأكل و اللبس كالجوز و اللوز و جوزة القطن و نحوها. نعم يجوز السجود علي القشر بعد إخراج لبّه. هذا في ما ينفصل قشره عنه، و أما ما يتصل به كالبطيخ فالظاهر عدم جواز السجود عليه قبل فصل قشره، بل الأحوط وجوبا عدم السجود علي قشره حتّي بعد انفصاله عنه.

(مسألة 96): لا يجوز السجود علي

المأكول و الملبوس حتّي إذا لم يصلح للأكل و اللبس بسبب تعفّن أو طبخ أو تمزق أو نحو ذلك، كالثياب المستعملة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 180

تعالج و تكبس فتكون محفظة أو نحوها.

(مسألة 97): لا بأس بالسجود علي النوي الذي لا لبّ له أو الذي له لبّ لا يتعارف أكله و ان كانت الثمرة ذات النوي مأكولة، و كذا ورق الشجر- الذي يؤكل ثمره- و كذا خشبه و أغصانه و نحو ذلك مما لا يؤكل منه.

(مسألة 98): يجوز السجود علي الخشب و إن صنع منه الأحذية الملبوسة أو دخل في صنعها. و كذا لو اتخذ منه الحلي الملبوس أو كان قرابا أو مقبضا للسيف الملبوس.

(مسألة 99): لا يجوز السجود علي رماد ما يصح السجود عليه، و كذا الفحم علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 100): يجوز السجود علي القرطاس المتخذ مما يصح السجود عليه كالبردي، دون ما يتّخذ مما لا يصح السجود عليه كالقطن و الكتان. و لو شكّ في حاله لا يجوز السجود عليه.

(مسألة 101): لا تضر الكتابة علي القرطاس و غيره مما يصح السجود عليه، نعم إن كانت جرما حائلا بين بشرة الجبة و ما يصح السجود عليه كانت مانعة من السجود عليه، و إن كانت من سنخ اللون من دون أن يكون لها جرم لم تمنع من السجود عليه، بل يكون السجود مكروها لا غير.

(مسألة 102): يجوز مع التقية السجود علي ما لا يصح السجود عليه اختيارا.

و قد تقدم في الوضوء بعض الفروع المتعلقة بالتقيّة التي تنفع في المقام فراجع.

(مسألة 103): إذا تعذّر السجود علي ما يصح السجود عليه لغير تقية سجد علي ثوبه، و الأحوط وجوبا تقديم الثوب من القطن أو الكتان مع

تيسّرهما، فإن لم يتيسّر الثوب سجد علي ظهر كفّه. و الراد بالتعذر مجرد عدم تيسر ما يصح

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 181

السجود عليه في الوقت و المكان الذي يريد المكلف الصلاة فيه- كالمسجد و نحوه- لبرد أو حرّ أو نحوهما، و لا يعتبر التعذّر التام، فلا يجب تبديل المكان و لا تأخير الصلاة و لا غير ذلك مما يمكن معه القدرة علي ما يصح السجود عليه.

(مسألة 104): لو تعذر السجود حتّي علي ظهر الكف جاز السجود علي كل شي ء، و الأحوط وجوبا تقديم النبات. و المراد بالتعذر هنا التعذر الحقيقي الذي لا يرتفع بتبديل المكان، و لا بتأخير الصلاة.

(مسألة 105): إذا فقد في أثناء الصلاة ما يصح السجود عليه ففي سعة الوقت يقطع الصلاة، و في ضيقها ينتقل إلي البدل المتقدم.

(مسألة 106): إذا سجد علي ما لا يصح السجود عليه كفي جرّه إلي ما يصح السجود عليه و لا يجب رفعه، بل الأحوط وجوبا عدم الرفع، و لو تعذّر تحصيله بالجرّ فالأحوط وجوبا استئناف الصلاة بعد فعل المبطل أو بعد إتمامها.

(مسألة 107): إذا سجد علي ما لا يصح السجود عليه جهلا به أو بوجوبه أو سهوا و لم يلتفت إلا بعد الفراغ من السجود صحت صلاته.

(مسألة 108): لا بدّ من تمكن الجبهة مما يسجد عليه بحيث تثبت و تستقر عليه، و لا يكفي مجرد المماسة من دون استقرار، فلا يجوز السجود علي التراب الرخو و لا علي الطين غير المتماسك، و كذا إذا كان ما يصح السجود عليه موضوعا علي المكان غير المستقر، كالقطن المندوف. نعم إذا أمكن تحصيل الاستقرار بعد وضع الجبهة بزيادة الاعتماد صح السجود، و إذا لصق بجبهته شي ء من

الطين أو التراب وجب إزالته للسجدة الثانية إذا كان مستوعبا للجبهة.

(مسألة 109): إذا لم يجد إلا الطين الذي لا تستمكن الجبهة عليه فالأحوط وجوبا السجود عليه و الاكتفاء بمماسّته. نعم إذا كانت الأرض مع ذلك موحلة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 182

بحيث يتلطّخ بدنه و ثيابه قام فصلي و ركع ثم سجد بالإيماء قائما ثم تشهّد و سلّم قائما أيضا.

(مسألة 110): يشترط في مكان المصلي أن يكون بحيث يستقر فيه المصلي و يتحقق له الطمأنينة المعتبرة في الصلاة فلا تصح في المكان المضطرب و المهتزّ، كما في الكثير من صور الصلاة علي الدابة و في السفينة و السيارة و القطار و الطائرة. نعم لا يضر مجرد سير هذه الأمور إذا لم يكن لها اهتزاز معتدّ به و تحققت بها الصلاة التامة بالركوع و السجود و الاستقبال و غيرها.

نعم مع الضرورة و لو لضيق الوقت تصح الصلاة فيها بالميسور، و حينئذ ينحرف إلي القبلة كلّما انحرفت، و إن تعذّر الاستقبال في بعضها أو في جميعها سقط. و الأحوط استحبابا اختيار الأقرب للقبلة فالأقرب. و كذا الحال في الماشي و غيره من المعذورين. هذا كله في الفريضة و أما في النافلة فيجوز الإتيان بها ماشيا و راكبا اختيارا، كما سبق عند الكلام في أعداد الفرائض و النوافل.

(مسألة 111): يستحب إيقاع الصلاة في المسجد، بل في بعض النصوص أن الصلاة في المسجد فرادي أفضل من الصلاة في غيره جماعة. و أفضل المساجد المسجد الحرام و الصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة في غيره من المساجد، ثم مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله و الصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد، ثم مسجد الكوفة

و المسجد الأقصي و الصلاة فيهما تعدل ألف صلاة- و في بعض النصوص مفاضلة بينهما- ثم مسجد الجامع و هو المسجد الأعظم في البلد و الصلاة فيه بمائة صلاة، ثم مسجد القبيلة و الصلاة فيه بخمس و عشرين صلاة، ثم مسجد السوق و الصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة.

و صلاة المرأة في بيتها أفضل و أفضل البيوت المخدع.

(مسألة 112): تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السّلام، و قد ورد أن الصلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 183

عند علي عليه السّلام بمائتي ألف صلاة.

(مسألة 113): يكره تعطيل المساجد، ففي الخبر ثلاثة يشكون إلي اللّه تعالي:

مسجد خراب لا يصلي فيه أحد و عالم بين جهّال، و مصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه. و يكره الخروج من المسجد بعد الأذان حتّي يصلي فيه، و في الخبر أنه من علامات النفاق، إلا أن يريد الرجوع إليه. و كذا يكره لجار المسجد أن يصلي في غيره لغير علّة كالمطر، و في الخبر: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد».

(مسألة 114): يستحب التردد إلي المساجد، ففي الخبر: من مشي إلي مسجد من مساجد اللّه فله بكل خطوة خطاها حتّي يرجع إلي منزله عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات. و يستحب الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: أن ترهّب أمتي القعود في المساجد و انتظار الصلاة بعد الصلاة.

(مسألة 115): يستحب للمصلي أن يجعل بين يديه حائلا من عود أو حبل أو قلنسوة أو كومة تراب أو نحوها حتّي مثل الخط في التراب.

(مسألة 116): قد ذكروا أنه يكره الصلاة في الحمّام و المزبلة و المجزرة و المواضع

المعدّة للتخلي و بيت فيه مسكر و مبارك الإبل و مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر و الغنم، بل في كل مكان قذر، و في الطريق إذا لم يضر المارة، و إلا كان محرّما- كما تقدم- و في مجاري المياه، و في الأرض السبخة و بيت النار كالمطبخ، و ان يكون أمامه نار مضرمة و لو سراجا، أو تمثال أو صورة لذي روح أو مصحف أو كتاب مفتوحان، و يكره الصلاة علي القبر و في المقبرة أو أمامه قبر، و بين قبرين إلا مع الحائل أو بعد عشرة أذراع بذراع اليد و أن يكون أمامه إنسان مواجه له و غير ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 184

المقصد الثاني في كيفية الصلاة

اشارة

و فيه مباحث:

المبحث الأول في الأذان و الإقامة

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول يستحب الأذان و الإقامة في الفرائض اليومية

أداء كانت أو قضاء، في الحضر و السفر، و الصحة و المرض، سواء كانت الصلاة فرادي أم جماعة، و سواء كان المصلي ذكرا أم أنثي. و يتأكد استحبابهما للرجال و لا سيما في الأدائية، خصوصا المغرب و الصبح، و أشدّهما تأكدا الإقامة. و لا يشرع الأذان و الإقامة للنوافل، و لا للفرائض غير اليومية كصلاة الآيات.

(مسألة 117): للمرأة أن تجتزئ عن الأذان بالتكبير و الشهادتين مرة مرة، بل بالشهادتين فقط، كما تجتزئ عن الإقامة بالتكبير و شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله. بل لو سمعت الأذان اجتزأت بالشهادتين.

(مسألة 118): لا يشرع الأذان للعصر إذا جمعت مع الظهر في عرفة يومها، و للعشاء إذا جمعت مع المغرب في المزدلفة ليلة العيد. كما لا يجوز الأذان للصلاة الثانية للمسلوس إذا جمع بين صلاتين بوضوء واحد، و إذا أذّن أعاد الوضوء للثانية. و كذا المستحاضة الكثيرة التي تجمع بين صلاتين بغسل واحد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 185

علي الأحوط وجوبا، فإذا أذّنت أعادت الغسل للثانية. بل كل من جمع بين صلاتين أدائيتين يجزيه لهما أذان واحد في أوّلهما بل يحتمل عدم مشروعيته لما بعدها حينئذ. و كذا من جمع بين صلاتين قضائيتين أو أكثر.

(مسألة 119): يتحقق الجمع بين الصلاة بعدم الفصل بينهما بزمان طويل و لا ينافيه التعقيب القليل. نعم ينافيه التنفل بين الفريضتين و لو بركعتين علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 120): يسقط الأذان و الإقامة معا في موارد:

الأوّل: من دخل في جماعة قد أذّن لها و أقيم، إماما كان أو مأموما. و الظاهر عدم مشروعيته.

الثاني: من دخل المسجد قبل تفرق الجماعة سواء صلّي منفردا أم جماعة إماما أو

مأموما بشروط:

أحدها: وحدة المكان عرفا علي الأحوط وجوبا، فلا يسقطان مع تعدّده لفصل المسجد بعضه عن بعض ببناء أو ستر، أو لكون إحداهما في أرض المسجد و الأخري علي سطحه.

ثانيها: أن تكون الجماعة السابقة بأذان و إقامة. بل الظاهر الاجتزاء بما إذا سقط الأذان و الإقامة عنهم لاجتزائهم بأذان غيرهم و إقامته. نعم إذا لم يؤذّنوا و يقيموا من دون أن يسقطا عنهم لم يسقط الأذان و الإقامة عمّن بعدهم.

ثالثها: أن تكون الصلاتان أدائيّتين مشتركتين في الوقت علي الأحوط وجوبا ففي غير ذلك يؤتي بهما برجاء المطلوبية.

رابعها: أن تكون الجماعة الأولي صحيحة، و الظاهر أن السقوط عزيمة- بمعني أنّهما غير مشروعتين- لا رخصة. كما أن الظاهر عموم السقوط لغير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 186

المسجد مع وحدة المكان عرفا. نعم لا بأس بالإتيان بهما فيه برجاء المطلوبية.

الثالث: من سمع أذان غيره و إقامته للصلاة، فإنّه يجزيه ذلك عن أن يؤذّن أو يقيم، و لو سمع أحدهما أو بعضا منهما أتمّ ما بقي بشرط مراعاة الترتيب، و لا فرق في المؤذّن و المقيم بين الإمام و المأموم و المنفرد، و كذا لا فرق في السامع بين الإمام و المنفرد، و أما المأموم فيشكل اكتفاؤه بسماع أذان غيره و إقامته في دخوله في الجماعة التي لم يؤذن لها.

و الخلاصة: سماع الإمام يكفي عن الأذان للجماعة، أما سماع المأمومين أو بعضهم فلا يكفي لها. كما أنه يشكل مشروعية أذان بعضهم لنفسه بعد انعقاد الجماعة لدخوله فيها إذا لم يكن قد أذّن لها.

(مسألة 121): يستحب حكاية الأذان لمن سمعه، كما يستحب الأذان في أذن المولود اليمني و الإقامة في اليسري.

الفصل الثاني فصول الأذان ثمانية عشر:

اللّه أكبر أربع مرات، ثم أشهد أن لا

إله إلا اللّه، ثم أشهد أن محمدا رسول اللّه، ثم حيّ علي الصلاة، ثم حيّ علي الفلاح، ثم حي علي خير العمل، ثم اللّه أكبر، ثم لا إله إلّا اللّه، كلّ منها مرّتان. و فصول الإقامة سبعة عشر، و هي كالأذان إلا أن التكبير في أولها مرتان و التهليل في آخرها مرة، و يزاد فيها قبل التكبير في آخرها «قد قامت الصلاة» مرتين.

(مسألة 122): تستحب الصلاة علي النبي و علي آله (صلوات اللّه و سلامه، عليهم أجمعين) عند ذكر اسمه الشريف في الأذان و غيره، و عند سماع اسمه صلّي اللّه عليه و آله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 187

(مسألة 123): ورد في بعض الأخبار أن من أجزاء الأذان الشهادة لعلي عليه السّلام بالولاية و إمرة المؤمنين، إلا أنه حيث لم تثبت حجية الأخبار المذكورة فلا مجال للإتيان بها بنيّة أنها من أجزاء الأذان. نعم يحسن الإتيان بها لا بنيّة ذلك، بل برجاء ورود ذلك، و بما أنها شهادة حقّ جعلها اللّه من الفرائض التي بني عليها الإسلام، و لقوله عليه السّلام في خبر الاحتجاج: «إذا قال أحدكم لا إله إلّا اللّه محمد رسول اللّه فليقل علي أمير المؤمنين» و علي ذلك جرت الشيعة حتّي صار شعارا لهم و رمزا للإيمان، من دون أن يدّعي أحد منهم أن ذلك جزء من الأذان أو الإقامة، فالتزامهم بها كالتزامهم بالصلاة علي النبي و علي آله (صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين) عند ذكر اسمه الشريف راجح من دون أن يكون جزءا من الأذان.

(مسألة 124): يجزئ في السفر و العجلة الإتيان بكل فصل من الأذان و الإقامة مرة مرة.

(مسألة 125): يشترط في الأذان و الإقامة أمور:

الأول: النية

فيؤتي بالفصول المتقدمة بعنوان أنها أذان أو إقامة، و لا يكفي التلفّظ بها من دون قصد العنوان المذكور. و لا بدّ فيهما من قصد القربة. و الأحوط وجوبا تعيين الصلاة التي يراد الأذان و الإقامة لها.

الثاني و الثالث: العقل و الإيمان، دون البلوغ، بل يجزئ أذان و إقامة غير البالغ إذا كان مميزا.

الرابع: الذكورة علي الأحوط وجوبا، فلا يجزئ أذان المرأة و إقامتها للرجال، نعم يجزئان للنساء.

الخامس: الترتيب بتقديم الأذان علي الإقامة، و كذا الترتيب بين فصولهما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 188

علي النحو المتقدم. و إذا خالف الترتيب بين الفصول أعاد علي ما يحصل به الترتيب، إلا أن تفوت الموالاة، فيعيد من الأول.

السادس: الموالاة بين فصول كل من الأذان و الإقامة، فلا يصح كل منهما مع الفصل الطويل الماحي للصورة عرفا علي الأحوط وجوبا. و كذا بين الأذان و الإقامة بالنحو الذي لا ينافيه الفصل بما يأتي. و كذا بين الإقامة و الصلاة.

السابع: العربية، فلا يجزئ ترجمتها بغير العربية، كما لا يجزئ الملحون.

الثامن: دخول الوقت.

التاسع: القيام و الاستقبال و الطهارة في الإقامة. دون الأذان، بل غاية الأمر أنها مستحبة فيه.

(مسألة 126): يستحب فيهما التسكين في فصولهما. مع التأنّي في الأذان و الإسراع في الإقامة. كما يستحب في الأذان الإفصاح بالهاء و الألف الواقعتين في آخر بعض فصوله و رفع الصوت فيه و وضع الإصبعين في الاذن و غير ذلك.

(مسألة 127): يكره الكلام في أثناء الأذان و الإقامة، و تشتدّ الكراهة في الإقامة، بل يستحب إعادتها حينئذ، و أشدّ ذلك بعد قول «قد قامت الصلاة».

(مسألة 128): يستحب الفصل بين الأذان و الإقامة بصلاة ركعتين أو بسجدة، أو بجلوس أو بكلام إلا في الفجر فيكره

الكلام. و يستحب أن يقول في السجود:

«لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا» أو: «سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 189

الفصل الثالث من نسي الأذان و الإقامة حتّي دخل في الصلاة

استحب له قطعها لتداركهما، و لا سيّما إذا ذكر ذلك قبل أن يركع، و خصوصا إذا ذكره قبل أن يقرأ. و كذا إذا نسي الإقامة وحدها و ذكر قبل القراءة. بل الظاهر جواز القطع في غير ذلك لتدارك الأذان أو الإقامة سواء ترك الأذان وحده أم الإقامة وحدها. بل لو تعمّد تركهما أو ترك أحدهما ثم بدا له التدارك جاز له القطع أيضا.

(مسألة 129): يجري الحكم المذكور في من ترك بعض فصولهما فله القطع لتدارك ما ترك و ما بعده محافظة علي الترتيب، إلا مع الإخلال بالموالاة فيستأنف من الأول.

تتميم فيه إيقاظ و تذكير

قال اللّه تعالي قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلٰاتِهِمْ خٰاشِعُونَ و قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام كما ورد في أخبار كثيرة أنه لا يحسب للعبد من صلاته إلا ما يقبل عليه منها، و أنه لا يقدمنّ أحدكم علي الصلاة متكاسلا، و لا ناعسا، و لا يفكرن في نفسه، و يقبل بقلبه علي ربه، و لا يشغله بأمر الدنيا، و أن الصلاة وفادة علي اللّه تعالي، و أن العبد قائم فيها بين يدي اللّه تعالي. فينبغي أن يكون قائما مقام العبد الذليل الراغب الراهب الخائف الراجي المسكين المتضرع، و أن يصلي صلاة مودع يري أن لا يعود إليها أبدا، و كان علي بن الحسين عليه السّلام إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه إلا ما حرّكت الريح منه، و كان أبو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 190

جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السّلام إذا قاما إلي الصلاة تغيرت ألوانهما مرّة حمرة و مرّة صفرة و كأنّهما يناجيان شيئا يريانه، و ينبغي أن يكون صادقا في

قوله إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ فلا يكون عابدا لهواه و لا مستعينا بغير مولاه. و كذا ينبغي إذا أراد الصلاة أو غيرها من الطاعات أن يستغفر اللّه تعالي و يندم علي ما فرّط في جنب اللّه ليكون معدودا في عداد المتقين الذين قال اللّه تعالي في حقهم إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

و ما توفيقي إلا باللّه، عليه توكلت و إليه أنيب، و هو حسبنا و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 191

المبحث الثاني في أفعال الصلاة

اشارة

و يجب فيها النية، و تكبيرة الإحرام، و القيام، و القراءة، و الذكر، و الركوع، و السجود، و التشهد، و التسليم، و الترتيب، و الموالاة، فهنا فصول.

الفصل الأول في النية

الصلاة من العبادات التي تجب فيها النية، و لا بد فيها من الإتيان بالأفعال بقصد كونها صلاة، قربة إلي اللّه تعالي علي نحو ما تقدّم في الوضوء، و قد تقدم هناك أنّه لا بدّ من عدم وقوع العبادة بوجه محرّم، و تقدم كثير من الفروع المتعلقة بالنيّة الجارية في المقام.

(مسألة 130): لا بدّ من تعيين الصلاة التي يريد الإتيان بها و يمتثل أمرها، فإذا كان عليه صلوات متعددة و نوي الإتيان بصلاة منها مردّدة بين الفريضة و النافلة أو بين الأدائيّة و القضائية أو بين القضائيّتين بطلت صلاته. نعم يكفي تعيينها إجمالا، كما لو نوي الصلاة الواجبة عليه فعلا و كان الواجب عليه صلاة واحدة لا يعرف نوعها صحت صلاته، و كذا لو نوي ما وجب عليه أوّلا مثلا- فيما إذا كان الواجب عليه متعددا.

(مسألة 131): لا يعتبر نيّة القضاء و الأداء مع وحدة الصلاة الواجبة عليه، فلو علم انشغال ذمته بصلاة ظهر مثلا و ترددت بين أن تكون أدائية و قضائية كفي نيّة الظهر الذي انشغلت بها ذمته. بل لو نوي الصلاة الخاصة بتخيل أنها أدائية فبانت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 192

قضائية مثلا أو بالعكس صحت صلاته. فمن أفاق من نومه و تخيّل عدم طلوع الشمس فصلّي صبح ذلك اليوم بتخيل أنها أدائية صحّت صلاته حتّي لو كانت الشمس طالعة في الواقع، و كذا لو تخيّل طلوعها فصلي صبح ذلك اليوم بتخيل أنها قضائية صحت صلاته حتّي لو لم تكن طالعة في الواقع.

(مسألة 132): إذا

أتي بالصلاة فنوي قطعها ثم رجع عن ذلك قبل أن يأتي بشي ء من الأجزاء صحت صلاته. أما لو أتي بشي ء من الأجزاء من النيّة المذكورة، كما لو نوي قبل القراءة قطع الصلاة بعد إكمال القراءة، فقرأ بهذه النية ثم عدل من نية القطع لم يجتزئ بقراءته حينئذ، بل يشكل صحة صلاته حتّي لو تدارك القراءة. فالأحوط وجوبا الاستئناف بعد فعل القاطع للصلاة التي بيده أو بعد إكمالها.

(مسألة 133): لا يجب في الصلاة البناء علي عدم قطعها، بل تصحّ مع التردد في قطعها، فلو صلّي في مكان يحتمل تعذّر إكمال صلاته فيه و اضطراره لقطعها فصادف عدم حصول القاطع حتّي أتمها صحت صلاته.

(مسألة 134): إذا شرع في الصلاة بنيّة صلاة معينة ثم تردّد في ما نواه أو تخيل أنه نوي صلاة أخري فمضي في صلاته بنيّة إتمام ما دخل فيه صحّت و وقعت علي ما نواه عند الشروع فيها.

(مسألة 135): لا يجوز العدول من صلاة إلي أخري بحيث تقع للثانية إلا في موارد:

الأول: من دخل في العصر ثم ذكر أنّه لم يصل الظهر أو دخل في العشاء ثم ذكر أنّه لم يصل المغرب، فإنّ عليه العدول إلي السابقة محافظة علي الترتيب الواجب مع بقاء محل العدول، و إلا فلا مجال للعدول كما لو ذكر أنه لم يصلّ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 193

المغرب و قد قام للرابعة من العشاء فإنها تبطل، كما تقدم في المواقيت.

الثاني: إذا كانت الصلاتان قضائيتين مترتبتين كالظهر و العصر و المغرب و العشاء علي نحو ما تقدم في الأدائيتين.

الثالث: ما إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه فائتة فإنّ له العدول للفائتة مع سعة وقت الحاضرة و بقاء محل العدول، و

إلا تعيّن إكمال الصلاة علي ما نواها.

الرابع: ما إذا قرأ في صلاة الجمعة سورة التوحيد و التفت بعد الفراغ منها، فإنّه يستحب أن يجعلها نافلة و يتمها ثم يصلي الجمعة بالجمعة و المنافقين.

الخامس: إذا دخل في الفريضة منفردا ثم أقيمت الجماعة استحب له العدول بنيته للنافلة و إتمامها ركعتين ليدخل في الجماعة. و لو علم بعدم إدراك الجماعة إذا أتمّها نافلة جاز له قطعها، بل يجوز له قطعها حتّي مع عدم خوف الفوت.

(مسألة 136): إذا عدل في غير مورد العدول، فإن لم يأت بشي ء من الأجزاء جاز له الرجوع إلي ما نواه أولا و يتمّ صلاته. و إن فعل شيئا قبل الرجوع فكما لا يقع لما عدل إليه، كذلك الأحوط وجوبا عدم وقوعها لما عدل منه و نواه أولا، بل يتخيّر بين إبطالها بفعل المبطل و إتمامها برجاء وقوعها عما نواه أولا من دون أن يعتدّ بها.

(مسألة 137): إذا شكّ في أثناء الصلاة أنه نواها ظهرا أو عصرا مثلا، فإن كان لم يصلّ الظهر قبل ذلك نواها ظهرا و اجتزأ بها. و كذا لو شكّ في أنّه صلّي الظهر.

و إن كان قد صلّي الظهر بطلت، و الأحوط استحبابا عدم الدخول في غيرها إلا بعد إبطالها بفعل أحد المبطلات.

(مسألة 138): إذا قام لصلاة ثم شكّ بعد الدخول في الصلاة أنه نوي ما قام له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 194

أو نوي غيرها لم يبن علي أنه نوي ما قام له، بل يتعيّن عليه قطع ما بيده بفعل مبطل، أو إتمامه من دون أن يجتزئ به عن صلاة خاصّة.

(مسألة 139): إذا كان في أثناء الصلاة ناويا لصلاة معينة ثم شكّ في أنه هل نوي تلك الصلاة

من أول الأمر أو نوي غيرها لم يجتزئ بها لصلاة خاصّة، و يجري عليه حكم المسألة السابقة.

الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام

و بها يكون الدخول في الصلاة. و هي ركن تبطل الصلاة بنقصها عمدا أو سهوا، كما تبطل بزيادتها عمدا، فإذا جاء بها ثانية بطلت الصلاة فيحتاج إلي ثالثة، فإن جاء بالرابعة بطلت أيضا و احتاج إلي خامسة، و هكذا تبطل بالشفع و تصح بالوتر إذا قصد بكل منها الافتتاح. و الظاهر عدم البطلان بزيادتها سهوا، كما لو نسي أنه افتتح الصلاة بالتكبير فكبّر للافتتاح. و إن كان الأحوط استحبابا الاستئناف بعد فعل المبطل.

و صورتها: «اللّه أكبر» «1» و يجب أن تكون علي النهج العربي فلا يجزئ الملحون كما لا يجزئ مرادفها بالعربية و لا ترجمتها بغير العربية، و لا تغيير صورتها بإضافة شي ء إليها، بل الأحوط وجوبا عدم وصلها بما قبلها و لا بما بعدها بحذف همزة «اللّه» و ضم راء «أكبر» للدرج.

(مسألة 140): الجاهل بها يجب عليه التعلّم و لو بتلقين غيره لها عند الصلاة،

______________________________

(1) بعض الناس يقرؤها بهذه الصيغة «اللّه و كبَر» و هو خطأ شائع لا بدّ من الانتباه إليه و تجنّبه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 195

فإن عجز عنها تامة علي ما سبق اجتزأ بالممكن منها، فإن عجز جاء بمرادفها بالعربية، فإن عجز فبترجمتها.

(مسألة 141): الأخرس يأتي بها علي قدر الإمكان، فإن لم يقدر علي شي ء منها اكتفي بتحريك لسانه و إشارته بإصبعه مع القصد للمعني و لو إجمالا، بأن يعلم المعني و يقصده علي إجماله حين تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع من دون استحضار له بخصوصياته، و كذا الحال في قراءته للقرآن و تشهده و ذكره و دعائه.

(مسألة 142): لا بدّ في

تكبيرة الإحرام من ظهور الصوت و لو خفيفا بحيث لا يسمع إلا نفسه لو لم يكن مانع، و لا يكفي ما دون ذلك فضلا عما إذا لم يكن له صوت أصلا، بل كان بمجرّد تحريك اللسان و الشفتين. كما لا بد من عدم علوّ الصوت المفرط المعدود عرفا من الصياح.

و هكذا الحال في جميع ما يعتبر في الصلاة من قراءة أو ذكر أو غيرهما. نعم لا بأس بارتفاع الصوت المفرط في القراءة و الأذكار المأتي بها لا بنيّة الجزئية من الصلاة، كما يقع من المنبّهين في صلاة الجماعة.

(مسألة 143): الأولي تفخيم اللازم من لفظ الجلالة و الباء و الراء من «أكبر».

(مسألة 144): يجب القيام التام حال تكبيرة الإحرام فإذا تركه عمدا أو سهوا بطلت.

(مسألة 145): لا يكفي القيام حال المشي فلو جاء بتكبيرة الإحرام ماشيا عمدا بطلت، و لو كان ذلك سهوا فالأحوط وجوبا الاستئناف بعد إتمام الصلاة أو بعد فعل المبطل.

(مسألة 146): الأحوط وجوبا الطمأنينة حال تكبيرة الإحرام بحيث يصدق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 196

عرفا أنه مستقر حينها غير مضطرب، و لا يجب المداقّة في ذلك. و لو أخلّ بالطمأنينة عمدا بطلت التكبيرة و إن كان الأحوط وجوبا فعل المبطل قبل إعادتها. أما لو أخل بالطمأنينة سهوا فلا تبطل التكبيرة. كما أنه لو عجز عن الطمأنينة لمرض أو ارتجاج مكان لا يقدر علي غيره سقطت.

(مسألة 147): لو شكّ في تكبيرة الإحرام قبل الإتيان بما بعدها وجب الإتيان بها، و إن كان ذلك بعد الدخول في ما بعدها- كالقراءة بل الاستعاذة بل دعاء التوجه المتقدم- بني علي أنه أتي بها.

(مسألة 148): يجزئ في تكبيرة الافتتاح واحدة، و الأفضل ثلاث تكبيرات، و أفضل منها

خمس، و أفضل منها سبع. و يتحقق الدخول في الصلاة بالأولي، و الزائد عليها مكمّل لفضيلتها. و يستحب للإمام في صلاة الجماعة الجهر بواحدة و الإسرار بالباقي.

(مسألة 149): يجوز الإتيان بالتكبيرات ولاء من غير دعاء. و الأفضل أن يكبر ثلاثا ثم يقول «اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت» ثم يكبر تكبيرتين ثم يقول: «لبيك و سعديك و الخير في يديك و الشر ليس إليك، و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك و حنانيك و تباركت و تعاليت سبحانك رب البيت»، ثم يكبر التكبيرتين الأخيرتين و يقول: «وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا من المسلمين». و إذا اجتزأ بتكبيرة واحدة استحب له أن يقول بعدها: «وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض علي ملة إبراهيم حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين، إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 197

صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه رب العالمين لا شريك له، و بذلك أمرت و أنا من المسلمين».

(مسألة 150): يستحب أن يكون التكبير في حال رفع اليدين مستقبلا بباطنهما القبلة، و الأولي أن تكون مضموتي الأصابع كلها أو ما عدا الإبهامين. و يستحب أن يكون رفعهما مقاربا للوجه أو ما زاد علي ذلك حتّي يحاذي الأذنين و لا يزيد علي ذلك.

الفصل الثالث في القيام

و هو إنما يجب في الصلاة الواجبة مع القدرة و الاختيار و يسقط فيها بالتعذر، كما يأتي. و لا

يجب في الصلاة المندوبة، كما تقدم في فصل أعداد الصلاة.

(مسألة 151): يشترط في الصلاة الواجبة مع القدرة القيام حال تكبيرة الإحرام، و حال القراءة أو الذكر بدلا عنها و قبل الركوع و بعده. و الإخلال به عمدا مبطل للصلاة في الجميع، بل تقدم أنّ من كبّر جالسا سهوا تبطل صلاته. و كذا لو قرأ أو سبّح أو ركع و هو جالس سهوا علي الأحوط وجوبا. و أما لو قام راكعا من دون أن يهوي للركوع من القيام فلا إشكال في بطلان صلاته علي ما يأتي في مبحث الركوع، كما لا إشكال في صحة صلاته لو هوي من الركوع للسجود سهوا من دون أن ينتصب قائما من الركوع، علي ما يأتي في مبحث الركوع.

(مسألة 152): يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام، فإذا انحني بظهره أو مال إلي أحد الجانبين بطل، و كذا إذا فرج بين رجليه كثيرا أو قوسهما بثني الركبتين إلي الإمام. نعم يجوز إطراق الرأس، و إن كان الأفضل انتصابه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 198

(مسألة 153): الأحوط وجوبا القيام علي تمام القدمين جميعا، لا علي أحدهما و لا علي أصولهما و لا علي أطراف الأصابع. نعم لا يجب اشتراك الكل في الاعتماد، بل يجوز الاعتماد علي إحدي القدمين دون الأخري، و علي بعض القدم دون بعض مع وضع تمام القدمين علي الأرض.

(مسألة 154): يجوز الاتكاء حال القيام و الاعتماد علي شي ء من إنسان أو عصا أو حائط، و إن كان مكروها، بل الأحوط استحبابا الاستقلال مع الإمكان. أما مع الاضطرار فلا بأس به.

(مسألة 155): إذا تعذّر القيام منتصبا اجتزأ بمسمي القيام و لو منحنيا أو مائلا إلي أحد الجانبين، أو مع عدم

الطمأنينة، فإن تعذّر صلّي من جلوس. و يجب حينئذ مع الإمكان الانتصاب بإقامة الظهر و اعتداله. و الأحوط استحبابا عدم الاتكاء و الاعتماد حاله، كما تقدم في القيام.

(مسألة 156): من عجز عن الجلوس صلّي مضطجعا علي جانبه الأيمن، موجّها إلي القبلة بصدره، فإن لم يستطع صلّي مضطجعا علي جانبه الأيسر.

موجها إلي القبلة بصدره أيضا، فإن لم يستطع صلّي مستلقيا بحيث لو جلس كان مستقبلا للقبلة. و يومئ للركوع و السجود. و ليكن إيماء السجود أخفض.

و مع تعذّر الإيماء يغمض عينيه علي الأحوط وجوبا. و مع تعذّره ينوي بقلبه.

كما أن الأحوط وجوبا مع القدرة أن يضع حال السجود بالإيماء جبهته علي ما يصحّ السجود عليه، و كذا في حال السجود بتغميض العينين.

(مسألة 157): إذا تمكن من القيام و عجز عن الركوع قائما صلّي من قيام و ركع جالسا، و إذا عجز عن الركوع جالسا أومأ للركوع قائما و للسجود قائما أو جالسا، و جلس للتشهد. و مع الإيماء يجري ما تقدم في المسألة السابقة من كون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 199

الإيماء للسجود أخفض و وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه.

(مسألة 158): حد العجز المسوّغ للانتقال من القيام للجلوس و لما بعده من المراتب التعذّر الحقيقي أو لزوم الضرر- من مرض أو عدوّ أو نحوهما- و يكفي فيه الخوف، أو لزوم الحرج و المشقة التي يصعب تحملها عادة.

(مسألة 159): من قدر علي القيام في بعض الصلاة دون بعض وجب عليه القيام حتّي يعجز فيجلس ثم يقوم متي قدر حتّي يعجز و هكذا حتّي يتم صلاته.

(مسألة 160): إذا دار الأمر بين الصلاة من جلوس بركوع و سجود و الصلاة قائما بالإيماء اختار الأول. و كذا

إذا دار الأمر بين الصلاة ماشيا بالإيماء و الصلاة جالسا. نعم إذا دار الأمر بين الصلاة ماشيا مع الركوع و السجود التامّين و الصلاة من جلوس فالأحوط وجوبا الجمع بينهما. كما أن الأحوط استحبابا في الصورتين الأوليين الجمع بين الوجهين.

(مسألة 161): إذا دخل الوقت و هو قادر علي الصلاة من قيام و توقّع تجدّد انعجز عنها في الوقت وجبت المبادرة إليها، فإن فرّط حتّي تعذّر عليه جاز له الصلاة جالسا أو ما دونها من المراتب المتقدمة و اجتزأ بها، بل الأحوط وجوبا مع التفريط عدم الاكتفاء بالمشقة في الانتقال للمرتبة الدانية و لزوم تحمل الحرج بالإتيان بالصلاة التامة لو قدر عليها. و هكذا الحل في جميع موارد القدرة علي الصلاة التامة و توقّع تجدّد العجز في أثناء الوقت.

(مسألة 162): إنما تشرع الصلاة الناقصة بالجلوس و ما دونه من المراتب مع استيعاب العذر للوقت، فلو بادر إليها في أول الوقت كانت صحتها مراعاة باستمرار العذر، و كذا الحال في جميع موارد تعذّر الصلاة التامة، إلا ما استثني فينبّه عليه في موضعه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 200

(مسألة 163): يستحب في القيام إسدال المنكبين و إرسال اليدين و وضع الكفين مبسوطتين مضمومتي الأصابع علي الفخذين بحذاء الركبتين، و أن يكون نظره- في غير حال القنوت- إلي موضع السجود، و أن يصفّ قدميه متحاذيتين بحيث لا تتقدم إحداهما علي الأخري، و إن يستقبل بهما و يباعد بينهما بإصبع إلي شبر، و الأفضل أن يكون بينهما ثلاث أصابع مفرجات إلا المرأة فإنّ الأفضل لها أن تجمع بين قدميها، و أن يساوي بينهما في الاعتماد، و أن يكون في حال خضوع و خشوع كقيام العبد الذليل بين يدي المولي

الجليل.

الفصل الرابع في القراءة

يجب في الركعة الاولي و الثانية من كل صلاة- فريضة كانت أو نافلة- قراءة سورة فاتحة الكتاب. و منها البسملة، فإنّها جزء منها و من كل سورة عدا سورة براءة.

(مسألة 164): يجب في الفريضة قراءة سورة كاملة بعدها. و المراد بها الفريضة بالأصل و إن صارت مندوبة بالعارض، كالصلاة اليومية المعادة جماعة و صلاة العيدين في عصر الغيبة. أما النافلة فلا يجب فيها قراءة السورة حتّي لو وجبت بالعارض، كنذر أو إجارة. نعم بعض النوافل الخاصة وردت بكيفيّة مخصوصة مشتملة علي سور أو آيات مخصوصة و غير ذلك، فلا بد في إدراك فضيلتها من المحافظة علي كيفيتها الواردة.

(مسألة 165): تسقط السورة في الفريضة علي المريض و المستعجل.

و الأحوط وجوبا فيهما الاقتصار علي صورة المشقة في الجملة، بل لا إشكال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 201

في عدم كفاية كون الشخص ممن يستعجل في صلاته و لو من دون شغل لعدم اهتمامه بها. كما يكفي في ترك السورة خوف ضيق الوقت، و الخوف من شي ء يضرّ به.

(مسألة 166): لا تجوز قراءة السور التي يفوت الوقت بقراءتها. فإن قرأها متعمدا متلفتا لفوت الوقت بقراءتها و لحرمة ذلك بطلت الصلاة.

(مسألة 167): من قرأ السورة التي يفوت الوقت بقراءتها غفلة عن ذلك فإن التفت في الأثناء مع إمكان التدارك بتبديل السورة و إدراك الوقت وجب و صحت صلاته، و كذا مع ضيق الوقت عن قراءة سورة أخري إذا أمكن إدراك الوقت و لو بإدراك ركعة، حيث يجب حينئذ ترك السورة لإدراك الركعة.

و أما إذا التفت مع ضيق الوقت عن إدراك الركعة أو بعد خروج الوقت فيجب إكمال السورة و إتمام الصلاة و تقع الصلاة قضاء حينئذ. و كذا

لو التفت بعد إكمال السورة أو بعد إتمام الصلاة، فإنها تصح و تقع قضاء.

(مسألة 168): لا تجوز قراءة إحدي سور العزائم الأربع في الفريضة، لوجوب السجود بها الموجب لبطلانها. فإن قرأ بها بنيّة الجزئية متعمدا و ملتفتا لذلك بطلت صلاته.

(مسألة 169): من قرأ إحدي سور العزائم لا بنيّة الجزئية حرم عليه قراءة آية السجدة منها فإن قرأها سجد لها و بطلت صلاته.

(مسألة 170): من قرأ إحدي سور العزائم بنيّة الجزئية سهوا أو غفلة عن وجوب السجود لها أو عن بطلان الصلاة بالسجود المذكور، فإن لم يلتفت و لم يسجد لها حتّي أتم صلاته صحت صلاته، و وجب عليه السجود للتلاوة. و كذا تصح صلاته إن سجد غفلة عن مبطلية السجود للصلاة أو جهلا بها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 202

و إن التفت بعد قراءة آية السجدة وجب عليه السجود و بطلت صلاته، و إن التفت قبل قراءة آية السجدة عدل عن السورة- و لو بعد تجاوز النصف- لسورة أخري و صحت صلاته، فإن لم يعدل و استمر في قراءة سورة العزيمة بطلت صلاته.

(مسألة 171): إذا استمع إلي آية السجدة و هو في الصلاة أومأ برأسه للسجود و لم تبطل صلاته. و كذا إذا سمعها من غير استماع علي الأحوط وجوبا، و إن لم يومئ عصي، و لم تبطل صلاته أيضا.

(مسألة 172): من صلّي مع إمام من العامة تقيّة فقرأ الإمام سورة من العزائم فإن سجد الإمام لها سجد معه، و إن لم يسجد اجتزأ بالإيماء و صحت صلاته في الحالين. و يأتي في مبحث صلاة الجمعة- إن شاء اللّه تعالي- كيفية الائتمام بهم و مورده.

(مسألة 173): تجوز قراءة سورة من العزائم في النافلة فإذا

بلغ موضع السجود سجد و لا تبطل صلاته، بل يتمها، و كذا الحكم لو قرأ آية السجدة منها. و لو نسي السجود لها في محله جاء به متي ذكره في الصلاة أو بعدها.

(مسألة 174): سور العزائم أربع: سورة (الم السجدة)، و موضع السجود منها الآية الخامسة عشرة. و سورة (حم السجدة) و هي سورة فصّلت، و موضع السجود منها الآية السابعة و الثلاثون. و سورتا النجم و العلق، و موضع السجود منهما الآية الأخيرة.

(مسألة 175): يجب السجود لقراءة الآيات المذكورة من سور العزائم الأربع و لو في غير الصلاة علي القاري و المستمع، بل السامع من دون استماع علي الأحوط وجوبا، إلا أن يكون مصلّيا فلا يجب عليه السجود، بل الأحوط وجوبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 203

له الإيماء برأسه بدلا عنه.

(مسألة 176): لا يجب السجود بقراءة بعض الآية أو سماعها، إلا إذا كان مشتملا علي الجملة المتضمنة للسجود، فإن الأحوط وجوبا السجود حينئذ.

(مسألة 177): يستحب السجود في كل موضع من القرآن يشتمل علي سجدة، و منها المواضع المعروفة المسجلة في المصاحف المطبوعة، حيث ذكر العلماء استحباب السجود فيها بالخصوص، و منها سجدة سورة (ص) و إن لم تشتمل علي السجود بل اشتملت علي الركوع.

(مسألة 178): وجوب السجود في العزائم الأربع و استحبابه في غيرها فوري، و مع عدم المبادرة عمدا أو سهوا لا يسقط، بل يبقي علي فوريته.

(مسألة 179): يتكرر السجود بتكرر السبب. و لو تعدد السبب و لم يسجد في الكل وجب عليه تكرار السجود، و يكفي تخلل رفع الرأس بين السجدتين و لا يجب الجلوس التام بينهما كما في الصلاة.

(مسألة 180): يجب في سجود التلاوة النيّة علي نحو ما تقدم في

الوضوء، و الأحوط وجوبا مماسة الجبهة للأرض أو ما أنبتت علي نحو ما يأتي في سجود الصلاة. و عدم علوّ مسجد الجبهة بأكثر من أربعة أصابع. و وضع المساجد السبعة علي الأرض علي نحو ما يأتي في سجود الصلاة. نعم لا تجب الثلاثة الأخيرة مع قراءة السجدة حال الركوب حيث يكفي السجود بالإيماء و الأحوط وجوبا حينئذ وضع الجبهة علي الأرض أو ما أنبتت.

(مسألة 181): لا يشترط في هذا السجود الاستقبال و لا الطهارة من الحدث و لا الخبث، و لا يسقط عن الحائض، كما لا يعتبر فيه طهارة موضع الجبهة و لا ستر العورة و بقية شروط سجود الصلاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 204

(مسألة 182): ليس لهذا السجود تكبير للافتتاح و لا تشهّد و لا تسليم. نعم يستحب التكبير بعد رفع الرأس منه. و الأحوط وجوبا الذكر فيه و يجزئ فيه ما يجزئ في سجود الصلاة. و الأفضل أن يقول فيه «سجدت لك تعبّدا و رقّا لا مستكبرا عن عبادتك و لا مستنكفا و لا مستعظما، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير».

(مسألة 183): لا تجوز قراءة البسملة في الفريضة بنيّة الجزئية في الصلاة إلا بنية تعيينها لسورة خاصة. و إذا لم يعينها لسورة فإن قصد بها الذكر أو القرآن من دون نيّة الجزئية لم تبطل الصلاة و إن قصد بها الجزئية عمدا بطلت الصلاة، و إن كان سهوا لم تبطلها لكن لا يجتزأ بها، بل لا بد من إعادتها للسورة التي يريد قراءتها.

و لو عينها لسورة فليس له أن يقرأ بها غيرها، بل لا بدّ من إعادتها للثانية إذا جاز العدول إليها علي ما يأتي التعرض لموارده. و يكفي في التعيين القصد

الإجمالي الارتكازي الناشئ من العادة، فلو كان من عادته أن يقرأ سورة الإخلاص بعد الفاتحة فجاء بالبسملة لها جريا علي عادته من دون التفات تفصيلي لذلك وقعت لسورة الإخلاص و لم يحتج لإعادتها. و هكذا الحال في كل ما هو مشترك بين السور مما يقع في أوائلها مثل (الم) و (حم) و (الحمد للّه) و (تبارك الذي) و غيرها.

(مسألة 184): إذا قرأ البسملة ثم تردّد في السورة التي قصدها لها لم يجتزئ بها بل لا بد من إعادتها للسورة التي يريد قراءتها.

(مسألة 185): إذا عزم في أول الصلاة علي قراءة سورة خاصة ثم غفل عنها و قرأ غيرها جريا علي عادته أو لأمر آخر اجتزأ بما قرأ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 205

(مسألة 186): الأحوط وجوبا عدم الزيادة علي سورة واحدة في الفريضة، و ذلك بأن يأتي بما زاد علي السورة علي أنّه جزء من الصلاة إلّا في مورد العدول الآتية، أمّا إذا أتي به لا بقصد الجزئية بل بما أنّه قراءة للقرآن فلا بأس به كما لا بأس بالإتيان بأكثر من سورة في النوافل مطلقا، بل جملة من النوافل يستحب فيها ذلك أو يلزم.

(مسألة 187): لا يجوز الاقتصار في ركعة واحدة علي (الضحي) و لا علي (أ لم نشرح)، و لا علي (الفيل) و لا علي (الإيلاف)، بل من أراد قراءة إحدي هذه السور لزم عليه الجمع في الركعة الواحدة بين الأوليين أو الأخيرتين مع الترتيب بينهما و توسّط البسملة.

(مسألة 188): لا يجوز العدول من سورة التوحيد أو الجحد و هي الكافرون، إلي غيرهما، و لا من إحداهما للأخري، و يكفي في عدم جواز العدول الشروع بالبسملة. و أما العدول من بقيّة السور

فلا يجوز إذا قرأ ثلثي السورة، بل الأحوط وجوبا عدم العدول مع تجاوز النصف.

(مسألة 189): من أراد أن يقرأ سورة الجمعة أو المنافقين في يوم الجمعة فنسي و قرأ سورة التوحيد جاز له العدول منها و الرجوع إلي ما أراد قراءته أولا، سواء كان ذلك في صلاة الصبح أم الظهر أم العصر أما لو تعمّد قراءة التوحيد من أول الأمر فالأحوط وجوبا عدم العدول منها، كما أن الأحوط وجوبا عدم العدول من سورة الجحد للسورتين المذكورتين مطلقا.

(مسألة 190): يتخير المصلي في الثالثة من المغرب و الأخيرتين من الرباعية بين قراءة الفاتحة و الذكر، من دون فرق بين الإمام و المأموم و المنفرد. و الذكر أفضل للمأموم بل هو الأحوط استحبابا. و في أفضليته للإمام و المنفرد إشكال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 206

(مسألة 191): لا يجب مساواة الركعتين الأخيرتين في القراءة أو الذكر، بل له القراءة في إحداهما و الذكر في الأخري.

(مسألة 192): يجوز العدول من الذكر قبل إكماله إلي القراءة، و كذا العكس.

(مسألة 193): إذا قصد أحدهما فسبق لسانه إلي الآخر فلا يجتزئ به، بل لا بدّ من الاستئناف له أو لبديله. أما إذا عزم من أول الأمر علي الإتيان بأحدهما أو كان من عادته ذلك فنسي و أتي بالآخر فإنّه يجتزئ به، و كذا إذا قرأ باعتقاد أنه في الأوليين فتبين أنه في الأخيرتين أو اعتقد أنه في الأخيرتين فاختار القراءة ثم تبين أنه في الأوليين. أو اعتقد أنه في الأوليين فغفل و أتي بالتسبيح ثم تبيّن أنّه في الأخيرتين. فإنّه يجتزئ بما أتي به في جميع ذلك و لا يحتاج للاستئناف.

(مسألة 194): يكفي في الذكر في الركعتين الأخيرتين أن يقول: (سبحان

اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر) مرة، و الأفضل ثلاثا أو يقول: (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه) ثلاثا، أو يقول: (الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر) مرة، أو يسبح و يحمد اللّه و يستغفر. بل يحتمل الاجتزاء بمطلق الذكر من دون تحديد بصورة خاصة، لكن الأحوط وجوبا الاقتصار علي إحدي الصور المتقدمة.

و الأولي في غير الصورة الأخيرة إضافة الاستغفار.

(مسألة 195): يجب الجهر علي الرجال بالقراءة في الصبح و الأوليين من المغرب و العشاء، و لا يجب علي النساء فيها، بل يتخيّرن بينه و بين الإخفات.

(مسألة 196): يجب الإخفات علي الرجال و النساء في القراءة في الظهرين، كما يجب عليهم جميعا الإخفات في ثالثة المغرب و الركعتين الأخيرتين من الرباعية سواء اختار المصلي الذكر أم القراءة.

(مسألة 197): يستحب الجهر بالبسملة في الأوليين من الصلاة الإخفاتية، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 207

حتّي في الأخيرتين لو اختار القراءة، و إن كان الأحوط استحبابا الإخفات.

(مسألة 198): يجب الجهر في صلاة الجمعة، و يستحب في صلاة ظهر يوم الجمعة تماما كانت أو قصرا.

(مسألة 199): يتخير المصلي بين الجهر و الإخفات في ما عدا القراءة و ذكر الركعتين الأخيرتين، كتكبيرة الإحرام و ذكر الركوع و السجود و التشهد و التسليم.

(مسألة 200): تقدم عند الكلام في تكبيرة الإحرام حدّ الكلام المعتبر في جميع الألفاظ الواردة في الصلاة. أما الجهر و الإخفات في المقام فالظاهر أن المرجع فيهما إلي العرف، فالإخفات ما يصدق به الإسرار عرفا، و الأحوط وجوبا فيه عدم ظهور جوهر الصوت، و الجهر ما يصدق به الإعلان و الإظهار عرفا لارتفاع الصوت، و الأحوط وجوبا

فيه ظهور جوهر الصوت. و علي ذلك لا يجزئ في الجهر و لا الإخفات رفع الصوت من دون ظهور جوهره، كالكلام المرتفع الصادر من المبحوح.

(مسألة 201): لا بأس بارتفاع الصوت المفرط في القراءة و الأذكار المأتي بها لا بنيّة الجزئية من الصلاة، كما يكون من بعض المنبّهين لصلاة الجماعة.

(مسألة 202): إذا جهر المصلي في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت صلاته، و إذا كان ناسيا أو جاهلا بالحكم- و لو للجهل بضابط الجهر و الإخفات- صحت صلاته. نعم إذا كان مترددا حين الصلاة فجهر أو أخفت برجاء المطلوبية و انكشف مخالفة ما أتي به للواقع فالأحوط وجوبا له الإعادة.

(مسألة 203): إذا تذكّر الناسي أو علم الجاهل في أثناء القراءة أو الذكر أو بعدهما لم تجب عليه إعادة ما قرأه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 208

(مسألة 204): يجب في القراءة و الذكر و غيرهما مما يعتبر في الصلاة أن يكون علي النهج العربي فلا يجزئ الملحون. و لا الترجمة نظير ما تقدم في تكبيرة الإحرام. نعم لا يعتبر ذلك في الذكر المأتي به له بقصد الجزئية في الصلاة.

(مسألة 205): يجب حذف همزة الوصل في الدرج إن لم تفصل بسكتة عما قبلها مثل همزة (اللّه) و (الرحمن) و (الرحيم) و (اهدنا) و غيرها، كما يجب إثباتها مع الوقوف علي ما قبلها، و يجب إثبات همزة القطع مثل همزة (إياك) و (أنعمت) و (أشهد) و نحوها.

(مسألة 206): الظاهر جواز الوقوف بالحركة و الوصل بالسكون. و إن كان الأحوط استحبابا ترك الأمرين معا. و لا يجوز تبديل الحركة بغيرها، و إلا كان الكلام ملحونا باطلا.

(مسألة 207): الظاهر عدم وجوب المدّ في الواو الساكنة المضموم ما

قبلها و الياء الساكنة المكسور ما قبلها و الألف المفتوح ما قبلها إذا كان بعدها همزة و إن كانت في كلمة واحدة، مثل (جاء) و (ماء) و (سوء) و (جي ء). بل و كذا إذا كان بعدها سكون لازم كما في مثل (ضالّين). لكن لا بدّ من ظهور الحروف المذكورة عرفا و عدم حذفها بسبب التقاء الساكنين. نعم يحسن المدّ في الموردين المذكورين، خصوصا الثاني، بل هو الأحوط استحبابا.

(مسألة 208): يجب إظهار لام التعريف و لا يجوز إدغامها في ما بعدها إذا كان بعدها أحد الحروف القمرية، و هي الهمزة و الباء و الجيم و الخاء و الحاء و العين و الغين و الفاء و القاف و الكاف و الميم و الواو و الهاء و الياء، كما في مثل «الحمد» و «العالمين» و «المستقيم»، كما أن الأحوط وجوبا عدم إظهارها بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 209

تدغم في ما بعدها إذا كان بعدها أحد الحروف الشمسية، و هي باقي الحروف الهجائية.

(مسألة 209): يجب إدغام أحد الحرفين المتماثلين في الآخر إذا كان الأول ساكنا و كانا في كلمة واحدة كما في «مدّ» و «عمّ» و هو الأحوط وجوبا فيما إذا كانا في كلمتين، كما في «اذهب بكتابي» و «يدرككم» و أما إذا كان الحرفان متقاربي المخرج- كالتاء و الدال و الطاء، و كالثاء و الذال، و الضاد و الظاء- فلا يدغم الأول إدغاما تاما، بل قد يظهر قليلا. و يجزئ فيه الجري علي ما تقتضيه طبيعة النطق من دون تكلّف كما في «عبدتم» و «قالت طائفة»، و «يلهث ذلك» و نحوها. و الأحوط وجوبا إدغام النون الساكنة قبل أحد حروف «يرملون».

(مسألة 210): يتخير المكلف في القراءة

بين القراءات المشهورة المتداولة في زمان الأئمة عليهم السّلام. و إن كان الأولي اليوم القراءة علي ما هو المثبت في المصاحف المشهورة بين المسلمين.

(مسألة 211): يجوز في سورة الفاتحة قراءة «مالك يوم الدين» و «ملك يوم الدين» و قراءة «صراط» و «سراط»، و إن كان الأولي الأول في المقامين.

(مسألة 212): يجوز في سورة التوحيد قراءة: «كفوا» بضم الفاء مع الواو، و «كفؤا» و «كفؤا» بضم الفاء و سكونها مع الهمزة. و إن كان الأولي الأول.

(مسألة 213): الأحوط وجوبا في قوله تعالي قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. اللّٰهُ الصَّمَدُ إظهار تنوين (أحد) و كسره في الدرج.

(مسألة 214): تجب الموالاة بين حروف الكلمة الواحدة بالمقدار الذي يتوقف عليه صدق الكلمة عرفا، فإذا فاتت الموالاة سهوا بطلت الكلمة فتجب إعادتها و لا تبطل الصلاة بذلك، و كذا الموالاة بين حرف التعريف و مدخولة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 210

و بين الضمير المتصل و ما يتصل به، و نحو ذلك مما يعدّ كلمة واحدة عرفا. بل هو الأحوط وجوبا في حرف الجر و مدخولة و حرف العطف و مدخولة و حرف النداء و المنادي، بل جميع الحروف و مدخولها، و كذا المضاف و المضاف إليه.

و أما في غير ذلك فإن كان الكلام ذكرا من تسبيح أو تشهد أو نحوهما، مما كان وظيفة المصلي فيه قصد أداء مضمونه و لو إجمالا- و منه التسليم- فاللازم المحافظة فيه علي الموالاة بين المفردات في الجملة الواحدة، و بين الجمل المتعلّق بعضها ببعض كالجملة الحالية و التعليلية مع ما قبلها، و كالجمل المتعاطفة و غيرها، فلا يجوز الفصل بينها بالسكوت الطويل الذي لا يتعارف عند أهل اللسان إلا عند الإعراض عن الكلام و

لا بالكلام الأجنبي، فمن سكت بالمقدار المذكور بين أجزاء الشهادتين في التشهد أو ردّ السّلام أو نحو ذلك لزمه استئناف التشهد و عدم الاجتزاء بما وقع منه بخلاف ما لو فعل ذلك بين التسبيحات الأربع عند تكرارها أو بين التشهد و الصلاة علي النبي و آله، و بين الصلاة و التسليم، حيث لا حاجة لاستئناف ما وقع إلا أن يكون السكوت طويلا ماحيا لصورة الصلاة فيستأنف الصلاة، علي ما يأتي عند الكلام في منافيات الصلاة.

و أما في القراءة التي لا يعتبر فيها إلا قصد المصلي حكاية القرآن الكريم بلا حاجة لقصد المضمون، فلا يقدح الفصل بالسكوت الطويل و لا بالأجنبي، إلا أن يكون ماحيا لصورة الصلاة.

(مسألة 215): إذا شك في حركة كلمة أو في صورة نطقها أو غير ذلك مما يشترط في صحتها فإن كان في القراءة لم تجز له القراءة بالوجهين، أو بجميع الوجوه المحتملة، بل يجب عليه التعلّم. و لو حصل له الشك و هو في الصلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 211

و تعذّر عليه التعلّم حالها قرأ بأحد الوجهين برجاء صحته، فإن انكشف صحته اجتزأ به و إلا أعاد الصلاة. و كذا الحال في السّلام.

و إن كان في ذكر اللّه تعالي أو النبي صلّي اللّه عليه و آله أو الدعاء جاز النطق بجميع الوجوه المحتملة مع نية الصلاة إجمالا بالصحيح منها و الذكر المطلق بغيره.

(مسألة 216): يجوز تكرار الآية أو الذكر أو الدعاء و إن لم يكن مطلوبا في الصلاة. لكن لا بدّ من عدم قصد الجزئية في الزائد، بل بقصد القرآنية أو الذكر المطلق.

(مسألة 217): يجوز في القراءة قصد مضمون الكلام من الدعاء و الخطاب و نحوها في طول قصد

القرآنية، بأن يقصد بقراءة القرآن الكناية عن بيان مضمونه.

(مسألة 218): لا تصح القراءة و الذكر في الركعتين الأخيرتين حال المشي بل الأحوط وجوبا فيها الطمأنينة علي نحو ما تقدم في تكبيرة الإحرام، و تقدم هناك سقوطها مع التعذر و عدم البطلان بالإخلال بها سهوا.

(مسألة 219): إذا تحرك في حال القراءة قهرا وجب عليه السكوت فإن لم يسكت غفلة صحت صلاته و قراءته و لم يجب عليه إعادة ما قرأ حال التحرك- و إن كانت إعادته أحوط استحبابا- بل الأقوي ذلك أيضا إذا قرأ قهرا لقوة الاستمرار بنحو فقد السيطرة علي نطقه، و إن كان الأحوط استحبابا فيه إعادة الصلاة بعد إكمالها أو استئنافها بعد قطعها.

(مسألة 220): ما تقدم في تكبيرة الإحرام من حكم الأخرس يجري هنا.

و لا يجب عليه الائتمام.

(مسألة 221): يجب تعلّم القراءة و الذكر و نحوه مما يجب في الصلاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 212

(مسألة 222): من لا يقدر إلا علي الملحون و لو بتبديل بعض الحروف أجزأه ذلك، و لا يجب عليه الائتمام. و كذا إذا ضاق الوقت عن التعلّم.

(مسألة 223): من كان يعلم بعض الفاتحة قرأه، و الأحوط وجوبا أن يقرأ من سائر القرآن بقدر بقيّتها و يأتي بالسورة بعد ذلك. و إذا لم يعلم شيئا منها قرأ من سائر القرآن و الأحوط وجوبا أن يكون بقدرها و إذا قدر علي السورة التامة أتي بها، و إذا لم يقدر علي ذلك فالأحوط وجوبا أن يقرأ من القرآن بقدرها. و إن لم يعلم شيئا من القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح بقدر ما يحسن، و الأحوط وجوبا أن يكون بقدر الفاتحة و السورة.

(مسألة 224): يجب تعلّم القراءة و الذكر و

نحوهما مما يجب في الصلاة مع القدرة عرفا علي ذلك، كما يجب تعلّم النهج العربي المعتبر فيه، و لا يجزئ الناقص أو البدل حينئذ. و لو فرّط حتي ضاق الوقت عن التعلّم فالأحوط وجوبا الإتمام مع القدرة عليه، و مع تعذّره أو كون النقص في غير القراءة فالأحوط وجوبا الجمع بين الأداء بالناقص و القضاء.

(مسألة 225): إذا قرأ أو ذكر بالوجه غير الصحيح معتقدا صحته جهلا أو نسيانا و لم يلتفت إلا بعد مضي محل التدارك أجزأه ما وقع و صحت صلاته.

(مسألة 226): إذا نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما حتي وصل إلي حدّ الركوع مضي و صحت صلاته، و لو ذكر بعد الهوي للركوع قبل الوصول لحدّه رجع و تدارك ما نسيه.

(مسألة 227): إذا شك في القراءة أو الذكر قبل التكبير للركوع أو القنوت أتي بما شك فيه، بل هو الأحوط وجوبا إذا كان الشك بعد التكبير قبل الركوع، أما لو شك بعد الدخول في الركوع مضي في صلاته و بني علي أنه قد أتي بما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 213

شك فيه. بل الظاهر ذلك أيضا لو حصل الشك بعد الدخول في القنوت، و إن كان الأحوط استحبابا فيه الرجوع و الإتيان بما شك فيه ثم إعادة القنوت برجاء المطلوبية.

(مسألة 228): تستحب الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة الأولي بأن يقول: «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم» و الأولي الإخفات بها، و يستحب الجهر بالبسملة في أوليي الظهرين، و الترتيل في القراءة، و تحسين الصوت بلا غناء، و الوقف علي فواصل الآيات و السكتة بين الحمد و السورة، و بين السورة و تكبير الركوع، أو القنوت، و أن يقول بعد قراءة التوحيد:

(كذلك اللّه ربي) أو (ربنا) و أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة (الحمد للّه رب العالمين)، و المأموم يقولها بعد فراغ الإمام و قراءة بعض السور في بعض الصلوات كقراءة (عمّ) و (هل أتي) و (الغاشية) و (البلد) في صلاة الصبح و سورة (الأعلي) و (الشمس) و نحوهما في الظهر و العشاء و سورة (النصر) و (التكاثر) في العصر و المغرب و يستحب قراءة سورة الجمعة في الركعة الاولي و سورة الأعلي في الركعة الثانية من العشائين ليلة الجمعة و قراءة سورة الجمعة في الاولي و التوحيد في الثانية من صبحها، و قراءة سورة الجمعة في الاولي و المنافقين في الثانية من ظهريها، و قراءة سورة (هل أتي) في الاولي و (هل أتاك) في الثانية في صبح الخميس و الاثنين، و يستحب في كل صلاة قراءة (التوحيد) في الاولي و (القدر) في الثانية، و روي عكس ذلك، و إذا عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من فضل أعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافا إلي أجرهما.

(مسألة 229): يكره ترك سورة التوحيد في الفرائض الخمس ليوم واحد، و يكره قراءتها بنفس واحد، و قراءة سورة واحدة في كلتا الركعتين الأوليين إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 214

سورة التوحيد فإنّه لا يكره الاقتصار عليها في صلاة واحدة، بل في جميع الصلوات.

الفصل الخامس في الركوع

و هو واجب في كل ركعة مرة، فريضة كانت أو نافلة عدا صلاة الآيات، علي ما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالي. كما أنه ركن تبطل الصلاة بزيادته و نقيصته عمدا و سهوا، عدا صلاة الجماعة، فلا تبطل بزيادته للمتابعة، كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي، و عدا النافلة فلا تبطل بزيادته

فيها سهوا علي كلام يأتي في مباحث الخلل.

و يجب فيه أمور:

الأول: الانحناء بقصد الركوع إلي الإمام مع استقامة الساقين و عدم ثنيهما إلي الإمام بمقدار تصل أطراف الأصابع إلي الركبتين. و غير مستوي الخلقة لطول اليدين أو قصرهما أو طول الجثة أو قصرها يرجع في مقدار الانحناء إلي مستوي الخلقة.

الثاني: الذكر و يجزئ فيه: «سبحان ربي العظيم و بحمده» أو «سبحان اللّه» ثلاثا. بل يجزئ مطلق الذكر من تحميد و تكبير و تهليل إذا كان بقدر الثلاث الصغريات، و يجوز الجمع بين التسبيحة الكبري و الثلاث الصغريات، و كذا بينها و بين غيرهما من الأذكار، و يشترط في الذكر العربية علي نحو ما تقدم في القراءة.

(مسألة 230): يجزئ «سبحان اللّه» مرة واحدة للمريض الذي يشق عليه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 215

الثلاث، و كذا مع ضيق الوقت عنها أو وجود ضرورة عرفية من خوف أو نحوه.

و الأحوط وجوبا الاقتصار في الضرورة العرفية علي ما إذا كانت مستوعبة للوقت.

(مسألة 231): يجري في الأخرس و العاجز عن تعلّم الصحيح ما تقدم في القراءة.

(مسألة 232): من نسي الذكر حتي رفع رأسه من الركوع و خرج عن حدّه الواجب صحت صلاته.

(مسألة 233): من قال في الركوع «سبحان ربي الأعلي و بحمده» لم يجتزئ به إلا أن يضيف من الذكر ما يكون معه المجموع بقدر ثلاث تسبيحات.

الثالث: الطمأنينة فيه بقدر الذكر الواجب علي الأحوط وجوبا بالمقدار المتقدم في تكبيرة الإحرام و القراءة.

الرابع: رفع الرأس منه حتي يعتدل قائما. و الأحوط وجوبا الطمأنينة حاله، و لو أخلّ بها سهوا لم تبطل صلاته. و كذا لو أخل بالاعتدال إذا خرج عن حدّ الركوع. و قد تقدم في القراءة بعض الفروع المتعلقة

بالطمأنينة.

(مسألة 234): إذا عجز عن الانحناء بالمقدار المتقدم- و لو بالاعتماد علي شي ء من عصا أو غيرها- ركع جالسا إذا تمكّن من الانحناء حال الجلوس بقدر الانحناء للركوع حال القيام. و إن تعذر الانحناء بالمقدار المذكور حتي جالسا فالأحوط وجوبا الانحناء بظهره بالمقدار الميسور و هو قائم، فإن تعذّر الانحناء بظهره و لو قليلا صلّي قائما بالإيماء و يومئ للركوع برأسه، فإن تعذّر كان ركوعه بتغميض عينيه.

(مسألة 235): إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض فإن أمكنه الانتصاب التام

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 216

للقراءة و للهوي للركوع- و لو بالاستعانة بشي ء- وجب، و إلا اكتفي بالميسور و لو بالخروج عن حدّ الركوع لخصوص الهوي للركوع، و إن تعذّر عليه الخروج عن حدّ الركوع رأسا أومأ برأسه للركوع أو بعينيه علي النحو المتقدم في من يتعذّر عليه القيام في الصلاة و إن كان الأحوط استحبابا له مع القدرة الانحناء قليلا بنحو لا ينزل عن حدّ الركوع، و مع تعذّر ذلك لكونه في آخر مرتبة من الركوع يرفع رأسه قليلا ثم يهوي إلي حاله بنيّة الركوع.

(مسألة 236): يجب أن يكون الانحناء بقصد الركوع، فلو انحني بقصد أمر آخر- كتناول شي ء- فليس له أن ينوي بعد تحقق الانحناء منه الركوع، بل لا بد من الرجوع للقيام ثم الركوع منه.

(مسألة 237): إذا نسي الركوع فهو إلي السجود، فإن ذكر قبل وضع جبهته علي الأرض. رجع إلي القيام ثم ركع، و الأحوط وجوبا الاعتدال في القيام.

و إن ذكر بعد وضع جبهته علي الأرض بطلت صلاته. و الأحوط استحبابا فيما لو ذكر قبل الإتيان بالسجدة الثانية أن يأتي بالمبطل قبل استئناف الصلاة.

(مسألة 238): إذا هوي للركوع ثم نسي و هوي

للسجود، فإن كان نسيانه قبل الوصول إلي حدّ الركوع كان كمن نسي الركوع الذي تقدم حكمه في المسألة السابقة. و إن كان نسيانه بعد الوصول إلي حدّ الركوع حسب له الركوع.

و حينئذ إن التفت قبل أن يخرج عن الانحناء في نزوله رجع راكعا و أتي بالذكر إن كان لم يأت به ثم قام منتصبا و هوي للسجود، و إن لم يلتفت حتي خرج عن الانحناء أو حتي سجد مضي في صلاته و صحّت منه.

(مسألة 239): حدّ ركوع الجالس أن ينحني قدر انحناء الراكع قائما. و مع العجز عن ذلك فالأحوط وجوبا الانحناء بالمقدار الميسور، و مع تعذّره يركع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 217

بالإيماء برأسه، و مع تعذّره فبتغميض عينيه.

(مسألة 240): إذا شك في الركوع قبل الهوي للسجود أتي به، أما لو شك فيه بعد الهوي للسجود قبل وضع جبهته علي الأرض أو بعده فإنّه يبني علي أنه ركع و يمضي في صلاته.

(مسألة 241): يستحب التكبير قبل الركوع، و رفع اليدين حال التكبير و وضع الكفين علي الركبتين اليمني علي اليمني و اليسري علي اليسري، ممكّنا كفّيه من عينيهما، و ردّ الركبتين إلي الخلف، و تسوية الظّهر، و مدّ العنق موازيا للظّهر، و أن يكون نظره بين قدميه، و أن يجنّح بمرفقيه، و أن يضع اليمني علي الركبة قبل اليسري، و أن تضع المرأة كفّيها علي فخذيها، و تكرار التسبيح ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر، و أن يكون الذكر وترا، و أن يقول قبل التسبيح: (اللهم لك ركعت و لك أسلمت و عليك توكلت و أنت ربي خشع لك قلبي و سمعي و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي

و مخي و عصبي و عظامي و ما أقلّته قدماي، غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر) و أن يقول للانتصاب بعد الركوع: «سمع اللّه لمن حمده» و أن يضمّ اليه: «الحمد للّه رب العالمين» أو أن يضم إليه: «أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة و الحمد للّه رب العالمين» و أن يرفع يديه للانتصاب المذكور، و أن يصلي علي النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله في الركوع.

و يكره فيه أن يطأطئ رأسه أو يرفعه إلي فوق، و أن يضم يديه إلي جنبيه، و أن يضع إحدي الكفين علي الأخري و يدخلهما بين ركبتيه، و أن يقرأ القرآن فيه، و أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقا لجسده.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 218

الفصل السادس في السجود

و هو وضع الجبهة علي الأرض بقصد الخضوع. و الواجب منه في كل ركعة سجدتان. و هما معا ركن تبطل الصلاة بنقصانهما معا في الركعة الواحدة عمدا و سهوا، كما تبطل بزيادتهما فيها عمدا، بل سهوا أيضا علي الأحوط وجوبا. و لا تبطل بزيادة واحدة و لا نقصها سهوا، و يجب فيه- مضافا إلي ما سبق في مبحث مكان المصلي من لزوم مماسة الجبهة لما يصح السجود عليه- أمور:

الأول: السجود علي سبعة أعضاء: الجبهة و الكفين و الركبتين و إبهامي الرجلين.

(مسألة 242): المدار في الزيادة و النقيصة و الرّكنية علي وضع الجبهة دون بقية الأعضاء.

(مسألة 243): يعتبر مماسة الجبهة لما يصح السجود عليه، علي ما تقدم في مبحث مكان المصلي، و لا يعتبر ذلك في بقية الأعضاء.

(مسألة 244): الأحوط وجوبا السجود علي باطن الكفين، و مع تعذّره ينتقل للظاهر، و مع تعذّره يسقط وضع اليدين في السجود، و

إن كان الأحوط استحبابا السجود علي الأقرب فالأقرب من الذراع و العضد.

(مسألة 245): يكفي في الجبهة المسمي و لو قليلا، كما يكفي أن يكون متفرقا غير مجتمع كالسجود علي الحصي الناعم أو السبحة من الطين، و يجزئ المسمي أيضا في بقية الأعضاء، و إن كان الأحوط استحبابا في الكفّين استيعابهما عرفا. و يكفي في الإبهامين أيّ جزء منهما. و إن كان الأحوط استحبابا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 219

طرفهما.

(مسألة 246): لا بد في السجود علي كل عضو من الاعتماد عليه و لو قليلا، و لا يكفي مجرّد مماسّته لما يوضع عليه مع الاعتماد علي غيره.

الثاني: الذّكر. علي نحو ما تقدم في الركوع، إلا أن التسبيحة الكبري فيه:

«سبحان ربي الأعلي و بحمده»، و لو جاء بتسبيحة الركوع وجب إكمالها علي نحو ما تقدم في الركوع لو أتي فيه بتسبيحة السجود.

و اللازم أن يكون الذّكر حال وضع المساجد بتمامها، و استقرارها في مكانها، و لو أتي به مع رفع بعضها أو تحرّكه عمدا بطلت الصلاة. و لو كان ذلك سهوا أو جهلا لم تبطل، و الأحوط وجوبا حينئذ إعادة الذكر بعد وضع المساجد و استقرارها.

الثالث: الطمأنينة حال الذكر علي نحو ما تقدم في الركوع.

الرابع: رفع الرأس بين السجدتين حتي ينتصب جالسا مطمئنا، بل أحوط وجوبا ذلك بعد السجدة الثانية من الركعة الأولي و الثالثة، و هو المعروف بجلسة الاستراحة.

الخامس: عدم ارتفاع مسجد الجبهة عن بقية المساجد بأكثر من أربع أصابع و عدم انخفاضه بأكثر من ذلك، بل الأحوط وجوبا عدم انخفاضه بأكثر من ذلك عن الرجلين و إن كان مساويا لبقية المساجد.

(مسألة 247): إذا وضع جبهته علي الموضع المرتفع أكثر من أربعة أصابع سهوا، فإن كان

بحدّ لا يصدق معه السجود جاز له رفع رأسه و السجود علي الموضع المنخفض، كما يجوز إزالة المرتفع و إكمال الهوي للسجود، و إن كان بحدّ يصدق معه السجود فالأحوط وجوبا إزالة المرتفع و إكمال الهوي أو جرّ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 220

الجبهة للموضع المنخفض، من دون رفع للرأس.

(مسألة 248): إذا ارتفعت جبهته عن المسجد قهرا فله صورتان:

الاولي: أن يكون بعد استقرارها علي المسجد و ركودها فتحسب له سجدة من دون فرق بين إدراك الذكر فيها و عدمه. و حينئذ إن أمكن حفظها عن الرجوع للمسجد ثانيا وجب و لزم الجلوس منها. و إن رجعت قهرا للمسجد لم تحسب الثانية سجدة، بل إن كان ذلك في الأولي وجب الإتيان بالسجدة الثانية بعد الجلوس منها.

الثانية: أن يكون ذلك قبل استقرارها علي المسجد- كما يتفق كثيرا مع العجلة- فإن عادت ثانيا قهرا فالأحوط وجوبا الإتيان بالذكر فيها برجاء الجزئية من دون أن تحسب سجدة ثانية، بل إن كان ذلك في الأولي وجب الإتيان بالسجدة الثانية بعد الجلوس منها. و إن أمكن حفظها عن الرجوع للمسجد ثانيا فالأحوط وجوبا استئناف الصلاة بعد فعل المبطل.

(مسألة 249): إذا عجز عن السجود التام فالأحوط وجوبا الانحناء بالمقدار الممكن و وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه و وضع بقية المساجد في مواضعها، و مع تعذّر الانحناء يتعين الإيماء برأسه، و إلا فبعينيه و إلا فبقلبه علي ما تقدم في فصل القيام، و تقدّم ما يتعلق بذلك من الفروع فراجع.

(مسألة 250): من كان بجبهته قرحة أو نحوها إن أمكنه السجود علي أطراف الجبهة و لو بحفر حفيرة ليقع السليم منها علي الأرض وجب، فإن تعذّر ذلك سجد علي ذقنه. فإن

تعذر ذلك فالأحوط وجوبا أن يسجد علي شي ء من وجهه مقدّما الأنف علي غيره.

(مسألة 251): من نسي سجدة أو سجدتين، فإن ذكر قبل الركوع رجع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 221

و أتي بما نسيه، و بما بعده، و إن ذكر بعد الدخول فيه فإن كان المنسي سجدة واحدة مضي في صلاته و قضاها بعد الفراغ من الصلاة و إن كان المنسي سجدتين بطلت صلاته.

(مسألة 252): إذا شك في السجود قبل أن يستوي قائما- و لو في حال النهوض- أو قبل الدخول في التشهد رجع و أتي به، و إن شك فيه بعد أن يستوي قائما أو بعد الدخول في التشهد رجع و أتي به، و إن شك فيه بعد أن يستوي قائما- و لو بقول بسم اللّه و باللّه- بني علي أنه أتي به و مضي في صلاته.

(مسألة 253): يستحب التكبير حال الانتصاب بعد الركوع و قبل السجود، و رفع اليدين حال التكبير، و السبق باليدين إلي الأرض، و استيعاب الجبهة في السجود عليها، و الإرغام بالأنف، و بسط اليدين مضمومتي الأصابع حتي الإبهام إزاء الأذنين متوجها بهما إلي القبلة، و شغل العين بالنظر إلي طرف الأنف حال السجود، و الدعاء قبل الشروع في الذكر فيقول: «اللهم لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت و عليك توكلت و أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه و شق سمعه و بصره، الحمد للّه رب العالمين تبارك اللّه أحسن الخالقين»، و يستحب تكرار الذكر و أن يكون وترا، و اختيار التسبيح فيه و الأفضل التسبيحة الكبري منه، و تثليثها و الأفضل تخميسها و أفضل منه تسبيعها، و أن يسجد علي الأرض بل التراب، و مساواة موضع

الجبهة للموقف، بل المساواة في جميع المساجد، و التجافي حال السجود يعني رفع البدن عن الأرض، و التجنّح بمعني أن يباعد بين عضديه عن جنبيه و يديه عن بدنه، و الدعاء في السجود بما يريد من حوائج الدنيا و الآخرة، خصوصا الرزق، فيقول: «يا خير المسؤولين و يا خير المعطين ارزقني و ارزق عيالي من فضلك، فإنّك ذو الفضل العظيم». و أن يصلّي علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 222

النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله في السجدتين و التورك في الجلوس بين السجدتين و بعدهما، بأن يجلس علي فخذه اليسري جاعلا ظهر قدمه اليمني علي بطن اليسري، و أن يقول في الجلوس بين السجدتين: «أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه»، و أن يكبّر بعد الرفع من السجدة الأولي بعد الجلوس مطمئنا، و يكبّر قبل السجدة الثانية و هو جالس، و يكبّر بعد الرفع من الثانية كذلك، و يرفع اليدين حال التكبيرات، و وضع اليدين علي الفخذين حال الجلوس، اليمني علي اليمني، و اليسري علي اليسري، و أن يقول رافعا ركبتيه قبل يديه، و أن يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي و ارحمني و أجرني و ادفع عني إني لما أنزلت إليّ من خير فقير، تبارك اللّه رب العالمين» و أن يقول عند النهوض: «بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد و أركع و أسجد» أو «بحولك و قوتك أقوم و أقعد» و يضم إليه «و أركع و أسجد» و أن يبسط يديه علي الأرض معتمدا عليهما للنهوض، و أن يطيل السجود و يكثر فيه من الذكر و التسبيح و يباشر الأرض بكفيه، و زيادة تمكين الجبهة.

و يستحب للمرأة وضع اليدين بعد الركبتين

عند الهوي للسجود و عدم تجافيهما بل تفرش ذراعيها و تلصق بطنها بالأرض، و تضم أعضاءها و لا ترفع عجيزتها حال النهوض للقيام، بل تنهض معتدلة.

و يكره الإقعاء في الجلوس بين السجدتين و بعدهما أيضا، و هو: أن يعتمد بصدر قدميه علي الأرض و يجلس علي عقبيه. و يكره أيضا نفخ موضع السجود و أن لا يرفع يديه عن الأرض بين السجدتين، و أن يقرأ القرآن في السجود.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 223

الفصل السابع في التشهد

و هو واجب في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية، و يجب في الثلاثية و الرباعية مرة أخري بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة. و هو واجب غير ركن، فتبطل الصلاة بنقصه و زيادته عمدا، و لا تبطل بنقصه و زيادته سهوا، و إنما يجب مع نقصه سهوا قضاؤه بعد الصلاة، علي ما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 254): يجزئ في التشهد أن يقول: «أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، اللهم صلّ علي محمد و آل محمد». و الأولي عدم الخروج عن هذه الكيفية. و إن كان الظاهر الاجتزاء بالشهادتين، و بالصلاة علي النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله بأي صورة حصلت. بل الظاهر عدم جزئية الصلاة علي النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله من التشهد. نعم الأحوط وجوبا عدم تركها في الصلاة.

(مسألة 255): يجب في التشهد العربية، و عدم اللحن، و مع الجهل يجب التعلم، و مع العجز يجزئ الميسور و لو مع الترجمة علي نحو ما تقدم في تكبيرة الإحرام، كما تقدم فيها

حكم الأخرس. و تقدم في القراءة حكم من فرّط في التعلّم ملتفتا. و حكم من قرأ خطأ و هو يعتقد صحة ما أتي به.

(مسألة 256): يجب في التشهد الجلوس، إلا مع تعذّره، علي ما تقدم في حكم القيام.

(مسألة 257): الأحوط وجوبا الطمأنينة حال التشهد علي نحو ما تقدّم في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 224

تكبيرة الإحرام و القراءة و غيرهما.

(مسألة 258): إذا نسي التشهد فذكر حال القيام قبل الركوع وجب عليه الجلوس و الإتيان به، و إن ذكره بعد الركوع مضي في صلاته، و وجب عليه قضاؤه، و كذا إذا ذكره بعد التسليم المخرج من الصلاة، و لو ذكره قبله رجع و أتي به ثم سلّم. هذا في الفريضة و أما النافلة فيأتي الكلام فيها في مباحث الخلل إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 259): إذا شك في التشهد بعد القيام أو بعد الشروع في السلام بني علي الإتيان به، و مضي في صلاته. و إن شك فيه قبل ذلك- و لو حال النهوض قبل أن يستوي قائما- وجب عليه الإتيان به.

(مسألة 260): يكره الإقعاء فيه، بل هو أشدّ كراهة من الإقعاء بين السجدتين. بل يستحب فيه الجلوس متورّكا كما تقدم في ما بين السجدتين، و أن يقول قبل الشروع في الذكر: «الحمد للّه» أو يقول: «بسم اللّه و باللّه، و الحمد للّه و خير الأسماء للّه» أو «و الأسماء الحسني كلها للّه». و أن يجعل يديه علي فخذيه منضمة الأصابع، و أن يكون نظره إلي حجره، و أن يقول بعد الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله: «و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» في التشهد الأول، قيل: و في الثاني أيضا. و أن يقول:

(سبحان اللّه) سبعا بعد التشهد الأول ثم يقوم، و يستحب للمرأة في جلوسها للتشهد أن ترفع ركبتيها عن الأرض و تضم فخذيها إلي نفسها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 225

الفصل الثامن في التسليم
اشارة

و هو واجب في كل صلاة، و هو آخر أجزائها، و المحلّل لها، فيه يخرج عنها بحيث لا يبطلها بعده وقوع منافياتها. و له صيغتان (الأولي): «السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين» (و الثانية): «السلام عليكم». و يستحب أن يضيف في الثانية فيقول «السلام عليكم و رحمة اللّه».

و أفضل من ذلك أن يضيف فيها فيقول: «السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» و إذا بدأ بالصيغة الأولي استحب له إضافة الثانية لها، و إذا بدأ بالثانية لم تستحب الأولي بعدها.

(مسألة 261): يجب الإتيان بالتسليم علي النهج العربي، و مع العجز عن ذلك أو عن أصل التسليم بخرس أو غيره يجري ما تقدم في التشهد.

(مسألة 262): يجب فيه الجلوس، و كذا الطمأنينة علي الأحوط وجوبا علي نحو ما تقدم في التشهد و غيره.

(مسألة 263): يجزئ التسليم بالصيغة الثانية مرة واحدة للإمام و المأموم و المنفرد، و يستحب أن يومئ بعينه أو بصفحة وجهه إلي جانب يمينه، كما يستحب للمأموم أن يسلم مرة أخري إلي شماله إن كان علي شماله أحد.

(مسألة 264): إذا نسي التسليم حتي دخل في التعقيب و غيره مما لا يبطل الصلاة رجع و أتي به. و إن ذكره بعد الدخول في المنافي فإن كان المنافي مما لا يبطل الصلاة إلا مع العمد كالكلام أتي بالسلام و صحت صلاته، و إن كان مما يبطلها مطلقا كالحدث بطلت صلاته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 226

(مسألة 265): إذا شك في التسليم بعد الفراغ

من الصلاة بني علي صحتها.

و المعيار في الفراغ علي إنهاء العمل المأتي به بعنوان الصلاة، و إذا لم يحرز ذلك فإن دخل في ما يترتب علي الصلاة كالتعقيب أو صلاة أخري صحت صلاته.

(مسألة 266): يستحب التورّك في الجلوس حال التسليم و وضع اليدين علي الفخذين، و أن يكون نظره إلي حجره، و يكره فيه الإقعاء، نظير ما تقدم في التشهد.

تتميم.

في التعقيب، و هو الاشتغال بعد الفراغ من الصلاة بالذكر و الدعاء و قراءة القرآن الكريم. و منه أن يكبر ثلاثا بعد التسليم رافعا يديه علي نحو ما سبق في تكبيرات الصلاة. و أن يقول بعدها: «لا إله إلا اللّه وحده و حده، أنجز وعده، و نصر عبده، و أعزّ جنده، و غلب الأحزاب وحده، فله الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو علي كل شي ء قدير».

و منه تسبيح الزهراء عليها السّلام و هو «اللّه أكبر» أربعا و ثلاثين ثم «الحمد للّه» ثلاثا و ثلاثين، ثم «سبحان اللّه» ثلاثا و ثلاثين و أن يختمه بقول: «لا إله إلا اللّه».

و يستحب أن يكون التسبيح بسبحة من طين قبر الحسين عليه السّلام، و في بعض الأخبار أنها تسبّح في يد من يديرها و يكتب ثواب تسبيحها له و إن غفل عن التسبيح. و من التعقيب قراءة سورة الفاتحة و قراءة سورة الإخلاص، و قراءة آية (شَهِدَ اللّٰهُ.) و هي الآية الثامنة عشرة من سورة آل عمران، و الأولي أن يضيف إليها الآية التاسعة عشرة منها، و آية الكرسي، و آية (قُلِ اللّٰهُمَّ مٰالِكَ الْمُلْكِ.)

و هي الآية السادسة و العشرون و السابعة و العشرون من سورة آل عمران. و من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص:

227

التعقيب أن يستعيذ باللّه تعالي من النار و يسأله الجنة، و أن يزوّجه من الحور العين. و غير ذلك مما هو كثير و مذكور في الكتب المعدّة لذلك.

(مسألة 267): يستحب سجدة الشكر بعد كل صلاة فريضة أو نافلة، و في الخبر الصحيح عن الصادق عليه السّلام: «أنه قال: سجدة الشكر واجبة علي كل مسلم تتمّ بها صلاتك و ترضي بها ربّك و تعجب الملائكة منك.» و الأفضل سجدتان يفصل بينهما بتعفير الخدين أو الجبينين أو الجميع مقدما الأيمن علي الأيسر.

و يستحب فيها افتراش الذراعين و إلصاق الصدر و البطن بالأرض. و إن يقول فيها ثلاث مرات: «شكرا للّه»، أو مائة مرة «شكرا» أو «عفوا» أو يقول مائة مرة «الحمد للّه شكرا» و كلما قال عشر مرات قال «شكرا للمجيب» ثم يقول: «يا ذا المن الذي لا ينقطع أبدا، و لا يحصيه غيره عددا، و يا ذا المعروف الذي لا ينفذ أبدا، يا كريم يا كريم يا كريم» ثم يدعو و يتضرع و يذكر حاجته دنيوية كانت أو أخروية. و قد ورد في بعض الأخبار أدعية أخري، و منها أدعية طويلة لا مجال لاستقصائها.

و الأحوط وجوبا فيه السجود علي ما يصح السجود عليه و السجود علي المساجد السبعة. و يستحب بعد رفع الرأس من السجود أن يمسح موضع سجوده بيده ثم يمرّها علي وجهه و مقاديم بدنه و ما نالته يده منها. و يستحب سجود الشكر أيضا عند تجدد كل نعمة و دفع كل نقمة و عند التوفيق للخير و البر. بل يستحب السجود بقصد التذلل للّه تعالي تعبّدا له و لو لم يكن لأجل الشكر، بل هو من أعظم العبادات و أفضل القربات، و قد

ورد أنه أقرب ما يكون العبد إلي اللّه تعالي و هو ساجد. و يستحب إطالته، و يجزئ فيه ما تقدم و غيره مما هو مذكور في المطولات.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 228

(مسألة 268): يحرم السجود لغير اللّه تعالي من دون فرق بين المعصومين عليهم السّلام و الأولياء المقرّبين للّه تعالي. و سجود الملائكة ليس لآدم عليه السّلام بل للّه عز و جل تكريما لآدم، و كذا سجود إخوة يوسف عليه السّلام ليس له بل للّه عز و جل. و لا بأس بالسجود في المشاهد المشرفة للّه تعالي شكرا علي التوفيق لزيارتها و التشرف بالحضور فيها. و الدعاء فيه بقضاء الحوائج ببركتها و بركة من حلّ فيها و الاستشفاع به إلي اللّه تعالي في ذلك نسأله سبحانه و تعالي مزيد التوفيق لمراضيه، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 228

الفصل التاسع في الترتيب

يجب الإتيان بأفعال الصلاة علي النحو المتقدم بأن يفتتح الصلاة بالتكبير و يقدم القراءة أو الذكر في كل ركعة علي الركوع، و الركوع علي السجود، و السجود علي التشهد، و التشهد علي التسليم.

(مسألة 269): إذا خالف الترتيب فقدّم مؤخّرا، فإن كان عمدا بطلت الصلاة، و إن كان سهوا أو جهلا، فإن قدّم ركنا علي ركن بطلت الصلاة أيضا، كما لو ترك الركوع و لم يلتفت حتي أكمل السجدتين أو ترك السجدتين حتي دخل في ركوع الركعة اللاحقة و إن قدم غير الركن عليه رجع و أتي بالركن و أعاد ما قدّم، كما لو ترك الركوع و التفت بعد

إكمال سجدة واحدة، فإنّه يرجع و يأتي بالركوع ثم يعيد السجدة، و كذا إن قدّم غير الركن، علي غير الركن، كما لو تشهد بين السجدتين فإنّه يرجع و يأتي بالسجدة الثانية ثم يعيد التشهد. و إن قدم الركن علي غيره فإنّه يمضي في صلاته، كما لو قدم الركوع علي القراءة أو علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 229

التشهد. نعم إذا كان الجزء الفائت مما يقضي كالتشهد قضاه بعد الفراغ من الصلاة.

الفصل العاشر في الموالاة

تقدم في القراءة بيان الموالاة المعتبرة فيها. و الأحوط وجوبا اعتبار الموالاة بين أجزاء الصلاة و عدم الفصل علي نحو يوجب محو صورة الصلاة في نظر أهل الشرع. و لا بأس به لو وقع سهوا.

(مسألة 270): لا يضر بالموالاة المعتبرة تطويل الركوع و السجود و قراءة السور الطوال و الذكر و القراءة و الدعاء و إن لم يكن بنيّة الجزئية.

خاتمة في القنوت

و هو مستحب في جميع الصلوات، فريضة كانت أو نافلة، علي إشكال في الشفع، و ينبغي الإتيان به فيها برجاء المطلوبية. و يتأكد استحبابه في الفرائض الجهرية، خصوصا في الصبح و الجمعة و المغرب و في الوتر من النوافل، و المستحب منه مرة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية إلا في الجمعة و العيدين و الآيات، علي ما يأتي عند التعرّض لها إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 271): يستحب القنوت في الوتر و إن كانت الركعة واحدة بعد القراءة قبل الركوع بل قيل في استحباب قنوت آخر فيها بعد الركوع. لكنه غير ثابت. نعم ينبغي أن يدعو بما روي عن الإمام أبي الحسن موسي بن جعفر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 230

الكاظم عليهما السّلام و هو: «هذا مقام من حسناته نعمة منك و شكره ضعيف و ذنبه عظيم، و ليس لذلك إلا رفقك و رحمتك، فإنك قلت في كتابك المنزل علي نبيك المرسل صلّي اللّه عليه و آله: «كانوا قليلا من الليل ما يهجعون و بالأسحار هم يستغفرون» طال و اللّه هجوعي و قل قيامي و هذا السحر و أنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يملك لنفسه ضرا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا».

(مسألة 272): لا يشترط في

القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه ما تيسر من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء، و يجزي سبحان اللّه خمسا أو ثلاثا. و الأولي قراءة المأثور عن المعصومين عليهم السّلام. و لعلّ من أفضله كلمات الفرج، و هي: «لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السموات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين».

(مسألة 273): يستحب في قنوت الوتر أن يدعو بكلمات الفرج السابقة، و أن يستغفر لأربعين مؤمنا أمواتا و أحياء، و أن يقول سبعين مرة «أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه». ثم يقول «أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، ذو الجلال و الإكرام لجميع ظلمي و جرمي و إسرافي علي نفسي، و أتوب إليه»، سبع مرات، ثم يقول سبع مرات «هذا مقام العائذ بك من النار». ثم يقول «رب أسأت، و ظلمت نفسي و بئس ما صنعت، و هذي يدي جزاء بما كسبت، و هذه رقبتي خاضعة لما آتيت، و ها أنا ذا بين يديك، فخذ لنفسك من نفسي الرضا حتي ترضي، لك العتبي لا أعود» ثم يقول «العفو» ثلاثمائة مرة و يقول «رب اغفر لي و ارحمني و تب علي إنك أنت التواب الرحيم».

(مسألة 274): يستحب التكبير قبل القنوت، و رفع اليدين حال التكبير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 231

و وضعهما ثم يقنت رافعا يديه حيال الوجه جاعلا باطنهما إلي السماء و ظاهرهما إلي الأرض. قيل منضمتين مضمومتي الأصابع إلا الإبهامين، و أن يكون نظره إلي كفيه.

(مسألة 275): يستحب الجهر بالقنوت للإمام و المنفرد، بل حتي للمأموم و

إن كان يكره له إسماع الإمام.

(مسألة 276): إذا نسي القنوت و هوي إلي الركوع فإن ذكر قبل الوصول إلي حدّ الركوع رجع و أتي به. و إن كان بعد الوصول إليه قضاه حين رفع الرأس من الركوع. و إن ذكره بعد الهوي منه أتي به بعد الصلاة و هو جالس مستقبل القبلة، و إن ذكره بعد ما قام استقبل القبلة و جاء به و لو قائما.

(مسألة 277): يجوز القنوت بغير العربي و بالعربي الملحون إذا لم يكن مغيّرا للمعني، و تؤدّي به وظيفة القنوت.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 232

المبحث الثالث في منافيات الصلاة

و هي أمور:

الأول: فقد بعض الشروط كالطهارة من الخبث، و فقد الساتر و نحوها علي تفصيل تقدم عند التعرض لها.

الثاني: الحدث سواء كان أصغر أم أكبر، فإنّه مبطل أينما وقع، و لو في آخر جزء من السّلام الواجب علي الأحوط وجوبا. عمدا و سهوا. و يستثني المستحاضة و المسلوس و المبطون و نحوها، كما تقدم.

الثالث: الالتفات بتمام البدن عن القبلة و إن لم يكن فاحشا إلا أن يكون بالمقدار المغتفر في الاستقبال، الذي تقدم تحديده. من دون فرق بين السهو و الاختيار و الاضطرار لريح أو نحوه. إلا أن يضطر للصلاة بالنحو المستلزم للالتفات المذكور، كالصلاة في السفينة. و أما الالتفات بالوجه مع الاستقبال بمقاديم البدن فهو مكروه إذا لم يكن فاحشا، و إن كان فاحشا كان مبطلا.

و الظاهر إن المعيار في كونه فاحشا علي أن يري ما خلفه، و هو ربع الدائرة الذي يكون في جانب الخلف و يختص الإبطال به بالفريضة، دون النافلة، و بالعمد دون السهو.

الرابع: ما كان منافيا للصلاة بنظر أهل الشرع بحيث يخرج به المصلي عنها بنظرهم تبعا لارتكازيّاتهم،

علي الأحوط وجوبا كالأصوات الخارجة من الفم الحاكية عن معان خاصة من دون أن يصدق عليها الكلام و كالرقص و التصفيق و نحوه مما يستعمل في مقام اللهو و الفرح، و كبعض الإشارات الواردة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 233

في مقام الفحش و البذاء، و كبعض الأعمال اليدوية المعتدّ بها كالخياطة و النساجة بنحو يعتدّ به لكثرته، و غير ذلك. و منه الأكل و الشرب إذا كان بنحو معتدّ به، دون غيره كابتلاع بقايا الطعام في الفم و ما يذوب فيه من السكّر.

(مسألة 278): من كان مشغولا بالدعاء في الوتر، و قد نوي الصوم و ضاق عليه الوقت و هو عطشان جاز له أن يمشي للماء فيشرب منه قبل أن يفجأه الفجر و يعود للدّعاء و لا تبطل صلاته بذلك.

(مسألة 279): إذا أتي بفعل يشك في كونه منافيا للصلاة بنظر أهل الشرع كان عليه السؤال ممن يقلّده عن ذلك.

(مسألة 280): لا بأس في التصفيق للإعلام، و كذا مثل ضرب الفخذ و ضرب الحائط باليد أو بالعصا، و رمي الغير بالحصي لينبهه. كما لا بأس بمثل حركة اليد و الإشارة بها و الانحناء لتناول شي ء من الأرض و مناولته للغير، و رمي الكلب بالحجر ليزجره، و قتل الحية و العقرب و القملة و الذباب و نحوه، و جلوس المرأة في الصلاة لحمل طفلها و إرضاعه و تسكيته، و غير ذلك مما لا ينافي الصلاة بحسب نظر أهل الشرع.

(مسألة 281): الأحوط وجوبا عدم تعمّد إدخال صلاة في صلاة، فتبطل الاولي به احتياطا. و كذا الثانية إذا كانت الأولي فريضة و كان ملتفتا لحرمة قطعها، و إن كانت نافلة أو فريضة و غفل عن حرمة قطعها صحّت

الثانية و له إتمامها، و يجري حينئذ ما يأتي في السهو.

و أما لو أدخل إحدي الصلاتين في الأخري سهوا فالظاهر عدم بطلان الاولي و صحة الثانية و يتخير في إكمال أيهما شاء، فإن سجد لإحدي الصلاتين سجدة واحدة ملتفتا للأخري بطلت الأخري، و كذا إذا سجد لها سجدتين مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 234

غفلته عن الأخري، بل هو الأحوط وجوبا في الركوع لإحداهما و حينئذ يتمّ التي مضي فيها لا غير. و إن كان الأحوط استحبابا عدم الاعتداد بها أيضا، فيستأنفهما معا بعد إبطال التي بيده أو إتمامها.

الخامس: تعمّد الكلام عربيا كان أو غيره مع مخاطب أو بدونه منشئا كان المصلي أو حاكيا لكلام غيره. و الظاهر صدق الكلام علي تعمد إخراج الحروف علي الوجه المعهود عند العرف في مقام البيان و إن لم يقصد بها الحكاية عن معني، لإهمالها أو لعدم قصد معناها منها. و الأحوط وجوبا عمومه للحرف الواحد غير المفهم للمعني، و أما إذا كان مفهما له فلا إشكال في مبطليته.

و أما إخراج صورة الحروف بالنحو غير المعهود في مقام البيان، بل لغرض آخر كالتنحنح الذي قد يستلزم خروج حرف الحاء و النفخ الذي قد يستلزم خروج حرف الفاء فالظاهر عدم صدق الكلام عليه.

(مسألة 282): الأحوط وجوبا تجنب بعض الأصوات الصادرة من الفم التي يتعارف الحكاية بها عن معان خاصة كالأنين الذي يتعارف بيان الألم به، و الزعقة التي يتعارف بيان الردع أو التضجر بها، فإنّها و إن لم تكن من الكلام عرفا لعدم اشتمالها علي الحروف المعهودة إلا أنها منافية للصلاة بنظر أهل الشرع فتدخل في القاطع الرابع.

(مسألة 283): تبطل الصلاة بتعمد الكلام حتي لو كان التكلم مضطرا له

لخوف أو حاجة ملحّة. نعم لا تبطل به مع السهو لو تخيّل الخروج من الصلاة.

(مسألة 284): لا بأس بذكر اللّه تعالي و النبي صلّي اللّه عليه و آله في الصلاة. و المراد به ذكرهما بما فيه ثناء عليهما و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما كان بداعي التعظيم و المدح، دون ما كان بقصد الإخبار من دون نظر للمدح، كما لو قال رزق اللّه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 235

زيدا ولدا. أو جاهد محمد الكفار.

(مسألة 285): لا بأس بالدعاء إذا كان بنحو المناجاة مع اللّه تعالي و الخطاب له، مثل: اللهم ارحم زيدا، دون مثل: رحم اللّه زيدا، أو الخطاب لشخص بمثل:

رحمك اللّه. و علي هذا فلا يجوز تسميت العاطس.

(مسألة 286): لا بأس بقراءة القرآن في الصلاة.

(مسألة 287): لا يجوز للمصلي السّلام علي الغير و لا غيره من أقسام التحية. نعم يجب علي ردّ السّلام، و إذا لم يردّ و مضي في صلاته صحت صلاته و إن أثم. لكن يكره السّلام عليه.

(مسألة 288): يجب أن يكون ردّ السّلام في أثناء الصلاة بمثل ما سلّم عليه، فإذا قال المسلّم: «السّلام عليك» قال المصلي في الجواب: «السّلام عليك» و إذا قال: «السّلام عليكم» قال: «السّلام عليكم» و إذا قال: «السّلام» قال: «السّلام». نعم إذا أضاف المسلّم أمرا غير السّلام فالأحوط وجوبا عدم رده، فإذا قال المسلّم: «السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» اقتصر المصلي في الجواب علي: «السّلام عليكم».

(مسألة 289): إذا كان السّلام بالملحون ففي وجوب الرد في الصلاة و غيرها إشكال، و الأحوط الردّ بقصد القرآنية إن لم يشرع الرد. هذا إذا لم يخرج باللحن عن كونه سلاما و إلا لم يجب الرد.

(مسألة 290): إذا

كان المسلم صبيا يميّز السّلام أو امرأة فالظاهر وجوب الرد.

(مسألة 291): الأحوط وجوبا الإسماع في رد السّلام في الصلاة و غيرها، و لا يكفي الإعلام بالردّ بمعونة الإشارة و نحوها. نعم يكره في الصلاة رفع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 236

الصوت كثيرا. و لو تعذّر الإسماع لم يجب رفع الصوت بالرد حتي بالمقدار المتعارف، بل يكفي الرد الخفي. نعم الأحوط وجوبا الإعلام بالرد بمثل الإشارة.

(مسألة 292): إذا كانت التحية بغير السّلام لم يشرع الرد في الصلاة بل يكون مبطلا لها. نعم يستحب الرد في غير الصلاة بها أو بأحسن منها.

(مسألة 293): ردّ السّلام واجب كفائي، فإذا خوطب بالسلام جماعة أجزأهم رد واحد منهم و إن كان صبيا مميزا، و إن استحب للآخرين الردّ أيضا.

و حينئذ إذا كان المصلي أحدهم، فإن لم يردّ غيره وجب عليه الردّ، و إن ردّ غيره فالأحوط وجوبا عدم الردّ منه، بل لو علم أو احتمل عدم قصده بالسلام من بينهم فلا إشكال في عدم جواز الرد عليه حتي لو لم يرد واحد منهم.

(مسألة 294): إذا تعدد السّلام من شخص واحد أو من جماعة أجزأ في الرد للكل الجواب مرة واحدة. نعم لو تجدّد السّلام بعد الرد وجب ردّه.

(مسألة 295): إذا سلّم كلّ من الشخصين علي الآخر دفعة واحدة وجب علي كلّ منهما الرد علي صاحبه و لم يكتف بسلامه عليه. أما إذا تأخر سلام أحدهما عن الآخر كفي في الرد و لا يحتاج إلي قصد عنوانه. نعم إذا لم يعلم الثاني بسلام الأول حينما سلم عليه فالأحوط وجوبا الرد.

(مسألة 296): إذا سلّم سخرية أو مزاحا أو إحراجا لم يجب الرد.

(مسألة 297): إذا كان السّلام بصيغة «عليكم السّلام» وجب الرد

به.

(مسألة 298): يجب في رد السّلام الفورية العرفية بالنحو المتعارف، فإذا أخر عصيانا أو نسيانا حتي خرج عن صدق الجواب لم يجب الرد، و في الصلاة لا يجوز، و لو شك في عدم صدق الجواب فالحكم كما لو علم بعدم صدقه.

(مسألة 299): الأحوط وجوبا عدم بدء المسلم للكافر بالسلام إلا مع لزومه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 237

بمقتضي وضع المعاشرة، بحيث يكون ترك السّلام جفاء. و لو سلم الكافر فالأحوط وجوبا عدم رد السّلام عليه بالصيغة التامة، بل يقتصر علي «السّلام» أو علي «عليكم».

(مسألة 300): يستحب لكل أحد البدء بالسلام، لكن الأولي أن يسلم الصغير علي الكبير، و القليل علي الكثير، و القائم أو الماشي علي القاعد، و الراكب علي الماشي.

السادس: تعمد القهقهة، و هي الضحك المشتمل علي الصوت و الترجيع، بل الأحوط وجوبا التعميم لمطلق الضحك المشتمل علي الصوت، من دون فرق بين الاختيار و الاضطرار. نعم لا تبطل الصلاة بالقهقهة سهوا أو جهلا بالحكم، كما لا بأس بالتبسم من دون صوت.

(مسألة 301): لو امتلأ جوفه ضحكا و احمرّ وجهه، لكن حبس نفسه عن إظهار الصوت فالظاهر عدم بطلان الصلاة بذلك.

السابع: تعمّد البكاء المشتمل علي الصوت إذا كان لأمور الدنيا، كذكر ميت أو فقد مال أو خوف من سلطان أو نحو ذلك فإن الأحوط وجوبا بطلان الصلاة به و لا بأس به إذا كان خوفا من اللّه تعالي أو تذلّلا له أو تضرعا إليه لقضاء حاجة دينية أو دنيوية. كما لا بأس به إذا كان سهوا، أما إذا كان اضطرارا بأن غلبه البكاء فلم يملك نفسه فالظاهر أنه مبطل حينئذ.

(مسألة 302): البكاء علي مصائب أهل البيت عليهم السّلام و ما نالهم و نال

مبدأهم و شيعتهم إن رجع إلي أمر الآخرة فلا بأس به، كما إذا كان بكاء علي الحق و خوفا علي معصية اللّه فيهم. و إن رجع لأمر الدنيا بأن يكون لمحض العاطفة غير المرتبطة به تعالي فالأحوط وجوبا كونه مبطلا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 238

الثامن: التكفير و هو وضع إحدي اليدين علي الأخري تذلّلا و خضوعا للّه تعالي، فإن المشهور بطلان الصلاة به. لكنه لا يخلو عن إشكال و الأظهر الكراهة.

نعم إذا كان فيه ترويج للباطل كان محرما، و كذا إذا أتي به بقصد التشريع علي أنه أمر موظف في الصلاة، و حينئذ مع الالتفات لذلك يكون مانعا من التقرب بالصلاة فتبطل. نعم لا بأس بالإتيان به تقية أو سهوا.

التاسع: تعمد قول «آمين» بعد تمام الفاتحة فإنّه حرام، و مبطل للصلاة علي الأحوط وجوبا. و لا يبطل إذا أتي به سهوا. و كذا تقية، بل قد يجب.

(مسألة 303): إذا شك في حصول أحد القواطع المتقدمة بني علي عدمه.

(مسألة 304): إذا شك في صحة الصلاة بعد الفراغ منها بني علي الصحة.

(مسألة 305): يكره في الصلاة الالتفات بالوجه- كما سبق- و بالعين و العبث باليد و اللحية و الرأس و الأصابع، و القران بين السورتين، و نفخ موضع السجود، و البصاق، و التمطي و التثاؤب و مدافعة البول و الغائط و الريح و التكاسل و التناعس، و التثاقل و الامتخاط، و وصل إحدي القدمين بالأخري بلا فصل بينهما، و تشبيك الأصابع، و لبس الخف أو الجورب الضيق، و حديث النفس، و النظر إلي نقش الخاتم و المصحف و الكتاب، و وضع اليد علي الورك متعمدا، و غير ذلك مما ذكر في المفصلات.

خاتمة

الأحوط وجوبا عدم

قطع الفريضة اختيارا. و يجوز لكل غرض راجح ديني أو دنيوي كأداء الواجبات و المستحبات الفورية و كحفظ المال و حبس الغريم و الدابة و نحوهما. و منه القطع لإيقاع الصلاة علي الوجه الأكمل، كما لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 239

صلّي في ثوب يكره الصلاة فيه فله قطعها للصلاة في ثوب آخر لا تكره فيه الصلاة. و كذا قطعها و إعادتها لتجنّب احتمال البطلان سواء صحت الصلاة ظاهرا، كما لو صلّي في ثوب يحتمل طهارته من دون سبق العلم بنجاسته أم لم تصحّ كما لو صلّي في أحد ثوبين يعلم بنجاسة أحدهما و يترتب علي ذلك جواز قطع الصلاة في جميع موارد الاحتياط الوجوبي بإعادتها فإنّه لا ملزم مع ذلك بإتمامها ثم الإعادة- كما جري عليه جماعة من الأكابر- بل يجوز قطعها و استئنافها، كما ذكرناه مرارا في ما تقدم.

(مسألة 306): يجوز قطع النافلة اختيارا و لو لمجرّد الإعراض عن امتثالها، حتي لو وجبت بالأصل كالمعادة جماعة أو وجبت بالعرض كالمنذورة.

(مسألة 307): إذا وجب قطع الفريضة أو النافلة لأداء واجب فوري، فإن خالف المكلف و لم يؤدّ الواجب و انشغل بالصلاة، فإن كان الداعي لترك الواجب هو الانشغال بالصلاة أشكل صحتها لعدم وضوح تأتي قصد القربة بها، بل الأحوط وجوبا عدم الاعتداد بها. و إن كان الداعي لترك الواجب أمرا آخر فالظاهر صحة الصلاة.

تكملة

تستحب مؤكّدا الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله لمن ذكره أو ذكر عنده، و إن كان في الصلاة، بل الظاهر كراهة تركها كراهة شديدة لمن لم يكن له عذر في ذلك.

بل قد يحرم إذا ابتني علي الزهد فيها.

(مسألة 308): لا فرق في ذلك بين ذكره باسمه الشريف

أو بلقبه أو كنيته أو بالضمير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 240

(مسألة 309): إذا ذكر اسمه مكررا استحب تكرار الصلاة و إن كان الظاهر زوال الكراهة بالإتيان بها مرة.

(مسألة 310): الظاهر أن استحباب الصلاة عليه بنحو الفور العرفي.

(مسألة 311): لا يعتبر في الصلاة عليه كيفية خاصة. نعم لا تؤدي وظيفتها إلا بضم آله- صلوات اللّه عليهم- إليه بل لعلّ تركه رغبة عنه محرّم.

و الحمد للّه رب العالمين و صلّي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 241

المقصد الثالث في صلاة الجمعة

اشارة

و قد تقدم في فصل أعداد الفرائض أنه مع عدم بسط يد الإمام- كما في عصرنا هذا عصر الغيبة- يتخير المكلف بينها و بين صلاة الظهر. و يقع الكلام فيها في ضمن فصول.

الفصل الأول في كيفيتها

و هي ركعتان، يقرأ فيهما بالفاتحة و سورة كسائر الفرائض المقصورة.

و تمتاز عنها بخطبتين قبلها بدل الركعتين، و بوجوب إيقاعها جماعة، بشروط الجماعة الآتية في محلها، و لا تشرع فرادي.

(مسألة 312): يجب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة. و يستحب أن يقرأ في الركعة الأولي بعد الفاتحة سورة الجمعة، و في الثانية بعد الفاتحة سورة المنافقين.

(مسألة 313): يستحب فيها قنوتان، في الركعة الأولي بعد القراءة قبل الركوع و في الركعة الثانية بعد الركوع حين الانتصاب منه.

(مسألة 314): يجب أن يكون الخطيب هو الإمام للصلاة، و لا يكفي خطبة غيره كما يجب عليه القيام حال الخطبة، و الفصل بين الخطبتين بجلسة قصيرة.

(مسألة 315): لا بد في الخطبة الاولي من حمد اللّه تعالي و الثناء عليه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 242

و الوصية بتقوي اللّه تعالي، و يقرأ سورة من القرآن. أما في الخطبة الثانية فلا بد من حمد اللّه تعالي و الثناء عليه و الصلاة علي النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله، و الأحوط وجوبا تسمية الأئمة عليهم السّلام واحدا واحدا عند الصلاة عليهم معه صلّي اللّه عليه و آله و الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات. و ينبغي الاهتمام في الأولي بالثناء علي اللّه تعالي و تمجيده و تقديسه، و في الثانية بالأعذار و الإنذار و بيان ما يصلح للناس في أمر دينهم و دنياهم، و التنبيه لما ورد علي المسلمين في الآفاق و ما ينبغي لهم الاهتمام به و الإعداد له.

(مسألة

316): الأحوط وجوبا رفع الصوت بالخطبة بالمقدار المتعارف في مقام الإسماع، لتحقيق الغرض المطلوب منها و لو بالإضافة إلي بعض المصلين، و لو تعذّر الإسماع حتي بالإضافة إلي بعض المأمومين لتعذّر رفع الصوت علي الإمام أو لصمم المأمومين أو لوجود مانع خارجي من سماعهم، أشكل مشروعية الجمعة فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بها.

(مسألة 317): الأحوط وجوبا في الخطبة طهارة الإمام من الحدث و الخبث في الثوب و البدن بالمقدار المعتبر في الصلاة.

(مسألة 318): الأحوط وجوبا العربية في المقدار الواجب من الخطبتين، دون المقدار الزائد منهما علي الواجب. و مع كون جميع الحاضرين لا يفهمون العربية فالأحوط وجوبا الجمع في الأمر بتقوي اللّه تعالي بين العربية و اللغة التي يفهمونها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 243

الفصل الثاني في شروط مشروعيتها و صحتها

و هي أمور:

الأول: دخول الوقت، و هو شرط في الصلاة. أما الخطبتان فيجوز تقديمهما علي الزوال بحيث يفرغ منهما عند الزوال، و يجوز تأخيرهما عن الزوال أيضا، لكن يرجح مؤكدا المبادرة عرفا لهما و للصلاة في أول الوقت، بل هو الأحوط وجوبا. فمع تراخي المكلف عنها لا يجتزئ بها، بل يأتي بصلاة الظهر.

الثاني: اجتماع خمسة مصلين أحدهم الإمام. و الأحوط وجوبا عدم انعقادها بالمرأة و الصبي، و إن صحت منهما إذا انعقدت بخمسة غيرهما.

الثالث: عدم انعقاد جمعتين بينهما دون ثلاثة أميال، و ال «ثلاثة أميال» فرسخ و هو يقارب ستة كيلومترات، و لو سبقت إحداهما و كانت واجدة لبقية الشروط بطلت الثانية، و لو اقترنتا بطلتا معا.

الفصل الثالث في أحكام صلاة الجمعة

(مسألة 319): لا يجوز الكلام حال الخطبة، بل يحسن الإصغاء لها.

(مسألة 320): من لم يدرك الخطبتين أجزأه إدراك الصلاة مع الإمام.

و يكفي في إدراكها أن يدرك الإمام بعد الدخول فيها إلي أن يركع في الركعة الثانية، فإذا التحق به في الركعة الثانية صلاها معه و أكملها بركعة أخري يجهر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 244

فيها، و تتم له الجمعة. و أما إذا أدركه بعد الركوع فقد فاتته الجمعة و لزمه أن يصلي الظهر أربعا.

(مسألة 321): لما لم تكن الجمعة في هذا الزمان واجبة تعيينا بل تخييرا فالظاهر عدم وجوب السعي إليها عند النداء إليها و عدم حرمة البيع.

(مسألة 322): يستحب للإمام أن يعتمّ في الشتاء و الصيف و أن يتردّي ببرد يمني أو عدني و أن يتوكأ علي قوس أو عصا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 245

المقصد الرابع في صلاة الآيات

اشارة

و هي واجبة علي كل مكلف عدا الحائض و النفساء. و فيها فصول.

الفصل الأول في أسبابها

و هي أمور:

الأول: كسوف الشمس و خسوف القمر سواء حصل الخوف منهما أم لا.

الثاني: الزلزلة، علي الأحوط وجوبا، سواء حصل الخوف منها أم لا.

الثالث: كل مخوف سماوي، كالريح السوداء و الحمراء و الصفراء و الظلمة الشديدة و الصاعقة و الصيحة و النار التي تظهر في السماء و غيرها. بل هو الأحوط وجوبا في المخوف الأرضي كالهدة و الخسف و غيرهما. و الظاهر أن المعيار فيها أن تكون مخيفة نوعا بمقتضي طبع الإنسان، و إن لم يحصل الخوف فعلا بسبب التعوّد أو قسوة القلوب أو تفسير الحوادث تفسيرا علميّا أو غير ذلك.

(مسألة 323): إنما تجب هذه الصلاة علي أهل المكان الذي يقع السبب فيه و ما يلحق به عرفا، دون غيره ممن بعد عنه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 246

الفصل الثاني في وقتها

وقت صلاة الكسوفين من ابتداء الانكساف إلي تمام الانجلاء. و الأحوط استحبابا الإتيان بها قبل الشروع بالانجلاء. و الأحوط وجوبا مع بقاء شي ء من الوقت لا يسع تمام الصلاة الإتيان بها لا بنية الأداء و لا القضاء. و لو كان وقت الكسوف كلّه لا يسع تمام الصلاة فالأحوط وجوبا الإتيان بها برجاء المطلوبية.

و أما وقت غيرها من الآيات فالظاهر وجوب المبادرة إليه عند حصوله بحيث يصدق عرفا أنه صلّي حينه، و إذا استمر السبب مدة طويلة لزمت المبادرة إليه قبل ارتفاعه.

(مسألة 324): إذا لم يعلم بالكسوفين إلي تمام الانجلاء فإن لم يحترق القرص كله لم يجب القضاء، و إن احترق القرص كله وجب القضاء، و كذا إذا علم بالكسوف أو الخسوف حينه و لم يصل، فإنّه يقضي و إن لم يحترق القرص كله. و أما في غير الكسوفين من الآيات فالأحوط وجوبا مع العلم به

و عدم الصلاة له القضاء. أما مع الجهل به حتي ارتفع فلا يجب القضاء.

(مسألة 325): لو جاء بالصلاة في الوقت ثم تبيّن بعد خروج الوقت فسادها وجب قضاؤها.

(مسألة 326): لا يجب علي الحائض و النفساء عند حصول السبب قضاء الصلاة بعد الطهر من الحيض و النفاس.

(مسألة 327): إذا حصل السبب في وقت الفريضة اليومية فمع سعة وقت كل منهما يتخير في تقديم أيهما شاء و إن كان الأفضل تقديم اليومية خصوصا إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 247

خاف فوت وقت فضيلتها، و مع تضيّق وقت إحداهما دون الأخري يبادر للتي ضاق وقتها و إن ضاق وقتهما قدم اليومية.

(مسألة 328): إذا شرع في صلاة الكسوف ثم خاف فوت وقت الفريضة اليومية الأدائي وجب عليه قطعها و أداء الفريضة اليومية، و إذا خاف فوت وقتها الفضيلي استحب له قطعها و أداء الفريضة اليومية. و إذا لم يأت بالمنافي للصلاة في الموردين جاز له بعد الفراغ من الفريضة العود لصلاة الكسوف من الموضع الذي قطعها عنده، و لا يجب عليه استئنافها.

الفصل الثالث في كيفيتها

و هي ركعتان في كل ركعة خمسة ركوعات يقرأ قبل كل منها و يعتدل في قيامه بعد كل منها، و بعد القيام من الخامس يسجد سجدتين، و يتشهد بعد سجود الركعة الثانية و يسلم.

(مسألة 329): يجب في كل ركعة من الركعتين قراءة الفاتحة و سورة و له تفريق سورة واحدة علي الركوعات الخمسة يقرأ في الركعة الواحدة بعضا منها قبل كل ركوع حتي يتمها. و حينئذ إن ختم قبل الركوع سورة قرأ قبل الركوع الذي بعده الفاتحة و بدأ بسورة، و إن لم يختم سورة، بل هوي للركوع من بعض سورة بدأ قبل الركوع الذي بعده

من حيث انتهي من تلك السورة و لم يقرأ الفاتحة حتي يتم خمسة ركوعات.

و علي ذلك قد يكتفي بالفاتحة مرة واحدة في الركعة، كما إذا فرّق سورة واحدة علي الركوعات الخمسة، و قد يجب عليه الإتيان بالفاتحة خمس مرات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 248

في الركعة كما إذا أتم السورة قبل كل ركوع من الركوعات الخمسة. و قد يجب عليه الإتيان بالفاتحة أكثر من مرة و أقل من خمس مرات، كما لو ختم سورة في بعض الركوعات و قطّع السورة في بعض الركوعات و أتمّها في بعض.

(مسألة 330): الأحوط وجوبا عدم الهوي للركوع الخامس في كل من الركعتين الا بعد إكمال السورة، و عدم الاكتفاء ببعض سورة و إن كان قد أتم سورة للركعة قبله.

(مسألة 331): حكم هذه الصلاة حكم الثنائية في البطلان بالشك في عدد الركعات، و في حجية الظن فيها. و أما الشك في عدد الركوعات من ركعة واحدة فحكمه البناء علي الأقل.

(مسألة 332): ركوعات هذه الصلاة أركان تبطل الصلاة بزيادتها و نقصها عمدا و سهوا، نظير ما تقدم في اليومية. و يجب فيها ما يجب في اليومية من الأجزاء و الشرائط و الأذكار الواجبة و المندوبة. كما يجري فيها أحكام الشك في المحل و بعد التجاوز.

(مسألة 333): يستحب فيها القنوت بعد القراءة قبل الركوع الثاني و الرابع و السادس و الثامن و العاشر، و يجوز الاقتصار علي بعضها. و يستحب التكبير عند الهوي للركوع و عند القيام منه، إلا في رفع الرأس من الركوع الخامس في كل من الركعتين، فإنّه يقول: سمع اللّه لمن حمده. نعم لا بأس بضم التكبير إليه برجاء المطلوبية.

(مسألة 334): يستحب الإتيان بها جماعة و يتحمل الإمام

فيها القراءة لا غير كاليومية. و تدرك بإدراك الإمام قبل الركوع الأول أو فيه في كل من الركعتين، أما إذا أدركه في غيره ففيه إشكال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 249

(مسألة 335): يستحب التطويل في صلاة الكسوف إلي تمام الانجلاء فإن فرغ قبله جلس في مصلاه مشتغلا بالدعاء أو يعيد الصلاة.

نعم إذا كان إماما يشق علي من خلفه التطويل خفف، و يستحب قراءة السور الطوال ك (يس)، و النور و الكهف و الحجر، و إكمال السورة في كل قيام، و ان يكون كل من الركوع و السجود بقدر القراءة في التطويل، و الجهر بالقراءة ليلا أو نهارا حتي في كسوف الشمس علي الأصح، و كون الصلاة تحت السماء، و كونها في المسجد.

(مسألة 336): يثبت الكسوف و نحوه بالعلم و البينة و لا يثبت بقول المنجمين و نحوهم ممن لا يشهد برؤيته.

(مسألة 337): تتعدد الصلاة الواجبة بتعدد السبب من أفراد نوع واحد أو أنواع متعددة. و لا يجب تعيين السبب عند الإتيان بالصلاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 250

المقصد الخامس في صلاة القضاء

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في حكم القضاء و مورده

يجب قضاء الصلاة اليومية التي فاتت في وقتها عمدا أو سهوا أو جهلا أو لأجل النوم المستوعب للوقت أو لغير ذلك. و كذا إذا أتي بها فاسدة لفقد جزء أو شرط مستلزم لبطلانها و وجوب إعادتها في الوقت.

و لا يجب قضاء ما تركه الصبي حال صباه و لا المجنون حال جنونه، و لا المغمي عليه، و إن كان ذلك منهما بفعلهما، و كذا ما تركه الكافر الأصلي حال كفره، و ما تركته الحائض و النفساء علي تفصيل تقدّم في مبحث الحيض. أما المرتد فالأحوط وجوبا أن يقضي ما فاته حال الارتداد بعد توبته من دون فرق بين المرتد الفطري و الملّي. و الظاهر قبول توبة الفطري و إن وجب قتله، فتترتب أحكام الإسلام عليه إذا لم يقتل.

(مسألة 338): إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو المغمي عليه وجب عليهم الأداء إذا أدركوا من الوقت ما يسع الصلاة، بل هو الأحوط وجوبا إذا أدركوا منه ما يسع ركعة واحدة، فإذا تركوه وجب القضاء. علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 339): إذا طرأ الجنون أو الإغماء بعد ما مضي من الوقت مقدار ما يسع من الصلاة الاختيارية فالأحوط وجوبا القضاء. أما الحائض و النفساء إذا طهرتا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 251

في أثناء الوقت أو طرأ عليهما الحيض و النفاس في أثنائه فقد تقدم الكلام فيهما في مبحث الحيض.

(مسألة 340): يجب القضاء علي السكران إذا كان السكر مستندا إليه، أما إذا كان قهرا عليه فالظاهر عدم وجوب القضاء، و إن كان الأحوط استحبابا القضاء.

(مسألة 341): إذا استبصر المخالف وجب عليه قضاء ما فاته دون ما أتي به علي طبق مذهبه أو غيره إذا تأتّي منه قصد

القربة.

(مسألة 342): الظاهر عدم وجوب قضاء النافلة المنذورة في وقت معين.

(مسألة 343): إذا فاتته الصلاة في بعض أماكن التخيير بين القصر و التمام قضي قصرا علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 344): يستحب مؤكّدا قضاء النوافل الرواتب. نعم لا يتأكد قضاء ما فات منها حال المرض. و إذا عجز عن قضاء الرواتب قدّم ما فاته لطلب الدنيا الزائدة عن المعاش علي ما فاته لطلب المعاش أو لقضاء الحقوق الواجبة و المستحبة، فإن عجز عن القضاء تصدق عن كل ركعتين بصدقة أقلّها مدّ- ثمانمائة و سبعون غراما تقريبا- من طعام لكل مسكين عن كل ركعتين، فإن عجز عن ذلك تصدق به عن كل أربع ركعات، فإن عجز تصدق بمد عن نافلة الليل و مد عن نافلة النهار. و أما غير الرواتب من النوافل المؤقتة ففي مشروعية قضائها إشكال فالأولي الإتيان بها برجاء المطلوبية.

(مسألة 345): لا يشترط الترتيب في القضاء بين الفوائت اليومية و غيرها، فمن كان عليه صلاة يومية فائتة و صلاة الكسوف جاز له تقديم أيهما شاء.

و أما الصلوات اليومية فما كان منها مترتبا أداء يجب الترتيب في قضائه، فمن فاتته الظهر و العصر أو المغرب و العشاء من يوم واحد وجب عليه تقديم الظهر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 252

أو المغرب. و أما غيرها فلا يجب الترتيب في قضائها، فمن فاته أيام متعددة جاز له أن يقضي صبحا بعددها ثم ظهرا بعددها و هكذا. و إن كان الأحوط استحبابا الترتيب بينها في القضاء حسب ترتبها في الفوت خصوصا مع إمكان معرفة الترتيب بينها، فمن فاته أيام متعددة يقضي يوما تامّا ثم يوما تامّا حتي يفرغ منها.

(مسألة 346): إذا علم أن عليه إحدي الصلوات الخمس يكفيه صبح

و مغرب و رباعية ينوي بها ما في الذمة مردّدا بين الظهر و العصر و العشاء، و يتخير فيها بين الجهر و الإخفات. و لو كان مسافرا أجزأته مغرب و ثنائية مرددة بين الصلوات الأربع الباقية. و كذا الحال في جميع موارد تردد الفائت بين الصلوات المذكورة، فإنّه مع اختلافه في عدد الركعات يكرر حتي يقطع بالفراغ، و مع اتفاقه فيه يأتي بواحدة مردّدة بين الكل مخيرا فيه بين الجهر و الإخفات مع اختلافها فيه.

(مسألة 347): إذا شك في فوت الفريضة بني علي العدم، و إذا علم بالفوت و تردد الفائت بين الأقل و الأكثر جاز له الاقتصار علي الأقل.

(مسألة 348): إذا شك في الوقت في أداء الفريضة، فإن كان قد أتي بما يترتب عليها شرعا بني علي الإتيان بها، كما لو شك في الظهر و قد صلّي العصر، أو شرع فيها. و إن لم يأت بما يترتب عليها وجب عليه الإتيان بها، كما لو شك في الظهرين معا أو في العصر قبل خروج الوقت فلو لم يأت بها في الوقت وجب قضاؤها بعده.

(مسألة 349): لا يجب الفور في القضاء فيجوز التأخير ما لم يحصل التهاون في تفريغ الذمة.

(مسألة 350): لا يجب تقديم قضاء الفائتة علي الحاضرة فيجوز الإتيان بالحاضرة لمن عليه القضاء و إن كان ليومه، بل يستحب ذلك إذا خاف فوت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 253

فضيلة الحاضرة، نعم مع سعة وقت فضيلة الحاضرة يستحب تقديم الفائتة عليها، بل إن ذكر حينئذ الفائتة و قد شرع في الحاضرة استحب له العدول للفائتة مع بقاء محله.

(مسألة 351): لا يجوز لذوي الأعذار البدار للقضاء، بل يجب عليهم انتظار ارتفاع العذر، نعم مع احتمال استمرار

العذر إلي حين الموت يجوز البدار برجاء المطلوبية، و تكون صحّة العمل مراعاة باستمرار العذر. كما يجوز البدار مع الجزم بالنية عند القطع باستمرار العذر. لكن لو انكشف عدم استمراره تجب الإعادة بعد ارتفاعه إذا كان الخلل بالأركان التي تبطل الصلاة بنقصها عمدا و سهوا. و أما إذا كان الخلل بغيرها فلا تجب الإعادة.

الفصل الثاني في النيابة

لا يشرع التبرع و لا النيابة عن الأحياء في الواجبات و لو مع عجزهم عنها، إلا في الحج إذا كان مستطيعا و كان عاجزا عن المباشرة علي ما يذكر في محله، و يجوز التبرع و النيابة عنهم في جملة من المستحبات، كالصلاة و الصوم، و الحج و الصدقة و الزيارة و قراءة القرآن. بل قد يشرع ذلك في بقية العبادات، و إن كان الأحوط وجوبا الإتيان بها برجاء المشروعية، كما يجوز التبرع و النيابة عن الأموات في الواجبات و المستحبات.

نعم يشكل مشروعية التبرع و النيابة في الدعاء عن الأحياء و الأموات فالأولي إبداله بالدعاء لهم. و إما إهداء العمل أو ثوابه فقد ورد في بعض الأمور كالحج و بعض الصلوات و قراءة القرآن، و حكي فعله عن بعض أصحاب الأئمة عليهم السّلام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 254

و الأحوط وجوبا الإتيان به برجاء المشروعية و ترتّب الأثر حيث يرجي ترتبه بفضل اللّه سبحانه و سعة رحمته. نعم هو لا يقتضي براءة الذمة و تحقق الامتثال.

بل هما متوقّفان علي قصد الامتثال بالعمل حين الإتيان به الذي يكون مع التبرع أو النيابة.

(مسألة 352): يشترط في النائب أمور:

الأول: العقل: فلا يجتزأ بفعل غيره و إن تحقق منه القصد في الجملة- لعدم التعويل علي قصده- بل هو كقصد النائم ملغي عند العقلاء. نعم إذا

لم يبلغ الضعف العقلي عنده مرتبة الجنون فلا بأس بعمله.

الثاني: الإسلام.

الثالث: الإيمان فلا يجتزأ بعمل المخالف، و إن جاء بالعمل علي الوجه المعتبر عندنا. بل يشكل الاجتزاء بعمل المستضعف- غير المقرّ بالولاية و لا الجاحد لها- فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بعمله.

(مسألة 353): لا يشترط في النائب البلوغ، فيصح عمل الصبي المميّز إذا أداه بالوجه المعتبر شرعا. كما لا يشترط العدالة، فيصح عمل الفاسق، نعم يشكل التعويل علي إخباره بالإتيان بالعمل إلا مع كونه في نفسه ثقة مأمونا و حصول الوثوق من خبره. نعم لو علم بإتيانه بالعمل بنيّة تفريغ ذمة الغير و شكّ في صحة عمله فالظاهر البناء علي الصحة و إن لم يكن ثقة.

(مسألة 354): لا يشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل، و في الجهر و الإخفات يراعي حال النائب.

(مسألة 355): النائب يعمل علي طبق اجتهاده أو تقليده لا علي طبق اجتهاد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 255

الميت أو تقليده. نعم إذا كان مكلّفا من قبل الغير بحيث يكون في مقام الوفاء عنه كان ظاهر حال التكليف أن المطلوب منه هو العمل علي طبق اجتهاد من كلفة أو تقليده فلا يستحق الأجرة إذا كان أجيرا، و لا الجعالة إلا إذا جاء بالعمل علي الوجه المذكور، و لا يكفيه العمل علي طبق اجتهاده هو أو تقليده.

(مسألة 356): يستحب التبرع عن المؤمن الميت في أداء الواجبات التي عليه كقضاء الصلوات و الصيام و غيرها، و كذا المستحبات فإنّه من أفضل البّر بالمؤمن و الصلة له و الإحسان إليه.

(مسألة 357): ينوي النائب بالفعل امتثال أمر المنوب عنه و تفريغ ذمته، و ذلك

كاف في المقربيّة المعتبرة في العبادة، و لا يعتبر مع ذلك التقرب بأمر النيابة المتوجه للنائب نفسه. نعم يعتبر عدم وقوعه منه بوجه مبعد كما لو أوقعه بوجه محرّم، لغصب المكان أو اللباس أو غيرهما.

(مسألة 358): لا تبرأ ذمة المنوب عنه بعمل النائب إذا كان اضطراريا كما لو كانت وظيفته التيمم أو الطهارة الجبيرية أو الصلاة من جلوس أو نحوها.

(مسألة 359): لا بدّ من تعيين المنوب عنه حين العمل و لو إجمالا. و لا يكفي التعيين بعد العمل.

(مسألة 360): يجب علي وليّ الميت أن يقضي ما علي الميت من الصلاة و الصيام سواء فاته لعذر- من مرض أو جهل بالتكليف أو بكيفية الأداء- أم تسامحا. نعم لا يجب الأداء إذا مات الشخص و هو غير مهتم بالقضاء تهاونا و تمرّدا.

(مسألة 361): المراد بالولي هو الوارث الذكر. و في عمومه للطفل حين موت الميّت إشكال. فالأحوط وجوبا عليه القضاء إذا بلغ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 256

(مسألة 362): الظاهر اختصاص وجوب القضاء بما إذا كان الميت رجلا، و لا يجب القضاء عن المرأة. و إن كان هو الأحوط استحبابا- بل لا إشكال في استحبابه.

(مسألة 363): إذا تعدّد الولي وجب القضاء علي كل منهم بنحو الوجوب الكفائي، فيعاقب الكل علي تركه و يسقط بفعل البعض عن الباقين. و لا يتوزّع القضاء عليهم بالنسبة.

(مسألة 364): لا يجب علي الولي أن يقضي بدل الميت ما وجب علي الميت قضاؤه عن غيره، كما لو كان وليّا عن ميت قبله عليه صوم أو صلاة، أو كان مستأجرا علي أن يصلي أو يصوم عن غيره، بل يسقط الأول و يجري علي الثاني حكم الدّين فيخرج من أصل التركة، إلا أن يشترط

مباشرته فتبطل الإجارة و يجب إرجاع الأجرة من تركته.

(مسألة 365): يسقط القضاء عن الولي إذا قضي عن الميت غيره تبرعا أو بإجارة من قبل الولي أو غيره، و لو لوصية الميت بالقضاء من ثلثه.

(مسألة 366): لو عجز الولي عن القضاء بنفسه سقط عنه، و لا يجب عليه السعي لقضاء غيره عن الميت باستئجار أو غيره.

(مسألة 367): إذا شك الولي في فوات شي ء عن الميت لم يجب القضاء عليه، و إذا شك في مقدار الفائت اقتصر علي الأقل.

(مسألة 368): إذا أخبر الرجل بانشغال ذمته بالفوائت فالأحوط وجوبا للولي قضاؤها عنه بعد موته إذا لم يكن متّهما في إخباره.

(مسألة 369): إذا لم يكن للميت ولي أو كان و لم يجب عليه القضاء فالأقوي عدم وجوب إخراج ما انشغلت به الذمة من الفوائت من أصل التركة. نعم إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 257

أوصي بإخراجه نفذت وصيته في الثلث.

(مسألة 370): لا يجب الفور في القضاء عن الميت، و إن كان الأولي المسارعة و لو لتخليص الميت من تبعة الفوت.

(مسألة 371): كما يجب علي الولي قضاء ما فات الميت يجب عليه أداء ما وجب علي الميت أداؤه و لم يؤدّه كما لو مات في وقت صلاة و لم يؤدّها و كان مكلّفا بأدائها لمضيّ زمان يصلح منه الأداء فيه. و الأحوط وجوبا للولي المبادرة لها في الوقت مع الإمكان، و إن لم يبادر وجب عليه أداؤها بعده.

(مسألة 372): لا تبرأ ذمة الميت بصلاة الولي الاضطرارية، كصلاته بالتيمم أو بطهارة جبيرية أو من جلوس. نعم مع تعذر إتيانه بها بوجه اختياري و عدم تفريغ ذمة الميت من قبل غيره يجب عليه الإتيان بالصلاة الاضطرارية تحقيقا للميسور.

الفصل الثالث في الاستئجار علي تفريغ ذمة الغير

كل عمل تصح

فيه النيابة يشرع الاستئجار له، فيستحق صاحب المال علي الأجير العمل للغير لامتثال أمره و تفريغ ذمته حيّا كان ذلك الغير أو ميتا، واجبا كان ذلك العمل أو مستحبا. و أما الإجارة علي العمل لإهداء ثوابه للغير فلا يخلو عن إشكال. نعم لا بأس بدفع المال مقابل إهداء الثواب إذا تحقق من الفاعل قصد القربة بالعمل.

(مسألة 373): يشترط في الأجير في المقام ما يشترط في الأجير في سائر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 258

موارد الإجارة. نعم إذا ابتنت الإجارة علي أن يباشر العمل بنفسه لزم فيه أيضا الشروط المتقدمة في النائب و جري عليه حكمه.

(مسألة 374): لا يعتبر في الأجير العدالة و لا الوثاقة. لكن لا يعول علي إخباره بالقيام بالعمل المستأجر عليه إذا لم يكن ثقة مأمونا فلا يحكم ببراءة ذمة المنوب عنه لكن يلزم تصديقه من حيثيّة استحقاقه الأجرة، لابتناء الإجارة علي ذلك في مثل هذه الأمور التي لا تعلم إلا باخباره.

(مسألة 375): لا تفرغ ذمة الميت باستئجار من يصلي صلاة اضطرارية كالمتيمم و ذي الجبيرة و العاجز عن القيام، بل لا بد فيه من استئجار غيره فإن تجدّد له العذر بعد الإجارة فإن كان العذر موقّتا لا يستوعب زمان الإجارة وجب علي الأجير انتظار القدرة علي الصلاة الاختيارية التامة، و إن كان مستوعبا انفسخت الإجارة. نعم إذا لم تكن الإجارة لتفريغ ذمة الميت من صلاة واجبة ثابتة في ذمته بل لمجرد الصلاة عنه و إن لم يكن مشغول الذمة جاز الاستئجار للصلاة الاضطرارية.

(مسألة 376): إذا اختلف الأجير و المؤجر في الاجتهاد أو التقليد في كيفية العمل المستأجر عليه فإن كانت الإجارة مقيدة بأحد الوجهين صريحا لزم العمل عليه، و إلا فإن

كان الاختلاف معلوما حين الإجارة كان ظاهرها لزوم العمل علي اجتهاد المستأجر أو تقليده و علي اجتهاد الميت أو تقليده إن كانت الإجارة بسبب وصيته بالعمل لا ابتداء من المستأجر. و إن لم يكن الاختلاف معلوما حين الإجارة و لا ملتفتا إليه كان ظاهرها الاكتفاء باجتهاد الأجير أو تقليده لمطابقتهما لاجتهاد المؤجر أو الميت أو تقليدهما فإن ظهر الاختلاف قبل العمل أشكل الأمر و لزم الترافع للحاكم الشرعي أو العمل بأحوط الوجهين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 259

(مسألة 377): لا تفرغ ذمة الميت بمجرد الإجارة، بل يتوقف علي تحقق العمل المستأجر عليه.

(مسألة 378): إذا استأجره علي أن يصلي كان ظاهره لزوم مباشرته بنفسه و عدم الاكتفاء بفعل غيره بدلا عنه إلا بقرينة خاصة أو إذن خاص بعد الإجارة. أما إذا آجره علي أن يكون مشغول الذمة بالعمل فظاهره عدم اشتراط المباشرة إلا مع قرينة صارفة عن الظهور المذكور.

(مسألة 379): إذا كان مقتضي الإجارة عدم اعتبار المباشرة فللأجير أن يستنيب غيره في تفريغ ذمّة الميت بإجارة أو غيرها، نعم لا بدّ في الإجارة أن لا تكون بأقل من الأجرة التي جعلت له علي العمل إلا مع اختلاف جنس الأجرة أو أدائه لبعض العمل.

(مسألة 380): إذا أخذ في الإجارة زمان معين لأداء العمل فإن رجع ذلك لتعيين العمل المستأجر عليه بما يقع في الزمن المذكور، كما قد يكون في مثل قراءة القرآن في شهر رمضان، فمع عدم الإتيان بالعمل في الزمان المذكور تبطل الإجارة فلا يستحق الأجرة بالعمل بعدها، بل يكون متبرعا.

و إن رجع ذلك إلي اشتراط الزمان المذكور زائدا علي الإجارة، كما لعله الغالب في المدد المضروبة لأجل الحث علي المسارعة في العمل، فمع عدم

الإتيان بالعمل المذكور لا تبطل الإجارة، و لا يكون الإتيان بالعمل بعدها تبرعا منه. غاية الأمر أن يكون للأجير حق فسخ الإجارة، فمع الفسخ يستحق اجرة المثل، و مع عدمه يستحق الأجرة المسماة. نعم تفرغ ذمة المنوب عنه بالعمل في جميع فروض المسألة.

(مسألة 381): إذا انكشف بطلان الإجارة بعد العمل استحق الأجير اجرة المثل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 260

علي المستأجر، و كذا إذا فسخت لخيار أو إقالة.

(مسألة 382): إذا لم تعيّن كيفية العمل من حيثية الاشتمال علي المستحبات تنصرف الإجارة إلي النحو المتعارف في القضاء.

(مسألة 383): إذا نسي الأجير بعض المستحبات المأخوذة في الإجارة أو الواجبات التي لا تخلّ بصحة العمل فإن كان بالنحو المتعارف لم ينقص من الأجرة شي ء، و إلا نقص من الأجرة بالنسبة.

(مسألة 384): إذا كانت الإجارة علي تفريغ ذمة الميت فتبرّع متبرع بالعمل قبل قيام المستأجر به بطلت الإجارة. أما إذا كانت علي العمل عن الميت و لو مع فراغ ذمّته فلا تبطل.

(مسألة 385): إذا مات الأجير قبل القيام بالعمل المستأجر عليه فإن كانت المباشرة شرطا في العمل المستأجر عليه بطلت الإجارة، و إلا وجب علي ورثته الاستئجار من تركته، و منها الأجرة التي استحقها بالإجارة، كسائر الديون المالية، و إذا لم تكن له تركة لم يجب علي الوارث شي ء، و يبقي الميت مشغول الذمة بالعمل.

(مسألة 386): كما يجوز استئجار الغير علي الصلاة أو غيرها عن الميت يجوز جعل الجعل له، و الفرق بينهما أن الإجارة عقد لازم مشروط بشروط و له أحكام مذكورة في محلها من كتاب الإجارة، أما الجعالة فهي إيقاع قوامه الوعد بدفع المال علي العمل، و لا يكون لازما، بل لجاعل الجعل الرجوع عنه قبل

عمل العامل. و جملة من الفروع المتقدمة تختص بالإجارة و لا تجري في الجعالة، كما يظهر بالتأمل فيها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 261

المقصد السادس في صلاة الجماعة

اشارة

و هي من المستحبات المؤكدة في جميع الفرائض خصوصا الأدائية و خصوصا في الصبح و العشائين، و خصوصا لجيران المسجد الذي تقام فيه الجماعة و لمن يسمع النداء. و لها ثواب عظيم، و قد ورد في الحث عليها و الذم علي تركها أخبار كثيرة و مضامين عالية. ففي كثير من الأخبار أنها تعدل خمسا و عشرين صلاة للفرد، و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من صلّي خلف إمام عالم فكأنما صلّي خلفي و خلف إبراهيم خليل الرحمن»، و عن الصادق عليه السّلام: «الصلاة خلف العالم بألف ركعة و خلف القرشي بمائة» و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ركعة يصليها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها علي المساكين، و سجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة».

و الكلام، فيها في ضمن فصول:

الفصل الأول في ما تشرع فيه الجماعة

تشرع الجماعة في الصلاة اليومية و صلاة الآيات و صلاة العيدين و صلاة الاستسقاء.

(مسألة 387): يشكل مشروعية الجماعة في صلاة الاحتياط و في الصلاة المنذورة و نحوها من النوافل الواجبة بالعرض، و في صلاة الطواف- و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 262

وجبت تبعا للطواف- فالأحوط وجوبا عدم ترتيب أثر الجماعة عليها لو جعل المصلي لها إماما، و عدم الإتيان بها جماعة مأموما. نعم لا بأس بالإتيان بها جماعة برجاء المشروعية من دون أن يتحمل الإمام عن المأموم القراءة.

(مسألة 388): الجماعة شرط في صلاة الجمعة. و كذا في صلاة العيدين مع وجوبها. و أما مع عدم وجوبها فليست شرطا فيها، بل تشرع فرادي أيضا.

(مسألة 389): لا تشرع الجماعة لشي ء من النوافل الأصلية و إن وجبت بالعارض لنذر و نحوه حتي صلاة

الغدير، إلا في صلاة الاستسقاء، كما سبق. نعم ورد فيما إذا ائتم المسافر بالحاضر أنه يصلي فريضة الظهر مع الإمام في الركعتين الأوليين من الظهر، ثم يصلّي معه في الركعتين الأخيرتين منها النافلة، و يصلي معه في الركعتين الأوليين من العصر النافلة ثم يصلي معه في الركعتين الأخريين منها فريضة العصر. و لا بأس بالعمل بذلك برجاء المطلوبية.

(مسألة 390): إذا صلّي فرادي استحبّ له في الوقت إعادة صلاته جماعة إماما أو مأموما. بل حتي لو كان قد صلّي جماعة، فإنّه يشرع بل يستحب له أن يعيدها جماعة إماما أو مأموما، و لو ظهر بعد ذلك بطلان الأولي أجزأته الثانية و كانت هي الواجبة و إن تخيّل أنها مستحبة.

(مسألة 391): لا تشرع إعادة الصلاة جماعة بعد الوقت.

(مسألة 392): الصلاة المعادة في الوقت احتياطا إن أحرز اشتمالها علي الأجزاء و الشروط المعتبرة تشرع الجماعة فيها و تترتب آثارها، لأنه إن كانت الأولي صحيحة كانت الثانية إعادة لها جماعة، و قد تقدم في المسألة السابقة مشروعيتها. و إن كانت الأولي باطلة كانت الثانية صلاة مبتدأة، و إن كانت الأولي باطلة كانت الثانية صلاة مبتدأة جماعة، و إن لم يحرز اشتمالها علي الأجزاء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 263

و الشروط المعتبرة يجوز الإتيان بها جماعة برجاء مشروعيتها، لكن لا مجال لترتيب آثار الجماعة عليها من قبل غير المصلّي، و كذا الحال في كل صلاة يؤتي بها احتياطا و لا يحرز اشتمالها علي الأجزاء و الشروط المعتبرة و إن كانت ابتدائية لا معادة، فمن كرّر الصلاة في الثوبين المعلومة نجاسة أحدهما أو جمع بين القصر و التمام في موارد عدم قيام الحجة علي وجوب خصوص أحدهما لا مجال لاجتزاء

غيره بالائتمام به في إحدي الصلاتين، كما لا مجال لاتصال غيره به لو كان مأموما، بل لو كان الفصل به كثيرا لم تنعقد الجماعة.

و كذا الحال في المعادة خارج الوقت احتياطا سواء أحرز اشتمالها علي الأجزاء و الشروط المعتبرة أم لم يحرز. نعم إذا اتفقت الجهة الموجبة لاحتمال صحة الصلاة في حقّ جماعة جاز ائتمام بعضهم ببعض و اتصال بعضهم ببعض في الجماعة، كما لو كانت وظيفة جماعة الجمع بين القصر و التمام فإنّه يجوز لهم الائتمام ببعضهم في كلتا الصلاتين، بأن يصلّوا جماعة قصرا، ثم تماما أو بالعكس.

(مسألة 393): يجوز اقتداء من يصلي إحدي الصلوات اليومية بمن يصلي الأخري، و إن اختلف في الجهر و الإخفات، و الأداء و القضاء، و القصر و التمام.

و لا يجوز اقتداء مصلّي اليومية بمصلي العيدين أو الآيات أو الأموات، و كذا العكس، و لو مع عدم لزوم اختلاف النظم، كما لو ائتم مصلي اليومية في الركوع الأخير من صلاة الآيات. بل يشكل ائتمام مصلي الآيات بمثله مع اختلاف السبب، فالأحوط وجوبا تركه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 264

الفصل الثاني في ما تنعقد به الجماعة

أقل عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة و العيدين اثنان أحدهما الإمام سواء كان المأموم رجلا أم امرأة أم صبيا مميّزا، و أما في الجمعة و العيدين فلا تنعقد إلا بخمسة أحدهم الإمام. و يشترط في انعقاد الجماعة أمور.

الأول: نية الائتمام من المأموم، و لو مع عدم نية الإمام للإمامة لامتناعه منها أو لجهله بوجود المأموم. نعم لا بدّ من نية الإمام للإمامة في صلاة الجمعة و العيدين، و كذا إذا كانت صلاته معادة، لتقوّم الصلاة المشروعة بها.

(مسألة 394): لا يعتبر في انعقاد الجماعة قصد القربة لا من

الإمام و لا من المأموم. فإذا كان الداعي لها غرضا مباحا، كالفرار من الشك و التخلص من القراءة انعقدت و إن لم يترتب عليها الثواب. نعم إذا وقعت بوجه محرّم كالرياء أو ترويج باطل ملتفت إليه لم تنعقد لبطلان الصلاة بها. كما أنه إذا كانت الجماعة مقومة للصلاة تعيّن قصد القربة بها تبعا للصلاة، كما في الصلاة المعادة و صلاة الجمعة.

(مسألة 395): لا بدّ من نية الائتمام من أول الصلاة، فلا يصح للمنفرد العدول للائتمام في الأثناء.

(مسألة 396): يجوز العدول من الائتمام إلي الانفراد اختيارا في جميع أحوال الصلاة، كما يجوز نية ذلك من أول الصلاة بأن ينوي أن ينفرد في الأثناء بعد انعقاد الجماعة، لا أنه ينوي من أول الأمر الائتمام في بعض الصلاة بحيث ينفرد بانتهاء البعض من دون نية، فإن ذلك لا يشرع، و لا تنعقد الجماعة حينئذ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 265

(مسألة 397): إذا نوي الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الركوع أجزأته قراءة الإمام و لم تجب عليه القراءة، و أما إذا انفرد في أثناء القراءة فالأحوط وجوبا له استئناف القراءة لنفسه و عدم الاجتزاء بما قرأه الإمام قبل أن ينفرد.

(مسألة 398): إذا توقف في أثناء صلاة الجماعة عن نية الائتمام- إما مع نية الانفراد أو بدونها- فإن أتي هو أو الإمام بشي ء من الأفعال لم يجز له الرجوع للائتمام، بل و كذا إذا لم يأت أحدهما بشي ء علي الأحوط وجوبا، و أما إذا كان ناويا للائتمام لكنّه تردد في أنه هل يبقي عليه أو ينفرد فالظاهر أنه يبقي علي الائتمام ما لم يتوقف عن نيّته.

(مسألة 399): إذا شك في أثناء صلاة الجماعة في أنه هل نوي الانفراد أو

لا، بني علي العدم و بقي علي الائتمام.

(مسألة 400): إذا شك في أنه نوي الائتمام أو لا بني علي العدم، حتي لو علم أنه قام بنيّة الدخول في الجماعة أو ظهر عليه أحوال الائتمام كعدم القراءة و نحوه، بل و إن رأي نفسه ناويا فعلا الائتمام و شكّ في أنه هل نواه من أول الأمر أو لا. و عليه يتخير بين قطع الصلاة و استئنافها بنية الائتمام، و بين المضي فيها و ترتيب آثار الانفراد، و إن كان الأحوط استحبابا في الثاني نية الانفراد. نعم لو رجع الشك للوسواس لم يعتن به.

الثاني: تعيين الإمام و لو إجمالا، مثل إمام الجماعة المنعقدة، أو الذي يسمع صوته أو غير ذلك. و لا يجوز الائتمام بأحد شخصين علي نحو الترديد.

(مسألة 401): إذا نوي الائتمام بشخص خاص معتقدا أنه زيد فبان عمرا انعقدت جماعته. إلا أن يرجع إلي تقييد الائتمام بالشخص الخاص و تعليقه علي أن يكون هو زيدا، و حينئذ يتعيّن عدم انعقاد الجماعة، بل بطلان صلاته إذا وقع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 266

فيها ما يبطل صلاة المنفرد حتي لو وقع سهوا كزيادة الركوع للمتابعة. لكن الفرض المذكور يحتاج إلي عناية خاصة و كلفة لا تحصل غالبا، بل يقطع بعدم حصولها لعامة الناس و في الحالات المتعارفة.

الثالث: وحدة الإمام الذي يأتمّ به، فلا يجوز الائتمام بشخصين دفعة واحدة و إن اقتربا في الأقوال و الأفعال، كما لا يجوز الانتقال في الائتمام من شخص لآخر في أثناء الصلاة، إلا أن يطرأ علي الإمام ما يمنعه من الاستمرار في الصلاة من موت أو جنون أو إغماء أو حدث أو علة أو غير ذلك، و منه ما إذا تذكّر

أنه كان محدثا. و حينئذ للمأمومين أن يكملوا صلاتهم فرادي، و يجوز بل يستحب لهم الائتمام بشخص آخر من المأمومين أو من غيرهم يقدّمه الإمام أو المأمومون أو يتقدم بنفسه يكملون معه صلاتهم. و الأفضل أن لا يكون مسبوقا بركعة أو أكثر.

فإن كان مسبوقا أتّموا صلاتهم معه، ثم يتمّ صلاته بعدهم.

الرابع: إدراك الإمام بعد تكبيرة الافتتاح و قبل التسليم في أي جزء من أجزاء الصلاة- القراءة أو الذكر أو تكبيرة الركوع أو الركوع نفسه أو السجود أو التشهد.

نعم يتوقف إدراك ركعة و احتسابها من الصلاة علي إدراكه في القيام قبل الركوع أو في تكبيرة الركوع أو في الركوع. أما إذا أدركه بعد رفع رأسه من الركوع فلا يدرك تلك الركعة و لا تحسب له و لا يعتدّ بما أدركه منها، و لا يحسب من صلاته.

(مسألة 402): إذا أدرك الإمام بعد رفع رأسه من الركوع قبل السجود أو حاله كبّر للافتتاح و سجد معه و تابعه و لم يعتدّ بسجوده ذلك للصلاة، فإن قام الإمام في الركعة الثانية أو الثالثة قام معه و جعلها الركعة الاولي له، و إن أدركه حال التشهد الأول كبّر للافتتاح قائما، و الأحوط وجوبا أن لا يجلس معه في التشهد،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 267

بل يبقي قائما حتي يقوم الإمام فيتابعه و يجعلها الركعة الاولي له.

و إن أدركه حال التشهد الثاني كبّر للافتتاح قائما و جلس حتي يسلّم ثم يقوم للركعة الاولي و لا يحتاج لاستئناف التكبير قائما عند البدء بالركعة الاولي في جميع الصور، و إن كان الأحوط استحبابا التكبير في جميع الصور برجاء الجزئية من دون جزم بها، بل مردّدا بينها و بين الذكر المطلق.

(مسألة 403): إذا

أدرك الإمام راكعا و علم أنه إن كبّر لم يدركه في الركوع فالأحوط وجوبا عدم التكبير حتي يرفع الإمام رأسه، فيكبّر و يهوي معه للسجود علي ما تقدم في المسألة السابقة، أو يكبّر بعد قيام الإمام للركعة اللاحقة.

و لو كبّر برجاء إدراك الإمام فرفع الإمام رأسه قبل أن يهوي المأموم للركوع فالأحوط وجوبا عدم إدراك الجماعة، بل إما أن ينوي الانفراد، أو يستأنف الصلاة بعد فعل المبطل ليدرك الجماعة. أما لو كبر و ركع برجاء إدراك الإمام و لم يدركه فإنّه لا يدرك بركوعه الجماعة، بل الظاهر وقوع صلاته فرادي و احتساب الركعة منها، و إن كان الأحوط استحبابا استئناف الصلاة بعد فعل المبطل.

(مسألة 404): لو ركع برجاء إدراك الإمام راكعا فرفع الإمام رأسه، و شك في إدراكه له قبل رفع رأسه فالأحوط وجوبا عدم البناء علي انعقاد الجماعة، بل ينوي الانفراد، و الأحوط استحبابا مع ذلك استئناف الصلاة بعد فعل المبطل نظير ما تقدم في صورة عدم الإدراك.

(مسألة 405): يكفي في إدراك الركوع اجتماع المأموم مع الإمام في حد الركوع و إن كان الإمام قد نهض منه و المأموم قد هوي إليه، و إن كان الأحوط استحبابا فيه نية الانفراد، علي نحو ما تقدم في صورة عدم الإدراك.

(مسألة 406): إذا حضر المكان الذي فيه الجماعة فرأي الإمام راكعا و خشي أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 268

يرفع رأسه قبل وصوله للصف كان له أن يكبّر للإحرام في مكانه و يركع ثم يمشي في ركوعه أو بعده أو بين السجدتين أو بعدهما، فيلتحق بالصف و هم جلوس أو قيام، سواء كان المشي إلي الإمام أم إلي الخلف أم إلي أحد الجانبين.

و الأحوط وجوبا كونه

حين التكبير متأخرا عن الإمام.

كما لا بدّ من عدم الانحراف عن القبلة و مراعاة سائر شروط الصلاة و منها الطمأنينة حال الذكر. و كذا شروط الجماعة عدا البعد، فلا بدّ من عدم الحائل و عدم علوّ الإمام و غير ذلك. و الأولي جرّ الرجلين حال المشي و عدم التخطي فيه برفع الرجلين.

الفصل الثالث في شروط انعقاد الجماعة

الأول: أن لا يكون بين المصلين حائل من ستر أو جدار أو نحوهما من دون فرق بين الإمام و المأمومين، و بين المأمومين أنفسهم بل لا بدّ من اتصال بعضهم ببعض من أمامه أو من أحد جانبيه. نعم لا يمنع من ائتمام النساء بالرجل وجود الحائل بينهن و بين المصلين.

(مسألة 407): لا بأس بالحائل القليل الارتفاع، كالذي يكون بقدر شبر. و أما الحائل غير المستوعب لجسد المصلي في امتداده كالشجرة و أعمدة البناء فالظاهر عدم منعه. و علي ذلك فلا يقدح في الائتمام انفراد بعض المصلين و إن انحصر الاتصال من جانبه، إلا إذا استلزم البعد المانع، كما يأتي. نعم إذا امتد الحائل من موقف المصلي إلي ركبتيه عند الجلوس أو السجود و اختص الفراغ و الاتصال بمقدّم البدن عند السجود فالأحوط وجوبا منعه من الائتمام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 269

(مسألة 408): لا يمنع من انعقاد الجماعة فصل مثل الشبابيك و الجدران المخرمة نعم إذا كانت الفرج ضيّقه فالأحوط وجوبا عدم الانعقاد، و كذا الحال في الحائل المستوعب غير المانع من الرؤية كالزجاج و الثوب الرقيق الحاكي و الحائل المثقوب الذي يمكن معه الرؤية في خصوص بعض الأحوال كالقيام أو الركوع أو السجود، فإنّ الأحوط وجوبا عدم الانعقاد في جميع ذلك.

(مسألة 409): إذا اتصل أهل الصف بعضهم ببعض كفي في انعقاد

الجماعة لهم عدم الحائل بين بعضهم و بين الإمام أو الصف المتقدم، و لا يضر فيه وجود الحائل بين بعضهم و الإمام أو الصف المتقدّم، فإذا كانت الصفوف في مكانين مفصولين بحائل فيه فتحة كالباب و نحوهما صحّت الجماعة للكل من جهة الاتصال في موضع الباب.

(مسألة 410): ليس من الحائل المانع من انعقاد الجماعة مرور الإنسان بين المصلين، نعم إذا كثر المارّة و تكاثفوا و استمروا مدّة معتدّا بها منع ذلك من انعقاد الجماعة.

الثاني: أن تتصل الجماعة بأن لا يكون بين الإمام و المأمومين و بين المأمومين أنفسهم بعد كثير، و الأحوط وجوبا في تحديده أن لا يكون بينهم من أحد الجانبين أو بين موقف المتقدم و مسجد المتأخر ما لا يتخطي، و هو يقارب المتر و الربع، و إن كان الأفضل الاتصال العرفي. و لا يضر الفصل المذكور من جانب إذا كان بينهم اتصال من جانب آخر.

نعم تقدم في آخر الكلام في الشرط الثالث عدم منع البعد في ابتداء الجماعة لمن يدخل إلي مكان الجماعة و يخشي عدم إدراكها و أنّه يأتمّ مع البعد ثم يتصل بالجماعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 270

الثالث: أن لا يكون موقف الإمام أعلي من موقف المأموم بمقدار معتدّ به، و الأحوط وجوبا أن لا يزيد علي ثلاث أصابع. هذا إذا كان العلو دفعيا أو تدريجيا قريبا من الدفعي لوضوحه، كسفح الجبل، أما إذا كان تسريحيا خفيفا يغفل عنه عرفا و لا ينافي صدق أن الأرض منبسطة فلا بأس بالارتفاع أكثر من ذلك بسبب سعة المكان. و لا بأس بعلوّ موقف المأموم علي موقف الإمام و إن كان كثيرا.

(مسألة 411): لا بأس بكون بعض المأمومين أسفل من بعض

إذا لم يكن أسفل من الإمام حتي لو انحصر اتصاله بالجماعة بالمأموم المرتفع. نعم الأحوط وجوبا مع الانحصار أن لا يكون انخفاضه عنه كثيرا بحيث ينافي الاجتماع و يتحقق به تعدد المكان.

الرابع: أن لا يتقدم المأموم علي الإمام، بل الأحوط وجوبا أن لا يساويه، بل يتأخر عنه بموقفه و لو قليلا جدّا كقدر أربع أصابع.

(مسألة 412): الشروط الأربعة الأخيرة شروط في الابتداء و الاستدامة، فإذا فقد أحدها في الأثناء بطلت الجماعة و إذا لم يلتفت المأموم لذلك و بقي علي نية الائتمام، فإذا أتي بما يبطل صلاة المنفرد حتي لو وقع سهوا- كزيادة الركوع- بطلت صلاته، و إلا صحّت فرادي.

(مسألة 413): لا بد من إحراز الشروط المذكورة حين الدخول في الصلاة، فإذا غفل و دخل فيها ثم التفت بعد الفراغ بني علي صحة صلاته و جماعته. و إن التفت في الأثناء فإن تيسّر له إحرازها صحت صلاته و جماعته. و إلا بني علي عدم انعقاد الجماعة، فإن لم تشتمل صلاته علي ما يبطل صلاة المنفرد صحت فرادي.

(مسألة 414): إذا أحرز الشروط المذكورة حين الدخول في الصلاة و أحرز

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 271

انعقاد الجماعة ثم احتمل فقدها أو فقد بعضها في الأثناء بني علي بقاء الجماعة.

الفصل الرابع في شروط إمام الجماعة

يشترط في إمام الجماعة- مضافا إلي العقل و الإيمان- أمور:

الأول: طهارة المولد، فلا تصح إمامة ولد الزنا.

الثاني: الرجولة إذا كان في المأمومين رجل، فلا تصح إمامة المرأة إلا للمرأة. و في صحة إمامة الصبي و لو لمثله إشكال، فالأحوط وجوبا عدم الائتمام به.

الثالث: العدالة، و هي عبارة عن كون الإنسان متديّنا بحيث يمتنع من الكبائر، و لا يقع فيها إلا في حالة نادرة لغلبة الشهوة أو الغضب.

و من لوازم وجودها حصول الندم و التوبة عند الالتفات لصدور المعصية بمجرد سكون الشهوة و الغضب. أما إذا كثر وقوع المعصية منه لضعف تديّنه و إن كان يندم كلّما حصل ذلك منه فليس هو بعادل.

(مسألة 415): الكبائر هي الذنوب التي أوعد اللّه عليها النار. و هي كثيرة يأتي التعرّض لجملة منها في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 416): لا يجوز الصلاة خلف من يشك في عدالته، بل لا بدّ من إحرازها بأحد أمور: (أحدها): العلم الناشئ من المعاشرة أو غيرها (ثانيها): البيّنة إذا استندت شهادتها للمعاشرة و نحوها مما يوجب الاطلاع علي العدالة بوجه مقارب للحس، و لا يكفي استنادها للحدس و التخمين بدون ذلك و إن أوجب للشاهد العلم. و إذا شكّ في مستند الشهادة يحمل علي الأول ما لم تقم أمارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 272

علي الثاني. (ثالثها): حسن الظاهر و لو لظهور الخير منه و عدم ظهور الشر لمن يعاشره و يخالطه.

الرابع: أن يكون صحيح القراءة إذا كان المأموم يحسن القراءة الصحيحة و كان الائتمام في الأوليين من الجهريّة، علي الأحوط وجوبا. أما إذا كان في الأخيرتين أو كان المأموم كالإمام في عدم صحة قراءته مع اتحاد محلّ اللحن فلا بأس بإمامته، و كذا إذا كانت الصلاة إخفاتية، فإنّه يجوز الائتمام به و يقرأ المأموم لنفسه.

(مسألة 417): تجوز إمامة الأخرس لمثله، و لا تجوز إمامته لغيره.

(مسألة 418): لا بأس بأن يأتم الأفصح بالفصيح و الفصيح بغيره إذا كان يؤدي القدر الواجب.

(مسألة 419): تجوز إمامة القائم للجالس، و الجالس لمثله، و يشكل ما عدا ذلك كإمامة الجالس لغيره ممن هو أكمل منه و دونه،

و إمامة المضطجع أو المستلقي لمثله أو لغيره.

(مسألة 420): تجوز إمامة المتيمم لمثله و لذي الطهارة المائية، و إمامة ذي الطهارة الجبيرية لذي الطهارة التامة. أما إمامة المسلوس و المبطون لمثلهما و لغيرهما فلا تخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا عدم انعقادها.

الخامس: أن لا يكون محدودا حدّا شرعيا و لو بعد التوبة. و الأحوط وجوبا عمومه لما إذا أقام الحدّ من ليس أهلا له إذا كان يدعي لنفسه الأهلية. نعم لا بدّ من كون الحدّ بحقّ، فإذا أقيم الحدّ علي من لم يرتكب موجبه خطأ أو ظلما لم يمنع من الاقتداء به.

السادس: أن لا يكون أعرابيا فإنّه لا يؤمّ المهاجر. و المراد بالأعرابي من يسكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 273

البوادي ممن تقل معرفتهم بالأحكام الشرعية، و يكثر منهم بسبب ذلك مخالفتها و يلحق بهم من هو مثلهم من سكنة المدن، و المراد بالمهاجر من يسكن المدن و يتفقه في الدين و يعرف الأحكام الشرعية، و يلحق به من يسكن البوادي ممن يتفقه في الدين.

(مسألة 421): إذا تبيّن بعد الصلاة فقد الإمام لأحد الشروط المتقدمة أو بطلان صلاته لفقد شرط عمدا أو فقد ركن و لو سهوا لم يجب علي المأمومين الإعادة، و تصح صلاتهم إذا لم يكن فيها ما يبطل صلاة المنفرد بل مطلقا علي الأقوي و إن كان الأحوط استحبابا الإعادة في الصورة المذكورة، كما لو زاد ركنا للمتابعة أو رجع للإمام في الشك في عدد الركعات و كان الإمام حافظا يري الأكثر، و هكذا الحال لو تبيّن بطلان صلاة الإمام في الأثناء، فإن المأموم يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه. نعم إذا تبيّن ذلك مع إمكان تدارك القراءة وجب تداركها كما

لو تبيّن بطلانها قبل الركوع.

(مسألة 422): إذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام أو قامت عنده الحجة علي ذلك لم يجز له الائتمام به، و إلّا بني علي صحة صلاته و جاز له الائتمام به، من دون فرق بين أن يختلفا في الجهة الموجبة للبطلان أو لا، فمثلا إذا كان الإمام يعتقد طهارة الماء و المأموم يعتقد نجاسته لكن احتمل المأموم أن الإمام لم يتوضأ به بل توضأ بغيره بني علي صحة صلاته و جاز له الائتمام به، و كذا إذا كان الإمام يري عدم وجوب الترتيب في غسل الجنابة و المأموم يري وجوبه، لكن احتمل المأموم أن الإمام قد اغتسل بنحو الترتيب بني علي صحة غسله و صلاته و جاز له الائتمام به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 274

الفصل الخامس في أحكام الجماعة

(مسألة 423): لا يتحمل الإمام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة و أقوالها غير القراءة في الركعتين الأوليين إذا ائتم به فيهما، فتجزيه قراءته.

(مسألة 424): الأحوط وجوبا عدم القراءة خلف الإمام في الركعتين الأوليين من الإخفاتية بقصد الخصوصية، نعم يجوز له القراءة لا بقصد الخصوصية بل بما أن قراءة القرآن لا تبطل الصلاة، كما أنه يكره له السكوت و يستحب الاشتغال بالذكر، كالتسبيح و التحميد و الصلاة علي النبي و آله (صلوات اللّه عليهم). و أما في الجهرية فإن سمع صوت الإمام و لو همهمة وجب عليه ترك القراءة، و الأفضل له الاستماع و الإنصات له، بل هو الأحوط استحبابا. و إن لم يسمع حتي الهمهمة جازت له القراءة، سواء كان عدم السماع لصمم أم بعد أم غيرهما.

(مسألة 425): لو شك في أن ما يسمعه صوت الإمام أو غيره جازت له القراءة.

(مسألة 426): المسبوق بركعة

أو أكثر لا يتحمل عنه الإمام في ثالثته أو رابعته القراءة، بل إن أدرك الإمام في الركوع سقطت عنه القراءة كما لو أدركه في ركوع الأوليين، و إن أدركه قائما قبل الركوع قرأ لنفسه فإن ركع الإمام قبل أن يأتي بالسورة أو قبل أن يتمها اجتزأ بما قرأ و ركع معه، و يجوز له إتمام السورة إذا لم يخلّ بالمتابعة العرفية.

و كذا إن ركع الإمام قبل أن يأتي المأموم بالفاتحة أو قبل أن يتمها. و إن كان الأحوط استحبابا له إتمامها إذا لم يخلّ بالمتابعة العرفية، و الانفراد من أجل القراءة إذا أخل الإتمام بالمتابعة. و إذا علم قبل الدخول في الصلاة بعدم إدراكه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 275

للفاتحة تامة فالأحوط استحبابا له انتظار الإمام حتي يركع فيدخل معه.

(مسألة 427): المسبوق إن طابقت وظيفته وظيفة الإمام في التشهد جلس معه فيه، سواء طابقتها في السلام أيضا، كما لو كانت صلاته ثنائية و دخل في الثالثة من الصلاة الرباعية للإمام- أم لم تطابقها فيه- كما إذا التحق من صلاته رباعيّة بالجماعة في الركعة الثالثة.

و إن اختلفت الوظيفتان- كما لو دخل معه في الثانية أو الرابعة- و أراد البقاء علي الائتمام و لم ينفرد تابعه في الجلوس للتشهد وحده أو مع السلام.

و استحب له حال الجلوس الإتيان بالتشهد، و يجوز له الاشتغال بالذكر لا بقصد الخصوصية بل بما أنه أمر مستحب في نفسه لا يبطل الصلاة. كما يجب عليه الجلوس للتشهد لنفسه في ثانيته إذا قام الإمام للرابعة ثم يلتحق بالإمام، و لا يسقط عنه التشهد للمتابعة.

(مسألة 428): إذا جلس المسبوق، لمتابعة الإمام في تشهّده أو سلامة من دون أن تكون وظيفته في نفسه الجلوس

فالأحوط وجوبا له أن يتجافي، و لا يجلس متمكّنا.

(مسألة 429): إذا دخل المسبوق في ثانية الإمام قبل الركوع تابع الإمام في القنوت و إن كانت هي الركعة الاولي له. و في مشروعية القنوت له مرة أخري في ثانيته إشكال فالأحوط وجوبا له عدم الإتيان به إلا برجاء المطلوبية.

(مسألة 430): يجب الإخفات في القراءة و الذّكر خلف الإمام سواء كانا مستحبين كالمأتي بهما حال الائتمام في الركعتين الأوليين للإمام أم واجبين كالمأتي بهما حال الائتمام في الركعتين الأخيرتين للإمام.

(مسألة 431): يجب علي المأموم متابعة الإمام في الأفعال، فلا يتقدم عليه، و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 276

يتأخر عنه تأخرا كثيرا ينافي المتابعة عرفا. بل يتأخر عنه قليلا أو يقارنه، و إن كان الأحوط استحبابا عدم مقارنته له أيضا. و أما الأقوال- من القراءة و الذكر- فالظاهر عدم وجوب المتابعة فيها عدا تكبيرة الإحرام فلا يجوز التقدم فيها، بل لا بدّ من التأخر و لو كثيرا، بمعني لزوم فراغ الإمام من التكبير الذي به يتحقق الدخول في الصلاة قبل شروع المأموم في التكبير.

(مسألة 432): إذا ترك المتابعة عمدا لم تبطل صلاته و لا جماعته، بل يأثم بذلك، عدا تكبيرة الإحرام فإنّ المتابعة فيها بالمعني المتقدّم شرط في انعقاد الجماعة، فلو لم يتابع صحت الصلاة فرادي.

كما أنه لا يجوز الركوع قبل فراغ الإمام من القراءة عمدا، بل حكمه حكم ترك القراءة عمدا، الموجب لبطلان الصلاة. و أما الركوع قبله سهوا فهو بحكم سبق الإمام سهوا الذي يأتي الكلام فيه. و أما عدم المتابعة في التسليم و الإتيان به قبل الإمام فهو لا يوجب إلا عدم استكمال فضيلة الجماعة، من دون أن يقتضي بطلان الصلاة.

(مسألة 433): إذا

ركع قبل الإمام عمدا في الركعتين الأوليين قبل فراغ الإمام من القراءة بطلت صلاته، كما تقدم، و كذا إذا ركع قبله عمدا في غير ذلك أو سجد قبله عمدا ملتفتا لمنافاته لوجوب المتابعة و كونه معصية له. و إن غفل عن وجوب المتابعة فركع- في الفرض- أو سجد قبل الإمام عمدا فالأحوط وجوبا البقاء في ركوعه أو سجوده بانتظار ركوع الإمام أو سجوده، و عدم الرجوع إلي الإمام ليركع أو يسجد معه.

(مسألة 434): إذا ركع أو سجد قبل الإمام سهوا فالأحوط وجوبا له المتابعة بالعودة إلي الإمام متي التفت ثم الركوع أو السجود معه، و لا يجب عليه قبل العود

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 277

الذّكر في الركوع و السجود الأوّلين، بل يجب عليه الذكر في الركوع و السجود المعادين مع الإمام.

(مسألة 435): إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام عمدا فإن كان قبل الذّكر بطلت صلاته، و إن كان بعده فالأحوط وجوبا له البقاء علي حاله إلي أن يلحقه الإمام، و لا تبطل جماعته و لا صلاته.

(مسألة 436): إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهوا وجب عليه الرجوع للإمام إن احتمل إدراكه له قبل أن يرفع رأسه، و إن لم يرجع أثم و لم تبطل صلاته و لا جماعته. و إن رجع فركع أو سجد و رفع الإمام رأسه قبل أن يتحقق منه الركوع و السجود. فالأحوط وجوبا إجراء حكم زيادة الركوع أو السجود سهوا.

(مسألة 437): إذا رفع رأسه من السجود فرأي الإمام ساجدا فتخيّل أنه في الأولي فعاد إليها بقصد المتابعة فتبيّن أنها الثانية اجتزأ بها، و إذا تخيلها الثانية فسجد اخري بقصد الثانية فتبين أنها الاولي

حسبت للمتابعة، و وجب عليه السجود مرة أخري مع الإمام في السجدة الثانية له.

(مسألة 438): إذا سها الإمام فزاد سجدة أو تشهدا أو غيرهما مما لا تبطل الصلاة بزيادته سهوا لم تجب علي المأموم متابعته فيه، و لا تبطل الجماعة بذلك، أما لو زاد عمدا أو كان الزائد ركنا بطلت صلاة الإمام و جري حكم بطلانها علي المأموم حيث يتعين الانفراد أو تقديم إمام آخر، علي ما تقدم في الفصل الثاني في ما تنعقد به الجماعة.

(مسألة 439): إذا سها الإمام فنقص شيئا لا يضر نقصه سهوا وجب علي المأموم الإتيان به، و إذا التفت الإمام بعد ذلك فرجع لتدارك ما فاته لم يتابعه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 278

المأموم فيه.

(مسألة 440): إذا نسي الإمام القنوت فركع جاز للمأموم الإتيان به إذا لم يوجب فوات المتابعة عرفا، و إذا لم يأت به عمدا و ركع مع الإمام فذكر الإمام و تدارك القنوت بعد الركوع لم يشرع للمأموم متابعته فيه. نعم يجوز له الدعاء لا بعنوان القنوت.

(مسألة 441): إذا كان الإمام لا يري وجوب شي ء- كجلسة الاستراحة- و يري المأموم وجوبه فإن جاء به الإمام فلا إشكال، و إن لم يأت به وجب علي المأموم الإتيان به من دون أن يخلّ بالجماعة. نعم إذا كان من الأركان بنظر المأموم كانت صلاة الإمام باطلة بنظره فلا يشرع الائتمام بها.

(مسألة 442): إذا كان الإمام يري وجوب شي ء فأتي به و المأموم لا يري وجوبه فإن كان المأموم يري مشروعيته تابعه فيه، و إلا لم يجز له الإتيان به. لكن لا تبطل الجماعة، إلا أن يكون بنظر المأموم من الأركان التي تبطل الصلاة بزيادتها فتبطل الجماعة.

(مسألة 443): إذا حضر

الجماعة و لم يدر أن الإمام في الركعتين الأوليين أو الأخيرتين جاز له أن يقرأ الفاتحة و السورة برجاء الجزئية فإن تبيّن كونه في الأخيرتين وقعت القراءة في محلها، و إن تبين كونه في الأوليين لم يضر.

(مسألة 444): إذا شرع المقيم في الإقامة يكره لمن يريد الدخول في تلك الصلاة الشروع في النافلة، و إن علم أنه يدرك الجماعة في الركعة الأولي أو غيرها. بل لو كان قد شرع في النافلة قبل ذلك جاز له قطعها، بل يستحب من أجل استحباب الدخول في الجماعة.

(مسألة 445): إذا كان في الفريضة الثلاثية أو الرباعية و أقيمت الجماعة و خشي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 279

من إتمامها عدم إدراك الجماعة في الركعة الأولي منها استحبّ له العدول بها إلي النافلة و إتمامها ركعتين. هذا و يجوز قطع الفريضة لإدراك الجماعة بل يستحب من أجل استحباب إدراك الجماعة.

(مسألة 446): إذا شك المأموم في عدد الركعات كان له الرجوع للإمام إذا كان حافظا، و لو بأن يكون ظانا، و كذا يرجع الإمام للمأموم إذا كان حافظا. و إن تعدد المأمومون فلا بد في رجوع الإمام لهم من اتفاقهم.

و أما إذا اختلف الإمام و المأموم بأن كان أحدهما متيقّنا أو ظانا علي خلاف يقين الآخر أو ظنه فاللازم عمل كلّ منهما علي مقتضي يقينه أو ظنه.

(مسألة 447): إذا شك الإمام أو المأموم في فعل من أفعال الصلاة كالركوع أو السجود قبل التجاوز عنه و الدخول في غيره فالأظهر رجوع أحدهما للآخر.

(مسألة 448): إذا شك المأموم بعد السجدة الثانية للإمام في أنه سجد معه السجدتين أو واحدة بني علي أنه سجد معه السجدتين، و كذا الحال في كل فعل يحتمل عدم

متابعته فيه للإمام فإنّه يبني علي إتيانه به و متابعته فيه. نعم ما لا يجب المتابعة فيه- كالأقوال- لا يبني علي أنه أتي به، إلا أن يكون كثير الشك أو يرجع شكه للوسواس.

(مسألة 449): إذا شكّ المأموم في الوقت أو القبلة لا يجوز له التعويل علي الإمام و الدخول معه في الصلاة. و كذا لو شكّ في القبلة إلا أن يثق بمعرفة الإمام لها بحيث يتحقق بالرجوع إليه التحرّي الذي هو حجة في القبلة.

(مسألة 450): اختلاف الإمام و المأموم في القبلة إذا لم يكن فاحشا لا يمنع من انعقاد الجماعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 280

المقصد السابع في الخلل

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في حكم الزيادة و النقيصة

من ترك شيئا من أجزاء الصلاة و شرائطها عمدا بطلت صلاته، و لو كان ذلك الشي ء حرفا أو حركة من القراءة أو الذكر، و كذا من زاد شيئا من أجزائها عمدا، سواء كان ذلك الجزء من سنخ أجزاء الصلاة كالتكبير و الركوع أم من غير سنخها، كما لو رفع يده بقصد الجزئية.

(مسألة 451): لا تتحقق الزيادة إلا بالإتيان بالشي ء بقصد الجزئية، فإن فعل شيئا لا بقصد ذلك، كما لو حرّك يده أو حكّ جسده أو قرأ القرآن أو سبّح أو صفّق للتنبيه أو غير ذلك لم تبطل صلاته. نعم لا يعتبر ذلك في السجود، فمن سجد لا بقصد الجزئية من الصلاة، بل بداع آخر- كما في سجود التلاوة أو الشكر- بطلت صلاته. و كذا الحال في الركوع علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 452): من زاد جزء سهوا أو جهلا لم تبطل صلاته إلا أن يكون الزائد ركوعا، أو سجدتين في ركعة، و أما من أنقص جزء سهوا أو جهلا فيظهر حكمه مما تقدم عند التعرض لكل جزء من أجزاء الصلاة، و أما الطهارة من الحدث ففوتها يوجب بطلان الصلاة مطلقا، و أما غيرها من الشروط فيظهر حاله مما تقدم التعرض له عند كل شرط شرط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 281

الفصل الثاني في الشك

اشارة

و المراد به ما يخالف اليقين سواء تساوي فيه طرفا الاحتمال أم ترجح أحدهما فكان مظنونا و الآخر موهوما.

نعم لا بدّ من عدم بلوغه مرتبة الوسواس الذي يخرج به الإنسان عن الوضع العقلائي فيري الواقع بعقله و لا يطمئن له بقلبه، بل يبقي قلقا مضطربا، و مثل هذا لا يعتني به في الصلاة و في جميع الأمور، بل ينبغي للإنسان مكافحة هذه الحالة بإهمالها و

عدم الاهتمام بها ليستعيد شخصيته و ثقته بنفسه. إذا عرفت هذا فيقع الكلام في مقامين.

المقام الأول في الشك في الصلاة و أفعالها

(مسألة 453): من شك في أنه صلّي أو لا، فإن كان بعد خروج الوقت بني علي أنه صلّي و إن كان قبل خروجه أتي بها. نعم في المترتّبتين- كالظهر و العصر، و المغرب و العشاء- إن شك في الإتيان بالسابقة بعد الفراغ من اللاحقة لم يعتن بالشك المذكور و بني علي الإتيان بها. و أما إذا شك في الإتيان بالسابقة في أثناء اللاحقة و قبل الفراغ منها فالأحوط وجوبا الاعتناء بالشك فيعدل للسابقة مع بقاء محل العدول، علي ما تقدم توضيحه في مباحث أوقات الصلاة.

(مسألة 454): المراد بالشك في المقام و غيره ما يعمّ الظن بالوجود و الظن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 282

بالعدم.

(مسألة 455): كثير الشك يعتني بشكه في المقام إذا لم يرجع شكه للوسواس.

(مسألة 456): إذا شكّ في بقاء الوقت بني علي بقائه.

(مسألة 457): إذا شكّ في صحة الصلاة بعد الفراغ منها بني علي الصحة.

(مسألة 458): من شكّ في فعل من أفعال الصلاة و قد دخل في ما بعده بني علي الإتيان به و مضي في صلاته، كمن شكّ في الأذان و هو في الإقامة أو في الإقامة و هو في الصلاة، أو في تكبيرة الإحرام و هو في القراءة إلي غير ذلك مما تقدم تفصيله عند الكلام في كل جزء جزء.

(مسألة 459): إذا أتي بالجزء و شكّ في صحته بعد الفراغ منه بني علي صحته و إن لم يدخل في ما بعده، كمن كبّر للإحرام ثم شكّ في صحة التكبير قبل الدخول في القراءة، أو قرأ ثم شكّ في صحة القراءة قبل القنوت أو قبل الركوع،

أو أتي بذكر الركوع أو السجود ثم شكّ في صحته قبل رفع الرأس منهما إلي غير ذلك، فإنّه يبني علي صحة ما وقع. و أما إذا شكّ في صحة الجزء و هو مشتغل به قبل الفراغ منه، فاللازم عليه الإعادة.

(مسألة 460): إذا أتي بالمشكوك في المحل ثم تبيّن أنه قد فعله أولا لم تبطل صلاته إلا إذا كان الجزء مما تبطل الصلاة بزيادته عمدا و سهوا و هو الركوع و السجدتان من ركعة واحدة.

(مسألة 461): من كثر عليه الشكّ في فعل من أفعال الصلاة قبل الدخول في ما بعده، فإن أدرك أن أحد طرفي الشكّ من الشيطان لم يعتن به و جري علي الطرف الآخر، كما هو الغالب فيما إذا كثر عليه الظن بأحد الطرفين، حيث يكون المرتكز غالبا أنّ الاحتمال الآخر الموهوم من الشيطان، و إن لم يدرك أن أحد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 283

الطرفين بخصوصه من الشيطان فالأحوط وجوبا له البناء علي الأكثر ما لم يكن مبطلا، فيبني علي الأقل حينئذ. فمن شكّ في أنه سجد أو تشهد أو لا، يبني علي فعلهما.

نعم إذا أمكن الإتيان بالمشكوك برجاء الجزئية من دون أن يستلزم الزيادة المبطلة كان له الإتيان به احتياطا، كما في التشهّد دون مثل السجود و أمّا من كثر عليه الشكّ في الفعل، و قد دخل في ما بعده فإنّه لا يعتني بالشكّ مطلقا و يبني علي تحقق الفعل المذكور ما لم يكن مبطلا.

(مسألة 462): من كثر عليه الشكّ في شروط الصلاة لم يعتن بشكّه و إن كان ذلك قبل الفراغ من الصلاة. نعم من كثر عليه الشكّ في الشرط- كالطهارة- قبل الصلاة يعتني بشكّه و يبني علي عدم حصول

الشرط ما لم يبلغ مرتبة الوسواس.

(مسألة 463): المرجع في كثرة الشكّ إلي العرف. نعم إذا كان يشكّ في كل ثلاث صلوات فهو ممن كثر عليه الشكّ، و قد تصدق كثرة الشكّ بأقل من ذلك.

(مسألة 464): لا بد في جريان حكم كثير الشكّ من أن يستند للشيطان لا إلي أسباب خارجية من مرض أو خوف أو قلق أو نحو ذلك مما يوجب اضطراب الذهن.

(مسألة 465): إذا كثر عليه الشكّ في فعل خاص- كالشكّ في السجدة و السجدتين- أو في حال خاص- كالصلاة فرادي- و كان شكّه في غير ذلك علي المتعارف لا كثرة فيه اختص حكم كثير الشكّ بذلك الحال، أما في غيره فيجري حكم الشكّ المتعارف.

(مسألة 466): إذا لم يعتن بالشكّ ثم تبين أنّه قد نقص في صلاته جري عليه حكم النقيصة سهوا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 284

المقام الثاني في الشكّ في الركعات

من شكّ أثناء الصلاة في عدد الركعات فإن تيسّر له الظن بأحد طرفي الشكّ- و لو بعد التروّي- أخذ به و عمل عليه. و إن لم يتيسر له الظن، فإن كانت الصلاة ثنائية أو ثلاثية فليس له المضي في الصلاة، بل يستأنف. و إن كانت رباعية فإن أحرز الركعة الثانية بإتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية من الركعة المرددة بين الثانية و الثالثة أمكن تصحيح الصلاة في صور خمس:

الاولي: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال الذكر الواجب من السجدة الثانية. و حكمه البناء علي الثلاث و الإتيان بالرابعة، فإذا سلّم صلّي صلاة الاحتياط يتدارك بها النقص المحتمل، و الأحوط وجوبا في كيفيتها أن يصلي ركعة من قيام بفاتحة الكتاب إخفاتا، ثم يسلّم.

الثانية: الشكّ بين الثلاث و الأربع في أي موضع كان، و حكمه البناء

علي الأربع، فإذا سلّم صلّي صلاة الاحتياط- و هي ركعة من قيام، كما تقدم في الصورة الأولي- أو ركعتين من جلوس بفاتحة الكتاب، و الأحوط استحبابا اختيار الركعتين من جلوس.

الثالثة: الشكّ بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال الذكر الواجب من السجدة الأخيرة. و حكمه البناء علي الأربع، فإذا سلّم صلّي صلاة الاحتياط، و هي ركعتان من قيام بفاتحة الكتاب إخفاتا.

الرابعة: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إكمال الذكر الواجب من السجدة الأخيرة. و حكمه البناء علي الأربع، فإذا سلّم صلّي صلاة الاحتياط،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 285

و هي ركعتان من قيام و ركعتان من جلوس. و يتعين تقديم الركعتين من قيام.

الخامسة: الشكّ بين الأربع و الخمس بعد ذكر السجدة الأخيرة. و حكمه البناء علي الأربع فإذا سلّم سجد سجدتي السهو.

و أما بقية الصورة المذكورة في كلمات الفقهاء و غيرها فالظاهر الحكم فيها بعدم جواز المضي في الصلاة، بل يتعين الاستئناف.

(مسألة 467): من كانت وظيفته الصلاة من جلوس يتعيّن عليه صلاة الاحتياط علي نحو يتمّ بها النقص الفائت. ففي الصورتين الأوليين يتعين عليه ركعة من جلوس، و في الثالثة يتعين عليه ركعتان من جلوس، و في الرابعة يتعين عليه ركعتان من جلوس، ثم ركعة من جلوس.

(مسألة 468): تقدم أنه لا بدّ في إمكان تصحيح الصلاة مع الشكّ في الرباعية من إحراز تمام الركعتين بالفراغ من الذكر الواجب في السجدة الثانية.

و علي ذلك لو شكّ في أنه هل أتي بالسجدة الثانية أو لا، فإن كان مع مضي محل السجدة و الدخول في ما بعدها كالتشهد أو القيام بني علي الإتيان بها، و كان له تصحيح الصلاة و القيام بوظيفة الشكّ، و إلا بني

علي عدمها و عدم إحراز الركعتين و استئناف الصلاة.

(مسألة 469): إذا تردّد في أن الحاصل له ظنّ أو شكّ- كما قد يتفق عند اضطراب النفس- جري عليه حكم الشّك.

(مسألة 470): إذا حصل له السكّ و قام بوظيفته و قبل الفراغ من الصلاة تبدّل باليقين أو بالظن ترك وظيفة الشكّ و عمل بيقينه أو ظنه. و إذا حصل له الظن و جري عليه ثمّ قبل الفراغ من الصلاة ارتفع الظن و صار شكا عمل بوظيفة الشك الفعلية. مثلا إذا تردد بين الواحدة و الاثنتين و ظن بالاثنتين و عمل بظنّه و مضي في صلاته حتي إذا جاء بركعة ذهب ظنّه و بقي شاكّا جري عليه حكم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 286

الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و حينئذ فإن كان ذلك قبل الفراغ من الذكر الواجب في السجدة الثانية فليس له المضي في الصلاة، بل يستأنف، و إن كان بعده كان له تصحيح الصلاة بالبناء علي الثلاث، كما تقدم في الصورة الأولي.

(مسألة 471): إذا ظن بالركعات و جري علي ظنّه حتي فرغ من الصلاة ثم ارتفع ظنه و صار شكّا لم يعتن بالشكّ و بني علي صحة عمله.

(مسألة 472): إذا شكّ و بني علي الأكثر، و بعد الفراغ من الصلاة قبل الإتيان بصلاة الاحتياط تبدل شكّه بالظن فله صور:

الاولي: أن يظنّ بالأكثر الذي بني عليه، كما لو كان شكّه بين الثلاث و الأربع فظنّ بعد الفراغ، بالأربع. و الأحوط وجوبا الإتيان حينئذ بصلاة الاحتياط التي هي مقتضي وظيفة الشكّ السابق.

الثانية: أن يظنّ بنقص صلاته بالمقدار الذي تتداركه صلاة الاحتياط، كما لو ظنّ في الفرض السابق بالثلاث، و الأحوط وجوبا حينئذ أن لا ينوي بصلاة الاحتياط

الصلاة المستقلة، بل الأعم منها و من الركعة المتممة لصلاته السابقة، و لا يكبّر لها بنيّة الافتتاح جزما، بل برجاء الافتتاح و الجزئية.

الثالثة: أن يظنّ بنقص صلاته بالمقدار الذي لا تتداركه صلاة الاحتياط، كما لو كان شكّه بين الاثنتين و الأربع، فبني علي الأربع، و بعد الفراغ ظنّ بالثلاث، فالأحوط وجوبا الاستئناف بعد فعل المبطل و عدم الاعتداد بصلاته.

(مسألة 473): إذا شكّ و بني علي الأكثر و بعد الفراغ من صلاته قبل الإتيان بصلاة الاحتياط تيقن بتمامية صلاته اجتزأ بها و لم يحتج لصلاة الاحتياط، و إن تيقن بنقص صلاته جري عليه حكم من سلّم علي النقص و لا يحتاج لصلاة الاحتياط.

(مسألة 474): لو تبيّن في أثناء صلاة الاحتياط تمامية صلاته انكشف أن صلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 287

الاحتياط نافلة فله قطعها، أما لو تبيّن نقص صلاته كان عليه إتمام صلاة الاحتياط و أجزأته.

(مسألة 475): الظاهر عدم وجوب علاج الشكّ بالوجوه المتقدمة، بل يجوز قطع الصلاة بفعل المبطل و استئنافها، لكن لو مضي في صلاته علي طبق الوظيفة حتي سلّم فالأحوط وجوبا عدم ترك صلاة الاحتياط و عدم إعادة الصلاة بدلا عنها.

(مسألة 476): يجب في صلاة الاحتياط ما يجب في الصلاة من الأجزاء و الشروط، و يجب فيها التشهد و التسليم، و يقتصر في قراءتها علي الفاتحة، و لا يشرع فيها سورة، إلا أن يؤتي بها من دون قصد الجزئية.

(مسألة 477): الأحوط وجوبا عدم تخلل المنافي بينها و بين الصلاة. و لو تخلل فالأحوط وجوبا الإتيان بها ثم إعادة الصلاة. نعم لو كان مما لا تبطل الصلاة به سهوا فمع الإتيان به سهوا يجتزأ بصلاة الاحتياط.

(مسألة 478): الأحوط وجوبا الموالاة بين الصلاة الأصلية

و صلاة الاحتياط بالنحو المعتبر في الصلاة.

(مسألة 479): يجري في صلاة الاحتياط ما يجري في سائر الفرائض من أحكام السهو في الزيادة و النقيصة، و الشكّ في الجزء قبل الدخول في ما بعده، و بعد الدخول في ما بعده و غير ذلك. نعم إذا شكّ في عدد ركعاتها فالظاهر أنه يتخيّر بين البناء علي الأقل و البناء علي الأكثر، و إن كان الأحوط استحبابا الثاني.

(مسألة 480): إذا شكّ في الإتيان بصلاة الاحتياط بني علي العدم، إلا أن يخرج الوقت، مع إمكان إيقاعها فيه لسعته، أو يتحقق منه الفراغ عن الصلاة لا بمجرد السّلام الذي يكون قبل صلاة الاحتياط، بل بترك الصلاة بعنوان إكمالها و إتمامها و تحقق امتثالها المفرغ لذمته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 288

(مسألة 481): إذا بطلت صلاة الاحتياط فالأحوط وجوبا إعادتها ثم إعادة الصلاة نظير ما تقدم في المسألة (477) عند الكلام في تخلل المنافي.

الفصل الثالث في قضاء الأجزاء المنسية

تقدم في مبحث السجود وجوب قضاء السجدة المنسية، كما تقدم في مبحث التشهد وجوب قضاء التشهد الأخير إذا ذكره المصلي بعد السّلام.

و الأحوط وجوبا قضاء بعض التشهد إذا نسيه. و لا يقضي غير ذلك من الأجزاء.

و أما التشهد الأول إذا نسيه أو نسي بعضه و ذكر بعد الركوع فيجزيه عنه سجود السهو.

(مسألة 482): يجب في القضاء جميع ما يعتبر في الجزء الصلاتي من الأجزاء و الشروط. و الأولي عدم الفصل بينه و بين الصلاة بالمنافي، بل هو الأحوط استحبابا، لكن الظاهر عدم بطلان الصلاة لو فصل به.

(مسألة 483): إذا شكّ في نسيان الجزء الذي يقضي بني علي عدمه، و لو علم به و شكّ في قضائه بني علي العدم إلا أن يخرج الوقت أو يتحقق منه

الفراغ عن الصلاة بالنحو المتقدم في المسألة (480).

(مسألة 484): إذا ذكر الجزء المنسي بعد خروج وقت الصلاة قضاه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 289

الفصل الرابع في سجود السهو

يجب سجود السهو لأمور:

الأول: الكلام قليلا كان أو كثيرا من دون فرق بين أن يتكلم ساهيا، و أن يتكلم عامدا بتخيّل أنه خارج عن الصلاة، كما لو سلّم في غير محل السّلام. نعم لا يجب بالكلام عامدا لتخيّل أن ما أتي به قرآن مثلا. كما لا يجب بسبق اللسان.

الثاني: نسيان التشهد الأول في الثلاثية و الرباعية، بل الأحوط وجوبا ثبوته بنسيان التشهد مطلقا.

الثالث: زيادة السّلام المخرج علي الأحوط وجوبا. بل هو الأظهر لو زاد معه التشهد المتصل به.

الرابع: الشكّ بين الأربع و الخمس بعد السجدتين.

الخامس: إذا أتي جالسا بما يشرع حال القيام، أو أتي قائما بما يشرع حال الجلوس، كما لو قرأ من وظيفته القيام حال الجلوس، أو تشهد حال القيام.

السادس: من قرأ بدل التسبيح أو سبّح بدل القراءة، كما لو سبّح في الركعتين الأوليين، أو قرأ حال الركوع و السجود بدل التسبيح.

السابع: ما إذا علم إجمالا بالزيادة أو النقيصة من دون أن يلزم البطلان.

و الأحوط استحبابا أن يلحق به ما إذا تردد الأمر بين الزيادة و النقيصة و العدم. بل الأحوط استحبابا الإتيان به لكل زيادة أو نقيصة غير مبطلة.

(مسألة 485): يستحب سجود السهو لمن شكّ بين الثلاث و الأربع و ظن بالأربع فبني عليها و سلّم.

(مسألة 486): الأحوط وجوبا المبادرة لسجود السهو بعد الصلاة، بحيث

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 290

لا يشتغل بشي ء آخر من كلام أو عمل أو نحوهما. نعم الأحوط وجوبا تأخيره عن صلاة الاحتياط. و الأولي تأخيره عن قضاء الأجزاء المنسية.

(مسألة 487): يجب عدم

فصل الكلام بينه و بين الصلاة. بل الأحوط وجوبا العموم لغير الكلام من منافيات الصلاة.

(مسألة 488): إذا لم يبادر لسجود السهو أو فصل بينه و بين الصلاة بالمنافي أو تركه رأسا لم تبطل الصلاة التي وجب تبعا لها.

(مسألة 489): إذا نسي سجود السهو ثم ذكره و هو في الصلاة لم يبعد وجوب قطعها و الإتيان به إذا كان إتمامها موجبا لفوت المبادرة العرفية. لكن لو أتمّها و لم يبادر إليه لم تبطل.

(مسألة 490): الظاهر تعدد سجود السهو بتعدد السبب الموجب له. لكن لا يجب الترتيب بين السجود حسب ترتيب أسبابه. بل لا يجب تعيين السبب المأتي به له.

(مسألة 491): ليس في سجود السهو تكبيرة الافتتاح، و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 492): سجود السهو سجدتان، و ليكونا متواليتين علي الأحوط وجوبا.

و يجب فيهما: (1) النية المعتبرة في العبادة، (2) و أن يكون السجود فيهما علي المساجد السبعة، (3) وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه في الصلاة، (4) و عدم علوّ موضع الجبهة. و الأحوط وجوبا التشهد بعدهما ثم التسليم. كما إن الأحوط استحبابا اشتراطهما بشروط الصلاة من الطهارة و الاستقبال و غيرهما علي ما تقدم عند الكلام في الشروط المذكورة.

(مسألة 493): الأحوط وجوبا في سجدتي السهو الذكر، لكن لا يجب فيهما ذكر معيّن، نعم يستحب أن يقول: «بسم اللّه و باللّه و صلّي اللّه علي محمد و آل محمد» أو «اللهم صل علي محمد و آل محمد» أو: «بسم اللّه و باللّه و السّلام عليك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 291

أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته» أو بحذف الواو في أول السّلام.

(مسألة 494): إذا شكّ في تحقق موجب سجود السهو بني علي العدم،

و إذا شكّ في عدده بني علي الأقل. و إذا علم بوجوبه و شكّ في الإتيان به فالأحوط وجوبا الإتيان به و إن طالت المدة.

(مسألة 495): إذا شكّ في أنه سجد سجدة أو سجدتين بني علي الأقل إلا مع تحقق الفراغ من العمل.

(مسألة 496): إذا شكّ بعد رفع الرأس من السجدة في أنه هل أتي بالذكر فيها أو لا، مضي و لم يعتن، و إذا علم بعدمه فالأحوط وجوبا إعادة السجدة.

(مسألة 497): لا يبطل سجود السهو بالزيادة فيه.

الفصل الخامس في الخلل في النافلة

(مسألة 498): تبطل النافلة بالنقيصة العمدية مطلقا، و كذا بالزيادة العمدية علي الأحوط وجوبا، كما تبطل بنقيصة الركن- و هو تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود- و الطهارة الحدثية و القبلة علي التفصيل المتقدم في مبحث القبلة سهوا. و لا تبطل بزيادة الركن سهوا.

(مسألة 499): لو نقص جزء غير ركني- كالقراءة- حتي فعل جزء ركنيا- كالركوع أو السجدتين- لم يشرع له المضي، بل لا بدّ له من الرجوع و تدارك الجزء غير الركني و إن استلزم زيادة الجزء الركني الذي فعله.

و يترتب علي ذلك أمران:

الأول: انّ من لم يقرأ في الركعة الأولي مثلا كانت الركعة الثانية هي الاولي له، و لزمه الإتيان بركعة بعدها.

الثاني: انّ السجود و التشهد المنسيين لا يقضيان، بل يتعين تداركهما و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 292

دخل في ركن بعدهما. نعم إذا لم يذكر حتي سلّم فالأحوط وجوبا الرجوع و التدارك ثم إتمام الصلاة حتي السّلام.

(مسألة 500): إذا شكّ في ركعات النافلة كان مخيّرا بين البناء علي الأقل و البناء علي الأكثر. و الأولي البناء علي الأقل. بل قيل إنه مستحب. كما أن الأحوط وجوبا العمل بالظن.

(مسألة 501): الأحوط وجوبا الاستئناف

إذا شكّ في عدد الركعات في صلاة الوتر.

(مسألة 502): إذا شكّ في النافلة في الجزء بعد الدخول في ما بعده مضي في صلاته، و أما إن شكّ فيه قبل الدخول في ما بعده فالأحوط وجوبا الإتيان به، كما تقدم في الفريضة.

(مسألة 503): لا يجب سجود السهو في النافلة، و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 504): تبطل النافلة بنقص ركعة، فإن أمكن التدارك قبل فعل المنافي تمت الصلاة و صحت، نظير ما تقدّم في الفريضة. و أما بطلانها بزيادة ركعة فلا يخلو عن إشكال، و إن كان هو الأحوط وجوبا.

(مسألة 505): النوافل التي لها كيفيات مخصوصة من حيثية السور أو أذكار أو غيرها يجوز للمكلف العدول في أثنائها عن الكيفية الخاصة إلي النافلة المطلقة. كما أنه لو نسي و خالف كيفيتها فإن ذكر قبل أن يأتي بما ينافيها كان له الرجوع و تدارك الكيفية الخاصة، كما لو نسي قراءة آية الغفيلة و قرأ سورة ثم ذكر قبل الركوع، فإن له قراءة الآية و إتمام الصلاة. و أما إذا ذكر بعد الإتيان بما ينافيها فلا يخلو التدارك عن إشكال، كما لو ذكر في الفرض السابق بعد الركوع، لأن الركوع يصح منه للنافلة المطلقة، و التدارك يستلزم زيادة الركوع عمدا، و قد سبق الاحتياط بمبطليته للنافلة. و من هنا يكون الأولي المضي في الصلاة بقصد النافلة المطلقة، أو قطعها ثم استئناف الصلاة الخاصة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 293

المقصد الثامن في صلاة المسافر

اشارة

تقصر الصلاة الرباعية في الخوف و السفر، أما قصرها في الخوف ففيه تفصيل و كلام لا مجال له في المقام بعد ندرة الابتلاء أو عدمه بذلك. و الكلام هنا في السفر.

و فيه فصول.

الفصل الأول في شروط السفر الموجب للقصر

و هي أمور:

الأول: المسافة و هي ثمانية فراسخ.

(مسألة 506): تكفي الثمانية الملفقة من أربعة فراسخ ذهابا و أربعة إيابا فما زاد إذا لم يفصل بينها بأحد القواطع الآتية. و لا يكفي الملفقة مما دون أحد الأمرين، كثلاثة ذهابا و خمسة إيابا أو العكس.

(مسألة 507): لا يشترط في وجوب القصر في المسافة الملفّقة قصد الرجوع ليومه، بل يجب القصر و لو مع المبيت في مقصده يوما أو أكثر ما لم يقصد البقاء عشرة أيام، حيث ينقطع حكم السفر كما يأتي.

(مسألة 508): الثمانية فراسخ تقارب الستة و الأربعين كيلومتر و يحسن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 294

الاحتياط في ما نقص عن ذلك قليلا أو زاد عليه قليلا.

(مسألة 509): تثبت المسافة بالعلم و بالبينة الشرعية- و هي شهادة العدلين-، و مع الشك في بلوغ السفر المسافة يجب التمام، لكن لو ظهر بلوغه المسافة في الوقت لزمت الإعادة قصرا، و لو ظهر بعد الوقت فالأحوط وجوبا القضاء قصرا.

(مسألة 510): إذا اعتقد بلوغ السفر المسافة فقصر الصلاة فظهر الخطأ وجبت عليه الإعادة في الوقت و القضاء خارجه، و كذا إذا اعتقد عدم بلوغ السفر المسافة فأتمّ ثم ظهر الخطأ فالأحوط وجوبا له الإعادة أو القضاء.

(مسألة 511): إذا كان للمقصد طريقان قريب لا يبلغ المسافة و بعيد يبلغها أتمّ إذا سلك القريب و قصر إذا سلك البعيد و إن لم يحتج لسلوكه. و إذا كان الذهاب من أحدهما و الرجوع من الآخر يبلغ ثمانية فراسخ فإن كان

في الطريق البعيد نقطة بينهما و بين بلده أربعة فراسخ في ذهابه منه و رجوعه إليه قصر، و إلا أتمّ.

(مسألة 512): السير في المسافة المستديرة حول البلد إن لم يصدق عليه السفر لقرب الطريق من البلد بحيث يكون من توابعه وجب التمام و كذا إذا لم يخرج عن حدّ الترخص الذي يأتي التعرّض له، و إن صدق عليه السفر لبعد الطريق من البلد وجب فيه القصر إذا بلغ مجموع الدائرة مع الخط الواصل بينها و بين البلد ثمانية فراسخ.

(مسألة 513): مبدأ حساب المسافة من مبدأ صدق السفر، و هو من المنزل فيما إذا كان منفردا في الصحراء، و من منتهي القرية، و من منتهي البلد.

(مسألة 514): البلدان الكبيرة التي تعارفت في عصورنا كثيرا علي قسمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 295

(الأول): ما يكون بعضه مرتبطا ببعض في الوضع المعاشي و الحياتي بحيث لا تستقل إحياؤه و محالّه بنفسها، بل يرتبط أحدها بالآخر أو ترتبط كلها بالمركز. و في هذا القسم يكون مبدأ حساب المسافة طرف البلد.

(الثاني): ما يستقل بعضه عن بعض، بحيث يستغني كلّ حي أو محلة بنفسه في وضعه المعاشي. و لا يحتاج بعضها الآخر إلا كما يحتاج أو تحتاجه المدن الأخري فهي- و إن تجاورت و شملها اسم واحد- كالمدن المتعددة، و ليس تقاربها إلا كتقارب القري أو المدن التي تتسع شيئا فشيئا حتي تتقارب أو تتصل. و مبدأ حساب المسافة في هذا القسم المحلة أو الحي الذي يسكنه المسافر. نعم إذا كان المسافر مرتبطا بأكثر من حي أو محلة، كان مبدأ الحساب له من منتهي أقرب الحيين أو الإحياء إلي جهة سفره. كالشخص الذي يبيت في حي و يعمل في آخر.

الثاني:

القصد إلي السفر في المسافة المتقدمة، فلا يكفي السفر من دون قصد كما لو ساروا به و هو مغمي عليه أو نائم، كما لا يكفي قصد السفر من دون قصد المسافة حتي لو تمادي به السير فبلغ المسافة من دون قصد لها. نعم إذا قصد الاستمرار بعد ذلك في السير بما يبلغ ثمانية فراسخ أو أربعة مع قصد الرجوع قصر. و كذا إذا قصد الرجوع و كان ثمانية فراسخ قصر فيه.

(مسألة 515): يكفي في التقصير قصد الموضع الذي يبلغ المسافة و إن لم يعلم ببلوغه لها، بل و إن اعتقد عدم بلوغه خطأ، كما لا يكفي في التقصير قصد السفر لما يعتقد بلوغه المسافة إذا لم يبلغها في الواقع.

(مسألة 516): يكفي قصد المسافة إجمالا، كما إذا قصد أحد بلدين كل منهما يبلغ المسافة، أو قصد السير أربعة فراسخ مع تردّده بين أن يرجع أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 296

يستمر في السير ثمانية فراسخ ثم ينوي الإقامة في المقصد.

(مسألة 517): إذا خرج إلي ما دون أربعة فراسخ و هو يريد التجاوز عنها معلّقا علي أمر غير معلوم الحصول- كتحصيل نفقة له أو رفيق في طريقه، أو توثق علي من خلّف من أهله- لم يقصر إلا أن يحصل له ذلك و يتجدد منه العزم فعلا علي السفر المسافة المذكورة، و حينئذ يكون مبدأ المسافة من حين تجدّد العزم الفعلي.

(مسألة 518): يكفي في قصد السفر للمسافة المذكورة العزم علي ذلك لوجود المقتضي و عدم العلم بالمانع، و لا يضر احتمال عروض المانع.

(مسألة 519): لا يشترط قصد المسافة استقلالا، بل يكفي قصدها تبعا للغير، كما في قصد الزوجة تبعا لزوجها و العيال تبعا لمعيلهم و الأجير تبعا

للمستأجر و الأسير تبعا للآسر و نحوهم.

نعم لا بدّ من أمرين:

(أحدهما): العزم علي عدم مفارقة المتبوع، فمع عدم العزم المذكور و احتمال مفارقته لا يتحقق القصد التبعي و يتعين الإتمام.

(ثانيهما): العلم بقصد المتبوع للمسافة، أما مع الجهل بقصده المسافة فلا يتحقق القصد التبعي، و يتعين الإتمام. و لا يجب علي التابع الفحص، و لا علي المتبوع الإخبار لو سأله التابع. نعم إذا تجدد له العزم علي عدم مفارقة المتبوع أو العلم بقصد المتبوع قصّر إذا تحقق منه قصد المسافة الامتدادية أو الملفّقة، علي نحو ما تقدم عند الكلام في اعتبار قصد المسافة.

الثالث: استمرار القصد للسفر في المسافة المذكورة، فلو عدل قبل بلوغ أربعة فراسخ فبني علي الرجوع أو تردد في الاستمرار أتمّ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 297

(مسألة 520): إذا صلّي قصرا أو تناول المفطر ثم تردد في الاستمرار في السفر أو عدل عن السفر قبل بلوغ المسافة فالأحوط وجوبا له إعادة الصلاة في الوقت و قضاؤها خارج الوقت. و وجب عليه الإمساك بقيّة اليوم و قضاؤه.

(مسألة 521): إذا كان عدوله أو تردده بعد بلوغ أربعة فراسخ و كان عازما علي العود قبل إقامة عشرة أيام لم يجب عليه إعادة صلاته و لا الإمساك عن المفطرات في بقيّة يومه، بل يبقي علي القصر و الإفطار إلي أن يعود إلي منزله.

و إذا كان عدوله أو تردده بعد بلوغ ثمانية فراسخ فاللازم عليه القصر و الإفطار و إن لم يعزم علي العود إلا أن ينوي إقامة عشرة أيام.

(مسألة 522): يكفي في استمرار القصد للسفر البقاء علي نيّة السفر و لو مع تبدل المقصد قبل بلوغ المسافة، كما إذا قصد السفر إلي مكان و قبل بلوغ المسافة

عدل إلي مكان آخر. لكن لا بدّ من كون ما بقي من السفر بضميمة ما حصل منه متمما للمسافة.

(مسألة 523): إذا تردد أو عدل عن السفر قبل بلوغ أربعة فراسخ ثم عاد لنية السفر قبل قطع شي ء من المسافة رجع إلي القصر. و إن قطع شيئا من المسافة حال التردد أو العدول، ثم رجع إلي نيّة السفر فالظاهر وجوب التمام عليه. إلا أن يشرع في سفر جديد قاصدا ثمانية فراسخ أو قاصدا أربعة و هو ينوي الرجوع فيتم حينئذ.

الرابع: أن لا يكون ناويا في أول السفر المرور بالوطن أو ما يلحق به أو إقامة عشرة أيام قبل بلوغ المسافة أو يكون مترددا في ذلك. فإنّه لا يعتد بالسفر المذكور، فلا يكون مسوّغا للقصر، و لا يكون التلفيق منه. فلا يقصر لا في الطريق و لا في محل الإقامة و لا في الرجوع، إلا أن ينوي سفرا جديدا بالمسافة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 298

المتقدمة.

(مسألة 524): إذا عزم في أثناء السفر المرور بالوطن أو الإقامة، ثم عدل عن ذلك جري فيه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 525): يكفي في وجوب القصر العزم علي المرور بالوطن و عدم نيّة الإقامة و إن احتمل عروض ما يلزمه بأحد الأمرين، نظير ما تقدم في المسألة (518).

الخامس: أن يكون السفر مباحا، فلو كان محرّما بنفسه- كسفر العبد الآبق و سفر الزوجة بدون إذن الزوج- أو بغايته- كالسفر لقتل نفس محترمة أو للسرقة- لم يوجب القصر، بل يجب فيه التمام.

(مسألة 526): إذا كان السفر لغاية محرّمة- كالسرقة- وجب التمام و إن لم تترتب الغاية، فعدم ترتبها لا يكشف عن وجوب القصر في ذلك السفر.

(مسألة 527): لا يمنع من وجوب القصر

ترتب الحرام علي السفر- كايذاء المؤمن- إذا لم يكن مقصودا منه و لا غاية له. نعم إذا علم بأنه يضطر للحرام بسبب السفر بحيث لولا السفر لم يفعله وجب التمام و إن لم يكن الحرام- بالوجه المذكور- هو الغاية من السفر.

(مسألة 528): إذا كان السفر مباحا في الواقع و اعتقد المكلف حرمته خطأ، فالواجب القصر كما لو سافر للإضرار بمن يحل الإضرار به واقعا و هو يعتقد حرمة الإضرار به، و حينئذ لو صلي قصرا و تيسّر له قصد القربة صحت صلاته، أما لو صلّي تماما فالأحوط وجوبا له الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه.

(مسألة 529): إذا كان السفر حراما في الواقع و كان المكلّف جاهلا بحرمته معذورا في جهله فالظاهر وجوب القصر عليه. أمّا لو لم يكن معذورا في جهله

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 299

فالأمر لا يخلو عن إشكال و الأحوط وجوبا الجمع بين القصر و التمام، فلو فعل أحدهما كان عليه الاحتياط بضم الآخر.

(مسألة 530): إذا كان السفر مستلزما لترك أداء الواجب في بلده، فإن كان الغرض منه الفرار عن الواجب وجب التمام. و كذا إذا لم يكن الغرض منه ذلك لكن كان بحيث يؤدي الواجب لولا السفر، علي الأحوط وجوبا. أما إذا لم يكن في مقام أداء الواجب سافر أو لم يسافر فالظاهر وجوب القصر.

(مسألة 531): إذا سافر المكلف سفرا مباحا في نفسه إلا أنه ركب علي الدابة المغصوبة أو في السيارة المغصوبة أو نحوهما فإن كان بقصد الفرار بالمغصوب و سلبه وجب عليه الإتمام. و إلا وجب القصر.

(مسألة 532): إذا كان السفر مضرا بالنفس أو الغير ضررا يحرم إيقاعه وجب الإتمام فيه.

(مسألة 533): التابع للجائر في منصبه يتمّ

في سفره الذي يكون من شؤون تبعيّته له سواء كان مرسلا من قبله أم مشيّعا له أم غير ذلك. نعم إذا كان مكرها في تبعيته له أو كان غرضه منها دفع مظلمة عن نفسه أو عن المؤمنين أو نفعهم من دون أن يلزم منها ظلم المؤمن قصر.

(مسألة 534): التابع للجائر بشخصه لا بمنصبه يقصر في سفره إلا أن يستلزم ترويجا لباطل، أو ضررا علي مؤمن أو نحوهما من العناوين المحرمة.

(مسألة 535): السفر لصيد البر و البحر إن كان للقوت أو التجارة كان حلالا و وجب فيه التقصير و الإفطار، و إن كان للّهو كان حراما و وجب فيه الإتمام و الصيام. و أما نفس الصيد فالظاهر أنه حلال مطلقا.

(مسألة 536): إذا سافر لغايتين محلّلة و محرّمة- كما لو سافر للتجارة-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 300

و للإضرار بمؤمن- وجب عليه الإتمام، نعم لو لم تكن الجهة المحرمة غاية للسفر، بل مما قد تتفق فيه من دون أن تكون مقصودة منه وجب القصر.

(مسألة 537): إذا كان السفر محرما بنفسه لا بلحاظ غايته- كالسفر تبعا للجائر، و السفر المضرّ بالبدن- فاللازم التمام فيه و إن كان إيقاعه بداعي غاية محلّلة.

(مسألة 538): إذا اختلف السفر الواحد فكان بعضه حلالا و بعضه حراما وجب التقصير في القسم الحلال و الإتمام في القسم الحرام، و لا يتوقف التقصير في القسم الحلال إلي نيّة قطع مسافة تامة جديدة كما إن الإتمام في القسم الحرام إنما يتوقف علي السير و قطع المسافة إذا كان العنوان المحرم يتوقف عليه كالسفر لتشييع الجائر.

أما إذا كان العنوان المحرم منطبقا علي السفر ببقائه و لو مع عدم قطع المسافة فلا يحتاج وجوب الإتمام للسير و

قطع المسافة. فمن سافر لغاية محللة، ثم بدا له التوقف في مكان لقطع الطريق أو التحق بركب الجائر وجب عليه التمام و إن لم يقطع مسافة.

(مسألة 539): الراجع من سفر المعصية إن عدّ رجوعه من توابع سفر المعصية وجب عليه الإتمام حال الرجوع. و إلا فالأحوط وجوبا له الجمع بين القصر و التمام كما لو اختار طريقا خاصا في الرجوع لداع محلّل. و أما لو لم يعدّ الرجوع من توابع سفر المعصية فالواجب فيه القصر، كما لو رجع علي طريق بعيد لغرض محلّل، أو فصل بين الذهاب و الرجوع بالمكث مدة معتدا بها بنحو لا يتعارف في سفر الذهاب.

السادس: أن لا يكون السفر كثيرا من المكلف بمقتضي طبيعة حياته

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 301

و عمله، فيجب التمام في السفر الذي يتكثر من المكلف و يتعارف بمقتضي وضعه الحياتي و العملي، سواء كان عمله السفر- كالمكاري و الملاح و سائق السيارة- أم كان عمله في السفر- كالجابي الذي يدور في جبايته، و التاجر الذي يدور في تجارته و الصانع الذي يدور في صنعته- أم توقف عمله علي تكرر السفر- كالحطاب الذي تعوّد الخروج لاحتطاب الحطب و بيعه في البلد، و من ابتني عمله علي جلب البضاعة في فترات متقاربة و بيعها في بلده- أم كان له غرض في تكرر السفر في فترات متقاربة للزيارة أو العلاج أو الدرس أو غيرها.

(مسألة 540): إذا كان كثير السفر لما دون المسافة، وجب عليه القصر إذا اتفق له السفر إلي المسافة.

(مسألة 541): إذا كان كثير السفر لجهة معينة فاتفق له السفر لغيرها، فإن كان السفر الطاري من سنخ السفر الذي تعوّده بحيث يكون مقتضي طبيعة حياته و عمله

مثله وجب عليه التمام في السفر المذكور، كالسائق علي خط خاص يستأجر لخط آخر، و جالب البضاعة من مكان معين يحتاج لجلبه من مكان آخر و نحوهما.

و إن كان السفر الطاري أجنبيا عن السفر الذي تعوّده، بحيث يخرج عن مقتضي طبيعة حياته و عمله وجب عليه القصر، كالسائق و الملاح و نحوهما إذا سافرا لزيارة إمام أو صديق أو لعلاج أو غيره، و منه ما إذا ترك السائق سيارته في سفره، و رجع إلي أهله، إلا أن يتعوّد ذلك و يكثر منه.

(مسألة 542): من كان كثرة السفر مقتضي عمله كالتاجر الذي يدور في تجارته و الملاح يكفي في إتمامه اتخاذ العمل المذكور فيتمّ في السفرة الأولي بلا حاجة لتكرار السفر. أما من كان كثرة سفره لداع خاص يقتضي كثرة السفر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 302

فاللازم مضي مدّة معتدّ بها يصدق فيها أنّ السفر مقتضي طبيعة حياته. و الأحوط وجوبا الجمع بين القصر و التمام من حين حدوث الداعي المذكور إلي مضي المدة المذكورة.

(مسألة 543): إذا كان كثير السفر بالوجه المتقدم في فترة معينة من السنة اختص التمام عليه بتلك المدة، كالذي يسوق بالأجرة في بعض المواسم أو يجلب الخضر في فصل الصيف. نعم لا بدّ من كون المدة معتدّا بها عرفا بحيث يصدق عرفا أن ذلك مقتضي وضعه الطبيعي بلحاظ حياته و عمله.

(مسألة 544): لا بدّ في صدق كثرة السفر بالوجه المتقدم من البناء علي مزاولة السفر مرة بعد اخري، و لا يكفي المرة و المرتان و إن طالت مدة السفر.

و الظاهر صدقه في السفر الطويل مع تقارب مدة السفر مع مدة الحضر فضلا عما إذا زادت مدة السفر.

و أما في السفر القصير

فالظاهر صدقه مع تقارب عدد أيام السفر مع عدد أيام الحضر، فضلا عما إذا زادت أيام السفر. و أما مع زيادة أيام الحضر بقدر معتدّ به- كما في من يسافر في الأسبوع مرّتين- فالظاهر وجوب القصر.

(مسألة 545): من كان كثير السفر بالوجه المتقدم إذا أقام في بلده أو في البلد الذي يدخله عشرة أيام قصر و أفطر في السفرة الأولي، سواء كانت العشرة منويّة من أول الأمر أم لا.

(مسألة 546): السائح في الأرض الذي لم يتخذ له وطنا منها يتمّ في سياحته.

(مسألة 547): من خرج معرضا عن وطنه عازما علي التوطن في غيره يقصر في الطريق. و إن كان عازما علي عدم التوطن في غيره و عدم اتخاذ مقر له،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 303

بل يبقي متجولا في الأرض يتمّ. و كذا إذا كان مترددا في ذلك. و إن كان الأحوط استحبابا له الجمع بين القصر و التمام إلي أن تطول عليه المدة فيتمّ.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 303

السابع: أن يصل إلي حدّ الترخص، و يعرف بأحد أمرين: (أولهما): أن يتواري عن البيوت، بحيث يخفي شخصه علي أهلها لبعده عنهم، و يعلم ذلك بأن يبعد بحيث يخفي عليه من كان واقفا أو ماشيا عندها (ثانيهما): أن يبعد بحيث لا يسمع أذان أهل البلد. و لو اختلفا فاللازم الاحتياط.

(مسألة 548): المدار في السماع علي المتعارف من حيث السامع و الصوت المسموع و موانع السمع. و مع اختلاف المتعارف يلزم الاحتياط و لا عبرة بالسماع بسبب مكبر الصوت أو بسبب سمّاعة لاقطة

له. كما إن المدار في التواري علي ما يستند للبعد دون ما يستند للمخاطب الخارجي. و كذا علي المتعارف في النظر المجرد.

(مسألة 549): الوصول إلي حدّ الترخص مبدأ التقصير عند خروج المسافر من بلده، و منتهي التقصير عند رجوعه لبلده.

(مسألة 550): الأحوط وجوبا عدم التقصير عند الخروج من محل الإقامة أو المكان الذي يبقي فيه ثلاثين يوما إلا بعد الوصول إلي حدّ الترخص، و إذا أراد الصلاة قبله جمع بين القصر و التمام. و أما عند إرادة الدخول لمكان يريد المقام فيه عشرة أيام فلا يكفي في التمام الوصول إلي حدّ الترخص، بل لا بدّ من الوصول إلي مكان الإقامة بنفسه.

(مسألة 551): إذا شكّ في الوصول إلي حدّ الترخص للشك في مقدار المسافة التي قطعها بني علي عدمه، فيبقي علي التمام في الذهاب و علي القصر في الإياب. إلا أن يعلم إجمالا ببطلان إحدي الصلاتين، فيجب الاحتياط. و أما إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 304

كان الشك في تحقق العلامتين السابقتين مع العلم بمقدار المسافة التي قطعها فاللازم الاحتياط.

(مسألة 552): إذا اعتقد الوصول إلي الحدّ عند الخروج فصلي قصرا أو عند الرجوع فصلي تماما ثم تبيّن الخطأ وجب التدارك بالإعادة أو القضاء، كما لو لم يصلّ أصلا.

الفصل الثاني في قواطع السفر

و هي أمور.

الأول: المرور بالوطن. و المراد به المكان الذي يتّخذه الإنسان مقرّا له علي الدوام لو خلّي و نفسه، بحيث يعزم علي البقاء فيه و عدم الخروج منه إلا لسبب طارئ. سواء كان مسقط رأسه أم استجده. و يكفي فيه التبعية للغير كالزوج و الأب و نحوهما، فوطن المتبوع وطن للتابع ما لم يعرض عنه و يخرج منه.

(مسألة 553): يكفي في الوطن المستجد السكني فيه بالنيّة

المتقدمة، و لا يتوقف مع ذلك علي قضاء مدّة معتدّ بها، فلا يحتاج في المدة المذكورة لنيّة الإقامة أو الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 554): يمكن تعدد الوطن، بأن يتخذ الإنسان أكثر من بلد واحد مقرّا له يقضي في كل منهما قسما من أوقاته و لا يخرج منها لغيرها إلا لسبب طارئ.

و حينئذ لا بدّ في التقصير عند السفر بين الوطنين من أمرين:

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 305

(الأول): بلوغ المسافة الامتدادية، و هي ثمانية فراسخ، و لا يكفي الملفقة لانقطاع السفر بدخول كل منهما.

(الثاني): أن لا يكون كثير السفر بينهما، و إلا وجب عليه التمام في الطريق و لم يقصّر إلا في السفرة الأولي بعد أن يبقي في أحدهما عشرة أيام.

(مسألة 555): إذا اتخذ الإنسان مسكنا يبيت فيه في مدينته، و محل عمل يعمل فيه في مدينة أخري و كان كل منهما مبنيّا علي الدوام و الاستمرار، كان كل منهما وطنا له، فيجري عليه حكم ذي الوطنين.

(مسألة 556): الظاهر عدم ثبوت الوطن الشرعي، فلا تجري أحكام الوطن علي المكان الذي يملك فيه الإنسان منزلا قد أقام فيه ستة أشهر، بل يجب فيه القصر كما يجب في الوطن الذي أعرض عنه.

(مسألة 557): الظاهر عدم خروج الوطن عن كونه وطنا إلا بالعدول عن جعله وطنا مع الخروج عنه، و لا يكفي العدول عنه مع البقاء فيه و عدم الخروج منه، كما لا يكفي التردد في البقاء علي كونه وطنا و لو مع الخروج عنه.

(مسألة 558): يلحق بالوطن المكان الذي يتّخذه الإنسان مقرّا له مدة طويلة يسكن فيه سكناه في وطنه بمنزل و أثاث و نحوهما، بحيث يصدق عرفا أنه

مسكنه في المدة المذكورة، كالبلد الذي يسكنه طالب العلم في مدة دراسته، و الموظف في مدة وظيفته و صاحب العمل في مدة عمله و نحوهم، فإنّه و إن لم يكن، وطنا له- كما سبق في معني الوطن- إلا أنه يجري عليه حكم الوطن، فإذا كان فيه كان حاضرا يتمّ و إن لم ينو الإقامة فيه، و إذا خرج منه صار مسافرا و لا بدّ في وجوب القصر عليه من العزم علي قطع المسافة الامتدادية أو الملفّقة، و إذا مرّ به في سفره انقطع سفره إلي غير ذلك. لكن لا بدّ فيه من أن لا يكثر الخروج

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 306

منه، و إلا لم يكن مقرّا له. نعم يتمّ فيه لكونه كثير السفر حينئذ.

(مسألة 559): لما كان السفر ينقطع بالمرور بالوطن و بالمقر، فلا بدّ في التقصير عند السفر بينهما من بلوغ المسافة الامتدادية و هي ثمانية فراسخ.

(مسألة 560): إذا اتخذ المكان مقرّا له في وقت معين من السنة لم يجر عليه حكم الوطن في غير ذلك الوقت. فطلاب العلم الذين يتخذون محل دراستهم مقرّا في فصل الدراسة و يتركونه و يرجعون إلي أوطانهم بعد ذلك إذا ذهبوا إليه في العطلة الدراسية كانوا مسافرين و جري عليهم حكم السفر.

الثاني: العزم علي الإقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد أو العلم ببقائه في المدة المذكورة و إن لم يكن باختياره. و يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر، فإذا نوي الإقامة مثلا من زوال يوم الي زوال اليوم الحادي عشر من ذلك اليوم كان عليه التمام.

و مبدأ اليوم طلوع الفجر فإذا نوي الإقامة من طلوع الشمس فلا بدّ من نيّتها إلي طلوع اليوم الحادي

عشر كما أن الليالي المتوسطة داخلة. بل الأحوط وجوبا دخول الليلة المتطرفة، و أبعاض الليلتين المتطرّفتين بنحو يتمّ به ليلة ملفقة. فمن اقتصر علي الأيام المجردة عن ذلك لزمه الجمع بين القصر و التمام.

(مسألة 561): يشترط وحدة محل الإقامة عرفا فلا تصح الإقامة في أكثر من قرية أو بلد واحد. نعم لا يضر التنقل في أبعاض القرية أو البلد الواحد، و نحو ذلك مما من شأن أهل المكان- الذي يقيم فيه- التنقل فيه بما أنهم أهل ذلك المكان، بحيث لا يكون تنقلهم فيه مبنيّا علي العناية و الخروج عن مقتضي إقامتهم فيه، كمسجده و حمّامه و متنزهاته و مقبرته، دون غير ذلك مما يكون ذهاب أهل ذلك المكان له خروجا عن مقتضي إقامتهم في مكانهم عرفا، نظير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 307

ذهاب غيرهم له من المسافرين. و إن كان ذهابهم له أيسر من ذهاب غيرهم لقربهم منه.

(مسألة 562): تصح نيّة الإقامة في الصحراء، علي أن ينوي عدم الوصول إلي ما لا يتعارف وصول أهلها إليه من الأمكنة و المواضع.

(مسألة 563): يكفي في نيّة الإقامة النية التبعية كنية الزوجة تبعا للزوج و الولد تبعا لأبيه. لكن لا بدّ من العلم بتحقق نيّة الإقامة من المتبوع، و لا يكفي تحققها منه من دون أن يعلم التابع بها و إن كان بانيا علي المتابعة.

(مسألة 564): الظاهر عدم تحقّق نيّة الإقامة في المكان مع نيّة الخروج منه إلي ما دون المسافة مما لا يعدّ من توابعه بحيث يعدّ ذهاب أهل المكان له سفرا منهم، و إن كان زمان الخروج قريبا، بل يتعين القصر مع ذلك حتي في المحل الذي نوي فيه الإقامة. نعم بعد انعقاد الإقامة بحيث

لا يضر فيها العدول لا يكون نيّة الخروج لما دون المسافة مبطلا لها.

(مسألة 565): إذا نوي المقام إلي حادث لا يعلم أمده- كورود مسافر أو قضاء حاجة- فصادف أمده عشرة أيام أو أكثر لم تنعقد له إقامة و كان الواجب عليه القصر.

(مسألة 566): إذا نوي الإقامة إلي يوم معين و كان في الواقع عشرة أيام من دون أن يعلم ذلك تمت إقامته و كان من الواجب عليه التمام، كما لو نوي ظهر الأربعاء الإقامة إلي ظهر يوم الجمعة الثانية، و إن اعتقد خطأ إن نيّته للإقامة كانت في ظهر يوم الخميس. و لو انعكس الأمر لم تنعقد له إقامة و كان الواجب عليه القصر.

(مسألة 567): إذا نوي إقامة عشرة أيام في المكان ثم عدل عن إقامة قبل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 308

مضي عشرة أيام فعزم علي الخروج قبل إكمالها أو تردد فإن كان قد صلّي فريضة تماما بقي علي التمام إلي أن يسافر.

و إن لم يكن قد صلّي فريضة تماما رجع إلي القصر، سواء لم يصلّ أصلا- و لو عصيانا- أم صلّي صلاة غير رباعية أم شرع في صلاة رباعية و لم يتمها و إن دخل في ركوع الركعة الثالثة، و سواء فعل غير الصلاة الرباعية مما لا يجوز للمسافر كالصوم، و النوافل النهارية أم لا. بل حتي لو صلّي رباعية، ثم تبيّن بطلانها.

(مسألة 568): إذا عدل عن نيّة الإقامة و هو في الرباعية قبل أن يتمها وجب عليه قصرها، و إن دخل في الركعة الثالثة قبل الركوع هدم و أتمّها قصرا. و إن كان بعده بطلت، نعم لو كان في مواضع التخيير كان عليه إتمامها أربعا، لكن لا تكفي في البقاء علي

التمام.

(مسألة 569): إذا نوي الإقامة فصام و عدل عن نيّة الإقامة قبل أن يصلي تماما و قبل الزوال بطل صومه، و إن كان عدوله بعد الزوال صح صوم ذلك اليوم، دون ما بعده، و وجب عليه القصر. و أما إن كان عدوله بعد الصلاة تماما فيصح صوم ذلك اليوم مطلقا كما يصح الصوم بعده ما دام لم يخرج.

(مسألة 570): إذا عدل عن نيّة الإقامة و شكّ في أنه صلّي تماما أم لم يصلّ بني علي أنه لم يصل و وجب عليه القصر. نعم إذا كان بعد الفراغ من الصلاة الرباعية و قد شكّ في صحتها، أو بعد خروج وقتها و قد شكّ في الإتيان بها فالظاهر البناء علي الإتيان بها و البقاء علي التمام، و إن كان الأحوط استحبابا ضمّ القصر إليه.

(مسألة 571): إذا صلّي بعد نيّة الإقامة فريضة تماما نسيانا أو لشرف البقعة-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 309

كما في مواضع التخيير كفي ذلك في انعقاد الإقامة و عدم الرجوع للقصر مع العدول عنها. أما إذا فاتته الصلاة أداء فقضاها تمام ثم عدل فالأمر لا يخلو من إشكال و الأحوط وجوبا الجمع بين القصر و التمام.

(مسألة 572): إذا عدل عن نيّة الإقامة قبل أن يصلي فريضة تماما بطلت الإقامة من حين العدول لا من أول الأمر، فلو كان قد صام قبل العدول صح صومه، و لو فاتته صلاة رباعية قبل العدول قضاها تماما بعد العدول.

(مسألة 573): إذا تمت مدة الإقامة لم يحتج في البقاء علي التمام إلي إقامة جديدة، بل يبقي علي التمام إلي أن يسافر و إن لم يصلّ في مدة الإقامة فريضة تماما.

(مسألة 574): لا يشترط في انعقاد نيّة الإقامة كونه

مكلّفا حين النية، فلو نوي و هو غير بالغ كان حكمه التمام، علي التفصيل المتقدم. و كذا لو نوت المرأة و هي حائض أو نفساء.

(مسألة 575): إذا استقرت الإقامة- و لو بالصلاة تماما- ثم بدا للمقيم الخروج إلي ما دون المسافة ثم السفر منه بمقدار المسافة، فإن لم يكن عازما علي الرجوع إلي محل الإقامة وجب عليه القصر بالخروج منه. و إن كان عازما علي الرجوع إلي محل الإقامة- و لو مع المكث فيه من دون نيّة إقامة جديدة- لم يجب عليه القصر بالخروج من محل الإقامة، و إنما يجب بالخروج من المقصد المذكور. فمثلا من استقرت له الإقامة في النجف الأشرف إذا خرج إلي الكوفة و أراد الرجوع إلي النجف ثم الخروج منها إلي كربلاء لم يقصر بخروجه من النجف إلي الكوفة بل بخروجه من الكوفة.

الثالث: أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوما من دون عزم علي إقامة عشرة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 310

أيام، سواء عزم علي إقامة ما دون العشرة مرة بعد اخري حتي أتمّ الثلاثين، أم لم يعزم علي إقامة أصلا فيجب بعدها الإتمام حتي يسافر و إن لم يصلّ إلا صلاة واحدة. و لا يكفي الشهر الهلالي إذا كان تسعة و عشرين يوما، و الظاهر هنا تبعية الليالي للأيام، فلا بدّ من إكمال ثلاثين ليلة مع الأيام. و يكفي التلفيق من اليوم أو الليلة المنكسرين.

(مسألة 576): لا بدّ من إتمام المتردد ثلاثين يوما من وحدة المكان الذي هو فيه هذه المدة علي نحو ما تقدم في نيّة الإقامة. و إذا خرج إلي ما دون المسافة جري عليه ما سبق هناك.

(مسألة 577): إذا انتقل من المكان قبل إتمام المدة بقليل

لم يجب التمام و إن تكرر ذلك منه في أمكنة متعددة.

(مسألة 578): يظهر منهم أن الإقامة ثلاثين يوما تمنع من تلفيق المسافة و تتميم ما بعدها لما قبلها، فلا بدّ في القصر من سفر جديد و تام المسافة كما سبق. و ينكشف بها عدم مشروعية القصر منه إذا كانت المسافة السابقة منه دون الثمانية. و في هذا الأخير إشكال فالأحوط وجوبا قضاء ما صلاة قصرا و الإتيان به تماما غير مقصور.

الفصل الثالث في أحكام المسافر

و المراد به المسافر بالشروط المتقدمة و له أحكام:

الأول: حرمة الصوم منه و عدم صحته عدا ما استثني مما يأتي التعرض له في كتاب الصوم إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 311

(مسألة 579): يصح الصوم من الجاهل بحرمته و عدم مشروعيته و لو للجهل بتحقق السفر المرخّص. و لا يصحّ من الناسي فضلا عن العامد.

الثاني: سقوط نافلة الصلاة المقصورة النهارية، دون غيرها حتي الوتيرة علي الأقوي.

(مسألة 580): إذا سافر بعد الوقت و لم يكن قد صلّي لم تشرع له نافلة تلك الصلاة. نعم لو صلاها قبل السفر صحت و إن لم يصلّ الفريضة إلا في السفر قصرا.

(مسألة 581): لا تشرع نافلة المقصورة في السفر حتي لمن يؤخر الفريضة و يأتي بها تماما في الحضر. نعم إذا رجع من سفره قبل خروج وقتها شرعت له في الحضر.

الثالث: وجوب القصر في الفرائض الرباعية، و هي صلوات الظهرين و العشاء، و لا تشرع تماما إلا في مواضع التخيير الآتية.

(مسألة 582): إذا صلّي الرباعية تماما عالما عامدا بطلت و عليه الإعادة أو القضاء. و إن صلاها جاهلا بأصل وجوب القصر في السفر لم تجب الإعادة، فضلا عن القضاء. و إن كان للجهل بتحقق السفر

المرخص- كما لو اعتقد خطأ عدم بلوغ مقصده المسافة- فالأحوط وجوبا الإعادة و القضاء و كذا إذا كان عالما بأصل وجوب القصر في السفر لكن جهل خصوصياته، كما لو جهل أن كثير السفر لو أقام ببلدة عشرة أيام وجب عليه القصر أو أن العاصي بسفره يقصر إذا رجع إلي الطاعة و نحو ذلك من الفروع.

نعم إذا قلد في الخصوصيات تقليدا صحيحا فأفتي مقلّده بالقصر ثم عدل إلي التمام أو عدل عن تقليده لشخص آخر يفتي بالتمام فالظاهر الإجزاء، كما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 312

تقدم في مبحث التقليد.

(مسألة 583): إذا نسي المسافر فصلي تماما، فإن ذكر في الوقت فعليه الإعادة أو القضاء، و إن ذكر بعد خروج الوقت فلا قضاء عليه. من دون فرق بين نسيان السفر و نسيان وجوب القصر في السفر.

(مسألة 584): لا تقصر المغرب في السفر، و من قصرها جاهلا فالأحوط وجوبا له التدارك بالإعادة أو القضاء. بل هو الواجب في غيره من موارد القصر في موضع الإتمام. نعم من قصر مع نيّة الإقامة جهلا بوجوب التمام أجزأته صلاته و لا إعادة عليه.

(مسألة 585): العبرة في التمام و القصر بحال أداء الصلاة لا بحال دخول وقتها و التكليف بها، فمن دخل عليه الوقت و هو حاضر أو بحكمه- و لو لعدم تجاوزه حدّ الترخص- فلم يصلّ حتي سافر- بشروط السفر السابقة- كان عليه قصر الصلاة، و من دخل عليه الوقت و هو مسافر فلم يصلّ حتي صار حاضرا كان عليه إتمام الصلاة.

(مسألة 586): إذا فاتته الصلاة في الحضر قضي تماما و لو كان مسافرا حين القضاء، و إذا فاتته الصلاة في السفر قضي قصرا و لو كان حاضرا حين القضاء.

و المعيار

في الفوت آخر الوقت، فمن خرج عليه الوقت و هو حاضر قضي تماما، و من خرج عليه الوقت و هو مسافر قضي قصرا.

(مسألة 587): يتخير المسافر بين القصر و التمام في الأماكن الأربعة الشريفة، و هي مكة المكرمة، و المدينة المشرفة، و الكوفة- و لا يلحق بها النجف الأشرف- و حرم الحسين عليه السّلام. و الأحوط وجوبا فيه الاقتصار علي البناء الذي فيه القبة الشريفة دون المسجد الملحق به من جانب الشمال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 313

(مسألة 588): لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المذكور، بل المواضع المذكورة كغيرها فيه.

(مسألة 589): التخيير المذكور استمراري، فإذا شرع في الصلاة بنيّة القصر كان له العدول للتمام و بالعكس. نعم الأحوط وجوبا الاستمرار في التمام مع القيام للركعة الثالثة فلا يشرع الهدم منه و الرجوع للقصر.

(مسألة 590): لا يجري التخيير في بقيّة المساجد و مشاهد المعصومين عليهم السّلام و نحوها من المواضع الشريفة غير ما تقدم.

(مسألة 591): لا يجري التخيير المذكور في قضاء الصلوات الفائتة قصرا.

بل الأحوط وجوبا عدم جريانه في الصلاة التي تفوت في المواضع المذكورة، بل يتعيّن الإتيان بها قصرا.

(مسألة 592): يستحب للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة مقصورة ثلاثين مرة: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر». و في الحديث: «إن ذلك تمام الصلاة».

خاتمة في بعض الصلوات المستحبة

(منها): صلاة العيدين، و هي واجبة في زمان الحضور مع اجتماع الشرائط و مستحبة في عصر الغيبة جماعة و فرادي، و لا يعتبر فيها العدد و لا تباعد الجماعتين، و لا غير ذلك من شرائط صلاة الجمعة، و كيفيتها ركعتان يقرأ في كل منهما الحمد و سورة، و الأفضل أن يقرأ في الأولي

(الشمس) و في الثانية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 314

(الغاشية) أو في الأولي (الأعلي) و في الثانية (الشمس) ثم يكبر في الأولي خمس تكبيرات و يقنت عقيب كل تكبيرة. و في الثانية أربعا و يقنت بعد كل تكبيرة علي الأحوط في كل التكبيرات و القنوتات، و يجزئ في القنوت ما يجزئ في قنوت سائر الصلوات، و الأفضل أن يدعو بالمأثور فيقول في كل قنوت منها: «اللهم أهل الكبرياء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل العفو و الرحمة، و أهل التقوي و المغفرة، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد صلّي اللّه عليه و آله ذخرا و مزيدا، أن تصلي علي محمد و آل محمد، كأفضل ما صليت علي عبد من عبادك، و صلّ علي ملائكتك و رسلك، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون و أعوذ بك من شرّ ما استعاذ بك منه عبادك المرسلون»، و في بعض الروايات غير ذلك، و يأتي الإمام بخطبتين بعد الصلاة يفصل بينهما بجلسة خفيفة، و الأحوط الإتيان بهما، و لا يجب الحضور عندهما و لا الإصغاء.

(مسألة 593): لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة غير القراءة.

(مسألة 594): إذا لم تجتمع شرائط وجوبها ففي جريان أحكام النافلة عليها وجه، فيجوز البناء علي الأقل و الأكثر عند الشك في الركعات، و لا تقدح فيها زيادة الركن سهوا، و الأحوط السجود للسهو و قضاء الجزء المنسي.

(مسألة 595): إذا شكّ في جزء منها و هو في المحل أتي به و إن كان بعد تجاوز المحل مضي.

(مسألة 596): ليس في هذه الصلاة

أذان و لا إقامة، بل يستحب أن يقول المؤذن: «الصلاة»، ثلاثا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 315

(مسألة 597): وقت صلاة العيدين من طلوع الشمس إلي الزوال، و في سقوط قضائها لو فاتت إشكال، و يستحب الغسل قبلها، و الجهر فيها بالقراءة، إماما كان أو منفردا، و رفع اليدين حال التكبيرات، و السجود علي الأرض، و الإصحار بها إلا في (مكة) المعظمة فإن الإتيان بها في المسجد الحرام أفضل، و أن يخرج إليها راجلا حافيا لابسا عمامة بيضاء مشمّرا ثوبه إلي ساقه، و أن يأكل قبل خروجه إلي الصلاة في عيد الفطر، و بعد عودته في عيد الأضحي مما يضحّي به إن كان.

(منها): صلاة الغفيلة و هي: ركعتان بين المغرب و العشاء يقرأ في الأولي سورة الفاتحة و آية وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنٰاديٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ و في الثانية سورة الفاتحة و آية وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا يَعْلَمُهٰا وَ لٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ ثم يرفع يديه و يقول: «اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي علي محمد و آل محمد و أن تفعل بي.» و يذكر حاجته ثم يقول: «اللهم أنت ولي نعمتي و القادر علي طلبتي تعلم حاجتي فأسئلك بحق محمد و آله عليه و عليهم السّلام لمّا قضيتها لي» و يسأل حاجته. و

لا يحتاج للبسملة في الركعتين قبل الآيتين، بل لا يجوز الإتيان بها إلا بقصد الذكر و التبرّك أو بقصد القرآنية من دون نيّة الورود و الخصوصية.

(مسألة 598): يجزئ في صلاة الغفيلة أن يأتي بركعتين من نافلة المغرب علي الوجه المتقدم، و لا يلزم الإتيان بها بدون نيّة النافلة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 316

(و منها): صلاة جعفر بن أبي طالب علّمها النبي صلّي اللّه عليه و آله لجعفر لما قدم من الحبشة، و هي أربع ركعات يقرأ فيها بعد الفاتحة و السورة، خمس عشرة مرة (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر) و في الركوع عشر مرات و في القيام بعد الركوع عشر مرات و في السجدة الأولي عشر مرات و في الجلوس بين السجدتين عشر مرات و في السجدة الثانية عشر مرات و في الجلوس بعد السجدتين عشر مرات فيتمّ له في كل ركعة خمس و سبعون مرة، و يكون مجموع التسبيحات في الركعات الأربع ثلاثمائة تسبيحة. و قد روي أنه يقرأ في كل ركعة بعد سورة الفاتحة سورتي (التوحيد) (و الكافرون). كما روي أيضا أن يقرأ في الأولي (الزلزلة) و في الثانية (و العاديات) و في الثالثة (النصر) و في الرابعة (التوحيد)، و روي أنه يقرأ فيها (الزلزلة) (و النصر) (و القدر) (و التوحيد).

و له أن يأتي بأي سورة شاء، بل له أن يجتزئ بأي سورة شاء من القرآن.

(مسألة 599): من كان مستعجلا أجزأه أن يصلّيها أربع ركعات من دون تسبيح ثم يقضي التسبيح و هو ذاهب في حاجته. كما روي أن من نسي التسبيح في بعض حالات الصلاة قضاه في الحالة الأخري التي يذكره فيها،

فإذا نسي التسبيح بعد القراءة حتي ركع سبّح في الركوع خمسا و عشرين مرة.

(و منها): صلاة ليلة الدفن، و هي صلاة ركعتين في ليلة دفن المؤمن يقرأ في الأولي سورة الفاتحة و آية الكرسي. و في الثانية: سورة الفاتحة و عشر مرات سورة القدر، فإذا سلّم قال: اللهم صل علي محمد و آل محمد و ابعث ثوابها إلي قبر.) و يذكر اسم الميت.

(مسألة 600): ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله الأمر بالتصدق عن الميت ليلة الدفن لأنها أشدّ ليلة تمرّ به، فإن لم يجد صلّي ركعتين يقرأ في الأولي سورة التوحيد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 317

مرّتين، و في الثانية سورة التكاثر عشرا.

(مسألة 601): لا يشرع الاستئجار لصلاة ليلة الدفن. نعم لا بأس بأن يدفع لشخص مالا و يأذن له في تملّكه هبة بعد الإتيان بالصلاة المذكورة. و حينئذ لو لم يصلّ عمدا أو نسيانا جاز. لكن لم يحلّ له المال و وجب عليه إرجاعه لصاحبه، و مع الجهل به و اليأس عن الوصول إليه يجري عليه حكم مجهول المالك و هو الصدقة.

و يمكن أن يدفع المال له هدية منجّزة و يشترط عليه فيها أن يصلي الصلاة المذكورة، و حينئذ لا يجوز له ترك هذه الصلاة، فإن تركها عمدا- عصيانا- أو نسيانا كان لصاحب المال الرجوع في هديته، فإن لم يرجع و لو لجهله بالحال لم يحرم المال علي الشخص المذكور.

(و منها): صلاة أول الشهر، و هي ركعتان في أول يوم من كل شهر يقرأ في الأولي سورة (الفاتحة) و سورة (التوحيد) بعدد أيام الشهر، و في الثانية: سورة (الفاتحة) و سورة (القدر) بعدد أيام الشهر ثم بعد الانتهاء من الصلاة يتصدق

بما يتيسّر له فيشتري بذلك سلامة الشهر كله. و في بعض الروايات أنه يقرأ بعدها هذه الآيات الكريمة بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَي اللّٰهِ رِزْقُهٰا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهٰا وَ مُسْتَوْدَعَهٰا كُلٌّ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ. بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ، وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلٰا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ، وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَليٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ. بسم اللّه الرحمن الرحيم سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً- مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ- حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَي اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ، لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 318

كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ- رَبِّ لٰا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوٰارِثِينَ.

(و منها): صلاة المهمات فعن الإمام الحسين عليهم السّلام أنه قال: إذا كان لك مهمّ فصلّ أربع ركعات تحسن قنوتهن و أركانهن: تقرأ في الأولي (الحمد) مرة، و حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، سبع مرات، و في الثانية (الحمد) مرة و قوله مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مٰالًا وَ وَلَداً سبع مرات. و في الثالثة (الحمد) مرة و قوله لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، سبع مرات. و في الرابعة (الحمد) مرة وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَي اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ، سبع مرات، ثم تسأل حاجتك.

(و منها): صلاة الاستخارة فقد ورد في النصوص الكثيرة

الحث علي الاستخارة عند الإقدام علي أمر. و المراد بها الابتهال منه جلّ شأنه في أن يختار للعبد في ذلك الأمر ما هو الخير له، فإن كان خيرا له سهّله و يسّره، و إن لم يكن خيرا له صرفه عنه و منعه منه. مثل أن يقول: «أستخير اللّٰه برحمته خيرة في عافية». و قد رويت لها صور مختلفة يضيق المقام عن استقصائها، نذكر:

(منها): ما روي عن الصادق عليه السّلام من أنه قال: «ما استخار عبد قط في أمره مائة مرة عند رأس الحسين عليه السّلام فيحمد اللّٰه و يثني عليه إلا رماه اللّٰه بخير الأمرين».

كما ورد في كثير من النصوص الأمر بالاستخارة بعد صلاة ركعتين علي صور مختلفة.

(منها): ما روي في الصحيح عن مرازم قال: «قال لي أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا أراد أحدكم شيئا فليصلّ ركعتين، ثم ليحمد اللّٰه و ليثن عليه، و يصلي علي محمد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 319

و أهل بيته و يقول: «اللّهم إن كان هذا الأمر خيرا لي في ديني و دنيائي فيسّره لي و قدره و إن كان غير ذلك فاصرفه عني». قال مرازم: فسألته أي شي ء أقرأ فيهما فقال: اقرأ فيهما ما شئت، و إن شئت فاقرأ فيهما بقل هو اللّٰه أحد و قل يا أيها الكافرون، و قل هو اللّٰه أحد تعدل ثلث القرآن». و قد ورد في كثير من النصوص أن اللازم علي المكلف بعد الاستخارة الرضا بما يختاره اللّٰه تعالي، و إلا كان متّهما له في قضائه.

و نسأله سبحانه و تعالي أن يختار لنا ما فيه صلاح ديننا و دنيانا و آخرتنا إنه أرحم الراحمين.

و الحمد للّٰه ربّ العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد

سعيد)، ج 1، ص: 321

كتاب الصّوم

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 323

كتاب الصوم فريضة الصوم إحدي الدعائم التي بني عليها الإسلام و إحدي الفرائض العظام التي فرضها اللّٰه سبحانه علي عباده، و إحدي العبادات التي تعبّد بها تعالي خلقه لتهذيب نفوسهم و تطهير قلوبهم و زكاة أبدانهم، و هو جنّة من النار، و به يدخل العبد إلي الجنة، و في الحديث: «قال اللّٰه تعالي: كل عمل ابن آدم الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنّه لي و أنا أجزي به». و قد ورد في الأخبار عن النبي و الأئمة عليهم السّلام: انّ نوم الصائم عبادة، و نفسه و صمته تسبيح، و عمله متقبل، و دعاءه مستجاب، و خلوف فمه عند اللّٰه أطيب من رائحة المسك و انّ الصائم يرفع في رياض الجنة، و تدعو له الملائكة حتي يفطر، و له فرحتان:

فرحة عند الإفطار و فرحة حين يلقي اللّٰه تعالي، كما ورد أن الصوم يباعد الشيطان و يسوّد وجهه.

و قد اختار اللّٰه سبحانه و تعالي لهذه الفريضة الشريفة أفضل الشهور و أكرمها عليه الذي اختصّه لنفسه و نسبه إليه فكّرمه و عظّمه، و شرّفه بإنزال كتابه فيه، و اختصه بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، و فيه تغلّ الشياطين، و تغفر السيئات، و تضاعف الحسنات، و تغلق أبواب النيران، و تفتح أبواب الجنان، و دعي فيه المؤمنون إلي ضيافة اللّٰه تعالي، و جعلوا من أهل كرامته. و نسأله سبحانه التوفيق فيه لما يحب و يرضي و هو أرحم الراحمين.

و يقع الكلام في كتاب الصوم في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 324

الفصل الأول في النية

(مسألة 1): يشترط في صحة الصوم النية و تتقوّم بأمور:

الأول: نية ترك

المفطرات الآتية.

الثاني: أن ينوي بتركها الصوم.

الثالث: أن يكون الداعي للصوم هو التقرب للّٰه تعالي. و لا يضرّ فيه أن يكون ترك المفطرات لدواعي أخر- كتعذر حصولها أو عدم الرغبة فيها- ما دام الداعي لقصد الصوم بذلك هو التقرب، و يكفي فيها النية الارتكازية بحيث لو سئل لقال أريد الصوم، و لا يجب استحضارها تفصيلا.

(مسألة 2): لا يضرّ عروض الغفلة المطلقة بنوم أو نحوه في صحة الصوم إذا سبقت النية المذكورة، فلو نوي الصيام غدا و نام حتي طلع عليه الفجر صح صومه، بل يصح صومه حتي لو استمر نومه من قبل الفجر إلي ما بعد الغروب.

نعم الأحوط وجوبا عدم صحة الصوم بعروض السكر و الإغماء في أثناء النهار.

(مسألة 3): لا يجب قصد الوجوب و لا الاستحباب، و لا الأداء و لا القضاء و لا غير ذلك بل يكفي قصد الصوم عن أمره. نعم مع تعدد الأمر لا بد من تعيين الصوم المنوي و لو إجمالا، كما لو نوي الصوم الذي انشغلت ذمته به أوّلا صح صومه.

(مسألة 4): من يصوم عن غيره باستئجار أو تبرّع ينوي امتثال الأمر المتوجه لمن يصوم عنه و تفريغ ذمته.

(مسألة 5): لا يجب العلم بالمفطّرات بخصوصياتها، بل يكفي نيّة ترك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 325

المفطرات علي إجمالها.

(مسألة 6): لا يقع في شهر رمضان صوم غيره و ان لم يكن مكلّفا بصيام شهر رمضان كالمسافر، و ان نوي صيام غيره متعمّدا بطل. نعم مع الجهل بدخول شهر رمضان أو نسيانه فإذا نوي صوم شعبان إما مندوبا أو منذورا صح و وقع عن شهر رمضان إن صادفه. و أما لو نوي نذرا آخر أو نوي القضاء أو الكفارة ففي صحة صومه

و وقوعه عما نوي أو عن رمضان إشكال. نعم لو رجع ذلك إلي نية صوم ذلك اليوم علي ما هو عليه إن صادف رمضان فمنه، و إلا فمن غيره، صح و وقع عن رمضان. و كذا لو ظهر له قبل الزوال أنه من رمضان فجدّد النية و نوي صومه من رمضان.

(مسألة 7): وقت النية في صيام شهر رمضان عند طلوع الفجر الصادق علي الأحوط وجوبا بحيث يدخل عليه الفجر و هو ناو للصوم، و كذا الحال في جميع أنواع الصوم الواجب المعيّن كما لو نذر صوم أول خميس في الشهر.

(مسألة 8): يمتد وقت النية إلي الزوال في صوم الواجب المعيّن- كقضاء شهر رمضان و الكفارة- و ان تضيق وقته فإذا أصبح ناويا للإفطار ثم بدا له قبل الزوال أن يصوم قضاء- مثلا- فنوي صيامه أجزأه. أمّا لو أخّر النية إلي ما بعد الزوال فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء به. أما الصوم المندوب فيمتد وقت النية فيه إلي أن يبقي من النهار ما يمكن فيه تجديد النية.

(مسألة 9): الجاهل بدخول شهر رمضان و الناسي له إذا لم يستعملا المفطّر يجزئهما تجديد النية قبل الزوال، و كذا الجاهل بوجوب صيامه و الناسي، و كذا الحال في كل صوم واجب معيّن.

(مسألة 10): يوم الشك- المردد بين آخر شعبان و أول شهر رمضان- إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 326

صامه المكلف بنيّة صوم شعبان ندبا أو نذرا صح صومه، و إن تبيّن أنّه من شهر رمضان أجزأه عنه، و إذا تبيّن ذلك قبل الزوال أو بعده عدل بنيّته إليه، و كذا إذا صامه بنيّة الأمر الواقعي المتوجه إليه إما الأمر بصوم شعبان أو الأمر بصوم شهر رمضان، فإنّه يصح

و يجزئ عن شهر رمضان لو صادفه.

و لو صامه علي أنه من شهر رمضان فإنّه يبطل، و لا يجزيه عن صوم شهر رمضان حتي لو صادفه، أما لو صامه بنيّة القضاء أو الكفارة فإن لم يكن من شهر رمضان صح، و إن تبيّن أنه من شهر رمضان قبل الزوال جدّد النية بصوم شهر رمضان و صح، و إن تبيّن بعد ذلك ففي صحته إشكال علي ما تقدم في المسألة (السادسة).

(مسألة 11): يجب البقاء علي نية الصوم في تمام النهار في صوم شهر رمضان و غيره من الواجب المعيّن، فإذا عدل عن الصوم أو تردد فيه في أثناء النهار لم يجتزئ به مطلقا علي الأحوط وجوبا. و كذا إذا نوي انه سوف يفطر.

و أما في الواجب غير المعيّن فيصح الصوم مع تجديد النية قبل الزوال، و لا يصحّ بعده علي الأحوط وجوبا. و أما في المندوب فيصح مع تجديد النية و لو في آخر النهار.

(مسألة 12): إذا تردد في البقاء علي الصوم للشك في صحة الصوم منه، صح في جميع الصور المتقدمة إذا كان عازما علي البقاء علي الصوم لو كان صحيحا، أما إذا كان الشك في صحة صومه سببا في عدوله عن الصوم جري فيه ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 13): لا يصح العدول من صوم إلي صوم إذا فات وقت نية الصوم المعدول إليه بل مطلقا علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 327

الفصل الثاني في المفطرات

و هي أمور:

الأول و الثاني: الأكل و الشرب، و لا بدّ فيهما من صدق الأكل و الشرب عرفا من دون فرق بين القليل و الكثير، و بين ما يتعارف أكله و شربه و غيره. و أما مع عدم

صدق الأكل و الشرب فيهما عرفا، كابتلاع الحصي و الخرز و الدراهم و نحوها، مما يعد الجوف ظرفا له لا غير، فلا إفطار به.

الثالث: الجماع، و يكفي فيه إدخال مقدار الحشفة في قبل المرأة و لو من دون إنزال، و هو الأحوط وجوبا في إدخاله في الدبر من المرأة و غيرها. و لا فرق في مفطرية الجماع بين الفاعل و المفعول به.

الرابع: الكذب علي اللّٰه تعالي أو علي نبينا محمد (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو علي الأئمة من آله عليهم السّلام، سواء كان في أمر ديني أم دنيوي. نعم يختص بما إذا تضمن تحميل شي ء عليهم لاقتضائه نحوا من النقص عليهم، و لو بتركهم للمستحب، أو تضمّن تعهدهم بمضمون خبري أو إنشائي، دون ما لا يتضمن شيئا من ذلك، كالإخبار عن أحدهم عليهم السّلام أنه ولد نهارا، أو في ليلة ممطرة، أو في يوم الأربعاء مثلا.

(مسألة 14): إذا أخبر معتقدا الصدق، و تحقّق ما أخبر به لم يبطل صومه و إن كان في الواقع مخطئا. أما إذا أخبر بشي ء و هو يعتقد الكذب و عدم تحقّق ما أخبر به فيبطل صومه و إن كان في الواقع صادقا. و كذا إذا أخبر بما يشكّ في ثبوته ملتفتا للشك علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 328

الخامس: تعمّد البقاء علي الجنابة حتي يطلع الفجر في صوم شهر رمضان و في قضائه، بل في كل صوم واجب. أما الصوم المندوب فلا يبطل بذلك.

(مسألة 15): إذا طلع عليه الفجر و هو جنب من دون أن يتعمّد البقاء علي الجنابة لم يبطل صومه، و لا فرق في ذلك بين صوم شهر رمضان، و غيره من

الصوم الواجب و المندوب. نعم لا يصح منه قضاء شهر رمضان و إن تضيّق وقته.

(مسألة 16): لا يبطل الصوم بالاحتلام في أثناء النهار من دون فرق بين الصوم الواجب و المندوب.

(مسألة 17): لا يبطل الصوم بمسّ الميت عمدا، و إن كان قبل الفجر، و إن لم يغتسل.

(مسألة 18): من علم من نفسه أنه لا يقدر علي الغسل قبل الفجر إذا تعمّد الجنابة في الليل ملتفتا لذلك كان من تعمّد البقاء علي الجنابة، فيبطل صومه و يجب عليه القضاء و الكفارة، و لو تمكّن من التيمم فالأحوط استحبابا أن يبادر له قبل الفجر من دون أن يسقط عنه القضاء و الكفارة.

(مسألة 19): إذا نسي المجنب غسل الجنابة بطل صومه من دون فرق بين صيام شهر رمضان و غيره من الصيام الواجب. نعم لا تجب بذلك الكفارة، و كذا الحال في الحائض و النفساء إذا نسيتا الغسل علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 20): إذا كان المجنب لا يتمكن من الغسل لمرض و نحوه فالأحوط استحبابا له المبادرة للتيمم قبل الفجر مع القدرة عليه، و إن كان الظاهر صحة صومه بدونه.

(مسألة 21): إذا ظن سعة الوقت فأجنب فبان ضيقه بنحو لا يسعه الغسل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 329

قبل الفجر فلا شي ء عليه، و صح صومه. أما إذا تبيّن أن الجنابة بعد الفجر جري عليه حكم من استعمل المفطّر بعد الفجر للظن بعدم طلوعه الذي يأتي حكمه في الفصل الرابع.

(مسألة 22): إذا تساهلت الحائض و النفساء في الغسل حتي طلع الفجر بطل صومهما و عليهما القضاء. أما إذا تعمدتا عدم الغسل فالأحوط وجوبا لهما القضاء و الكفارة. نعم إذا حصل لهما النقاء في وقت لا يسع الغسل فالظاهر صحة

صومهما، و كذا الحال إذا لم تعلما بالنقاء حتي طلع الفجر. و إن كان الأحوط استحبابا لهما في الصورة الاولي المبادرة للتيمم إن أمكن.

(مسألة 23): لا يشترط في صحة صوم ذات الاستحاضة الكثيرة الغسل، و إن كان الأحوط استحبابا لها المحافظة علي غسل ليلة الصوم و غسلي يومه.

(مسألة 24): إذا علم بالجنابة ليلا في شهر رمضان و نام حتي طلع الفجر، فإن نام ناويا ترك الغسل كان من تعمّد البقاء علي الجنابة، فيبطل صومه و عليه كفارة الإفطار. و إن نام عازما علي الاستيقاظ و الغسل فغلبه النوم حتي طلع الفجر لم يبطل صومه. و إن استيقظ قبل الفجر و عاد إلي النوم ثانيا فغلبه النوم حتي طلع الفجر بطل صومه، و عليه القضاء دون الكفارة، و هكذا الحال مهما تكرر الاستيقاظ و النوم قبل الفجر ما دام لم يعدل عن العزم علي الغسل.

(مسألة 25): إذا علم بالجنابة ثم نام غافلا عن كونه مجنبا فغلبه النوم حتي طلع الفجر صح صومه، و لا فرق في ذلك بين النوم الأول و الثاني و غيرهما.

(مسألة 26): إذا اعتقد إنه إن نام لم يستيقظ إلا بعد الفجر، فنام حتي طلع الفجر كان من تعمّد البقاء علي الجنابة، فيجب عليه القضاء و الكفارة. و انما لا تجب الكفارة أو القضاء إذا احتمل الاستيقاظ و كان عازما علي الغسل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 330

(مسألة 27): لا تعدّ النومة التي يحتلم فيها من النوم الأول، بل النوم الأول: هو النومة الأولي بعد الاستيقاظ من الاحتلام.

(مسألة 28): الحائض و النفساء لا يلحقان بالجنب بالحكم السابق، بل إذا صدق علي نومهما التواني و التفريط بالغسل بطل صومهما، حتي في النوم الأول.

و

إن لم يصدق التواني و التفريط بنومهما لم يبطل صومهما، و إن تكرر النوم منهما. هذا كله مع العزم منهما علي الغسل. أما مع عدمه فالأحوط وجوبا لهما الكفارة أيضا.

السادس: خروج المني مع قصد الاستمتاع بفعل ما يثير الشهوة، إذا احتمل خروجه به فإنّه يوجب القضاء و الكفارة. و أما إذا كان واثقا من نفسه و آمنا من خروج المني بالفعل المذكور فسبقه المني بطل صومه، و عليه القضاء دون الكفارة.

(مسألة 29): لا يبطل الصوم بخروج المني بفعل ما لم يقصد به الاستمتاع و إثارة الشهوة، كما لو كلّم الرجل امرأته فسبقه المني.

السابع: الاحتقان بالمائع، فإنّه يبطل الصوم. بخلاف الاحتقان بالجامد، فإنّه ليس مفطرا. و أما المواد الدهنية الجامدة، بسبب البرد- كالتحاميل الطبية- فالأحوط وجوبا اجتنابها.

(مسألة 30): لا يضر بالصوم كل ما لا يصل إلي الحلق مما لا يسمّي أكلا و لا شربا، كما إذا صبّ دواء في جرحه، أو عينيه، أو أذنه، أو إحليله، و إن وصل إلي الجوف.

(مسألة 31): ما يتعارف في هذا الزمان من إيصال الغذاء إلي الجوف عن طريق الأنف و الحلق لبعض المرضي، فإنّه مبطل للصوم بل يعد من الأكل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 331

و الشرب. و أما إيصاله إلي الجوف من طريق آخر غير الحلق فالأحوط وجوبا اجتنابه، إذا كان يصل إلي المعدة، و أما إذا لم يصل إليها فلا يضر بالصوم.

(مسألة 32): لا بأس بزرق الدواء و المغذّي في الوريد أو العضلة، و لا يضر بالصوم، و إن كان الأحوط استحبابا في المغذي الترك.

(مسألة 33): يجوز للصائم ابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط، و إن وصل إلي فضاء الفم، كما يجوز ابتلاع ما ينزل من

الرأس و إن وصل إلي فضاء الفم. و يجوز أيضا ابتلاع الريق المجتمع في الفم و إن كثر و كان اجتماعه باختيار الصائم.

الثامن: تعمّد القي ء و إن كان مضطرا إليه لمرض و نحوه، فإذا تعمّد القي ء ليستريح من اضطراب في معدته، أو ألم في رأسه، بطل صومه. و أما إذا غلبه القي ء من دون أن يتعمد فلا يبطل صومه.

(مسألة 34): لا يبطل الصوم بما يخرج بالتجشّؤ، و إن وصل إلي فضاء الفم، كما لا يبطل بابتلاعه بعد خروجه و إن كان الأحوط استحبابا تركه.

(مسألة 35): الأحوط استحبابا عدم الارتماس بالماء، و عدم ابتلاع الغبار الغليظ، و إن كان الأظهر عدم مفطريّتهما، الا أن يكون بحيث يصدق عليه الأكل للغبار عرفا لكثرته و كثافته فيكون مفطرا.

(مسألة 36): لا يبطل الصوم باستنشاق الهواء الممتزج بالدخان. نعم الأحوط وجوبا عدم التدخين بالنحو المتعارف في هذه العصور و إجراء حكم المفطر عليه.

(مسألة 37): ليس من المفطرات مضغ الطعام للصبي و ذوق المرق و نحوهما مما لا يتعدي عن الحلق و لا يصل إلي الجوف، أو وصل إلي الجوف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 332

من غير قصد، أو لنسيان الصوم. أما مع التعمّد فإنّه مفطر و إن كان قليلا جدا.

(مسألة 38): لا بأس بمضغ العلك، إلا أن تتفتت أجزاؤه، و يبتلعها، أو يكون حاويا علي ما يتحلّل بالريق- كالسكر- و ينزل للجوف معه، فإنّه يفطّر حينئذ.

(مسألة 39): لا بأس بمصّ لسان الزوج و الزوجة، و إن كان عليه رطوبة بالنحو المتعارف، نعم إذا تجمّع علي اللسان ريق كثير بحيث يصدق عرفا أن الآخر قد ابتلعه بطل صومه.

(مسألة 40): يكره للصائم ملامسة النساء و تقبيلهن و ملاعبتهن إذا لم يقصد

الإنزال و لا كان من عادته. و إن كان قاصدا الإنزال بطل صومه و إن لم ينزل، لنيّة المفطر، و ان أنزل فعليه الكفارة و ان لم يكن من عادته، علي تفصيل تقدم في المفطّر السادس.

و يكره للصائم الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلي الحلق كالصبر و المسك، و إخراج الدم المضعف، و الدخول للحمّام إذا خشي الضعف، و شم كل نبت طيب الريح، و بلّ الثوب علي الجسد، و جلوس المرأة في الماء، و الحقنة بالجامد، و قلع الضرس بل مطلق إدماء الفم، و السواك بالعود الرطب، و المضمضة عبثا، و إنشاد الشعر، إلا في مراثي الأئمة عليهم اللام و مدائحهم. و في الخبر (إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب و غضوا أبصاركم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا و لا تغتابوا و لا تماروا و لا تباشروا و لا تخالفوا و لا تغضبوا و لا تسابّوا و لا تشاتموا و لا تنابزوا و لا تجادلوا و لا تباذوا و لا تظلموا و لا تسافهوا و لا تزاجروا و لا تغفلوا عن ذكر اللّٰه تعالي. الحديث).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 333

الفصل الثالث في أحكام الإفطار

(مسألة 41): المفطرات المتقدمة إنما تبطل الصوم إذا صدرت من الصائم عن عمد و علم بأن ما يستعمله مفطر، فإذا كان لا يعلم بأن ما يستعمله مفطر، فاستعمله و هو يري أنه حلال لم يبطل صومه، و كذا إذا دخل في جوفه قهرا بدون اختيار، أو غفل عن الصوم فاستعمل المفطّر، فإنّ الصوم لا يبطل في جميع ذلك. نعم يبطل مع الإكراه إذا لم يبلغ حدّا يخرج به عن الاختيار، كما إذا هدّده شخص فخاف منه فأفطر، نعم يجب عليه

القضاء دون الكفارة.

(مسألة 42): الإفطار تقيّة من المخالفين إن ابتني علي موافقتهم في جواز الإفطار وجب به القضاء دون الكفارة، كما لو أفطر بثبوت العيد عندهم تقية. و إن ابتني علي موافقتهم في كيفية الصوم مع وجوبه، فلا يبطل به الصوم و لا يجب به القضاء، كما لو استعمل بعض المفطرات عندنا لأنّهم يرونها غير مفطرة، أو أفطر في النهار لأنهم يرون دخول الليل.

(مسألة 43): إذا غلب علي الصائم العطش و خاف علي نفسه من الصبر عليه جاز أن يشرب بمقدار ما يرفع به ضرورته، و لا يرتوي، و لا يفسد بذلك صومه، فإن زاد عليه عامدا بطل صومه و وجبت عليه الكفارة، أما إذا لم يخش من العطش بل كان حرجيا يصعب تحمله، ففي صحة صومه مع شرب الماء إشكال، و الأحوط وجوبا إتمام الصوم ثم القضاء.

(مسألة 44): يجب علي من بطل صومه في شهر رمضان الإمساك عن المفطّرات في بقية النهار مراعاة لحرمة شهر رمضان، فإذا تعمّد الإفطار و ترك الإمساك أثم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 334

الفصل الرابع في الكفارة

تجب الكفارة بتعمّد الإفطار في شهر رمضان إذا كان الإفطار بالأكل و الشرب، و الجماع، و فعل ما يوجب خروج المني، و تعمد البقاء علي الجنابة، بل و كذا تعمّد البقاء علي حدث الحيض و النفاس، و تعمد التدخين علي الأحوط وجوبا، و إيصال الغبار الغليظ إلي الجوف- لو قلنا بكونه مفطرا- و لا تجب بباقي المفطرات و هي: الكذب علي اللّه و رسوله و الأئمة عليهم السّلام، و الاحتقان بالمائع، و تعمد القي ء، و الارتماس بالماء لو قلنا بكونه مفطرا. و أما تعمّد الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال فتجب فيه كفارته،

إذا كان الإفطار بالجماع، بل هو الأحوط وجوبا في جميع المفطرات التي تجب بها كفارة إفطار شهر رمضان. و أما تعمّد إفطار الصوم المنذور المضيّق، فتجب به كفارة اليمين مطلقا من دون فرق بين المفطرات، بل تجب حتي مع الإخلال بنيّة الصوم من دون استعمال المفطر.

(مسألة 45): إنما تجب الكفارة إذا كان الإفطار عن علم بحرمة الإفطار أو تردّد فيه، و أما إذا كان معتقدا لجوازه و لو تقصيرا فأفطر ثم تبيّن له حرمة الإفطار، لم تجب عليه الكفارة، نعم لا يفرق في وجوب الكفارة بين العلم حين استعمال المفطر بوجوبها و الجهل به.

(مسألة 46): كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيّرة بين عتق رقبة مؤمنة، و صوم شهرين متتابعين، و إطعام ستين مسكينا، بإعطاء كل مسكين مدّا من طعام أو إشباعه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 335

(مسألة 47): كفارة إفطار قضاء شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكل منهم مدّ، فإنّ عجز عن ذلك صام ثلاثة أيام متتابعة.

(مسألة 48): كفارة إفطار الصوم المنذور المعيّن كفارة الحنث بالنذر، و هي عتق رقبة مؤمنة أو إطعام عشرة مساكين، فإنّ عجز عن ذلك صام ثلاثة أيام متتابعة.

(مسألة 49): المدّ يساوي ثمانمائة و سبعين غراما تقريبا، و إذا دفع تسعمائة غرام كان احتياطا وافيا.

(مسألة 50): يجب علي من أفسد صومه في نهار شهر رمضان الإمساك عن المفطرات في بقية النهار، و إذا استعمل المفطر متعمّدا عصي و أثم، لكنه لا تجب عليه الكفارة لذلك، إلا في الجماع فإنّه إذا كرّره في نهار شهر رمضان فالأحوط وجوبا الكفارة لكل مرة.

(مسألة 51): إذا عجز عن خصال الكفارة الثلاث، فالأحوط وجوبا أن يجمع بين الصدقة بما يطيق، و الاستغفار،

فإنّ عجز عن الصدقة تعيّن الاستغفار، و إذا تصدق أو استغفر ثم قدر علي الكفارة لم يجب دفعها، إلا إذا كانت فترة العجز قصيرة غير معتدّ بها عرفا، و إن كان الأحوط استحبابا التكفير بعد التمكن مطلقا.

(مسألة 52): يجب في الإفطار علي الحرام كفارة الجمع بين الخصال الثلاث المتقدمة، فمن أفطر علي شرب الخمر في نهار شهر رمضان مثلا وجب عليه عتق رقبة و صوم شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا.

(مسألة 53): إذا أكره زوجته علي الجماع في صوم شهر رمضان كان عليه كفارتان و تعزيران- خمسون سوطا- فيتحمل كفارتها و التعزير عنها، و لا فرق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 336

في ذلك بين الزوجة الدائمة و المنقطعة، بل الأحوط وجوبا عموم الحكم للأمة.

(مسألة 54): إذا كان الزوج مفطرا لعذر فأكره زوجته الصائمة علي الجماع لم يتحمل عنها الكفارة و إن كان آثما بذلك.

(مسألة 55): إذا أفطر عمدا ثم سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة.

(مسألة 56): إذا علم من نفسه أنه قد أفسد صومه و تردد بين ما يجب فيه القضاء و الكفارة، و ما يجب فيه القضاء فقط لم تجب عليه الكفارة.

(مسألة 57): إذا علم أنه أفطر أياما و جهل عددها اقتصر في الكفارة علي القدر المعلوم، فإذا تردّد بين عشرة أيام أو عشرين يوما اقتصر علي العشرة فقط.

و إذا علم أنه أفطر عمدا و تردد بين أن يكون قد أفطر بالمحلّل فتجب عليه إحدي الخصال، و بين أن يكون قد أفطر بالمحرّم فيجب عليه الجمع بين الخصال، جاز له الاكتفاء بإحدي الخصال.

(مسألة 58): إذا علم أنه أفطر في يوم صوم، و تردّد صومه بين أن يكون من شهر رمضان، أو من

قضاء شهر رمضان، فإن كان قد أفطر قبل الزوال لم يجب عليه شي ء، و إن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا بنيّة ما في الذمة.

(مسألة 59): يجوز التبرع بالكفارة عن الميت، و لا فرق بين أن يكون التكفير بالصوم و أن يكون بغيره. أما الحي فيجوز التبرع عنه، بالكفارة إذا كان التكفير بغير الصوم و لا يجوز التبرع عنه إذا كان التكفير بالصوم.

(مسألة 60): تجب المبادرة إلي أداء الكفارة فإنّها بمنزلة التوبة عن المعصية.

(مسألة 61): إطعام الفقير في الكفارة يكون بأمرين، الأول: إشباعه و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 337

يعتبر فيه مقدار معيّن. الثاني: بإعطائه مدّا، و يكفي فيه جميع أنواع الطعام من دون فرق بين التمر، و الحنطة، و الدقيق، و الرز، و الماش، و غيرها. نعم الأحوط وجوبا في كفارة اليمين الاقتصار علي الحنطة و دقيقها و خبزها، إذا كان التكفير بالإعطاء، و أما إذا كان بالإشباع فيكفي جميع أنواع الطعام.

(مسألة 62): يجب في كفارة الإفطار إطعام ستين مسكينا، و كذا في سائر الكفارات فإنّه لا بد من مراعاة العدد، و لا يجزي إشباع مسكين واحد مرتين أو أكثر، و لا تسليمه مدّين أو أكثر عن كفارة واحدة. نعم إذا تعذّر إكمال العدد أجزأ التكرار علي فقير واحد، لكن مع التفريق علي أيام متعددة.

(مسألة 63): إذا تعددت الكفارة في ذمة المكلف جاز تكرارها علي الفقير الواحد بعددها، فإذا كان عليه كفارة إفطار عشرة أيام مثلا أجزأه إعطاء ستين مسكينا لكل مسكين عشرة أمداد.

(مسألة 64): إذا كان للفقير عيال جاز إعطاؤهم و عدّ كلّ منهم من الستين و إذا كان وكيلا عنهم، أو وليّا عليهم جاز تسليمه بعددهم، لكن

الطعام يكون ملكا لهم بعد قبضه فلا يجوز التصرف إلا بإذنهم إذا كانوا كبارا، و أما الصغار فيجب صرف حصصهم في مصالحهم.

(مسألة 65): إذا بذل الزوج لزوجته نفقتها لم يجز أخذها من الكفارة، سواء كان الزوج غنيا أم فقيرا، و كذا الحكم إذا لم يبذل لها نفقتها و لكنها كانت قادرة علي أخذها منه من دون محذور شرعي أو عرفي أو حرج، إلا أن تحتاج إلي نفقة غير لازمة علي الزوج فيجوز أخذها من الكفارة، كما يجوز لها ذلك إذا تعذر عليها أخذ نفقتها منه، أو لزم منه محذور أو حرج.

(مسألة 66): إذا ملك الفقير الطعام برئت ذمة المكفّر، و لا تتوقف براءة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 338

ذمته علي أكله للطعام، و علي ذلك يجوز للفقير بعد أن تملك الطعام أن يبيعه علي المكفّر و غيره.

(مسألة 67): إذا كان التكفير بالإعطاء و التمليك أجزأ إعطاء المدّ من الطعام للصغير، أما إذا كان التكفير بالإشباع فلا بد من أن يزيد الصغير بقدر فرق ما بين أكله و أكل الكبير، فإن لم يتيسر ضبط ذلك قام صغيران مقام كبير واحد. و لا بدّ من مراجعة ولي الصغير في الحالين.

(مسألة 68): يجب القضاء دون الكفارة في موارد:

الأول: ما مرّ من النوم الثاني و ما بعده للجنب حتي يطلع الفجر.

الثاني: إذا أفسد صومه بالإخلال بالنية من دون استعمال المفطّر أو بالكذب علي اللّه تعالي و النبي و الأئمة عليهم السّلام، أو بالاحتقان بالمائع، أو تعمّد القي ء.

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة يوما أو أياما.

الرابع: من استعمل المفطّر في شهر رمضان من دون مراعاة و فحص عن الفجر ثم تبيّن له أنه كان بعد طلوع الفجر، سواء اعتقد عدم

طلوعه أو شك في ذلك. أما إذا كان استعماله للمفطر بعد المراعاة بأن نظر بنفسه إلي الفجر فلم يره، فإنّه لا قضاء عليه و لا كفارة، هذا في شهر رمضان، أما في غيره من الصوم الواجب و المندوب، فيبطل الصوم مطلقا إذا تبيّن وقوع المفطر بعد الفجر، من دون فرق بين صورة المراعاة و غيرها. و يستثني من ذلك كلّه استعمال المفطر في أوائل طلوع الفجر بالمقدار اللازم عند الاستمرار بالأكل حتي يؤذّن المؤذن العارف بالفجر، فإنّه لا يضر بالصوم مطلقا.

(مسألة 69): إذا تعذرت المراعاة لحبس أو نحوه، أو علم بعدم رؤية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 339

الفجر مع المراعاة، لحجب الأفق بالسحب، أو لغلبة نور القمر أو الكهرباء، أو نحو ذلك فالظاهر عدم وجوب القضاء لو صادف طلوع الفجر حين استعمال المفطر في شهر رمضان.

(مسألة 70): إذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر من دون مراعاة، و يبني مع ذلك علي صحة الصوم في شهر رمضان و غيره. لكن إذا تبيّن طلوع الفجر لم يعتدّ بالصوم و وجب عليه القضاء كما سبق.

(مسألة 71): إذا شك في دخول الليل أو ظن به من دون حجة علي دخوله- مع التفاته لاحتمال عدم دخوله- لم يجز له الإفطار، و إذا أفطر كان آثما و عليه القضاء و الكفارة إلا إذا تبيّن أنّه كان بعد دخول الليل صح صومه و لا قضاء عليه. أما إذا اعتقد دخول الليل- و لو غفلة، لغيم أو غيره- أو قامت الحجة علي ذلك فأفطر، ثم تبيّن أنه لم يدخل بعد صح صومه و لا قضاء عليه و لا كفارة.

الخامس: إدخال الماء إلي الفم بمضمضة أو غيرها إذا سبق الماء

و دخل إلي جوفه فإنّه يجب عليه القضاء دون الكفارة، لكن إذا نسي الصوم فابتلعه فلا قضاء عليه، و هكذا إذا كانت المضمضة لوضوء الفريضة. و أما إذا كان الوضوء لنافلة فيجب القضاء، و لا فرق في ما تقدم بين صوم شهر رمضان و صوم غيره.

و أما إذا كان إدخال الماء لغرض معتد به غير الوضوء- كقطع الدم- فالأمر لا يخلو عن إشكال و الأحوط وجوبا القضاء.

السادس: سبق المني بملاعبة و نحوها مما يثير الشهوة إذا كان واثقا بعدم خروج المني بذلك، فإنّه يجب عليه القضاء دون الكفارة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 340

الفصل الخامس في شروط صحة الصوم

يشترط في صحة الصوم أمور:

الأول: الإسلام، بل الإيمان، فلا يصح الصوم من الكافر و الجاحد لولاية أهل البيت عليهم السّلام و إذا أسلم الكافر في أثناء النهار لم يصح صومه حتي في غير شهر رمضان، و كذا الحكم في الجاحد للولاية.

الثاني: العقل، فلا يصح الصوم من المجنون، و إذا ارتفع جنونه فجدد النية قبل الزوال فالأحوط وجوبا عدم صحة صومه، حتي في غير شهر رمضان.

الثالث: الخلوّ من الحيض و النفاس في تمام النهار، فلا يصح الصوم من المرأة إذا فاجأها الحيض أو النفاس في النهار، و هكذا إذا طهرت منهما في أثناء النهار.

(مسألة 72): الأحوط وجوبا عدم الاعتداد بالصوم مع طروء السكر أو الإغماء حتي مع نيّة الصوم قبلهما.

الرابع: عدم السفر إلي مسافة يجب فيها قصر الصلاة، و يستثني من ذلك موردان:

أحدهما: صوم ثلاثة أيام في الحج من العشرة أيام التي تجب علي المتمتع بالحج إذا لم يجد الهدي.

ثانيهما: صوم النذر المشروط إيقاعه في السفر، فإنّه يجب الوفاء به في السفر، و لو كان حين النذر حاضرا.

(مسألة 73): يجب علي

من أفاض من عرفات في الحج قبل الغروب أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 341

يكفّر ببدنة- و هي البعير- فإن لم يجد صام ثمانية عشر يوما، و قيل: له إيقاعها في السفر، و لكنه لا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا عدم إيقاعه في السفر.

(مسألة 74): الأقوي عدم مشروعية الصوم المندوب في السفر، إلا صوم الأربعاء و الخميس و الجمعة في ضمن عمل خاص لقضاء الحاجة في المدينة المنورة.

(مسألة 75): إذا لم يعلم بحرمة الصوم في السفر فصام صح صومه. و إن علم في الأثناء بطل صومه. و لا يلحق الناسي بالجاهل، فإنّه لا يصح منه الصوم في السفر مطلقا.

(مسألة 76): يصح الصوم من المسافر إذا كان حكمه التمام في الصلاة كناوي الإقامة و المسافر سفر معصية و نحوهما.

(مسألة 77): عدم المرض الذي يضرّ به الصوم، فلا يصح الصوم من المريض الذي يضرّ به الصوم، سواء أ كان الضرر بشدة المرض أم طول فترة علاجه كل ذلك بالمقدار المعتدّ به عرفا، كما انه لا يصح الصوم من الصحيح إذا كان موجبا لحدوث مرض له. أما المريض الذي لا يضرّ الصوم بمرضه فيصح منه الصوم و يجب عليه.

(مسألة 78): الضعف المؤقت ليس مرضا و لا مسوّغا للإفطار و إن كان شديدا، إلا أن يكون تحمّله حرجيا فيجوز به الإفطار. نعم إذا لزم استحكام الضعف المعتدّ به بحيث لا يزول بمضي أيام الصوم أو يحتاج إلي علاج طويل فهو نوع من المرض المسوّغ للإفطار.

(مسألة 79): إذا لم يطق المكلف الصوم إلا بترك العمل اللازم لمعاشه، فإن أمكن تهيئة المعاش بدونه باستيهاب أو دين أو غيرهما من دون حرج لزم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 342

و

وجب الصوم و إلا جاز الإفطار. نعم إذا لم يستلزم من الصوم مع العمل إلا العطش الذي لا يتحمّل عادة وجب الصوم، و كان له شرب الماء بحيث يرفع ضرورته و لا يرتوي، و يصح صومه فلا يجب عليه القضاء.

(مسألة 80): إذا اعتقد المكلف أن الصوم لا يضر به فصام فتبين كونه مضرا صحّ صومه أما إذا صام مع اعتقاد الضرر أو خوفه فإن صادف تحقق الضرر بطل صومه، و إن صادف عدم تحققه و أمكنه قصد القربة- لعدم كون الضرر المحتمل بمرتبة يحرم الوقوع فيها أو للجهل بحرمة الصيام حينئذ- صح صومه.

(مسألة 81): قول الطبيب العارف غير المتهم حجة يصح الاعتماد عليه في إثبات الضرر و إن لم يحصل من قوله الخوف، إلا مع العلم أو الطمأنينة بخطئه، و أما إذا أخبر بعدم الضرر فمع عدم حصول الخوف بالضرر لا إشكال في وجوب الصوم. و أما مع حصول الخوف بالضرر فالظاهر جواز الإفطار، إلا أن يكون الخوف غير عقلائي فلا اعتبار به حينئذ.

(مسألة 82): إذا بري ء المريض من مرضه قبل الزوال، فإن لم يستعمل المفطر و لم يكن عاصيا بإمساكه فالأحوط وجوبا له تجديد النية ثم القضاء. نعم إذا انكشف بإمساكه أنّه لم يكن يضره الصوم في بعض النهار صح صومه و لم يحتج إلي القضاء.

(مسألة 83): يصح الصوم من الصبي كغيره من العبادات.

(مسألة 84): لا يصح الصوم المندوب ممن عليه قضاء شهر رمضان عن نفسه، أما إذا كان مستأجرا عن غيره في القضاء فلا بأس بأن يصوم ندبا، و كذا إذا كان عليه غير قضاء شهر رمضان من أقسام الصوم الواجب- كصوم الكفارة و النذر. و كذا يجوز لمن عليه قضاء شهر رمضان

أن يكون أجيرا عن غيره، في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 343

الصوم المندوب و الواجب، و له أداؤهما حينئذ، نعم يشكل أن يؤدي عن غيره- تبرعا و بلا إجارة- الصوم المندوب أو الواجب.

(مسألة 85): يشترط في وجوب صوم شهر رمضان البلوغ، و العقل، و الحضر، و عدم المرض، و الخلو من الحيض و النفاس. و يلحق بصوم شهر رمضان في ذلك قضاءه و الصوم المنذور. أما صوم الاستئجار فلا يشترط في وجوبه غير البلوغ و العقل، و علي هذا فإذا آجر نفسه لصوم شعبان مثلا لم يجز له السفر، و لا إيقاع نفسه في المرض، و لا إيقاع المرأة نفسها في الحيض و النفاس بالوجه الخارج عن المتعارف. و هذا بخلاف صوم شهر رمضان و ما الحق به.

(مسألة 86): إذا صام الصبي تطوّعا ثم بلغ في أثناء النهار لم يجب عليه الإتمام و إن كان هو الأحوط استحبابا.

(مسألة 87): إذا صار الزوال علي الصائم و هو مسافر فإن كان قد نوي السفر من الليل بطل صومه، و إن بدا له بعد الفجر السفر أو كان سفره بعد الزوال صح صومه و وجب عليه الإتمام.

(مسألة 88): إذا دخل المسافر بلده قبل الزوال و لم يكن قد استعمل المفطر وجب عليه تجديد نيّة الصوم و يصح منه، و كذا إذا نوي الإقامة قبل الزوال في سفره. و أما إذا دخل بلده أو نوي الإقامة في سفره بعد الزوال، أو كان قد استعمل المفطّر قبل الدخول لبلده أو قبل نيّة الإقامة فلا يصح منه الصوم، و إن كان الأحوط استحبابا له الإمساك إلي الغروب.

(مسألة 89): لا يجوز لمن عزم علي السفر أن يفطر في بلده، بل لا

يجوز له الإفطار إلا بعد الوصول لحدّ الترخص، و إذا أفطر قبل ذلك عالما بالحرمة وجبت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 344

عليه الكفارة.

(مسألة 90): المراد من كون السفر قبل الزوال أو بعده علي الخروج من البلد لا الخروج من حدّ الترخص. فمن نوي السفر من الليل إذا خرج من بلده قبل الزوال أفطر، و إن كان خروجه من حدّ الترخص بعد الزوال.

(مسألة 91): يجوز السفر في شهر رمضان، و لو للفرار من الصوم، و لكنه مكروه و ترتفع الكراهة في السفر لحج، أو عمرة، أو غزو في سبيل اللّه، أو في سبيل مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه، أو أخ يريد توديعه، أو كل حاجة لا بدّ منها. كما تخفّ الكراهة في السفر بعد مضي ثلاث و عشرين ليلة من شهر رمضان.

(مسألة 92): يجوز السفر لمن عليه قضاء شهر رمضان، أو صوم منذور، و إن تضيق وقتهما كما أن من كان مسافرا لا يجب عليه نيّة الإقامة أو العود إلي بلده من أجل تحقيق الصوم المذكور، نعم في بقية أقسام الصوم لا يجوز السفر إذا كان مفوتا للصوم، كما يجب علي المسافر نيّة الإقامة إذا توقف عليها تحقيق الصوم.

(مسألة 93): يجوز للمسافر في شهر رمضان الجماع، و التملّي من الطعام و الشراب في النهار علي كراهة في الجميع، بل الأحوط استحبابا ترك ذلك، و لا سيّما الجماع.

الفصل السادس الرخصة في الإفطار

وردت الرخصة في الإفطار لأشخاص:

الأول و الثاني: الشيخ و الشيخة إذا كان الصوم حرجا أو متعذرا عليهما،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 345

و عليهما الفدية عن كل يوم بمدّ، و لا قضاء عليهما. نعم يشرع لهما الصوم مع القدرة و عدم الضرر، بل هو أفضل.

(الثالث):

ذو العطاش، و يجري عليه حكم الشيخ و الشيخة، و المراد به من به داء العطش. أما من يعطش اتفاقا من دون مرض فلا يشرع له الإفطار، بل يشرب بقدر ضرورته و يبقي علي الصوم، كما تقدم في المسألة (43) من الفصل الثالث.

(الرابع): الحامل المقرب إذا كان الصوم مجهدا لها- بسبب طبيعة الحمل- من دون أن يضرّ بها أو بحملها، فإنّه يسوغ لها الإفطار و عليها الفدية عن كل يوم بمدّ مع القضاء، فإن فرّطت في القضاء في أثناء السنة وجبت عليها فدية أخري علي ما يأتي تفصيله في المسألة (110) في أحكام القضاء.

(مسألة 94): إذا أضر الصوم بالحامل أو بحملها وجب عليها الإفطار و القضاء في أثناء السنة، فإن لم تقض وجبت عليها الفدية، من غير فرق بين الحامل المقرب و غيرها.

(الخامس): المرضعة إذا أضر الصوم بلبنها بحيث يقلّ جدا، أو ينقطع و لا يعود بعد- كما هو الغالب- فيجوز لها الإفطار، و تجب عليها الفدية و القضاء، فإن لم تقض حتي جاء رمضان الآخر وجبت عليها فدية أخري علي ما يأتي في المسألة (110) من الفصل الثامن في أحكام القضاء.

(مسألة 95): إذا لم يضرّ الصوم بلبن المرضعة بالنحو المتقدم، لكن تعذّر عليها الجمع بين الرضاع و الصوم، إما لأنّه يضرّ بها، أو لأنه يضرّ بلبنها، مؤقتا فيضرّ برضيعها، فإن أمكن أن يستغني عنها رضيعها وجب عليها الصوم، و إلا عليها الفدية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 346

(مسألة 96): لا يجزئ الإشباع عن المدّ في الفدية في المقام و غيره، بل يختص الإشباع بالكفارة.

(مسألة 97): الفدية هي التصدق عن كل يوم بمد علي الفقير، و الأفضل مدّان، و أن يكونا من الحنطة.

الفصل السابع في ثبوت الهلال

يثبت

الهلال بأمور:

الأول: العلم الحاصل من الرؤية، أو التواتر، أو الشياع، أو مضي ثلاثين يوما من الشهر الماضي، فيثبت هلال شهر رمضان بمضي ثلاثين يوما من شهر شعبان، و يثبت هلال شوال بمضي ثلاثين يوما من شهر رمضان.

الثاني: شهادة العدلين برؤيتهما له، إذا لم يكن هناك ما يوجب الريب في صدقهما و يكون أمارة علي خطئهما.

الثالث: رؤيته قبل الزوال، فإنّه- لو حصل و لو نادرا- يبني علي أن الهلال لليلة الماضية و أن يوم رؤيته أول الشهر.

(مسألة 98): لا يشترط في ثبوت الهلال بشهادة العدلين أن يشهدا عند الحاكم الشرعي، بل كل من علم بشهادتهما يجوز له الاعتماد عليهما.

(مسألة 99): وجود الهلال في بلد يوجب دخول الشهر فيه و في جميع البلدان الغربية بالإضافة إليه. بل و كذا في البلاد الشرقية بالإضافة إليه، إذا كان البلد الذي ظهر فيه الهلال من بلدان العالم القديم- و هو القارات الثلاث آسيا، إفريقيا، أوربا- دون بلاد الإمريكيتين، فإن ظهور الهلال فيها لا يوجب ثبوت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 347

الشهر في البلاد الشرقية بالإضافة إليها.

(مسألة 100): لا يثبت الهلال بشهادة النساء، و لا بشهادة العدل الواحد و لو انضمّ إليها اليمين، و لا بقول المنجمين، و لا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية كما إذا استندا إلي الحدس، كما لا يثبت بتطوّقه، و لا بغيبوبته بعد الشفق أنّه لليلة ثانية، و لا بغير ذلك.

الفصل الثامن في أحكام قضاء شهر رمضان

(مسألة 101): لا يجب قضاء ما فات من الصيام في زمن الصبا، أو في حال الجنون أو الإغماء، أو الكفر، و يجب قضاء ما فات من الصيام لحيض، أو نفاس، أو نوم، أو سكر، أو مرض أو غير ذلك.

(مسألة 102): المخالف إذا استبصر فإن

كان قد صام علي طبق مذهبه أو مذهب غيره مع تأتّي قصد القربة منه و لو تقصيرا، فلا يجب عليه إعادته، نعم إذا لم يصم في فترة مخالفته وجب عليه القضاء.

(مسألة 103): إذا شك في أنه هل صام يوما من شهر رمضان أو أكثر، أو لم يصم بني علي انّه قد صام. نعم إذا رجع شكه إلي احتمال كونه مسافرا أو مريضا، و كان مسبوقا بالسفر أو المرض فالأحوط وجوبا قضاء ما يشك في أدائه. و أمّا إذا لم يكن مسبوقا بالسفر أو المرض، فلا إشكال في أنه يبني علي أنه قد صام و لا يجب القضاء. و هكذا إذا علم أنّه قد فاته الصيام و شكّ في عدد الأيام الفائتة فإنّه يبني علي الأقل، إلا إذا رجع شكه إلي الشك في السفر أو المرض فيأتي التفصيل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 348

المتقدم.

(مسألة 104): لا يجوز تأخير قضاء شهر رمضان عن شهر رمضان اللاحق، و إذا أخّره مع القدرة عليه أثم و وجبت عليه الفدية و يبقي في ذمته، لكن يكون موسّعا إلي آخر العمر.

(مسألة 105): إذا كان عليه أيام من شهر رمضان معيّن لا يجب الترتيب بينها في القضاء، و لا التعيين، بل لو عيّن لم يتعين، و كذا إذا كان عليه أيام من أشهر متعددة.

(مسألة 106): إذا كان عليه قضاء شهر رمضان من سنته- التي تجب المبادرة إليها- و قضاء شهر رمضان من سنة سابقه- لا تجب المبادرة إليها- لم يقع عن خصوص أحدهما إلا بقصده و تعيين الصوم له. و مع عدم التعيين يصح الصوم، و تبرأ ذمته بالمقدار الذي أتي به، من دون أن يتعين لأحدهما، و حينئذ لا تفرغ

ذمته من كل من الشهرين- السابق و اللاحق- إلا بالإتيان بما يستوعبهما معا.

(مسألة 107): إذا وجبت المبادرة لأحد الصومين دون الآخر، فصام الذي لا تجب المبادرة إليه دون الآخر صح صومه و أثم بتأخيره لما تجب المبادرة له.

(مسألة 108): لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كالكفارة و النذر، فله تقديم أيهما شاء.

(مسألة 109): إذا لم يصم المكلف لمرض، أو حيض، أو نفاس، و مات قبل أن يتمكن من القضاء لم يجب القضاء عنه.

(مسألة 110): من فاته شهر رمضان لعذر و استمر به العذر إلي شهر رمضان الثاني، فله صورتان:

الاولي: أن يستمرّ العذر الاضطراري كالمرض، و الحيض، و النفاس، و السفر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 349

الذي يضطر إليه، و حكمها سقوط القضاء و وجوب الفدية بدله، نعم يستحب القضاء بعد ذلك. و لا فرق في الحكم المذكور بين استمرار عذر واحد كالمرض، و تعاقب أعذار متعددة. إذ المدار علي تعذّر القضاء في أثناء السنة.

الثانية: أن يستمر أو يتخلل العذر الاختياري كالسفر الاختياري، و كالحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن إذا لم يضرّ بهما الصوم و لا بولدهما- حيث يجوز لهما الإفطار و لا يجب-، و حكمها بقاء وجوب الصوم في السنين اللاحقة علي الأحوط و وجوب الفدية.

(مسألة 111): من تمكن من القضاء في أثناء السنة و لم يقض تهاونا و لو بتخيّل استمرار القدرة عليه فعجز حتي دخل شهر رمضان الثاني، ثبت القضاء في ذمته، و وجبت عليه الفدية- بمدّ من طعام لكل يوم- لتركه المبادرة إلي القضاء في أثناء السنة. و لا فرق في ذلك بين أن يكون وجوب القضاء بسبب الإفطار عصيانا، أو لعذر من سفر و

غيره. و علي هذا فمن تعمّد الإفطار سنين متعددة وجب عليه القضاء و كفارة الإفطار و الفدية لتركه القضاء في أثناء السنة.

(مسألة 112): إذا أخر قضاء شهر رمضان واحد سنين متعددة لم يجب عليه إلا فدية واحدة للسنة الأولي.

(مسألة 113): يجوز في قضاء شهر رمضان الإفطار قبل الزوال مع سعة وقت القضاء، و لا يجوز بعد الزوال و قد تقدم أن فيه الكفارة.

(مسألة 114): يحرم الإفطار بعد الزوال في كل صوم وجب بعنوان كونه صوما، كصوم عشرة أيام بدل الهدي، و صوم الكفارة المرتّبة، لكن لا تجب فيه الكفارة، و إن كان يجوز الإفطار قبل الزوال، أما الصوم المنذور الموسع، و الإجارة، و نحوهما مما وجب بعنوان آخر غير الصوم فيجوز فيه الإفطار متي شاء. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 350

الحال في صوم الكفارة المخيّرة و الصوم المندوب.

(مسألة 115): يجوز إعطاء فدية أيام متعددة من شهر واحد، و من شهور متعددة إلي فقير واحد.

(مسألة 116): تجب فدية شهر رمضان علي الشخص نفسه، و لا يتحمّلها عنه المعيل به، و لا من وجبت نفقته عليه، فلا يتحملها الزوج عن زوجته و لا الأب عن ولده.

(مسألة 117): لا تجزئ القيمة في الفدية، بل لا بدّ من إعطاء الطعام إلي الفقير، و كذا الحكم في الكفارات، نعم تفترق الكفارات في الاجتزاء فيها بالإشباع، و لا يجزئ ذلك في الفدية.

(مسألة 118): إذا انشغلت ذمة الرجل بصوم فمات قبل الإتيان به وجب علي وليه قضاؤه عنه، سواء فاته تسامحا أم لعذر يجب معه القضاء، نعم لا بدّ من كون الميت عازما قبل موته علي القضاء و إن لم يقض تسويفا. أما إذا كان متمرّدا غير عازم عليه

فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه. و لا يجب القضاء عن المرأة.

(مسألة 119): إذا فاته ما لا يجب قضاؤه لم يجب علي وليّه القضاء.

(مسألة 120): المراد بالولي هو الوارث الذكر من دون فرق بين طبقات الميراث. و لا يجب القضاء علي الإناث، و قد تقدم في قضاء الصلاة بعض الفروع المتعلقة بذلك فإنهما من باب واحد.

(مسألة 121): القاضي عن غيره لا يلحقه حكم القضاء عن نفسه، فيجوز له الإفطار متي شاء و لا كفارة عليه.

(مسألة 122): يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع و كفارة التخيير، و يكفي في حصوله صوم الشهر الأول و يوم من الشهر الثاني من دون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 351

فصل، ثم له بعد ذلك إتمام الشهر الثاني مع تخلل الإفطار، و يستثني من ذلك كفارة القتل في الحرم أو في الشهر الحرام، فإنّه يجب فيها صوم شهرين من الأشهر الحرم متتابعين تتابعا تامّا من دون فصل في الإفطار.

(مسألة 123): إذا شرع في الصوم الذي يجب فيه التتابع ثم اضطر للإفطار لعذر طارئ، لم يضرّ ذلك في التتابع، فإذا ارتفع العذر رجع إلي الصوم حتي يتمّ له العدد المعتبر من دون حاجة لإعادة ما أتي به قبل طروء العذر، و لا فرق في العذر بين ما لا يكون بفعله كالحيض، و ما يكون بفعله كالسفر المضطرّ إليه، نعم في غير الحيض لا بدّ من كون العذر مانعا من الصوم عرفا، لا مانعا من التتابع من دون أن يمنع من أصل الصوم، كما لو ابتلي بمرض لا يتمكن معه من الاستمرار في الصوم أكثر من عشرة أيام، أو كان قد نذر أن يصوم كل خميس أو نحوهما.

بل الظاهر تعذّر التكفير

بالصوم حينئذ.

(مسألة 124): إذا نذر صوم شهرين متتابعين لزم التتابع التام، إلا أن يكون قصد الناذر التتابع الشرعي فيجزي ما تقدم من التتابع في شهر و يوم ثم جواز التفريق اختيارا. نعم مع إطلاق النذر لا يضرّ بالتتابع الإفطار عن عذر فيمضي في صومه بعد ارتفاع العذر حتي يتم الشهرين، إلا أن ينص الناذر علي عدم الاجتزاء بذلك بحيث يرجع نذره إلي نذر استئناف الصوم بعد ارتفاع العذر.

(مسألة 125): إذا نذر صوم شهر متتابعا أجزأه أن يصوم خمسة عشر يوما متتابعا، ثم يفرّق الباقي إن شاء. و لا يضرّ بتتابع الخمسة عشر يوما الفصل بعذر غالب.

(مسألة 126): إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يبدأ به في وقت يعلم بفصل التتابع بالعيد أو أيام التشريق لمن كان في مني، و كذا الحكم مع الشك في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 352

ذلك بل هو الأحوط وجوبا مع الغفلة عن ذلك، فإذا صام غفلة و اتفق تخلّل العيد لزمه الاستئناف علي الأحوط. و يستثني من ذلك صوم ثلاثة أيام بدل الهدي إذا شرع فيها يوم التروية و عرفة فإن الأحوط وجوبا أن يأتي باليوم الثالث بعد العيد، أو بعد أيام التشريق لمن كان بمني، أما إذا شرع يوم عرفة فيجب عليه الاستئناف بعد العيد و أيام التشريق.

(مسألة 127): إذا نذر أن يصوم شهرا أو أياما معدودة، فلا يجب فيها التتابع إلا إذا اشترط ذلك صريحا، أو كان النذر منصرفا إليه.

(مسألة 128): إذا نذر صوما متتابعا ففاته، فالظاهر عدم وجوب التتابع في قضائه، و إن كان هو الأحوط استحبابا، و أظهر من ذلك ما إذا لم يؤخذ التتابع قيدا في المنذور، بل كان لازما له

خارجا كما لو نذر صوم شهر معين كصوم شهر رجب فلا يجب التتابع في قضائه.

(مسألة 129): الصوم من المستحبات المؤكدة، و قد تقدم في أول الكتاب بيان فضله و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من صام يوما تطوّعا ابتغاء ثواب اللّه وجبت له المغفرة». و له أفراد كثيرة عدا الأيام التي يأتي حرمة صومها. و المؤكدة منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر، و الأفضل في كيفيتها صوم أول خميس من الشهر و آخر خميس منه و أول أربعاء من العشر وسط الشهر، و صوم يوم الغدير فإنّه يعدل مائة حجة و مائة عمرة مبرورات متقبلات، و صوم يوم المولد النبوي الشريف، و يوم مبعثه صلّي اللّه عليه و آله، و يوم دحو الأرض و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة، و يوم عرفة لمن لا يضعفه الصوم عن الدعاء مع عدم الشك في الهلال، و يوم المباهلة و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة، و تمام شهر رجب، و تمام شعبان، و بعض كل منهما علي اختلاف الأيام في الفضل، و يوم النيروز، و أول يوم من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 353

محرّم، و ثالثه، و سابعه، و كل خميس و كل جمعة إذا لم يصادفا عيدا.

(مسألة 130): يكره الصوم في موارد:

1- صوم يوم عرفة لمن يخاف أن يضعفه عن الدعاء، أو كان الهلال مشكوكا بحيث يحتمل كونه عيدا.

2- صوم الضيف نافلة بدون إذن مضيّفه.

3- صوم الولد نافلة بدون إذن والده.

(مسألة 131): يحرم صوم العيدين و أيام التشريق لمن كان بمني، و لو بعض النهار علي الأحوط وجوبا. و يستثني من ذلك من وجب عليه صوم شهرين

متتابعين من أشهر الحرم، و هو من قتل في الأشهر الحرم، أو في الحرم، فإنّه يجب فيه التتابع التام و إن استلزم صوم الأيام المذكورة. و يحرم أيضا صوم يوم الشك علي أنه من شهر رمضان. و صوم نذر المعصية بأن ينذر الصوم شكرا علي فعل حرام، أو ترك واجب، أما إذا نذر الصوم ليكون تثبيطا له عن الحرام و زاجرا له عن المعصية فلا بأس به، و يحرم صوم الوصال، و هو صوم الليل و النهار، و لا بأس بتأخير الإفطار في الليلة إلي اليوم الثاني إذا لم يكن عن نيّة الصوم، و الأحوط استحبابا اجتنابه.

و الأحوط استحبابا للزوجة أن لا تصوم إلا بإذن الزوج إذا لم يناف حقه، و أما إذا نافي حقه فلا يجوز لها الصوم.

و نسأله تعالي التوفيق و السداد، إنه حسبنا و نعم الوكيل.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 354

خاتمة في الاعتكاف

اشارة

و هو التعبد للّه تعالي باللبث في المسجد و المكث فيه. و الأحوط استحبابا أن يكون بقصد عبادة أخري من صلاة أو قراءة أو ذكر أو دعاء.

و الكلام فيه يكون في ضمن فصول.

الفصل الأول في شروطه

يشترط في الاعتكاف- مضافا إلي الإيمان و العقل أمور:

الأول: النية. و هي القصد للمكث في المسجد و عدم الخروج منه إلا لحاجة، و أن يكون ذلك قربة للّه تعالي، كسائر العبادات علي النحو المعتبر فيها. و وقتها عند طلوع الفجر. و يشكل تقديمها في الليل إذا نوي أنه سيكون معتكفا عند طلوع الفجر، بل الأحوط وجوبا حينئذ تجديد النية. نعم إذا نوي الاعتكاف المشروع علي إجماله من أثناء الليل أو عند الفجر أجزأه ذلك و لا يضرّه الغفلة أو النوم حين طلوع الفجر.

(مسألة 132): لا يجوز العدول من اعتكاف لآخر اتفقا في الوجوب أو الندب أو اختلفا، سواء كانا معا عن نفسه أم عن غيره أم مختلفين.

الثاني: الصوم، فلا يصح بدونه، و يترتب علي ذلك أنه لا يصح في زمان أو حال لا يصح فيه الصوم، كيوم العيد و كما لو كان المعتكف مسافرا.

(مسألة 133): يكفي الصوم لغير الاعتكاف كصوم شهر رمضان و قضائه، و صوم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 355

النذر و الإجارة و غيرهما.

الثالث: العدد، فلا يشرع اعتكاف أقل من ثلاثة أيام و يجوز ما زاد علي ذلك حتي يبلغ خمسة فيجب اليوم السادس. قيل: و كلما زاد يومين وجب الثالث.

و هو لا يخلو عن إشكال، و إن كان الأحوط وجوبا العمل عليه.

(مسألة 134): لا بدّ من دخول الليلتين المتوسطتين دون المتطرّفتين، إلا أن ينوي ضمّهما.

الرابع: أن يكون في المسجد الجامع في البلد، و هو الذي يجتمع فيه عموم

أهل البلد، دون الذي يختص به أهل محلة خاصة أو منطقة خاصة كمسجد المحلة و السوق. و الأحوط وجوبا مع ذلك أن يكون مما صلّي فيه صلاة جماعة صحيحة و لو سابقا. و الأحوط استحبابا الاقتصار مع الإمكان علي المسجد الحرام و مسجد المدينة و مسجد الكوفة و مسجد البصرة.

(مسألة 135): لا بدّ من وحدة المسجد الذي يعتكف فيه، و لا يشرع الاعتكاف الواحد في أكثر من مسجد واحد.

(مسألة 136): لو تعذر إتمام الاعتكاف في المسجد الذي أوقعه فيه لم يجز إتمامه في غيره، بل يبطل. و تجب إعادته- في المسجد المذكور بعد ارتفاع المانع أو في مسجد آخر- إن كان واجبا موسعا بنذر و نحوه. أما لو لم يكن واجبا أو كان واجبا مضيّقا و قد خرج وقته فلا يجب تداركه.

(مسألة 137): إذا قصد الاعتكاف في مكان خاص من المسجد لغي قصده و لم يجب الالتزام به.

الخامس: إذن من يعتبر إذنه كالزوج في اعتكاف الزوجة إذا نافي حقه أو كان مستلزما للخروج من بيتها، كما إذا لم تكن سكناهما في المسجد، و الأبوين في اعتكاف الولد إذا كان عقوقا لهما و قطيعة عرفا و لو بأن يكونا في حاجة لقربه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 356

منهما و كان قادرا علي ذلك من دون محذور شرعي أو عرفي، و المولي في اعتكاف عبده إذا نافي حقه.

(مسألة 138): المشهور أن من شروط الاعتكاف استدامة اللبث في المسجد و عدم الخروج إلا لحاجة لا بدّ منها، فلو خرج لغير ذلك بطل اعتكافه. لكنه غير ظاهر. بل الظاهر أن حقيقة الاعتكاف هي فرض المكلف علي نفسه اللّبث بنحو الاستدامة، نظير فرض الإحرام عن المحرّمات المعهودة. فلو نوي

الاعتكاف بنحو يحقّ له الخروج لم ينعقد الاعتكاف، و كان ما نواه لاغيا. فإذا فرض علي نفسه الاعتكاف بنحو الاستدامة و انعقد اعتكافه حرم عليه الخروج ما دام معتكفا. لكنه لو خرج بلا مسوّغ من دون فسخ للاعتكاف كان خروجه محرّما من دون أن يبطل اعتكافه، فحرمة الخروج من أحكام الاعتكاف من دون أن يكون الخروج مبطلا له. نعم لو طالت المدة ففي صحة الاعتكاف إشكال.

و الأحوط وجوبا البقاء عليه برجاء الصحة، أو فسخه إذا بقي محل الفسخ. ثم القضاء إن كان واجبا، كالمنذور.

(مسألة 139): لا يبطل الاعتكاف بلبس المعتكف اللباس المغصوب أو الجلوس علي الفراش المغصوب. بل الظاهر عدم بطلان الاعتكاف بمزاحمة من سبق إلي مكان في المسجد، فإذا أزال المعتكف من سبق إلي المكان و جلس بدله لم يبطل اعتكافه.

الفصل الثاني في حكم الاعتكاف

الاعتكاف مندوب في نفسه. و قد يجب بالعارض من نذر أو شبهه. فإذا شرع فيه المكلف و كان واجبا معيّنا- كما لو نذر الاعتكاف في أيام خاصة- أو موسّعا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 357

تضيّق وقته- كما لو نذر الاعتكاف في شهر فاعتكف في آخره- وجب الاستمرار فيه و إكماله، و إن كان موسّعا لم يتضيق وقته أو كان مندوبا جاز قطعه قبل إكمال يومين منه، فإذا أكمل يومين وجب الثالث و لا يجوز فسخ الاعتكاف، إلا أن يشترط عند عقد نيّة الاعتكاف أنه له فسخه و الرجوع عنه متي شاء، فله الفسخ حينئذ حتي بعد إكمال اليومين.

(مسألة 140): الظاهر أن له اشتراط الرجوع و الفسخ متي شاء و إن لم يكن له عذر أو حاجة.

(مسألة 141): إذا شرط الرجوع لنفسه حين عقد نيّة الاعتكاف، ثم أسقط شرطه لم يسقط، و جاز

الرجوع.

(مسألة 142): يتأكد استحباب الاعتكاف في شهر رمضان، و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين و عمرتين» و أفضله العشر الأواخر منه، ففي الصحيح: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبة من شعر، و شمّر المئزر و طوي فراشه».

الفصل الثالث في أحكام المعتكف

يحرم علي المعتكف أمور:

الأول: الخروج من المسجد إلا أن يكون لضرورة شرعية أو عرفية. و إذا خرج لضرورة اقتصر علي أدائها ثم يرجع. و لا يصلي إلا في المسجد، إلا في مكة، فإنّه يجوز له أن يصلي في بيوتها إذا خرج. بل قد يدعي جواز الخروج له من مسجدها اختيارا، و إن كان الأحوط وجوبا تركه.

(مسألة 143): يجوز للمعتكف الخروج لعيادة المريض المؤمن، أو حضور

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 358

جنازة المؤمن، و يجب عليه المبادرة بالرجوع.

(مسألة 144): الأحوط وجوبا مع طول مدة الخروج البقاء عليه برجاء صحته أو فسخه إذا بقي محل الفسخ نظير ما سبق في المسألة السابعة من الفصل الأول.

الثاني: الجماع قبلا و دبرا ليلا و نهارا للرجل و المرأة، و الأحوط وجوبا إلحاق اللمس و التقبيل بشهوة به، و كذا الاستمناء بغير الجماع.

(مسألة 145): إذا جامع المعتكف وجب عليه كفارة إفطار شهر رمضان لإبطال الاعتكاف، و قد تجب عليه كفارة أخري لحنث النذر إذا كان الاعتكاف منذورا مضيّقا، و كفارة ثالثة لإبطال الصوم إذا كان الصوم مما يجب في إبطاله الكفارة.

الثالث: شم الطيب مع التلذذ، بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. و كذا شم الريحان «1» مع التلذذ. و لا ضرر فيهما إذا كان فاقدا لحاسة الشم.

الرابع: البيع و الشراء،

بل مطلق التجارة المبنية علي الاسترباح علي الأحوط وجوبا كالإجارة و الصلح، دون مثل الهبة للغير و الاستيهاب منه و الدين و وفائه و غيرها.

(مسألة 146): لا بأس بالتوكيل في البيع و الشراء، إذا ابتني علي تولّي الوكيل للمعاملة بتمام شؤونها، أما التوكيل في خصوص إجراء العقد مع تحديد خصوصيات المعاملة من قبل المعتكف فالأحوط وجوبا تركه، إلا أن يكون التوكيل سابقا علي الاعتكاف.

(مسألة 147): إذا اضطر للبيع و الشراء أو لزم من تركهما الحرج و تعذر التوكيل جاز إيقاعهما.

الخامس: المماراة، و هي الجدال و المخاصمة في الكلام، فتحرم إذا كانت بقصد الغلبة و إظهار الفضيلة، بل مطلقا و إن كانت لإظهار الحق علي الأحوط

______________________________

(1) كل نبات طيب الرائحة. مجمع البحرين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 359

وجوبا.

(مسألة 148): يفسد الاعتكاف بما يفسد الصوم، و كذا بالجماع ليلا و بالخروج الطويل من المسجد علي الأحوط وجوبا، و الظاهر عدم بطلانه بغير ذلك من المحرمات المتقدمة.

(مسألة 149): إذا فسد الاعتكاف فإن كان واجبا موسّعا وجب تداركه. و هو الأحوط وجوبا لو كان واجبا مضيّقا. و إن كان مندوبا لم يجب تداركه لو كان فساده في اليومين الأوّلين، و الأحوط وجوبا تداركه إن كان فساده في اليوم الثالث. و الأحوط وجوبا الفور في القضاء.

(مسألة 150): إذا اعتكف في زمان لا يسع الاعتكاف لم يجب القضاء كما لو صادف العيد في ثالث أيام الاعتكاف. نعم إذا كان الاعتكاف واجبا موسّعا وجب التدارك، بل هو الأحوط وجوبا لو كان موسّعا فتضيّق وقته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 361

كتاب الزّكاة

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 363

كتاب الزكاة و هي إحدي الدعائم التي بني عليها الإسلام، و إحدي الفرائض

العظام التي افترضها اللّه علي عباده رحمة لهم و في وصية أمير المؤمنين عليه السّلام: «اللّه في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم» و قد قرنها اللّه تعالي بالصلاة، ففي الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «قال: إن اللّه قرن الزكاة بالصلاة فقال أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ فمن أقام الصلاة و لم يؤت الزكاة فكأنه لم يقم الصلاة»، و عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام: «قال: من منع قيراطا من الزكاة فليس هو بمؤمن و لا مسلم و لا كرامة» و عنه: «قال: من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديّا أو نصرانيّا» و قد فرضها اللّه علي عباده تطهيرا لهم و تزكية لأنفسهم، و تحصينا لأموالهم و نماء لأرزاقهم. و هي حق جعله اللّه للفقراء في أموال الأغنياء فإن منعوها غصبوهم حقهم، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: «إن اللّه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما منع غني، و اللّه تعالي سائلهم عن ذلك». فطوبي لمن أداها طيبة نفسه رغبة في ما عند اللّه و طلبا للمزيد من فضله، و منه تعالي الخلف، فعن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام: «ما أدّي أحد الزكاة فنقصت من ماله، و لا منعها أحد فزادت في ماله».

و منه تعالي نستمد التوفيق لنا و للمؤمنين، و هو أرحم الراحمين.

و يقع البحث في الزكاة في ضمن مقصدين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 364

المقصد الأول في زكاة المال

اشارة

و فيها مباحث

المبحث الأول في شروط وجوبها

و هي أمور:

الأول: البلوغ.

الثاني: العقل.

الثالث: الحريّة، فلا تجب علي من هو صبي أو مجنون أو عبد حال تعلّق الوجوب أو في أثناء الحول. نعم لا يمنع منها السكر و الإغماء و نحوهما مما يفقد معه العقل موقّتا من دون أن يصدق اختلاط العقل أو الإصابة فيه.

الرابع: الملك الفعلي علي النحو المتقدم. و لا يكفي الملكية الشأنية، كالمال الموصي به قبل وفاة الموصي.

(مسألة 1): تجب الزكاة في نماء الوقف بالشروط المقررة إذا كان الوقف بنحو يقتضي ملك الموقوف عليهم النماء. و إن كان مقتضاه وجوب تمليكهم النماء فلا تجب الزكاة في النماء بمجرد ظهوره، بل لا بدّ من تمامية الشروط فيه بعد تمليكهم له. و أما إذا كان مقتضاه صرف النماء عليهم من دون تملكهم له و لا تمليكهم إياه فلا تجب الزكاة فيه أصلا.

(مسألة 2): لا تجب الزكاة في الأعيان المشتركة إلا في حقّ من تبلغ حصته

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 365

النصاب و لا يكفي بلوغ مجموع المال المشترك النصاب في وجوب الزكاة فيه.

الخامس: القدرة علي التصرف، علي النحو المتقدم أيضا، و المراد بها القدرة الخارجية و الشرعية علي التصرفات الخارجية بالإتلاف و التصرف و نحوه مما تقتضيه القدرة علي المال، فلا تجب الزكاة في المال المسروق و المجحود و الضائع و المرهون و الذي ينذر التصدق به و غير ذلك.

(مسألة 3): إذا عرض العجز عن التصرف بعد تعلق الزكاة لم ترتفع و تكون مضمونة مع التقصير في تأخير الأداء قبل طروء العجز و مع عدم التقصير لا ضمان، بل يجب أداؤها بعد تجدد القدرة.

(مسألة 4): الإسلام و إن لم يكن شرطا في وجوب الزكاة، فالكافر مخاطب بها و معاقب

عليها كسائر الفروع، إلا أنه لا يجب علي المسلم ترتيب آثار وجوبها في حقه، فله التصرف في مال الكافر الزكوي و إن علم بثبوت الزكاة فيه.

المبحث الثاني في ما تجب فيه الزكاة

اشارة

تجب الزكاة في تسعة أشياء: النقدين الذهب و الفضة، و الأنعام الثلاث: الإبل و الغنم و البقر، و الغلات الأربع: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و لا تجب في ما عدا ذلك حتي الرطب و العنب الذي لا يصير زبيبا. نعم المشهور استحبابها في مال التجارة، و في الحبوب التي تنبت من الأرض كالسمسم و الأرز و الماش و الدخن و الحمص و العدس و الذرة، و الثمار، دون الخضروات كالبقل و القثّاء و البطيخ و نحوها. و في إناث الخيل، دون ذكورها، و دون الحمير و البغال. و لا إشكال في استحبابها بما أنها صدقة، أما استحبابها بعنوان كونها زكاة فلا يخلو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 366

عن إشكال. نعم يحسن الإتيان بها برجاء المطلوبية بالعنوان المذكور. و المهمّ الكلام في ما تجب فيه الزكاة، و هو يقع في ضمن فصول.

الفصل الأول في زكاة النقدين

يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافا إلي ما تقدّم في المقصد الأول- أمور:

الأول: النصاب: و هو في الذهب عشرون دينارا فلا زكاة في ما نقص عنها.

و فيها نصف دينار، ثم لا يجب في الزائد عليها حتي يبلغ أربعة دنانير فيجب فيه عشر دينار، و هكذا كلما زاد أربعة دنانير وجب عشر دينار، و ما بينهما معفو عنه.

أما نصاب الفضة فهو مائتا درهم، فلا زكاة في ما نقص عنها، و فيها خمسة دراهم، ثم لا يجب في الزائد عليها، حتي يبلغ أربعين درهما فيجب فيها درهم واحد. و هكذا كلما زاد أربعون درهما وجب درهم، و ما بينهما معفوّ عنه كما في الذهب.

(مسألة 5): الدينار أربعة غرامات و ربع تقريبا. و الدرهم ثلاثة غرامات إلا ربع عشر الغرام تقريبا.

(مسألة 6): لا

يكفي تلفيق النصاب من النقدين معا بلحاظ القيمة، فإذا كان عنده تسعة عشر دينارا و مائة و تسعون درهما لم يجب عليه شي ء. نعم يتمّ النصاب من أصناف جنس واحد، فإذا كان عنده نصاب ملفّق من ليرات عثمانية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 367

و جنيهات سعودية وجبت الزكاة. و كذا الملفّق من ريالات «1» عراقية و سعودية.

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة، بحيث يصدق عليهما الدنانير و الدراهم دون غيرها كالسبائك و الحلي و التراب و غيرها.

(مسألة 7): إذا سقطت الدنانير و الدراهم عن أن يتعامل بها لم تجب الزكاة فيها، سواء كان ذلك لسقوطها قبل فعليّة التعامل بها، أم لهجرها بعد ذلك، أم لإحداث شي ء فيها منع من التعامل بها كاتخاذها للزينة.

الثالث: الحول، و هو مضي سنة قمرية. و يكفي في استقرار وجوب الزكاة الدخول في الشهر الثاني عشر، فلا يضرّ فقد الشرائط بعد الدخول فيه. نعم لا بدّ من تحقق الشرائط في تمام الأحد عشر شهرا، فلا تجب الزكاة بفقدها و إن كان بفعل المكلّف فرارا من الزكاة.

(مسألة 8): وجوب الزكاة و إن كان بدخول الشهر الثاني عشر، إلا أن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأول، و لا يبدأ الحول الثاني إلا بالدخول في الشهر الذي بعده.

(مسألة 9): من كان عنده نصاب تام فملك ما زاد عليه في أثناء الحول فله صور:

الاولي: أن يملك مقدار العفو من دون أن يبلغ النصاب اللاحق، كما لو كان عنده في أول محرّم عشرون دينارا و ملك في أول رجب دينارين، و حينئذ لا أثر للملك المذكور، بل لا يدفع في شهر محرّم إلا نصف دينار.

الثانية: أن يملك نصابا تاما، كما لو ملك في الفرض

السابق في أول رجب

______________________________

(1) من العملات الفضية التي كانت متداولة سابقا، كما أنّ الأوليين عملتان ذهبيّتان كانتا متداولتين سابقا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 368

عشرين دينارا اخري. حينئذ يبدأ لكل نصاب حول بانفراده، فيدفع في أول محرّم الثاني نصف دينار، و في أول رجب الثاني نصف دينار.

الثالثة: أن يملك ما يتمم النصاب اللاحق من دون أن يكون نصابا مستقلا، كما لو ملك في الفرض المذكور في أول رجب ستة دنانير، و حينئذ يتم حول النصاب الأول و يخرج زكاته، و يستأنف حولا آخر بعد مضي الحول الأول للنصاب الثاني فيدفع في محرّم الثاني نصف دينار، و يستأنف حولا للأربعة و العشرين دينارا فيدفع في محرّم الثالث ستة أعشار الدينار.

الفصل الثاني في زكاة الأنعام

يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافا إلي ما تقدم في المقصد الأول- أمور:

الشرط الأول: النصاب.

(مسألة 10): للإبل اثنا عشر نصابا.

الأول: خمس، و فيها شاة.

الثاني: عشر، و فيها شاتان.

الثالث: خمس عشرة، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: عشرون، و فيها أربع شياه.

الخامس: خمس و عشرون، و فيها خمس شياه.

السادس: ست و عشرون، و فيها بنت مخاض- و هي الداخلة في السنة الثانية- فإن لم يكن عنده بنت مخاض أجزأ عنها ابن لبون- و هو الداخل في السنة الثالثة- و لا يجزئ إذا كانت عنده بنت مخاض، فإن لم يكونا عنده كان

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 369

مخيّرا في شراء أو استيهاب أيّهما شاء.

السابع: ست و ثلاثون، و فيها بنت لبون- و هي الداخلة في السنة الثالثة- الثامن: ست و أربعون، و فيها حقّة- و هي الداخلة في السنة الرابعة- التاسع: إحدي و ستون، و فيها جذعة- و هي الداخلة في السنة الخامسة- العاشر: ست و سبعون، و

فيها بنتا لبون.

الحادي عشر: إحدي و تسعون، و فيها حقّتان.

الثاني عشر: مائة و إحدي و عشرون فما زاد، و فيها في كلّ خمسين حقّة، و في كل أربعين بنت لبون، و حينئذ يتعيّن الحساب بالنحو الذي لا يفضل معه عشر لا زكاة فيها، إما بالاقتصار علي أحد الحسابين فيقتصر في مثل المائة و الخمسين علي الخمسينات، و في مثل المائة و الستين علي الأربعينات، و إمّا بالتخيير بينهما كما في مثل المائتين، و إمّا بالتبعيض كما في مثل المائتين و الثمانين، حيث توزّع علي أربع خمسينات و أربعينين، و نحو ذلك. و علي ذلك لا عفو إلا عمّا دون العشر.

(مسألة 11): لا فرق في الإبل بين العراب و البخاتي، و الاولي ذات السنام الواحد و الثانية ذات السنامين.

(مسألة 12): الأحوط وجوبا في الشاة التي تجب في النصب الخمسة الاولي أن تدخل في السنة الثانية إن كانت من الضأن، و في السنة الثالثة إن كانت من الماعز.

(مسألة 13): للبقر نصابان:

الأول: ثلاثون، و فيها تبيع حولي- و هو ما دخل في السنة الثانية-، و الأحوط وجوبا عدم إجزاء التبيعة- و هي الأنثي-، و ليس في ما دون الثلاثين شي ء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 370

الثاني: أربعون و فيها مسنّة،- و هي ما دخل في السنة الثالثة- و الظاهر عدم إجزاء المسنّ- و هو الذكر- فإذا بلغ الستّين ففيها تبيعان، فإذا بلغ السبعين ففيها تبيع و مسنّة، فإذا بلغ الثمانين ففيه مسنّتان، فإذا بلغ تسعين ففيها ثلاثة أتبعة، فإذا بلغ مائة فالأحوط وجوبا دفع تبيعين و مسنّة، فإذا بلغ مائة و عشرة فالأحوط وجوبا دفع تبيع و مسنّتين، فإذا بلغ مائة و عشرين فالأحوط وجوبا دفع ثلاث

مسنّات، ثم الاحتياط بدفع مسنّة لكل أربعين، و تبيع لكل ثلاثين مع تعيّن الأول عند انقسام الموجود علي العددين معا، كالمائتين و الأربعين، فيدفع ست مسنّات، لا ثمانية أتبعة، و الاقتصار في الثاني علي إكمال حساب الموجود، كما لو كان عنده مائة و خمسين فيدفع ثلاث مسنّات و تبيعا، لا خمسة أتبعة مثلا.

نعم قد يتنافي الحسابان كما لو كان عنده مائة و ثلاثون، فإنّه إذا اقتصر علي حساب الأربعين كان عليه ثلاث مسنّات و بقي عشر بقرات معفوا عنها، و إذا جمع بين الحسابين كان عليه ثلاثة أتبعة لتسعين و مسنّة لأربعين. فاللازم الاحتياط و لو بالانتقال لأكثر القيمتين، أو بدفع الأمرين معا للفقير ليقبض ما ينطبق عليه الزكاة واقعا ثم يتصالح معه علي تعيين ملكه مما أخذ، أو بغير ذلك.

و علي ذلك يختص العفو بما دون العشرة.

(مسألة 14): الجاموس و البقر جنس واحد، فيجب في النصاب في كل منهما ما يجب في النصاب من الآخر، و يتم النصاب بالملفق منهما. و يتخير في الدفع من كل منهما و لو مع كون النصاب من الآخر.

(مسألة 15): للغنم خمسة نصب:

الأول: أربعون، و فيها شاة، و ليس في ما دون الأربعين شي ء.

الثاني: مائة و إحدي و عشرون شاة، و فيها شاتان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 371

الثالث: مائتين و شاة، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: ثلاثمائة و شاة، و فيها أربع شياه.

الخامس: أربعمائة فما فوق، ففي كل مائة شاة بالغا ما بلغ.

(مسألة 16): لا فرق في الغنم بين الضأن و الماعز، فيتم النصاب بالملفق منهما، كما يجزئ أحدهما عن الآخر.

(مسألة 17): الأحوط وجوبا في الشاة التي تجب في الغنم أن تدخل في السنة الثانية إن كانت من

الضأن، و في السنة الثالثة إن كانت من الماعز.

(مسألة 18): لا يجب دفع الزكاة من النصاب، بل يجوز الدفع من غيره و لو مع الاختلاف في الذكورة و الأنوثة أو كون المدفوع دون النصاب في القيمة.

(مسألة 19): لا فرق بين الصحيح و المريض و السليم و المعيب و الشاب و الهرم في العدّ من النصاب. و لا يجوز دفع المريض إلا إذا كان النصاب كلّه مريضا و لا دفع المعيب إلا إذا كان النصاب كلّه معيبا، و لا دفع الهرم إلا إذا كان النصاب كلّه هرما. و الأحوط وجوبا في صورة جواز دفع المريض أو المعيب أو الهرم الاقتصار علي الدفع من النصاب.

الشرط الثاني: السّوم، بحيث يصدق عرفا أنها سائمة في الحول. و لا يضرّ علفها اتفاقا بالنحو الذي لا تخلو منه السوائم عادة، لضرورة من مطر أو حرّ أو برد. و أما تعمّد علفها مدة قليلة بالنحو الذي لا يتعارف في السوائم، ففي صدق السّوم معه إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 20): الظاهر توقف السّوم علي رعي الحيوان بنفسه في المراعي المكشوفة الواسعة كالصحاري و نحوها مما ينبت فيها بنفسه و إن كانت مملوكة و كان الرعي فيها بثمن، فلا يكفي الرعي في البساتين و إن اعتلف مما زرع فيها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 372

بنفسه، و لا في الصحاري إذا اعتلف زرعا مملوكا لزارعه و لا في المزابل الملقاة في الطرق الضيّقة. و إن كان ذلك كلّه مجانيّا، بل لا يكفي علفها مما ينبت في الأراضي المكشوفة إذا تعمّد الراعي جزّه و جمعه لها و حملها علي اعتلافه. نعم لا يضرّ في صدق السّوم علف الحيوان ما قد يلقي صدفة في المراعي لعجز

حامله عن نقله أو لسقوطه عن الانتفاع المعدّ له، لعفن أو غيره.

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل. و المراد بالعوامل ما تعدّ للعمل من نقل أو حرث أو غيرهما. و لا يكفي في صدقها وقوع العمل بها صدقة من دون أن تعدّ لذلك، كما لو ركب الراعي أو غيره ظهر بعض الإبل أو استقي الماء به لحاجة طارئة.

الشرط الرابع: الحول علي النحو المتقدم في زكاة النقدين.

(مسألة 21): من كان عنده نصاب تام فملك ما زاد عليه في أثناء الحول فله صور:

الاولي: أن يملك مقدار العفو من دون أن يبلغ النصاب اللاحق، كما لو كان عنده في أول محرّم أربعون شاة فملك في أول رجب خمسين شاة أخري أو كان عنده خمس من الإبل فملك ثلاثا، و حينئذ لا أثر للملك المذكور، بل لا يدفع في شهر محرّم إلا شاة واحدة.

الثانية: أن يملك نصابا تامّا، كما لو كان عنده في أول محرّم خمس من الإبل فملك في أول رجب خمسا اخري و حينئذ يبدأ لكل نصاب حول بانفراده فيدفع في محرّم الثاني شاة و في رجب شاة أخري.

الثالثة: أن يملك ما يتمم النصاب اللاحق من دون أن يكون نصابا مستقلا، كما لو كان عنده في أول محرّم ثلاثون بقرة فملك في أول رجب اثنتي عشرة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 373

بقرة. و حينئذ يتم حول النصاب الأول و يخرج زكاته، ثم يستأنف بعده حولا آخر للنصاب الثاني، فيدفع في محرّم الثاني تبيعا، و في محرّم الثالث مسنّة.

و مثله ما إذا كان عنده في أول محرّم عشرون من الإبل و ملك في أول رجب سبعا، فإنّه يدفع في محرّم الثاني أربع شياه و في محرّم الثالث

بنت مخاض. نعم لو ملك في الفرض خمسا من الإبل كان من الصورة الثانية، فيدفع للخمس الأخيرة في رجب الثاني شاة و يبقي علي ذلك يدفع في محرّم أربع شياه و في رجب شاة، إلي أن تزيد الإبل فيبدأ بحول جديد للمجموع بعد انتهاء حولي ملكه سابقا و تنتقل فريضته من الشياه إلي فريضة المجموع.

(مسألة 22): ابتداء حول الصغار من حين ولادتها سواء كانت أمهاتها سوائم أم معلوفات. نعم لو علفت قبل الحول لم تجب فيها الزكاة.

الفصل الثالث في زكاة الغلات

و قد تقدم أنها الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و لا تجب في غيرها حتي الرطب و العنب الذي لا يصير تمرا و لا زبيبا. و يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافا إلي ما تقدم في المقصد الأول- النصاب و هو ما يبلغ ألف كيلو و أربعة و أربعين كيلوا و ربعا تقريبا.

(مسألة 23): المدار في قدر النصاب علي ما يصدق عليه الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، فإذا بلغت الثمرة في النصاب قبل أن يصدق عليها ذلك ثم نقصت عنه عند جفافها و صدق العناوين المذكورة عليها لم تجب الزكاة.

(مسألة 24): يضم النخيل و الكرم و الزرع بعضه إلي بعض في بلوغ النصاب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 374

و إن كان في أمكنة متباعدة، و كذا إذا اختلف زمان إدراكه إذا كان الاختلاف بالنحو المتعارف في بلوغ ثمرة العام الواحد. و أما إذا كان الاختلاف بفاصل كثير خارج عن المتعارف فالظاهر عدم ضم بعضه إلي بعض، و إن كان الضم أحوط استحبابا.

(مسألة 25): لا بدّ في وجوب الزكاة في الغلات من تمامية الشروط المتقدمة- هنا و في المقصد الأول- عند ما يصدق علي

الثمرة عنوان الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، فلو بلغ الصبي أو عقل المجنون أو قدر علي المال بعد صدق ذلك علي الثمرة لم تجب الزكاة، و كذا لو اشتراها، بل تكون الزكاة علي البائع، أما لو اشتراها قبل ذلك فصدقت العناوين المذكورة عند المشتري كانت الزكاة عليه دون البائع.

(مسألة 26): زمان تعلّق الزكاة بالثمرة و إن كان هو زمان صدق العناوين المتقدمة عليها- كما سبق- إلا أنه يجوز تقديم أداء الزكاة في الزبيب عند صيرورة الثمرة عنبا، بعد تخمين مقداره حين يصير زبيبا و دفع الزبيب من غير الثمرة.

(مسألة 27): يجوز للمالك التصرف في الثمرة قبل صدق العناوين المذكورة و إن زاد علي المتعارف من دون ضمان للزكاة، فلو تصرّف في البسر و الرطب و الحصرم و العنب مثلا بالأكل و الهبة و البيع و نحوها لم يضمن الزكاة بالمقدار الثابت فيها لو صارت تمرا أو زبيبا.

(مسألة 28): إذا مات المالك بعد صدق العناوين المذكورة ثبتت الزكاة في العين و وجب علي الورثة إخراجها. أما إذا مات قبله و صدقت العناوين المذكورة في ملك الورثة فلا تجب إلا علي من بلغت حصته منهم النصاب. و كذا الحكم فيما إذا كان الانتقال بغير الإرث كالبيع و الهبة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 375

(مسألة 29): لا تجب المبادرة للإخراج قبل تصفية الغلة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب علي النحو المتعارف إلا أن تتعرّض الثمرة للخطر علي خلاف المتعارف، فيجب علي من تحت يده الثمرة المبادرة لإخراج الزكاة و إيصالها لأهلها مع تيسر ذلك، و مع التفريط حينئذ يضمن. و أما المبادرة بعد التصفية و الاجتذاذ و الاقتطاف فسيأتي الكلام فيها في الفصل الرابع.

(مسألة

30): لا تتكرر الزكاة في الغلات بتعاقب السنين، فإذا أعطي زكاة الحنطة مثلا ثم بقيت عنده أكثر من سنة لم تجب فيها الزكاة مرة أخري و إن بقيت الشروط المعتبرة فيها. و هذا بخلاف الأنعام و النقدين.

(مسألة 31): الظاهر عدم استثناء المؤن التي يحتاج إليها الزرع و الثمر من اجرة الفلاح و الحارث و الساقي و العوامل و الأرض و غيرها، من دون فرق بين المؤن التي يحتاجها قبل طلوع الثمرة و بعده قبل صدق العناوين المتقدمة و بعده، و منها الضرائب التي يأخذها السلطان. نعم ما يأخذه من عين الثمرة غصبا بعد تمامية النصاب يرد نقصه علي الزكاة بالنسبة إذا لم يمكن التخلص منه. كما أن ما يجعل علي العين من المؤن- كما في المزارعة- يستثني قبل النصاب، فلا تجب الزكاة إلا إذا كان الباقي للمالك من الثمرة بقدر النصاب.

(مسألة 32): إذا اختلفت أنواع الغلّة الواحدة في الجودة و الرداءة تخيّر المالك في الدفع من أيها شاء. و إن كان الأحوط استحبابا عدم دفع الردي ء عن الجيّد.

(مسألة 33): ورد العفو عن الزكاة في نوعين من التمر، و هما الجعرور و المعافارة، كما ورد النهي عن دفعهما في الزكاة، و قد وصفا بأنهما من أردأ أنواع التمر عظيما النوي قليلا اللحاء. و لا يتيسّر لنا تحديدهما، فمع اشتباه نوع من التمر الردي ء بهما يجب الاحتياط بدفع الزكاة عنهما و لو منهما، و عدم دفعهما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 376

عن غيرهما.

(مسألة 34): المقدار الواجب إخراجه في زكاة الغلات العشر إذا سقي بلا علاج، سيحا أو بماء السماء أو بمصّ عروقه من ماء الأرض، و نصف العشر إذا سقي بعلاج كما لو سقي بالدلاء و

النواعير و المكائن الزراعية و نحوها. و إذا سقي بالوجهين فالتنصيف، فيجب في النصف العشر و في النصف الآخر نصف العشر، سواء تساويا أم كان أحدهما أكثر. إلا أن تكون غلبة أحدهما بنحو لا يعتدّ معه بالآخر لقلّته فالعمل علي الغالب حينئذ.

(مسألة 35): ليس من العلاج حفر النهر و استنباط العين و إصلاحهما و فتح طريق الماء للزرع فيجب العشر مع جميع ذلك إذا كان الماء يرتفع بنفسه إلي مستوي الزرع من دون علاج.

(مسألة 36): الأمطار المعتادة في السنة لا تخرج ما يسقي بعلاج عن حكمه إلا إذا كثرت بحيث يستغني عن الدوالي مدّة معتدّا بها، فيجب حينئذ التنصيف علي نحو ما تقدم في المسألة الثانية عشرة، و لو استغني بها عن العلاج في تمام المدة أو أكثرها بحيث لا يعتدّ بالسقي بالعلاج لقلّته فالواجب العشر.

(مسألة 37): المدار في وجوب العشر و نصف العشر علي الثمر لا علي الأصول، فإذا كان النخل أو الكرم حين غرسه يسقي بعلاج فلمّا بلغ أوان الأثمار استغني سقيه عن العلاج وجب في الثمر العشر، و لو كان بالعكس وجب نصف العشر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 377

المبحث الثالث في المستحقين للزكاة

اشارة

و فيه فصلان.

الفصل الأول في أصناف المستحقين

و هم ثمانية كما نطق بهم الكتاب المجيد:

الأول و الثاني: الفقير و المسكين، و الثاني أسوأ حالا من الأول، و يكفي في كل منهما عدم قدرته علي القيام بمؤنة سنته اللائقة بحاله له و لعياله من غير إسراف.

و الغني بخلافهما، و هو من يقدر علي القيام بمؤنة سنته بالنحو المذكور.

(مسألة 38): إذا كان الشخص غير مالك لمقدار المؤنة المذكورة إلا أنه كان قادرا علي تحصيلها بصنعة أو حيازة أو تجارة لم تحلّ له الزكاة. و لو لم يفعل تكاسلا لم تحلّ له، إلا أن يمضي وقت التحصيل، كما لو كان وقت التحصيل فصلا خاصّا من السنة فلم يفعل حتي مضي الفصل المذكور، فيحلّ له أخذ الزكاة حينئذ.

(مسألة 39): إذا كان قادرا علي تعلم صنعة تكفيه فلم يفعل لم يحل له أخذ الزكاة. نعم إذا مضي وقت التعلم جاز له أخذها. و كذا يجوز له الأخذ لسدّ نفقته في مدة التعلّم، و إن كان الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا لم يقدر علي سد حاجته بالاستدانة مع القدرة علي الوفاء بعد التعلم و علي ما إذا صار في مقام التعلّم.

(مسألة 40): إذا كان له رأس مال يتكسب به أو ضيعة يستنميها أو عقار أو آلات أو حيوانات يؤجرها أو يعمل عليها لكن لا يكفيه ما يحصله منها جاز

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 378

تتميم حاجته من الزكاة، و لا يجب عليه بيع الأشياء المذكورة و إن كان ثمنها وافيا بمؤنة سنته. نعم إذا كانت الأمور المذكورة معطلة غير مستغلة لاكتساب النفقة و لا محتاجا إليها في حياته و كان ثمنها وافيا بمؤنة سنته لم يحلّ له أخذ الزكاة.

(مسألة 41): إذا كان قادرا

علي التكسب لكنه كان منافيا لشأنه- بحيث يكون وهنا عليه أو علي بعض الجهات التي ينبغي حفظها- جاز له الأخذ من الزكاة.

(مسألة 42): دار السكني و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله و لو لكونه من أهل الشرف لا يمنع من أخذ الزكاة، و كذا ما يحتاج إليه بحسب شأنه من الثياب و الأثاث و الكتب و غيرها. نعم ما كان زائدا عن حاجته يمنع من أخذ الزكاة إذا كان يفي بمؤنة سنته.

(مسألة 43): إذا أمكن إبدال ما عنده من دار و أثاث أو غيرهما مما يحتاج إليه بأقل منه قيمة، فإن كان الموجود عنده زائدا عن مقتضي شأنه و غير مناسب له وجب الإبدال، و إن كان مناسبا له لم يجب الإبدال.

(مسألة 44): طالب العلم يجوز له الأخذ من الزكاة إذا كان فقيرا عاجزا عن التكسب و لو لكونه منافيا لشأنه، و كذا إذا كان طلب العلم واجبا عليه عينا- و لو لعدم قيام غيره بما يؤدي الواجب- و كان الانشغال به مزاحما للتكسب، بحيث لا يمكنه الجمع بينهما، و في غير هاتين الصورتين لا تحلّ له الزكاة من سهم الفقراء. نعم يجوز أن يدفع له من سهم سبيل اللّه تعالي بالمقدار الذي يحمله علي طلب العلم إذا ترتب علي طلبه له فائدة راجحة شرعا.

(مسألة 45): يجوز للزوجة أخذ الزكاة إذا لم يكن الزوج باذلا لنفقتها و لم تقدر علي إجباره بوجه غير حرجي، أما إذا كان باذلا لها أو كانت قادرة علي إجباره بوجه غير حرجي فلا يجوز لها أخذ الزكاة.

(مسألة 46): سقوط نفقة الزوجة بالنشوز لا يحلّ لها الأخذ من الزكاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 379

(مسألة 47): غير

الزوجة ممن تجب نفقته علي غيره إن كان من تجب نفقته عليه واجدا للنفقة باذلا لها من دون حرج معتدّ به في أخذ النفقة منه فالأحوط وجوبا عدم أخذه من الزكاة. أما في غير ذلك فيجوز له الأخذ منها.

(مسألة 48): وجود المتبرع بالنفقة للفقير من دون أن تجب عليه لا يمنعه من أخذ الزكاة و الاستغناء بها عنه.

(مسألة 49): المدعي الفقر إن لم يعلم حاله فإن كان فقيرا سابقا- و لو حينما كان طفلا- جاز البناء علي فقره، و إن علم غناه سابقا لم يصدّق إلا إذا حصل الاطمئنان بفقره، و لو من شواهد و قرائن خارجية. و كذا الحال لو أخبر شخص بفقر غيره.

(مسألة 50): دفع الزكاة للفقير علي أحد وجهين:

الأول: تمليكه إياها. و لا بد من قصده أو قصد وليّه التملّك لما يأخذه و إن لم يعلم بأنه زكاة و لم يقصده بل أخذه غافلا عن ذلك أو بتخيل كونه هدية. أما لو لم يقصد التملّك فلا يحصل هذا الوجه، كما لو دفع إليه علي أنه ملكه سابقا و قد أرجع إليه، و كذا لو قصد تملّكه بشرط أن لا يكون زكاة ملتفتا لذلك.

الثاني: صرفها في مصالحه، كما لو دفع إليه الطعام الزكوي فأكله، و لا يحتاج هذا إلي القصد منه و لا من وليه، فلو دفع له الطعام الزكوي فأخذه علي أنه ملكه سابقا قد أرجع اليه، أو علي أنه ليس بزكاة بل هدية أو غير ذلك لم يمنع من حصول هذا الوجه. نعم لا بد من صرفه له في مصالح نفسه، كما لو أكل الطعام بنفسه، و لا يكفي صرفه في مصالح غيره ممّن من شأنه الصّرف عليه، كواجب النفقة و

الضيف علي الأحوط وجوبا. إلا أن يكون ذلك الغير فقيرا أيضا و يقصد دافع الزكاة بذلها له أيضا.

(مسألة 51): إذا كان للمالك دين علي الفقير جاز احتسابه من الزكاة بلا حاجة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 380

إلي دفعها له ثم أخذها منه سواء كان المدين حيا أم ميتا. نعم إذا كان للميت تركة تفي بدينه لم يجز احتساب دينه من الزكاة إلا أن يتعذر وفاء دينه من التركة لامتناع الورثة من وفائه جهلا أو عصيانا و عدم تيسر إجبارهم علي الوفاء أو إقناعهم به.

(مسألة 52): إذا دفع الزكاة لشخص باعتقاد فقره فبان كون المدفوع له غنيا، فله صورتان:

الاولي: أن تكون متعيّنة بالعزل، من دون أن تنشغل بها ذمته، إما لعزلها من نفس النصاب أو من غيره بالدفع أو قبل الدفع. و حكمها أنه مع تفريط الدافع و خروجه عن مقتضي ولايته في إحراز فقره يكون ضامنا لها، و مع عدم تفريطه لا يكون ضامنا.

الثانية: أن لا تكون متعيّنة بالعزل، كما لو أتلف النصاب قبل دفع الزكاة فانتقلت الزكاة إلي ذمته، أو تكون متعيّنة بالعزل إلا أنها مضمونة عليه لتأخيره دفعها مع وجود المستحق أو لتفريطه في حفظها، و الظاهر هنا بقاء الضمان عليه مطلقا و إن لم يفرّط في إحراز فقر من دفعها إليه. هذا كلّه في حقّ دافع الزكاة، و أما في حق آخذها فيجري عليه حكم آخذ المال بلا حق، فيضمن و لا يرجع علي الدافع إلا أن يكون مغرورا من قبله، لعدم إخباره له بأن المدفوع إليه زكاة.

و هذا التفصيل يجري في جميع موارد دفع الزكاة لغير المستحق، مثل من تجب نفقته و الهاشمي إذا لم يكن الدافع هاشميا و غير

ذلك. نعم من دفع زكاته لغير المؤمن باعتقاد أنه مؤمن تجزئ عنه إذا كان قد اجتهد في الفحص، و مع تقصيره لا تجزئ عنه من غير فرق في الصورتين بين تعيّنها بالعزل و عدمه.

الثالث: من المستحقين للزكاة: العاملون عليها، و هم المنصوبون لأخذ الزكاة و حفظها و ضبطها و إيصالها لوليّها أو إلي المستحق. و الذي ينصبهم لذلك هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 381

الإمام أو نائبه الخاص. و في ولاية الحاكم الشرعي علي ذلك إشكال، بل منع.

الرابع: المؤلفة قلوبهم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية فيعطون من الزكاة تأليفا لقلوبهم ليأنسوا بالدين و يتحلّلوا من عقد الجاهلية و ينظروا بعين بصائرهم بعيدا عنها.

الخامس: الرقاب. و المراد به عتق العبيد. إما لكونهم مكاتبين عاجزين عن أداء مال الكتابة فيعطون من الزكاة ليؤدّوا ما عليهم و يتحرّروا، أو لكونهم عبيدا تحت الشدّة، فيشترون و يعتقون. و أما لو لم يكونوا تحت الشدّة فاللازم الاقتصار علي ما إذا لم يجد مصرفا للزكاة غيرهم، حتي لو كان المملوك مؤمنا علي الأحوط وجوبا.

السادس: الغارمون. و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها، و إن كانوا مالكين قوت سنتهم بشرط أن لا تكون ديونهم في معصية و لا سرف.

(مسألة 53): وفاء دين الغارم من الزكاة يكون بوجهين:

الأول: أن يعطي من الزكاة لوفاء دينه بها بعد أن يملكها.

الثاني: أن يوفّي دينه من الزكاة ابتداء من دون أن تدفع الزكاة له، بل و إن لم يعلم بها.

(مسألة 54): لو كان صاحب الزكاة هو الدائن جاز له احتساب دينه عليه زكاة، نظير ما تقدم في المسألة (51)، و أما أن يجعل شيئا من زكاته للمدين من دون أن يقبضه المدين ثم

يأخذه وفاء عن دينه فهو لا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا عدم الاجتزاء به.

(مسألة 55): لو كان الغارم ممن تجب نفقته علي صاحب الزكاة جاز لصاحب الزكاة إعطاؤه من الزكاة لوفاء دينه أو وفاء دينه منها ابتداء من دون أن يدفعها إليه.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 382

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 382

السابع: سبيل اللّه تعالي، و هو جميع سبل الخير الراجحة شرعا. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي الجهات العامة، كبناء المساجد و القناطر و إقامة الشعائر الدينية و نحوها. و أما الجهات الخاصة كالتزويج و الحج و نحوها فالأحوط وجوبا تخصيصها بسهم الفقراء، فيعتبر في من ينتفع فيها الفقر.

الثامن: ابن السبيل، و هو المسافر الذي نفذت نفقته بحيث لا يقدر علي الذهاب إلي بلده و لو ببيع بعض ما يسعه الاستغناء عنه من متاعه، بل اللازم الاقتصار علي ما إذا تعذّرت عليه الاستدانة و الوفاء من ماله من غير حرج.

و لا يشترط فيه أن يكون فقيرا في بلده. نعم يشترط أن لا يكون سفره في معصية.

الفصل الثاني في شروط المستحقين

و هي أمور:

الأول: الإيمان، فلا يعطي الكافر و لا غير المقرّ بولاية أهل البيت عليهم السّلام، إلا من سهم المؤلّفة قلوبهم، إذا كان في دفعها تأليف لهم، و كذا من سهم سبيل اللّه إذا كان دفعها لغير المؤمن من أجل صلاح المؤمن، كما إذا كان لدفع شرّه عن المؤمنين أو الاستعانة به لما ينفعهم.

(مسألة 56): يجوز دفع الزكاة لأطفال المؤمنين و مجانينهم، فإن كان بنحو التمليك وجب قبول وليّهم، و إن كان بنحو

الصّرف مباشرة أو بتوسط أمين كفي إذن وليّهم في ذلك، بل يحتاج إلي إذنه مع العلم بصلاح الصّرف المذكور لهم من دون مزاحم.

(مسألة 57): إذا أعطي المخالف زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعادها. و إن كان قد أعطاها المؤمن أجزأ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 383

(مسألة 58): لا تشترط العدالة في مستحق الزكاة، بل يجوز دفعها لمرتكب المعاصي عدا شارب الخمر، و الأحوط وجوبا عدم دفعها لمرتكب الكبائر التي هي أعظم من شرب الخمر، كترك الصلاة. بل يحرم دفعها للعاصي إذا كان في دفعها له تشجيع علي المعصية، كما يجب منعه منها إذا كان منعه نهيا له عن المنكر.

الثاني: أن لا يكون ممن تجب نفقته علي المعطي و هم الأبوان و إن علوا و الأولاد و أن نزلوا و الزوجة الدائمة إذا لم تسقط نفقتها و المملوك، فلا يجوز إعطاؤهم من الزكاة للنفقة الواجبة.

(مسألة 59): يجوز لمن عليه الزكاة دفعها لمن تجب عليه نفقته إذا كان عاجزا عن الإنفاق عليه بالمقدار اللائق به، فيدفع له ما يتمّم النفقة الواجبة عليه، كما يجوز أن يدفع له من الزكاة للتوسعة غير اللازمة عليه بالمقدار الذي يحتاج إليه عرفا، و يجوز دفعها أيضا لنفقة لا تجب عليه، كوفاء الدين و القيام ببعض الواجبات الشرعية و العرفية المتوقفة علي المال.

(مسألة 60): إذا مات من عليه الزكاة جاز دفع زكاته لمن تجب عليه نفقته في حياته مع فقرهم.

(مسألة 61): يجوز للزوجة دفع زكاتها لزوجها و لو كان للإنفاق عليها.

الثالث: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غير الهاشمي. من دون فرق بين سهم الفقراء و المساكين و غيرهما من سائر السهام حتي سهم سبيل اللّه تعالي. نعم لا

بأس بتصرفهم في الأوقاف العامة إذا كانت من الزكاة، كالمساجد و المدارس و منازل الزوار و الكتب و نحوها.

(مسألة 62): المراد من الهاشمي من انتسب لهاشم بالأب، دون من انتسب له بالأم فقط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 384

(مسألة 63): الظاهر شمول الهاشمي لمن انتسب لهاشم بالزنا فلا تحلّ له الزكاة من غير الهاشمي.

(مسألة 64): يجوز للهاشمي أن يأخذ زكاة الهاشمي من دون فرق بين السّهام أيضا.

(مسألة 65): يجوز للهاشمي أخذ زكاة غير الهاشمي مع الاضطرار. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي الضرورة الحقيقية، نظير الاضطرار للميتة.

(مسألة 66): لا يحرم علي الهاشمي غير زكاة المال و زكاة الفطرة من الصدقات الواجبة كالكفارات و الفدية و الصدقة المنذورة، فضلا عن مثل اللقطة و مجهول المالك مما وجب علي الدافع دون المالك، و كذا الصدقات المندوبة.

نعم ينبغي تنزيههم عمّا يبتني علي الاستهوان من المحقّرات.

(مسألة 67): يثبت كونه هاشميا بالعلم و بالبيّنة و بالفراش، كمن تولّد من امرأة هي فراش للهاشمي و إن احتمل عدم تولده منه لزنا أو وطء شبهة. كما يثبت بالشياع الموجب للوثوق. و لا يكفي مجرد الدعوي من دون ذلك. نعم يشكل مع الدعوي المذكورة دفع الزكاة له، إلا أن يعلم بعدم استناده في دعواه إلي حجة أو قامت البيّنة علي كذبه فيها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 385

المبحث الرابع في بقية أحكام الزكاة

(مسألة 68): للمالك الولاية علي صرف الزكاة في مصارفها السابقة عدا سهم العاملين عليها، لما تقدم من عدم الولاية علي نصبه لغير الإمام و نائبه الخاص.

و حينئذ لا يجب علي المالك دفع الزكاة للحاكم الشرعي ليتولّي صرفها في مصارفها، بل لو دفعها إليه لا يكون الحاكم إلا وكيلا عن المالك، و لو انشغلت ذمة

المالك بها لم تبرأ بالدفع للحاكم، بل تتوقف براءتها علي صرف الحاكم لها في مصارفها.

(مسألة 69): لا يجب البسط علي الأصناف الثمانية، و لا علي أفراد صنف واحد فيجوز إعطاؤها لشخص واحد من صنف واحد.

(مسألة 70): الزكاة حقّ متعلّق بالعين يمنع علي الأحوط وجوبا من التصرف الخارجي فيها بالإتلاف و نحوه. و لو تصرّف فيها المالك بالنحو المذكور ضمنها، و كذا لو فرّط في أداء الزكاة حتي تلفت العين.

و أما لو تصرّف فيها بالنقل بالبيع و نحوه. فإن كان التصرف المذكور في تمام النصاب نفذ البيع و بقيت الزكاة متعلّقة بالعين، فإن أداها البائع من غير العين سلمت العين للمشتري، و إن أداها من العين كان للمشتري خيار تبعّض الصفقة و إن لم يؤدّها البائع و سلّم العين للمشتري كان ضامنا لها و وجب علي المشتري أداؤها أيضا، فإن أداها رجع علي البائع، و إن أداها البائع سقطت عنه.

أما لو كان التصرف ببعض النصاب بحيث يقصر عن مقدار الزكاة فالأحوط وجوبا جريان الحكم السابق عليه، لكن إذا أدي المشتري الزكاة لم يرجع علي البائع إلا أن يكون أداؤه لها بإذنه، فإن لم يأذن تعيّن الرجوع للحاكم الشرعي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 386

لإعمال ولاية الحسبة بالإضافة للبائع الممتنع من أداء الحق.

(مسألة 71): تجب المبادرة لأداء الزكاة و لا يجوز تأخير دفعها إلا لغرض عقلائي، كانتظار مستحق خاص أو توقّع طالب لها يأمل منه دفعها إليه و أن طال زمان ذلك. و الأحوط وجوبا حينئذ عزلها و تعيينها أو كتابتها أو الإشهاد عليها خوفا من الضياع.

(مسألة 72): يجوز للمالك عزل الزكاة من دون أن يدفعها سواء كان عزلها من نفس النصاب أم من غيره، و

حينئذ يتعين المعزول زكاة فلو تلف النصاب لم يدخل عليه النقص. و نماء المعزول تابع له في المصرف.

(مسألة 73): إذا عزل المالك الزكاة كانت أمانة في يده يضمنها بالتفريط و بتأخير دفعها للمستحق مع وجوده و العلم به، و إن جاز له التأخير كما سبق في المسألة (71).

(مسألة 74): لا يجوز للمالك إبدال الزكاة بعد عزلها.

(مسألة 75): إذا اعتقد وجوب الزكاة خطأ فأعطاها لم يملكها الآخذ، و كان عليه إرجاعها مع بقاء عينها، و ضمانها مع تلفها إلا أن يكون مغرورا من قبل الدافع.

(مسألة 76): يجوز دفع القيمة بدلا عن الزكاة من النقود و نحوها مما يتمحّض في المالية كالأوراق النقدية المتعارفة في عصورنا. و المدار فيها علي القيمة وقت الدفع و مكانه، لا وقت وجوب الزكاة و لا مكان وجود النصاب. و أما دفع القيمة من غير النقود كالثياب و الطعام فلا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا تركه. نعم يجوز للمالك عزل الزكاة و شراء المتاع بها و لو من نفسه ثم دفعه إذا كان يري أنها أنفع للفقير.

(مسألة 77): يجوز نقل الزكاة من البلد الذي هي فيه إلي غيره و لو مع وجود

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 387

المستحق فيه. لكن إذا تلفت بالنقل مع وجود المستحق في البلد و القدرة علي الدفع له يضمن، و لا يسقط الضمان إذن الفقيه في النقل. أما مع عدم وجود المستحق من الفقراء و المساكين فإن لم يجد مصرفا آخر من المصارف الثمانية المتقدمة فلا ضمان، و أما مع وجودها و تيسّر إحرازها لصاحب الزكاة فالأحوط وجوبا الضمان.

(مسألة 78): مؤنة نقل الزكاة علي المالك الناقل إلا أن ينحصر صرفها بالنقل فيجوز إخراج مؤنة نقلها

منها، لكن لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي قبل النقل و استئذانه في تحميل الزكاة المؤنة المذكورة، و مع تعذّر مراجعته لا بدّ من بذل الجهد- و لو بالاستعانة بأهل المعرفة- لإحراز أن النقل مع تحميل الزكاة المؤنة المذكورة أصلح لها.

(مسألة 79): لا يجوز تقديم الزكاة قبل تعلّق الوجوب في غير ما تقدم من زكاة الزبيب عند صيرورته عنبا. نعم يجوز أن يعطي الفقير قرضا قبل وقت الوجوب و يحتسبه من الزكاة عند حلول وقتها مع بقاء المقترض علي صفة الاستحقاق.

(مسألة 80): إذا أتلف الزكاة المعزولة متلف كان ضامنا لها و كذا إذا أتلف النصاب بتمامه. و لا يضمن المالك معه إلا إذا تحقق منه سبب الضمان المتقدم في المسألة (70)، و حينئذ يجب علي المتلف دفع الزكاة لصاحبها ليتولي صرفها، و لا يصرفها بنفسه، إلا أن يكون صاحبها ممتنعا عن أدائها فيجب عليه مراجعة الحاكم الشرعي، لانتقال الولاية علي الزكاة له حينئذ. و لو سبق تحقق سبب الضمان من صاحبها وجب عليه أيضا أداؤها فإن أداها رجع علي المتلف، و إن أداها المتلف له لم يرجع عليه.

(مسألة 81): الزكاة من العبادات المفتقرة للنيّة و الأحوط وجوبا مقارنة النيّة للعزل و للدفع معا و بدونها لا يترتب الأثر عليهما، فإن خلا العزل عن النيّة بقي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 388

المال علي ملك المالك، و إن كان العزل عن نيّة و الدفع بلا نيّة بقي المال زكاة غير مملوكة لمن دفعت له، و تجوز النيّة ما دامت العين موجودة، فإن تلفت بلا ضمان القابض وجب الدفع ثانيا، و إن تلفت مع الضمان- كما لو كان هو المتلف لها- فمع عدم تعيّنها زكاة بالعزل عن

نيّة يكون الفقير مدينا للمالك، و مع تعيّنها زكاة بالعزل يكون الفقير مدينا للزكاة. و في الأول يجوز للمالك احتساب الدين عليه زكاة إن بقي مصرفا لها، و في الثاني يشكل الحال، و الأحوط وجوبا له تسليمها للمالك و يكون له حينئذ أن يرجعها له إذا بقي مصرفا لها.

(مسألة 82): لا بد عند عزل الزكاة من تعيين المال المزكّي عند اختلاف نوعه و لو إجمالا، فلو كان عنده خمس من الإبل و أربعون شاة فعزل شاة واحدة لا بدّ من تعيين المال الذي يزكي بها. نعم لو أخرج شاتين دفعة كفي قصد مجموع المالين بهما بلا حاجة لتعيين كل منهما لأحد المالين. أما مع عزل الزكاة فلا يجب عند دفع المعزول تعيين المال الذي يخصه. و كذا الحال لو كان عليه خمس و زكاة مثلا، حيث يجب قصد التعيين، عند العزل، لا عند الدفع.

(مسألة 83): يجوز للمالك التوكيل في عزل الزكاة و في أدائها، و لا بد من نية الوكيل حينئذ بأن يقصد العنوان الموكّل فيه و امتثال أمر الموكل و تقريبه به. كما يجوز التوكيل في الإيصال إلي الفقير مع تعيينه من قبل المالك نظير الحمّال الذي تدفع له العين، و لا بد حينئذ من نيّة المالك عند دفع العين للوكيل، و لا يجب نية الوكيل أصلا.

(مسألة 84): تجب المبادرة لأداء الزكاة عند ظهور أمارات الموت أو التوثق عليها بالإشهاد و نحوه. أما في غيرها من الحقوق الشرعية، فلا يجتزأ بالتوثق إلا عند تعذر الأداء، لوجوب المبادرة لأدائها بخلاف الزكاة، كما تقدم في المسألة (71).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 389

(مسألة 85): لا يعطي الفقير من الزكاة أكثر من مؤنة السنة، و لا

حدّ له من طرف القلة و إن كان دفع ما دون الخمسة دراهم مكروها بل الأحوط استحبابا تركه.

(مسألة 86): إذا لم يؤدّ الشخص زكاته حتي مات وجب إخراجها مع بقاء النصاب، و كذا مع تلفه إذا كان ضامنا للزكاة بالتفريط أو تأخير الأداء مع وجود المستحق.

(مسألة 87): لو مات المالك بعد تعلّق الزكاة بماله و شك في أدائه لها، فإن لم يعلم بانشغال ذمته بها لاحتمال أدائها أو بقائها في النصاب، فإن تصرّف في النصاب تصرف المالك المطلق الظاهر في ملكيته لتمامه بني علي أدائها. و إلا فالأحوط وجوبا أداؤها، و كذا لو علم انشغال ذمته بها لتفريطه فيها، فإن الأحوط وجوبا أداؤها.

(مسألة 88): قيل يستحب لمن يأخذ الزكاة الدعاء للمالك.

مسألة: ذكر العلماء أنه يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب. و يستحب ترجيح الأقارب و تفضيلهم علي غيرهم، و من لا يسأل علي من يسأل، و صرف صدقة المواشي علي أهل التجمل. و هذه مرجحات قد يزاحمها مرجحات أخر أهم و أرجح.

(مسألة 89): يكره لصاحب المال استرجاع الزكاة من الفقير بشراء و نحوه، و كذا الحال في الصدقة المندوبة. نعم لا كراهة في بقائها علي ملكه إذا رجعا إليه بميراث و نحوه من المملّكات القهرية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 390

المقصد الثاني في زكاة الفطرة

اشارة

و هي من الزكاة الواجبة، و قد روي أن من لم تؤدّ عنه خيف عليه الموت في سنته، كما يظهر من بعض النصوص أن بها تمام الصوم. و الكلام فيها في ضمن فصول.

الفصل الأول في شروط وجوبها

و هي أمور:

الأول: البلوغ، فلا تجب علي الصبي.

الثاني: العقل، فلا تجب علي المجنون و لو كان جنونه أدواريا.

(مسألة 90): المشهور أنه يشترط في زكاة الفطرة عدم الإغماء. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا خرج المغمي عليه عن قابلية التكليف عرفا، لاستحكام الإغماء، دون الإغماء الموقّت الملحق بالنوم عرفا.

الثالث: الحرية فلا تجب علي المملوك إلا إذا كان مكاتبا غير عيال للمولي.

الرابع: الغني، فلا تجب علي الفقير بالمعني المتقدم في زكاة الأموال، سواء كان فقره لعدم ملكه قوت السنة و عدم نهوض كسبه لتحصيله أم لكونه مدينا عاجزا عن وفاء دينه، و إن كان واجدا للقوت.

(مسألة 91): من كان واجدا لمؤنة السنة أو قادرا علي كسبها بعمل و نحوه و ليس واجدا لما يزيد عليها بقدر الفطرة تجب عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 391

(مسألة 92): لا بد من اجتماع هذه الشروط آنا مّا قبل غروب ليلة العيد إلي أن يتحقق الغروب، فمن فقد بعضها قبل الغروب بلحظة أو مقارنا للغروب لم تجب عليه. قيل: و لو اجتمعت لشخص هذه الشروط بعد الغروب إلي ما قبل الزوال استحب إخراجها.

(مسألة 93): إذا أسلم الكافر لم يكلّف بالفطرة سواء مضي وقتها أم لا إلا أن يكون إسلامه قبل الغروب آنا مّا أما إذا استبصر المخالف فالواجب عليه دفعها لو لم يدفعها و تداركها لو كان قد دفعها لغير المؤمن، نظير ما تقدم في زكاة المال.

(مسألة 94): يستحب للفقير إخراج الفطرة. و إذا لم يكن

عنده إلا صاع تصدّق به علي بعض عياله، ثم يتصدق به الآخر علي بعضهم و هكذا يتردد بينهم حتي يكون الصاع فطرة عنهم جميعا، و الأولي إخراجه في آخر الدور لأجنبي خارج عن العيال. و إذا كان فيهم صغير أو مجنون جاز دفعها له ثم دفعها عنه. و إن كان الأحوط استحبابا دفعها لخصوص البالغ العاقل من العائلة ثم أخذ الولي لها منه و دفعها عن المولّي عليه. نعم لا بد في جواز دفعها لبعض أفراد العائلة من كونه فقيرا، فلو كان غنيا لم يجز للمعيل و لا لغيره دفعها له فطرة.

الفصل الثاني في من يجب دفعها عنه

يجب علي من جمع شرائط التكليف المتقدمة أن يخرجها عن نفسه و عن كل من يعول به ممن يكون تابعا له عرفا في المعاش، سواء كان واجب النفقة أم لا، قريبا أم بعيدا، مكلّفا أم لا، مسلما أم كافرا، صغيرا أم كبيرا، حتي الضيف و نحوه ممن يكون من عياله و تابعا له موقّتا. نعم لا يكفي مجرد الحضور في الدار لدعوة و نحوها و إن أكل عنده إذا لم يبتن حضوره فيها علي التبعية للمعيل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 392

(مسألة 95): لا بدّ في وجوب إخراج فطرة الغير من صدق كونه عيالا آنا مّا قبل غروب ليلة العيد إلي أن يتحقق الغروب.

(مسألة 96): إذا تحمّل نفقة الغير لم يكف ذلك في صدق كونه من عياله، بل لا بدّ من نحو من التبعية له، بحيث يكون في حوزته.

(مسألة 97): إذا أدي المعيل عن العيال الفطرة سقطت عنهم، و إن لم يؤدها عصيانا أو جهلا أو نسيانا أو لعدم تمامية شروط الوجوب في حقه فالأحوط وجوبا عليهم أداؤها.

(مسألة 98): يجوز التبرع بالفطرة

عمّن كلّف بها من دون حاجة لتوكيله.

و يترتب علي ذلك أنه لو أدي العيال الفطرة عن أنفسهم سقطت عن المعيل و إن تمت في حقه شروط وجوبها.

(مسألة 99): إنما تجب فطرة الولد و الزوجة إذا كانا عيالا للأب و الزوج، فلو لم يكونا عيالا لهما لم تجب نفقتهما عليهما، بل علي من يعول بهما.

(مسألة 100): إذا تعدد المعيل مع وحدة العيال وجبت فطرتهم علي الكل بالنسبة، فإن لم يؤدّ بعضهم عصيانا أو لعدم واجديته لشروط الوجوب فالأحوط وجوبا علي الباقي أداء ما عليه بالنسبة بل الأحوط وجوبا تتميم العيال مع واجديتهم للشروط. و اللازم اتحاد جنس ما يخرجه الكل عن كل فرد من العيال، فلا يجوز أن يدفع بعضهم الحصة التي عليه من فطرة العيال من جنس مخالف لما يدفعه الآخر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 393

الفصل الثالث في جنسها و قدرها

يجزئ في الفطرة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و كل قوت شائع يقوت به المكلّف عياله، من ذرة أو أرز أو أقط أو لبن أو غيرها، و الأفضل التمر، ثم الزبيب.

(مسألة 101): الأحوط وجوبا الاقتصار علي الصحيح و عدم الاجتزاء بالمعيب إلا أن يكون قوتا شائعا يقوت به المكلّف عياله.

(مسألة 102): لا يشترط اتحاد ما يخرجه المكلّف عن نفسه مع ما يخرجه عن عياله، و لا اتحاد ما يخرجه عن بعضهم مع ما يخرجه عن البعض الآخر. نعم لا يجزئ عن الواحد الصاع الملفّق من أكثر من جنس واحد.

(مسألة 103): المقدار الواجب إخراجه صاع. و هو ثلاثة كيلوات و أربعمائة و ثمانون غراما تقريبا، و إن دفع ثلاثة كيلوات و نصفا أو زاد عليها كان احتياطا وافيا.

(مسألة 104): لا يجزئ ما دون الصاع من جيّد

أحد الأجناس و إن كان مساويا في القيمة للصاع من متوسطها أو رديئها.

(مسألة 105): يجوز دفع القيمة من النقود و نحوها من الأوراق المالية المتداولة في عصورنا، دون غيرها من أنواع المتاع و العروض.

(مسألة 106): اللازم دفع القيمة السوقية العامة، و لا عبرة بالسعر الرسمي و لا بسعر الحصة التموينية التي تتعارف في بعض المناطق.

(مسألة 107): إذا اختلفت القيمة السوقية باختلاف الأوقات و الأزمنة وجبت قيمة وقت الإخراج و العزل دون قيمة وقت الوجوب، و إذا اختلفت القيمة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 394

باختلاف البلدان و الأمكنة وجبت قيمة بلد الإخراج و العزل أيضا دون بلد المكلّف.

الفصل الرابع في وقت إخراجها

وقت إخراجها يوم الفطر من طلوع الفجر و الأحوط وجوبا عدم تأخيرها عن الزوال، و الأفضل- بل الأحوط استحبابا- تقديمها علي صلاة العيد لمن يصلّيها.

و يكفي في ذلك العزل و لو مع عدم الدفع لانتظار المستحق كما سيأتي. فإذا مضي الزوال و لم يخرجها، فالأحوط وجوبا المبادرة إلي إخراجها قبل الغروب، و إذا مضي الغروب و لم يؤدها بقيت في ذمته حتي يؤدّيها مهما طال الزمان، و لو مات قضيت عنه.

(مسألة 108): يجوز تقديمها في شهر رمضان، و إن كان الأفضل إخراجها في وقتها.

(مسألة 109): يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس المتقدمة أو من قيمتها، و الظاهر عدم تحققه بعزلها في ماله علي نحو الإشاعة، بأن يجب عليه صاع مثلا، فيخرج صاعين ينوي أنّ نصفهما فطرة و نصفهما الآخر باق علي ملكه. نعم لو نوي الزائد صدقة مستحبة من دون أن يبقي في ملكه شي ء فالظاهر كفايته في تحقق العزل. و الأحوط وجوبا عدم الاكتفاء بالعزل علي نحو الإشاعة مع مال الغير، كما لو وجب عليه

صاع، فعزل الفطرة في طعام قدره صاعان مشترك بينه و بين غيره.

(مسألة 110): إذا عزلها لم يجز له تبديلها بغيرها. و لو فرّط فيها كان ضامنا.

و كذا لو لم يؤدّها مع وجود المستحق علي الأحوط وجوبا، و إن جاز له ذلك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 395

بانتظار مستحق خاص أو نحوه، علي نحو ما تقدم في زكاة المال.

(مسألة 111): يجوز نقلها إلي غير بلد الإخراج مع عدم وجود المستحق فيه، أما مع وجوده فالأحوط وجوبا صرفها فيه و عدم النقل منه، و ليس من النقل إخراجها في غير بلد التكليف، لسفر المكلّف إليه، أو لإخراج وكيله لها.

(مسألة 112): لو نقلها جاز دفعها في البلد الثاني و لم يجب إرجاعها لبلد الإخراج و صرفها فيه.

(مسألة 113): لو نقلها من بلد الإخراج لبلد آخر- لعدم المستحق أو مخالفة للاحتياط المتقدم- لم يجب صرفها في البلد الثاني، بل يجوز نقلها لغيره حينئذ.

الفصل الخامس في مصرفها

و هو مصرف زكاة المال من الأصناف الثمانية، علي الشرائط المتقدمة إلا أنه يجوز عند عدم وجود المؤمن دفعها للمستضعف. و هو مقدم علي نقلها من بلد الإخراج.

(مسألة 114): لا يجوز للهاشمي أن يأخذ فطرة غير الهاشمي و إن كانت مستحبة، كفطرة الفقير.

(مسألة 115): المعيار في الهاشمي الذي يجوز للهاشمي أخذ فطرته علي المعيل دون العيال، فإذا كان المعيل هاشميّا و العيال غير هاشمي جاز للهاشمي أخذ فطرته، و إن كان الأحوط استحبابا الترك.

(مسألة 116): يجوز للمالك دفعها بنفسه و بوكيله، و منه الدفع للحاكم الشرعي إذا لم يكن له، بل لإيصالها للفقير.

(مسألة 117): الأحوط وجوبا أن لا يدفع للفقير أقل من صاع. و يجوز أن يدفع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 396

له صاعا

و كسرا، بأن يقسّم ثلاثة أصوع علي رجلين مثلا.

(مسألة 118): يستحب تقديم الأرحام و الجيران. و ينبغي الترجيح بالعلم و الدين و الفضل، نظير ما تقدم في زكاة المال التي تشاركها الفطرة في بقية الأحكام المتقدمة.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 397

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 399

كتاب الخمس و هو حق فرضه اللّه تعالي له و لرسوله الأمين صلّي اللّه عليه و آله و لآله الطاهرين عليهم السّلام، و لبني هاشم، عشيرته الأقربين عوضا عما منعهم منه من صدقات الناس و أوساخهم، كرامة لهم، و رفعا لشأنهم، و تشريفا لمقامهم، و حفظا لحق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فيهم.

فعلي المؤمنين أعزهم اللّه تعالي الاهتمام بأداء هذا الحق، كي لا يعدّوا في عداد الظالمين لأهله المعتدين عليهم، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال: يا رب خمسي». و بذلك طهارة المؤمنين، و حلّ أموالهم، و نماء أرزاقهم، فعنه عليه السّلام أنه قال: «إني لآخذ من أحدكم الدرهم و إني لمن أكثر أهل المدينة مالا، ما أريد بذلك إلا أن تطهروا».

و عن الإمام الكاظم عليه السّلام أنه قال: «و اللّه لقد يسّر اللّه علي المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا و أكلوا أربعة أحلاء، ثم قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به و لا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان». و عن الإمام الرضا عليه السّلام في كتاب كتبه في أمر الخمس «. فلا تزووه عنا، و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم تمحيص ذنوبكم و ما

تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، و المسلم من يفي ء للّه بما عهد إليه، و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 400

مقدمة:

المعيار في ثبوت الخمس الملك و الاستفادة الشخصية، فلا يثبت في الأموال العامّة و لا في الأموال غير المملوكة من المباحات الأصلية أو المتعينة للجهات العامة. و إنما يثبت في الأموال المملوكة لأشخاص بأعيانهم من دون فرق بين الملكية الاختيارية و القهرية. كما لا يعتبر التكليف في من يجب في ماله الخمس. فيثبت الخمس في مال الطفل و المجنون، و يتولي إخراجه الولي.

و حيث ظهر ذلك فالبحث في المقام في فصلين.

الفصل الأول في ما يجب فيه الخمس

و هو أمور:

الأول: الغنائم المنقولة المأخوذة بالحرب من الكفار الذين يحلّ قتالهم إذا كان بإذن الإمام. أما إذا لم يكن بإذنه فإن كان الإمام مبسوط اليد و لم يكن القتال واجبا فالغنيمة كلها للإمام، و إن لم يكن الإمام مبسوط اليد- و لو لغيبته- فيجب في الغنيمة الخمس لا غير. و كذا إذا وجب القتال علي المسلمين من دون إذنه، كما في القتال دفاعا عند تعذّر استئذانه، فإنّه لا يجب في الغنيمة- حينئذ- إلا الخمس.

(مسألة 1): ما يؤخذ من الكافر الحربي من غير قتال لا يجب فيه الخمس إلا أن يزيد علي مؤنة السنة علي النحو الآتي في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 401

الثاني: المعدن، كالذهب و الفضة و الرصاص و الحديد و النحاس و الألمنيوم و غيرها من الفلزات. و منه أو يلحق به النفط و الكبريت و الملح و نحوها مما يخرج من الأرض و يباينها عرفا. و أما مثل العقيق و الفيروزج و الياقوت و نحوها من الأحجار الكريمة فإلحاقها به لا يخلو عن إشكال، و إن كان هو الأحوط وجوبا. نعم لا يلحق به الجص و النورة و حجر الرحي و طين الغسل

و نحوها مما كان له خصوصية ينتفع بها و يرغب فيها من دون أن يخرج عن اسم الأرض.

(مسألة 2): يشترط في ثبوت الخمس في المعدن بلوغ ما يخرج منه من موضع واحد بعد استثناء مؤنة الإخراج قيمة عشرين مثقال من الذهب و هي تقارب خمسة و ثمانين غراما.

(مسألة 3): إذا أخرج المعدن من محل واحد علي دفعات كفي في ثبوت الخمس بلوغ المجموع النصاب إذا صدق علي المجموع عرفا أنه إخراج واحد، لتقارب الدفعات. أما مع بعد الفاصل بين الدفعات بحيث يصدق تعدد الإخراج فيلزم في وجوب الخمس في كل إخراج بلوغه النصاب، و لا يكفي بلوغ المجموع النصاب.

(مسألة 4): المعدن تابع للأرض التي هو فيها، فإن كانت مملوكة كان لمالكها، و لا يجوز لغيره إخراجه إلا بإذنه أو إذن وليه، و إذا أخرجه بغير إذنه لم يملكه، بل يكون لمالك الأرض. و عليه خمسه إذا صار تحت يده.

(مسألة 5): إذا اشترك جماعة في إخراج المعدن كفي بلوغ مجموع ما خرج منه النصاب، و إن كانت حصة كل منهم لا تبلغه.

الثالث: الكنز. و هو المال المدفون في الأرض، إذا بعد عهده بحيث ينقطع عن مالكه و وراثه عرفا لتقادم العهد، فإنّه يكون لواجده و عليه فيه الخمس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 402

(مسألة 6): لا بدّ في وجوب الخمس من أن يكون المال المدفون من النقدين المسكوكين للمعاملة دون غيرهما من الذهب و الفضة، فضلا عن غير الذهب و الفضة من المجوهرات و الآثار القديمة و غيرها، فإنّه يجوز لواجدها تملكها بلا خمس. نعم إذا علم بكونه لمسلم طال العهد به فالأحوط وجوبا الجمع بين إجراء حكم مجهول المالك عليه و حكم ميراث من

لا وارث له. و كذا إذا كان في أرض الإسلام و علم بدفنه فيها بعد صيرورتها أرض الإسلام.

(مسألة 7): المال القديم إذا كان مكشوفا أو مخفيّا في غير الأرض- من جدار أو سقف أو غيرهما- يملكه واجده من دون خمس إلا أن يعلم بكونه لمسلم أو يكون في أرض الإسلام و يعلم كون جعله فيها بعد صيرورتها أرض الإسلام نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 8): لا بدّ في وجوب الخمس في الكنز من بلوغ نصاب الزكاة، بأن يكون عشرين دينارا فما زاد أو مائتي درهم فما زاد، و لا يكفي الملفّق منهما إذا بلغ مجموعه قيمة أحد النصابين.

(مسألة 9): لا يفرق في حكم الكنز المتقدم بين أن يكون في أرض الإسلام و غيرها، عليه أثر الإسلام أو لا، يعلم بملك المسلم أو الذمي له أو بملك غيرهما له أو يجهل حال مالكه.

(مسألة 10): المال المدفون في الأرض إن قرب عهده، بحيث يحتمل وجود صاحبه أو وارثه إن كان في دار أو نحوها من الأمكنة المحجوبة عرّف أهل المكان به إن احتمل ملكيّتهم له، فإن عرفوه كان لهم، و إن لم يعرفوه فإن احتمل العثور علي صاحبه بالفحص و التعريف فالأحوط وجوبا ذلك، و كذا إذا علم بعدم ملكيتهم له أو كان في أرض مكشوفة. أما مع اليأس عن معرفة صاحبه-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 403

قبل الفحص أو بعده- فيجب التصدق به عنه.

(مسألة 11): إذا اشتري دابة فوجد في جوفها مالا وجب تعريف بائعها به إن احتمل كونه له، و مثله الواهب لو كانت موهوبة، و لو قرب عهد البائع أو الواهب و عرف من سبقهما و احتمل ملكه له فالأحوط وجوبا تعريفه

أيضا و مع عدم معرفتهم به فهو لواجده. و كذا الحال في ما يوجد في جوف السمكة إن كانت مدجّنة عند المالك السابق، بحيث يتعارف ابتلاعها ما يقع في حوضه من ماله، و إن كانت مصطادة من البحر أو النهر فلا يعرف المالك السابق بالمال الموجود فيها، بل يتملّكه واجده. و لا يجب الخمس في الجميع إلا أن يفضل عن المؤنة علي التفصيل الآتي في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

الرابع: ما اخرج بالغوص أو بآلة من البحر أو النهر من الجوهر و نحوه، بل الأحوط وجوبا العموم فيه لما يخرج من البحر بنفسه فيطفو علي وجهه، أو يلقيه علي الساحل. و أما مثل السمك من الحيوان فهو خارج عن هذا القسم و إن أخذ بالغوص.

(مسألة 12): يختص هذا القسم بما يكون في البحر من المباحات الأصلية التي يتعارف اكتسابها بمهنة الغوص المعهودة، دون مثل ما غرق في البحر و استخرج بالغوص أو بالآلة عند ترك صاحبه له فإنّه لمستخرجه من دون خمس، إلا أن يفضل عن مؤنة السنة علي ما يأتي في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

(مسألة 13): ما يوجد من الجواهر و نحوها في جوف السمك و نحوه من الحيوانات البحرية المأخوذة بالغوص أو بالآلة لا يدخل في هذا القسم إلا أن يتعارف اكتسابه من طريق أخذ الحيوان الذي هو في جوفه، بحيث يكون عرفا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 404

داخلا في مهنة الغوص.

(مسألة 14): يشترط في وجوب الخمس في هذا القسم بلوغه- بعد استثناء مؤنة الإخراج- النصاب، و هو قيمة دينار، و يجري هنا ما تقدم في المعدن من حكم الدفعة و الدفعات و الانفراد و الاشتراك.

(مسألة 15): يجب الخمس

في العنبر إن أخذ من وجه الماء. و الأحوط وجوبا عدم اعتبار النصاب فيه و إن أخذ بغوص أو بآلة.

الخامس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم إذا لم تكن واجدة لعنوان زائد من دار أو خان أو بستان أو نحوها. بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. كما أن الأحوط وجوبا العموم لغير الشراء من أسباب انتقال الملك.

(مسألة 16): لا يسقط هذا الخمس بإسلام المشتري، فيجب عليه أداؤه لو لم يؤدّه حال كفره. و كذا لا يسقط ببيع الأرض علي المسلم فيكون البيع فضوليا في مقدار الخمس. نعم إذا كان المشتري مؤمنا حلّ له الخمس من الأرض و ملكه بالشراء.

السادس: المال المختلط بالحرام إذا لم يتميز الحرام منه عن الحلال، فإن إخراج الخمس منه يحلله. و مصرف الخمس في هذا القسم هو مصرف سائر أقسام الخمس.

(مسألة 17): إذا تميز الحرام لم يشرع الخمس، بل لا بدّ من التصدق بالحرام بعد اليأس من الوصول لصاحبه، كما هو الحال في سائر الأموال المجهولة المالك.

(مسألة 18): الظاهر أن التصدق بمجهول المالك لا يتوقف علي استئذان الحاكم الشرعي و إن كان هو الأحوط استحبابا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 405

(مسألة 19): لا بدّ من كون المتصدّق عليه في المقام فقيرا، كما هو الحال في جميع موارد الصدقة.

(مسألة 20): لا فرق في محلّلية الخمس للمال المختلط بالحرام بين العلم بكون الحرام أكثر من الخمس و العلم بكونه أقل من الخمس، و الجهل بالأمرين.

نعم مع العلم بنسبة الحرام للحلال يمكن الرجوع للحاكم الشرعي و المصالحة معه من أجل القسمة و تمييز الحرام من الحلال ثم التصدق بالحرام عن صاحبه الذي هو حكم مجهول المالك، و لا يحتاج مع ذلك للخمس.

(مسألة 21): إذا

تبيّن المالك قبل دفع الخمس وجب دفع حقه له و لا يشرع الخمس. بل هو الأحوط وجوبا لو ظهر بعد دفع الخمس.

(مسألة 22): إذا كان في ذمته مال للغير و قد يئس من معرفة صاحبه أو الوصول إليه وجب عليه نية الوفاء لو قدر عليه. قيل: و يجب عليه التصدق بمقدار المال المذكور، و هو المعروف في عصورنا بردّ المظالم. لكن الظاهر عدم وجوب ذلك عليه، بل لا يجزئ في فراغ الذمة من المال، نعم لا بأس في التصدق المذكور بإذن الحاكم الشرعي برجاء فراغ الذمة به، مع نية الوفاء لو قدر علي المالك.

(مسألة 23): إذا كان المال الحرام المختلط بالحلال غير مملوك لشخص خاص، بل متعين لجهة معينة معلومة كالحقوق الشرعية و نماء الوقف المعلوم المصرف لم يشرع الخمس، بل يجب مراجعة ولي المال المذكور و التصالح معه لتخليص المال من الحرام المذكور. بل لو تردد المال بين جهتين أو أكثر وجب الاحتياط مع عدم لزوم الضرر منه، و مع لزوم الضرر فالظاهر الرجوع للقرعة.

(مسألة 24): يحرم التصرف بالمال المختلط بالحرام قبل إخراج الخمس،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 406

فإن فعل و صادف إن أتلف الحرام انتقل للذمة و جري عليه ما تقدم في المسألة الثانية و العشرين.

السابع: ما يفضل عن مؤنة سنته له و لعياله من فوائد الصناعات و الزراعات و التجارات و الإجارات و حيازة المباحات، بل جميع الفوائد حتي مثل الهبة و المال الموصي به و نماء الوقف و المهر و عوض الخلع و الميراث الذي لا يحتسب، لبعد المورّث عن الوارث سببا أو نسبا، بخلاف الميراث المحتسب، لقرب المورّث، فإنّه لا خمس فيه.

(مسألة 25): لا بدّ في صدق الفائدة

علي المال من كونه مملوكا للإنسان، فإذا كان مباحا له من دون أن يكون مملوكا له فلا خمس فيه، كبعض صور نماء الوقف، و مثل سهم الإمام الذي كثيرا مّا يدفعه الولي للشخص ليصرفه في حوائجه من دون أن يملّكه إياه. نعم لو ملّكه إياه وجب فيه الخمس كما يجب في سائر الحقوق الشرعية كسهم السادة و الزكاة و الكفارات و نحوها.

(مسألة 26): لا يكفي في صدق الفائدة التمليك القانوني، بل لا بدّ فيه من التملك الشرعي بتحقق سببه، فالأراضي المباحة المملّكة من قبل الدولة بعوض أو مجانا لا تكون من الفوائد التي يجب فيها الخمس إلا أن تملك شرعا بالإحياء، و كذا المباحات الأصلية كالحصي و الحجر و الجص و نحوها فإنها لا تكون من الفوائد التي يجب فيها الخمس إلا أن تملك شرعا بالحيازة.

(مسألة 27): لا فرق في الفوائد التي يجب فيها الخمس بين الأعيان الخارجية أو الذمية- كالديون علي الغير- و المنافع المملوكة بإجارة و نحوها، و الحقوق المجعولة بمعاوضة مالية، كحق السرقفلية، إذا كان بذل المال في مقابل حق في العين المستأجرة للدافع علي المالك يقتضي أولويته باستئجارها من غيره، و أما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 407

إذا كان هدية من الدافع للاستئجار من دون أن يستحق في قباله شيئا فلا يعدّ مالا. نعم يكون بذل المال من مقدمات تحصيل الربح التي تستثني من الربح كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 28): إذا باع ثمرة بستانه سنين متعددة كان الثمن من أرباح سنة البيع و وجب الخمس في ما يفضل منه عن المؤنة، و كذا إذا آجر داره سنين، فإن الأجرة تكون من أرباح سنة الإجارة، أما إذا آجر نفسه

علي عمل مدة طويلة أو قصيرة، فإن الأجرة و إن كانت من أرباح سنة الإجارة، إلا أنه إذا مضت السنة و لم يؤدّ بعض العمل أو لم يؤدّه بتمامه كان العمل الذي بقي في ذمته مستثني بقيمته من أرباحه كالدين. فإذا آجر نفسه لصلاة عشر سنين فصلي سنة واحدة ثم انتهت السنة، كان قيمة التسع سنين كسائر الديون مستثناة من مجموع ربحه، و لا يجب الخمس إلا في الباقي من ربحه بعد استثنائها.

(مسألة 29): الأموال التي أدي خمسها أو التي لم يتعلق بها الخمس- كالميراث الذي يحتسب- إذا زادت زيادة متصلة متحدة معها عرفا لم تعدّ تلك الزيادة من الفوائد فلا يجب فيها الخمس، كما إذا نمت الشجرة أو سمنت الدابة أو كبرت. و لو بيعت العين مع الزيادة المذكورة لم يجب الخمس في الثمن أيضا.

(مسألة 30): الأموال التي أدّي خمسها أو التي لم يتعلق بها الخمس إذا زادت زيادة مباينة لها عرفا وجب الخمس في الزيادة، كالولد و الصوف و اللبن من الحيوان، و كالثمر من الشجر. بل لا يبعد عموم ذلك لما إذا لم ينفصل إذا كان له وجود معتدّ به عرفا مقدّرا بالمال، كالصوف إذا حان جزّه، و الثمر إذا كان صالحا للقطف.

(مسألة 31): الأموال التي أدّي خمسها أو التي لم يتعلق بها الخمس إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 408

ارتفعت قيمتها السوقية لم يجب الخمس في زيادة السعر من دون فرق بين ما اتّخذ للتجارة و ما اتّخذ للادخار و ما اتخذ للانتفاع و المؤنة. نعم إذا بيعت و كانت قد ملكت بالشراء كان الربح الحاصل بارتفاع السعر من فوائد سنة البيع و يجب فيه الخمس. أما لو ملكت بغير

الشراء- كالهدية و الميراث الذي لا يحتسب- فلا يجب شي ء ببيعها و إن ارتفع سعرها.

(مسألة 32): الأموال التي تعلق بها الخمس و لم يؤدّ خمسها إذا زادت زيادة متصلة أو منفصلة يجب الخمس في الزيادة تبعا لها. و كذا إذا ارتفعت قيمتها السوقية فإذا أريد دفع الخمس لزم إخراج خمس المجموع- من الأصل و الزيادة- من العين، أو بقيمته حين إخراج الخمس.

(مسألة 33): إذا نقص الخمس بسبب نزول القيمة السوقية لم يضمنه المالك و إن فرّط في عدم بيع العين حين ارتفاع سعرها أو في دفع الخمس عند رأس السنة، فإذا كان ربحه متاعا قيمته ألف دينار مثلا فلم يبعه و لم يدفع خمسه عامدا عاصيا حتي صار سعره خمسمائة دينار لم يجب عليه إلا خمسه فيدفعه من العين أو بقيمته و هي مائة دينار، و لا يجب عليه- مع ذلك- ضمان خمس فرق السعر، و هو ما يعادل مائة دينار اخري.

(مسألة 34): إذا اشتري أو استبدل متاعا بمال قد تعلق به الخمس و لم يؤدّه، فإن كان الشراء بعين المال المذكور، لم ينفذ الشراء في مقدار الخمس إلا بتنفيذ الحاكم الشرعي، فإذا أنفذه انتقل الخمس للمتاع، فيجب إخراج خمسه من العين، أو بقيمته حين دفع الخمس، و لم يكن دفع خمس الثمن الذي دفعه، فإذا أبدل سيارة قد تعلّق بها الخمس بسيارة اخري، فأجاز الحاكم الشرعي وجب أداء خمس السيارة الثانية- و لو بقيمته- لا أداء خمس السيارة الأولي. هذا إذا لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 409

يكن المشتري مؤمنا، أما إذا كان مؤمنا فينفذ البيع بلا حاجة إلي إمضاء الحاكم الشرعي و ينتقل خمس الثمن للذمة و لا يجب خمس المثمن، كالسيارة

الثانية في المثال المتقدم.

أما إذا كان الشراء بالذمة و الوفاء بالمال الذي تعلق به الخمس- كما هو الغالب- انتقل خمس الثمن المدفوع للذمة و لم يجب الخمس في المثمن مطلقا، سواء كان المشتري مؤمنا أم غير مؤمن، و لم يتعلق الخمس بالمتاع الذي اشتراه. نعم إذا باع المتاع المذكور بربح كان الربح من فوائد سنة البيع، و وجب فيه الخمس إذا زاد عن مؤنة تلك السنة، فإذا اشتري سيارة- شخصية أو لعمله أو للتجارة- و دفع مائة ألف دينار قد تعلق بها الخمس وفاء لثمنها فإذا أجاز الحاكم الشرعي وجب دفع عشرين ألف دينار خمسا عمّا دفعه من الثمن، و لا يجب دفع خمس السيارة، إلا أن يبيعها بربح، فيجب دفع خمس الربح إذا زاد عن مؤنة سنة البيع.

(مسألة 35): المراد من مؤنة السنة التي يجب الخمس في الزائد عليها كل ما يتكلّف صاحب الربح صرفه لغرض عقلائي من سد حاجة له و لعياله- من مطعم أو ملبس أو مسكن أو علاج أو نحوها- أو تحقيق رغبة أو قيام بحق شرعي أو عرفي أو مواساة الغير و الإحسان إليه- ابتداء أو ردا للجميل- إلي غير ذلك مما يعدّ من نفقاته عرفا.

(مسألة 36): من جملة المؤن المصارف المستحبة- من حج أو زيارة أو صدقة أو غير ذلك- مهما كثرت و عظمت سواء تعارف قيام صاحب الربح بها و كانت مناسبة لشأنه أم لا.

(مسألة 37): لا يعتبر في المؤنة الرجحان، بل تعمّ المباحات و المكروهات،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 410

بل المحرّمات، فإن مرجوحيتها أو حرمتها لا تنافي استثناء ما ينفق فيها من الربح.

(مسألة 38): المعيار في المؤنة علي فعلية الصرف لا إلي الحاجة إليه، فمن

احتاج للإنفاق فلم ينفق- اقتصادا أو تقتيرا أو لتبرّع الغير عنه بالإنفاق- لم يستثن مقدار الحاجة من الربح، و من لم يحتج للإنفاق في مورد فأنفق كانت نفقته مستثناة من الربح. نعم لا بدّ من كون الإنفاق من الشخص لغرض عقلائي، بحيث يكون الإنفاق في شؤونه و لا يستثني المال الذي يتلفه من دون أن يصرفه في شؤونه، إلا أن يكون الإتلاف تبعا للإنفاق في المؤنة، كما لو صنع الطعام الكثير لعياله أو لضيوفه فتلف منه مقدار لكثرته من دون أن يصرف في حاجة، فإنّه يستثني أيضا.

(مسألة 39): لا فرق في المؤنة بين ما ينتفع به بإتلاف عينه- كالأكل و الشرب و الدواء- و ما ينتفع به مع بقاء عينه كدار السكن و الثياب و الأثاث- كالثلاجة و الغسالة و أجهزة التبريد و غيرها- حتي السيارة الشخصية التي هي من شؤون حياة الإنسان الخاصة، دون مثل سيارة العمل كما يأتي.

(مسألة 40): من جملة المؤن ما يتزين به الشخص أو يتزين به عياله من الحلي كالقلادة و السوار و الخاتم و نحوها.

(مسألة 41): ليس من المؤن المستثناة رأس مال التجارة، و لا آلات العمل الذي يتكسّب به، كالمعمل، و سيارة النقل و ديكور المحل و أجهزته، و كذا الحيوانات التي يعمل عليها أو ينقل عليها و غير ذلك، فإنها من جملة الأرباح التي يجب الخمس فيها، سواء احتاج إليها لتحصيل مؤنة سنته أم زادت عن ذلك و كان الغرض منها زيادة الربح.

(مسألة 42): من جملة المؤن المستثناة مصارف الحج و العمرة الواجبين في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 411

سنة الربح أو من سنين سابقه. لكن لو لم يحج- و لو عصيانا- لم تستثن مقدار المصارف

المذكورة. و كذا الحال في جميع ما وجب بنذر و نحوه من زيارة أو غيرها مما يقتضي صرف المال من دون أن يكون مالا بنفسه.

(مسألة 43): إذا وجب عليه بنذر أو غيره إنفاق مال في وجه خاص، فإن قام بذلك كان من المؤنة و استثني من الربح و إن لم يقم بذلك فالأحوط وجوبا عدم استثناء مقداره في النذر و الشرط، بل هو الأظهر في اليمين و العهد.

(مسألة 44): أداء الدين من المؤن المستثناة سواء كانت الاستدانة في سنة الربح أم قبلها. و إذا لم يؤدّ الدين كان مستثني أيضا إذا كان دينا لمؤنة السنة، كما لو استدان لشراء طعام لعياله. و كذا إذا كان الدين نفسه معدودا من المؤنة، كما لو ضمن في تلك السنة دين مؤمن معسر مثلا بلا إذنه. و أما في غير ذلك فلا يستثني مع عدم أدائه، كما لو تحمل دية بسبب القتل العمدي أو غيره أو ضمن مالا بسبب اليد أو الإتلاف، أو كان مدينا من سنين سابقه لمؤنة تلك السنين أو لغيرها، فإن الديون المذكورة لا تستثني من الربح إذا لم يؤدّها.

(مسألة 45): إذا كان حصول الربح موقوفا علي صرف مال كان ذلك المال مستثني من الربح كاجرة المحل و الحارس و الحمّال و صيانة البضاعة من التلف، و مصانعات السلطان المتعلقة بالمال و غير ذلك، فمن كان عنده مال مخمّس في أول السنة كعشرة آلاف دينار مثلا فأنفقه كله في مقدمات التجارة و تحصيل الربح لم يجب الخمس في الربح الحاصل بعد ذلك إلا أن يزيد علي المال المذكور، فإذا نقص الربح في السنة الأولي عن المال المذكور كما لو كان الحاصل خمسة آلاف دينار في المثال

السابق فإن عدّ النقص خسارة بعد ملاحظة الوضع الطبيعي في اكتساب المال كان رأس المال المخمس هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 412

الناقص- و هو خمسة آلاف- و يجب الخمس في الزائد عليه في السنة الثانية، فإذا حصل له خمسة عشر ألف دينار كان ربحه منها عشرة آلاف دينار و وجب خمسها، و هو ألفان.

و إن لم يعدّ النقص خسارة لأن من شأن المقدمات المذكورة تأخّر ربحها- كما قد يكثر ذلك في الزراعة- فلا يجب الخمس في السنة الثانية إلا بعد استثناء تمام المال المصروف، فلو حصل له خمسة عشر ألف دينار كان ربحه منها خمسة آلاف لا غير و وجب خمسها و هو ألف فقط.

(مسألة 46): إذا كان حصول الربح مستتبعا لخسارة مال، كان مستثني من الربح، كضرائب السلطان، فتستثني من الربح و إن لم يبادر لدفعها إذا لم يمكن التخلص منها. و من ذلك ما إذا وجب عليه شرعا- بنذر أو يمين أو شرط أو غيرها- إنفاق مال علي تقدير حصول الربح، كما لو نذر أن يتصدق ببعض ربحه أو أن يتصدق بمقدار من المال إن ربح في معاملة خاصة أو نحو ذلك. نعم إذا لم يجب شرعا القيام بذلك- كما في الوعد المجرد أو النذر و اليمين غير الشرعيين- فلا يستثني إلا أن يبادر إلي القيام به في أثناء السنة، حيث يكون من المؤن المصروفة التي تقدم استثناؤها في المسألة الخامسة و الثلاثين.

(مسألة 47): المراد من المؤنة المستثناة هي مؤنة السنة، و مبدأ السنة هو ظهور أول ربح للإنسان مهما كان سبب حصوله. و لا يختلف مبدأ السنة باختلاف المكاسب و الأرباح، بل للإنسان سنة واحدة سواء ربح فيها أم لا،

اتحد مكسبه أم تعدد، اتحد نوعه أم تعدد. و علي المبدأ المذكور تتعاقب السنين.

(مسألة 48): المعيار في السنة علي السنة القمرية العربية. نعم إذا ضاق علي شخص الجري عليها لعدم مناسبته لوضعه أمكن مراجعة الحاكم الشرعي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 413

و المصالحة معه لنقلها للسنة الشمسية.

(مسألة 49): إذا كان رأس السنة غير مناسب لوضع الشخص أمكن الرجوع للحاكم الشرعي و المصالحة معه لتبديله.

(مسألة 50): إذا جهل الشخص مبدأ سنته بالمعني المتقدم أمكن الرجوع للحاكم الشرعي و المصالحة معه لتعيين مبدأ السنة.

(مسألة 51): يجب علي المكلّف أن ينظر في مبدأ سنته إلي ما زاد عن مؤنته من الأعيان التي ينتفع بها بإتلاف عينها- كالمطعوم و المشروب و الدواء و غيرها- فتكون من جملة أرباحه التي تخمّس. و كذا الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء عينها إذا لم يستعملها و ينتفع بها انتفاع المؤنة، كالثياب غير المخيطة أو المخيطة غير الملبوسة، و الكتب التي لم ينتفع بها، و جميع الأثاث و المتاع الذي لم يستعمله بالوجه المناسب له. و أما إذا استعمله مدة معتدا بها بحيث يعدّ مستغلّا له عرفا، فإنّه يكون من المؤنة المستثناة و لا يجب الخمس فيه.

(مسألة 52): المؤنة التي ينتفع بها مع بقاء عينها- كالحلي و الثياب- إذا استعملها الشخص مدة معتدّا بها ثم استغني عنها لم يجب فيها الخمس، كالحلي التي تتركها المرأة بعد ما يتقدم بها السن. نعم إذا كان قد اشتراه فإذا باعه بربح كان الربح من جملة أرباح سنة البيع التي يجب فيها الخمس بعد استثناء مؤنة السنة، و أما إذا لم يكن قد اشتراه، بل كان هدية أو ميراثا فلا خمس فيه، و إن باعه بعد

ارتفاع سعره.

(مسألة 53): إذا مات صاحب الربح في أثناء السنة فالمستثني من الربح هو المؤنة إلي حين الموت لا مؤنة تمام السنة.

(مسألة 54): لا يشترط في استثناء مؤنة السنة من ربحها الإنفاق علي المؤنة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 414

المذكورة من ذلك الربح، بل إذا أنفق عليها من الدين أو من مال آخر كان له استثناء مقدار ما أنفق فيها من الربح.

(مسألة 55): إذا ادّخر من أرباح سنين متعددة مالا للمؤنة و لم ينفقه عليها إلا في سنين لاحقة كان عليه خمس ذلك المال المدّخر، كما لو ادخر من ربح سنين متعددة مالا لزواج أو شراء دار أو أثاث، أو غيرها، فإنّه يجب عليه خمس المال الذي يدخره من ربح كل سنة لا ينفقه في مؤنتها. و كذا إذا شرع في أعداد المؤنة تدريجا و لم يستغلها إلا في سنة لاحقة. فإذا اشتري مثلا في سنة أرضا للدار و شرع في بنائها في الثانية، و أكمل البناء في السنة الثالثة و لم يسكن الدار إلا في السنة الرابعة كان عليه في السنين الثلاث الأول خمس الدار لأنه لم ينتفع بها و لم تكن من مؤنته في تلك السنين.

و هذا بخلاف ما لو استدان للمؤنة و استغلها ثم وفّي دينه من أرباح السنين اللاحقة، كما لو استدان في سنة و اشتري دارا و سكنها أو تزوج، ثم و في دينه في السنين اللاحقة فإنّه لا خمس عليه لا في سنة الشراء أو الزواج، لعدم وفاء ربحه لمؤنته، و لا في السنين اللاحقة لصرف أرباحها في وفاء الدين الذي تقدم أنه من المؤن.

و كذا لو أنفق ربح سنته في بناء دار ناقصة و سكنها في نفس

السنة، ثم استمرّ في بنائها تدريجا في السنين اللاحقة و انتفع في كل سنة بما يحدثه فيها من أرباحها، حتي أكملها، فإنّه لا يجب عليه خمس شي ء من هذه الأرباح، لصرفها في مؤنة سنة تحصيلها.

(مسألة 56): لا فرق في استثناء مؤنة السنة من ربحها بين أن تكون سابقه علي حصول الربح و أن تكون لاحقة له، فمن لا يظهر ربحه إلا في آخر السنة يستثني

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 415

مؤنة تمام السنة منه.

(مسألة 57): الظاهر جبر ربح السنة للخسران الحاصل فيها سواء كانا في أبعاض فرد واحد، كما لو اشتري بضاعة فباع بعضها بربح و آخر بخسارة، أم في أفراد نوع واحد، كما لو اتجر تجارتين فربح في إحداهما و خسر في الأخري، أم في نوعين كما لو ربح في الزراعة و خسر في التجارة.

(مسألة 58): الظاهر جبر الربح للتلف الحاصل فيه أو في رأس المال، كما لو ربح في تجارته و سرق بعض بضاعته أو نقوده. بل الظاهر جبر الربح للخسارة الخارجة عن المكسب، كما لو ربح في تجارته و احترق بعض أثاث بيته أو هدمت داره، و إن كان الأحوط استحبابا في ذلك عدم الجبر.

(مسألة 59): يترتب علي المسائل الثلاث السابقة أن الربح الذي يخمّس في آخر السنة هو الزائد علي الموجود عند صاحبه في آخر السنة السابقة بعد إخراج تمام مؤنة سنة الربح و خسارتها و التلف الحاصل فيها.

(مسألة 60): إذا كان الشخص لا يحاسب نفسه سنين عديدة و لا يخرج خمسة فإذا أراد أداء الحق لزم عليه أداء الخمس في أمور:

الأول: المال الموجود عنده مما فضل علي مؤنته من نقود أو عقار أو آلات العمل و النقد التابع له،

و غير ذلك مما يملكه.

الثاني: كل خسارة أو تلف حصل له بالمقدار الزائد علي ربح سنة حصوله، إلا أن تكون خسارة أو تلفا في مال لا يجب فيه الخمس- و هو الميراث الذي يحتسب- أو في مال مخمّس.

الثالث: ما أنفقه علي مؤنته من أرباح سنين سابقه لم تخمّس، كما لو مضت عليه مدة لا يربح فيها أو ينقص ربحه عن مؤنته فكان ينفق من المال الذي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 416

اكتسبه في السنين السابقة و لم يؤدّ خمسة، إلا أن يكون ذلك المال الذي أنفقه لا خمس فيه- و هو الميراث الذي يحتسب- أو كان قد أخرج خمسه.

(مسألة 61): إذا اشتري عقارا مثلا ليس من المؤنة بدين، استثني الدين في آخر السنة من العقار، فلا يجب الخمس في العقار إلا في المقدار الزائد علي الدين، فإذا بقي العقار للسنة الثانية و قد برئت ذمته من بعض الدين أو جميعه فيها وجب الخمس في ما يقابل المقدار الذي برئت ذمته منه من الدين، و هكذا حتي يتم تخميس العقار بتمامه. و هكذا كل دين له مال مقابل عند المدين، فإن الدين يستثني من ذلك المال و لا يجب الخمس في ذلك المال مهما تعاقبت السنوات إلا بالمقدار الذي يزيد علي الدين و لا يقابل به.

(مسألة 62): إذا انتهت سنة الربح فلم يدفع الخمس و دفعه من أرباح السنة الآتية فإن كان ربح السنة الأولي باقيا لم يكن وفاء الخمس من مؤن السنة الثانية، بل يجب خمس المقدار الذي وفي به الخمس كبقية ربح تلك السنة، و إن كان تالفا كان وفاء الخمس من مؤن السنة الثانية فلا يجب الخمس في مقداره.

(مسألة 63): إذا انتهت

السنة و كان بعض أرباحها دينا حالّا في ذمة الناس ثبت في ذمة المدين خمس ما في ذمته فيجب عليه أداؤه بأداء الدين لصاحبه، و لا يجوز لصاحب الدين الإذن في تأخير الوفاء، إلا أن يبادر إلي أداء خمس الدين بنفسه. و لو أذن فإن كان المدين مؤمنا حلّ له التأخير و تحمّل الدائن تبعة تأخير الدين.

(مسألة 64): يتعلق الخمس بالربح بمجرد ظهوره إذا كان أكثر من مؤنة السنة، و يجوز للمالك تأخير دفعه إلي آخر السنة حتي لو علم بزيادته عن المؤنة.

(مسألة 65): يجوز للمالك تعجيل دفع الخمس بعد ثبوته قبل انتهاء السنة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 417

نعم لا يكفي في ذلك العلم بحصول الربح بما يزيد علي المؤنة في مجموع السنة و لو في أواخرها بعد دفع الخمس، بل لا بدّ من حصوله قبل دفع الخمس، إذ مع عدم حصوله لا خمس حتي يدفع، فمن احتاج إلي تعجيل الدفع قبل العلم بحصول الربح يتعين عليه الدفع بعنوان القرض ثم وفاء القرض من الخمس بعد ظهور الربح.

(مسألة 66): يجب المبادرة لأداء الخمس بعد انتهاء سنة الربح إذا كانت العين تحت يده، و لا يجوز تأخيره إلا بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 67): لا يجوز التصرف في العين التي تعلق بها الخمس بعد انتهاء سنة الربح من دون فرق بين التصرف الخارجي بالأكل و اللبس و نحوهما و التصرف الاعتباري بالبيع و الشراء و الإجارة و نحوها، و الأحوط وجوبا العموم في ذلك للتصرف بالبيع و الشراء و نحوهما من أجل تصفية المال و دفع الخمس، فلا بدّ من استئذان الحاكم الشرعي في ذلك، و قد أذنت في ذلك إذنا عامّا لكل من يريد به

المبادرة للأداء.

(مسألة 68): يتعلق الخمس بالعين و يتخيّر المالك بين دفع العين و دفع القيمة من النقود دون الأعيان الأخري. نعم في غنائم الحرب تكون الولاية في التعيين للإمام، و في الأرض التي يشتريها الذمي لا يبعد إلزام الذمي بدفع القيمة إذا لم يكن خمس العين صالحا للانتفاع. بل يحتمل ذلك مطلقا. و الأمر سهل لعدم الابتلاء بذلك في عصورنا هذه.

(مسألة 69): إذا تصرف المالك في المال الذي تعلق به الخمس قبل إخراج الخمس بالبيع أو الشراء أو الهبة أو الإبراء أو الإجارة أو الإذن في التصرف لم ينفذ تصرفه بدون إذن الحاكم الشرعي، فلا يجوز للغير ترتيب الأثر علي ذلك،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 418

نعم يجوز للمؤمن ترتيب الأثر علي ذلك لأن الأئمة عليهم أفضل الصلاة و السلام قد أباحوا لشيعتهم ذلك فينتقل خمس العين لذمة صاحب الحق إن أخذ المؤمن العين، كما ينتقل خمس منفعتها لذمة صاحب الحق إن تصرف المؤمن في المنفعة بإذنه. بل يكفي أخذ المؤمن للعين بوجه شرعي و لو من دون تصرف من صاحب المال، كما في موارد المقاصّة و استيفاء الدين عند امتناع المدين من أدائه و نحوها و كذا في ميراث المال إذا لم يكن المورث بانيا علي أداء الخمس، و أما إذا كان بانيا علي أدائه و قد غلبه الموت فالأحوط وجوبا عدم سقوط الخمس عن العين خصوصا إذا أوصي به، فيلزم إخراجه.

الفصل الثاني في مستحق الخمس

يقسم الخمس في زماننا- زمان الغيبة- نصفين، نصف لإمام العصر الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه و جعل أرواحنا فداه، و نصف لبني هاشم زادهم اللّه شرفا.

(مسألة 70): المراد من بني هاشم من انتسب لهاشم بالأب من دون فرق بين بطونهم، نعم

الأولي تقديم العلوي بل الفاطمي.

(مسألة 71): يعتبر في بني هاشم الإيمان، و الفقر بالنحو المتقدم تفصيله في الزكاة. نعم في ابن السبيل يكفي الفقر في بلد التسليم و إذا لم يتمكن من الاستدانة بالنحو الذي يقدر معه علي الوفاء من ماله و الذي لا يلزم منه الإهانة و الحرج عليه. و الأحوط وجوبا أن لا يكون عاصيا بسفره.

(مسألة 72): لا يعطي الفقير أكثر مما يتمّ له به مؤنة سنته، و أما ابن السبيل فلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 419

يدفع له أكثر مما يوصله لبلده، إلا أن يحتاج للاستمرار في سفره فيدفع له ما يسدّ حاجته فيه.

(مسألة 73): لا يصدّق من ادعي النسب إلا بالبيّنة، أو الشياع الموجب للاطمئنان، و قد تقدم في الزكاة ما ينفع في المقام.

(مسألة 74): لا يجوز للشخص إعطاء الخمس الذي في ماله لمن تجب نفقته عليه، إلا إذا كانت عليه نفقة غير لازمة عليه علي التفصيل المتقدم في الزكاة.

(مسألة 75): لا بدّ في دفع نصف الحق لبني هاشم من تمليكهم له بقبض المستحق أو وليه، و لا يكفي بذله لهم أو صرفه عليهم من دون تمليك.

(مسألة 76): لا يشرع اشتراط مصرف خاص علي من يملك الحق من بني هاشم.

(مسألة 77): لا يستقلّ من عليه الحق في توزيع نصف الخمس علي مستحقيه من بني هاشم، بل لا بدّ من استئذانه الحاكم الشرعي في ذلك، و قد أذنت لمن عليه الحق في دفع الحق المذكور لهم، و ينبغي له ملاحظة المرجحات الشرعية.

(مسألة 78): لا يجوز صرف النصف الراجع للإمام في عصر غيبته إلا في مورد يحرز رضاه بصرفه فيه، للعلم باهتمامه صلوات اللّه عليه به بمقتضي منصبه الرفيع و ولايته العامة

و رعايته للدين و أبوته علي المؤمنين و كفالته لهم و لا نحرز ذلك إلا في موردين:

الأول: خدمة الدين الحنيف برفع دعائمه و إقامة شعائره و الحفاظ علي حرماته، و دفع عادية المعتدين عليه و ردّ كيد الظالمين عنه و ترويج الشرع الشريف و نشر أحكامه، و من أهم مصاديق ذلك خدمة أهل العلم المخلصين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 420

الصحيحين المهتمين بأداء وظيفتهم الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية و تحقيق حقائقها، و الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين و إرشاد الضالين و نصح المؤمنين و وعظهم و إصلاح ذات بينهم و نحو ذلك مما يرجع إلي تقوية دينهم و تكميل نفوسهم و تقريبهم من ربهم، فإنهم من أحسن مصارف هذا الحق فلهم أن يأخذوا منه ما يكفيهم و يحفظ لهم عزتهم و كرامتهم و يستغنون به عن غيرهم ليتفرّغوا لأداء واجبهم، و القيام بوظيفتهم، بعيدا عن التوسع و الجمع و السرف و الترف.

و أما من تزيّي بزيّهم و انتسب لهم من دون أن يؤدي خدمة أو يقوم بواجب فلا يستحق من هذا الحق شيئا، و لو أخذ منه كان سارقا، و أولي بذلك من اتخذ من زيّه و نسبته لهم سلّما للدنيا المحرّمة لا يهمه من أين أتته و أي طريق يركبه إليها، فصار أداة للشيطان سببا لطمس الحقائق و تضليل الغافلين و تحريف أحكام الشرع المبين. أعاذنا اللّه تعالي من ذلك و كفانا شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا و أعاننا علي أنفسنا بما يعين به الصالحين علي أنفسهم. و هو حسبنا و نعم الوكيل.

الثاني: دفع ضرورات المؤمنين المتديّنين و مدّ يد العون إليهم، و إغاثة لهفتهم و تنفيس كربتهم، فإنّهم عيال

صاحب هذا الحق صلوات اللّه عليه اللازمون له الذين يجب عليه نفقتهم و كشف ضرّهم و الذين يحزنه حزنهم و يؤلمه ألمهم، لأنه الأب الرؤوف و الوالد العطوف، ففي تفريج كربتهم و إغاثة لهفتهم تفريج لكربته و أداء لوظيفته في غيبته و تحقيق لرغبته في محنته.

و اللازم وراء هذين المصرفين شدة الاهتمام بإحراز رضاه عليه السّلام و بذل الوسع في ذلك بملاحظة المرجّحات و الأولويات بعيدا عن الأغراض الشخصية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 421

و المغانم الفردية، فإنّ الحق حقّه و المال ماله، و كل من قدّم مصلحته علي مصلحة الحق خائن له صلوات اللّه عليه و لمنصبه الرفيع مهما كان مقام ذلك الشخص و إن خدعته نفسه بالأماني الكاذبة و الأوهام الباطلة.

(مسألة 79): لا يجوز للمالك الاستقلال في التصرف بنصف الخمس الراجع للإمام و صرفه في مصارفه المتقدمة، بل لا بدّ من الرجوع للحاكم الشرعي المستوعب للجهات العامة و الخاصة و العارف بجهات الصرف، الذي يتيسر له القيام بها و لو بالاستعانة بأهل المعرفة و الأمانة فيكون صرف الحق المذكور برأي كلّ من المالك و الحاكم، إما بإيكال أحدهما الأمر للآخر أو إعمال نظرهما معا في كيفية الصرف، فاللازم علي المالك الرجوع لمن هو الأوثق في نفسه في الأمانة و المعرفة و حسن التصرف و بعد النظر بعد التثبت و بذل الجهد، و الحذر ثم الحذر من المؤثرات الخارجة عن مقتضي الوظيفة الشرعية، فإنّ هذا الحق أمانة بيده و بيد الحاكم الشرعي المذكور و بيد كل من تقع يده عليه، فاللازم علي الكلّ تحرّي الأقرب فالأقرب من رضاه صلوات اللّه عليه، لتؤدي الأمانة فيه علي أفضل الوجوه و أحوطها، مع صدق النية و

الإخلاص في أداء الواجب و البعد عن الرغبات الشخصية و المغانم الفردية و محاباة الآخرين.

فلعلّ اللّه سبحانه و تعالي إذا علم ذلك من القائمين به سدّدهم في عملهم و وفقهم في مسعاهم و أجري الخير علي أيديهم و بارك لهم في أمرهم، و إن أخطأوا مع ذلك قبل منهم و عفي عنهم، لأن نية المرء خير من عمله و لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا، و إلا خذلهم في أمرهم و أوكلهم إلي أنفسهم، يتورّطون في الشبهات و يرتطمون بالمحرمات، فإن صادف أن ترتب النفع علي عملهم لم يكونوا مشكورين و لا مأجورين، و إن ضاع الحق بتصرّفهم و صرف في غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 422

مورده كانوا محاسبين علي تفريطهم، مؤاخذين بخيانتهم يوم لا يغني مولي عن مولي شيئا و لا هم ينصرون، و هذا هو الواجب في جميع موارد أداء الوظائف الشرعية و القيام بها، لأن المطالب بها عالم بالسرائر و مطلع علي الضمائر قد أوضح معالم الحق و استكمل الحجة علي الخلق.

(مسألة 80): إذا أذن الحاكم الشرعي في أخذ الحق لشخص يعلم من نفسه أنه ليس أهلا له- إما دفعا لشرّه أو ضرره، أو لخطئه في تشخيص حاله بعد استكمال الفحص حسب طاقته- لم يحلّ المال لذلك الشخص، لأن الحاكم الشرعي و إن كان معذورا قد أدي وظيفته حسب طاقته و اجتهاده إلا أنه لا يحلّل حراما و لا يحرّم حلالا، و لا يغيّر حقّا و لا باطلا، فالمال المدفوع كالرشوة التي يدفعها صاحبها عند الضرورة دفعا للشر، يحلّ له دفعها و يحرم علي آخذها أخذها و أكلها، أو كالمال المأخوذ بشهادة الزور الذي هو قطعة من النار و إن

كان الحاكم به نبيّا أو وصيّا.

(مسألة 81): ليس من مصارف هذا الحق العاملون عليه الذين يتولّون أخذه من صاحب المال و إيصاله للحاكم الشرعي، فإن ذلك مختص بالزكاة فقد جعل اللّه تعالي للعالمين عليها سهما فيها من ثمانية أسهم- علي تفصيل تقدم في كتاب الزكاة- و لم يجعله في بقية الواجبات المالية من الخمس و غيره.

نعم إذا كان الموصل للحق من مصارفه- في نفعه الديني أو حاجته و تديّنه- جاز دفع شي ء له مما أوصل أو من غيره، بل قد يستحقّ أكثر مما أوصل، علي نحو ما تقدم في المسألة التاسعة كما أنه إذا كان عارفا بجهات صرفه مطلعا عليها مأمونا علي الحق يطيق أداء الوظيفة فيه حسن التعاون معه و مع أمثاله في إيصال الحق لأهله و صرفه في مصارفه و أداء الأمانة فيه، بل قد يحسن أن يوكل إليه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 423

صرف تمام ما حمل أو أكثر منه حسبما يراه الحاكم الشرعي الذي هو مأمون عليه و ناظر فيه.

و قد خرجنا في تحرير هذه المسائل عن الوضع التقليدي رغبة في إيضاح بعض الحقائق المسلّمة التي قد تتعرض في زماننا هذا للتشويه و التحريف.

و نسأله سبحانه و تعالي أن يسدّد القائمين علي هذا الحق المتولّين لصرفه و يوفقهم لأداء وظيفتهم علي أكمل وجوهها و أرضاها لصاحب هذا الحق إمام العصر و ولي الأمر عجل اللّه تعالي فرجه، ليكونوا بذلك مرضيين لديه، مقبولين عنده، معدودين في خدامه و أعوانه في غيبته، مستحقين دعاءه و شفاعته، ليفوزوا بأعلي منازل المقربين و أرفع درجات العاملين. و ما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت و إليه أنيب، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

(مسألة 82): يجوز

نقل الخمس من بلد المال الذي وجب فيه إلي غيره مع عدم وجود المستحق فيه أو عدم معرفته، بل مع وجوده و معرفته إذا لم يكن النقل منافيا للفورية، و أما إذا كان منافيا لها فلا يجوز إلا بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 83): يجوز عزل الخمس في مال مخصوص بإذن الحاكم الشرعي فيتعين الخمس في المال المعزول و يتخلص المال من الحق. و حينئذ لا يجوز تبديل المال المعزول بغيره. كما أن المال المعزول يكون أمانة في يد صاحبه لا يضمنه إلا مع التعدّي و التفريط و لو بتأخير الدفع للمستحق. و أما استقلال صاحب المال بعزل الخمس من دون إذن الحاكم الشرعي فالظاهر عدم ترتب الأثر عليه.

(مسألة 84): إذا كان له دين في ذمة المستحق ففي كفاية احتسابه عليه من النصف الراجع للسادة إشكال. و الأحوط وجوبا الاستئذان من الفقير ليقبض عنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 424

مقدار الحق الذي يراد دفعه إليه ليملكه ثم يؤخذ وفاء عن ذمته. و أما النصف الراجع للإمام فالظاهر جواز احتسابه بإذن الحاكم الشرعي.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 425

كتاب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 427

اشارة

و هما من أعظم الواجبات الدينية و بهما يصلح المجتمع و يقمع الفساد و يستدفع الشر. قال تعالي كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ و قال عزّ من قائل وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «إذا أمّتي تواكلت [تواكلوا] الأمر بالمعروف و النهي

عن المنكر فليأذنوا بوقاع من اللّه» و عن الإمام الرضا عليه السّلام أنه قال: «لتأمرنّ بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة تقام بها الفرائض و تأمن المذاهب و تحلّ المكاسب و تردّ المظالم و تعمر الأرض و ينتصف من الأعداء و يستقيم الأمر» و في حديث: «قال النبي صلّي اللّه عليه و آله كيف بكم إذا فسدت نساؤكم و فسق شبابكم و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر فقيل له: و يكون ذلك يا رسول اللّه قال:

نعم، و شرّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف فقيل له:

يا رسول اللّه و يكون ذلك قال: نعم، و شرّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا».

و الكلام فيه يقع في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 428

الفصل الأول في حقيقتهما

يجب علي المؤمن بالنسبة للمعروف و المنكر موقفان مترتبان طبعا:

الأول: الموقف النفسي و هو: الانس بالمعروف و الانسجام معه و الانزعاج من المنكر و الرفض له نفسيا. و هو المراد بإنكار المنكر بالقلب.

الثاني: الموقف العملي، و هو محاولة التغيير بالحث علي المعروف عند تركه بالأمر به و التشجيع عليه و الردع عن المنكر عند فعله بالنهي عنه و التبكيت عليه.

و هو المراد بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و له مراتب الاولي: التغيير الصامت بظهور الغضب و التألم من العاصي و الإعراض بالوجه عنه و الهجر له في المعاشرة و قطع الإحسان عنه و نحو ذلك.

الثاني: التغيير بالقول بالأمر

و النهي و الوعظ و التذكير بثواب اللّه تعالي و عقابه و نحو ذلك.

الثالثة: التغيير العملي بالعقاب علي المعصية عند القيام بها بالضرب و الحبس و الجرح و نحوها.

الفصل الثاني في شروط وجوبهما

اشارة

و الكلام في ذلك في مقامين:

المقام الأول: في الموقف النفسي الذي تقدم أنه المراد بإنكار المنكر في القلب. و هو واجب علي كل أحد، و لا يتوقف وجوبه علي شي ء إلا العلم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 429

بالمعروف و المنكر حيث لا يحتاج إلي مؤنة بعد ذلك و من ثم كان من لوازم كمال الإيمان التي لا تفارقه، بل هو روح الإيمان بالدين و جوهره.

و يترتب عليه أن المؤمن إن صدرت منه الحسنة سرّته و أنس بها، و إن صدرت منه السيئة سائته و ندم عليها، و أنّب نفسه، و علي هذا ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام قولهم: «من سرّته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن». و كذا إذا صدرت الحسنة من غيره فهو يأنس بها و يبارك له، و إن صدرت السيئة من غيره أنكرها في نفسه و أنكر عمله، و علي هذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام قوله: «إنما يجمع الناس الرضا و السخط، فمن رضي أمرا فقد دخل فيه و من سخطه فقد خرج منه».

و اللازم علي المؤمن شدة الاهتمام بهذه الجهة و الحذر من التفريط فيها. فإنّ كثرة وقوع المعاصي و ألفتها و التعوّد عليها قد توجب خفّة الاستياء منها و الغضب لها، حتي يغفل المؤمن عن قبحها، و يأنس بها تدريجا كما أن قلة المعروف و ندرته قد توجب إنكاره و النفرة منه، فيصير المعروف منكرا و المنكر معروفا كما تقدم في

الحديث الشريف. و بذلك تنسلخ روح الإيمان و تنطفئ جذوته نعوذ باللّه تعالي من خذلانه.

المقام الثاني: في الموقف العملي الذي تقدم أنه المراد بالأمر المعروف و النهي عن المنكر. و الظاهر أنه يجب بشرطين:

الأول: احتمال ترتب الفائدة عليه إما في حق القائم به عن المعصية أو في حقّ غيره ممن قد يتأسي به و يتشجع عليها بفعله، بحيث يحتمل كون القيام بالموقف المذكور سببا في تقليل المعصية و مانعا من انتشارها.

الثاني: أن لا يخاف منه ضرر علي النفس أو المال أو العرض علي من يقوم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 430

بذلك أو علي غيره من المؤمنين.

(مسألة 1): إذا تحقق الشرطان المذكوران وجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالمرتبة الاولي و الثانية، و يختار المكلّف منهما ما هو الأجدي بنظره مع الحذر من العنف إذا كان موجبا للتنفير من الدعوة للخير، و قد تكرّر الحث في الكتاب الكريم و السنة الشريفة علي الدعوة للّه تعالي بالحكمة و الموعظة الحسنة و علي الرفق في الأمور. و أما المرتبة الثالثة فلا يجوز الإقدام عليها إلا بالرجوع للحاكم الشرعي و مع عدم تيسره لا بدّ من اليقين بأهمية دفع المنكر من الإيقاع بفاعله و لا بدّ مع ذلك من الاقتصار علي الأخف عند تأدّي الغرض به.

(مسألة 2): إذا علم أو احتمل كون قيام الشخص بترك الواجب أو فعل الحرام غير مبني علي التمرد، بل للجهل بكونه معصية وجب إنكار ذلك في موارد:

الأول: ما إذا احتمل كون وقوع ذلك منه سببا لتشجيع غيره عليه و لشيوع المعصية.

الثاني: ما إذا كان جهله راجعا إلي الجهل بالحكم الشرعي حيث يجب حينئذ بيانه علي من يعلم به إذا كان من شأنه

القيام بذلك، بحيث يكون تركه له إغراء بالجهل عرفا.

الثالث: ما إذا تكرر ذلك منه بسبب جهله و كان الأمر الواقع من المحرّمات المهمة التي يعلم من حال الشارع الأقدس الإلزام بالاحتياط و التحفظ في وقوعها حتي جهلا، نعم لا يجوز في جميع الصور الإنكار علي الفاعل و تأنيبه و عذله و النيل منه، بل يقتصر علي تنبيهه لخطئه أو إنكار فعله من دون نيل منه و تعدّ عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 431

(مسألة 3): لا بدّ في من يقوم بالأمر بالمعروف و إنكار المنكر من أن يكون علي بصيرة من أمره يعلم بأن المعروف معروف و المنكر منكر، لكن ذلك ليس شرطا في وجوب الوظيفة المذكورة عليه، بل مقدّمة لها. فيجب علي الجاهل التعلم مقدمة للقيام بوظيفته عند العلم بتحقق الحاجة إليها.

(مسألة 4): يجب تحمّل الضرر مقدمة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في موارد العلم بأهمية محذور انتشار الفساد من الضرر الحاصل، و لا ضابط لذلك.

(مسألة 5): لا يختص وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بصنف دون صنف، فالكل عباد اللّه عليهم القيام بواجبهم إزاءة و إزاء دينه.

(مسألة 6): يتأكد وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في حق المكلّف بالنسبة إلي أهله، قال اللّه تعالي قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً فإذا رأي منهم التهاون بالتكاليف الشرعية يجب عليه إنكار ذلك عليهم بالوجوه المتقدمة. و لا ينبغي له أن تمنعه العاطفة عن أداء واجبة نحوهم، بل هي ادعي لردعهم عن المنكر و تجنيبهم غضب اللّه تعالي و عقابه الذي هو أشدّ من بلاء الدنيا الذي يحذر عليهم منه. و لو فرّط في أداء واجبة إهمالا له أو من أجل عاطفته العمياء

انقلبوا وبالا عليه حيث يكون سبب شقائه و استحقاقه عذاب اللّه تعالي، قال تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ وَ أَوْلٰادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلٰادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ اللّٰهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ.

(مسألة 7): إذا كان المعروف مستحبا حسن الحثّ عليه من دون إلزام. لكنّه ليس من الأمر بالمعروف لأن المراد به الإلزام بالمعروف و هو يختص بما كان تركه معصية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 432

تتميم.

يجب علي الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر اختيار الوجه الأكمل في التأثير، و الطريق الأوصل للغرض و السبب الأوثق في بلوغ المراد. و إن من أهم أسباب تأثير الأمر و النهي في الناس شعورهم بصدق الآمر و الناهي في دعوته و إخلاصه في أداء رسالته، و لذا قيل: إن الموعظة إذا خرجت من القلب دخلت إلي القلب، و إذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.

و من هنا كان لأئمتنا عليهم السّلام من التأثير ما ليس لغيرهم. فاللازم علي شيعتهم التأسي بهم و الاهتداء بهديهم و التأدب بآدابهم، فإنّ لكل مأموم إماما يقتدي به و يتبع أثره. و إن من أهم دواعي تصديق الناس للآمر و الناهي و شعورهم بإخلاصه اتعاظه بما وعظ فلا يأمر بمعروف إلا فعله و لا ينهي عن منكر إلا و قد اجتنبه، فهو يعظهم بعمله قبل قوله و بسيرته قبل دعوته، علي أن من دعي للحق بلسانه و خالفه بعمله إن كان دعوته رياء و نفاقا كانت وبالا عليه و سببا لشقائه.

و إن كانت صادقة و قد خالفها تسامحا و تفريطا فيا لها حسرة يوم القيامة حين يري

أنه قد أسعد الناس و أنقذهم و أشقي نفسه و أهلكها. قال تعالي أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتٰابَ أَ فَلٰا تَعْقِلُونَ و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في وصيته لأبي ذر: «يا أبا ذر يطّلع قوم من أهل الجنة إلي قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم في النار، و إنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم و تأديبكم فيقولون: إنّا كنا نأمركم بالخير و لا نفعله». و عن خيثمة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: أبلغ شيعتنا أنه لن ينال ما عند اللّه إلا بعمل. و أبلغ شيعتنا أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم يخالفه إلي غيره». نسأله سبحانه أن يعيذنا و جميع المؤمنين من ذلك و يسددنا لما يحب و يرضي. و هو أرحم الراحمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 433

الفصل الثالث في جملة من المحرّمات

و نقتصر هنا علي الكبائر منها التي يكون تركها معيارا في العدالة المعتبرة في كثير من الموارد و التي ورد أن باجتنابها تكفّر الصغائر. و الظاهر أن الكبائر هي الذنوب التي ثبت الوعيد عليها بالنار أو التي ورد عدّها من الكبائر في الأخبار، أو ما ثبت أنه أهمّ من بعض تلك الذنوب و هي- بعد الشرك باللّه تعالي و الكفر بما أنزل- أمور:

الأول: اليأس من روح اللّه تعالي و القنوط من رحمته، و إن كان الرّوح و الرحمة دنيويين، كشفاء مريض و كشف كربة، فإنّه علي كل شي ء قدير و رحمته وسعت كل شي ء.

الثاني: الأمن من مكر اللّه تعالي، و المتيقن منه الأمن مع المعصية المناسب لعدم الارتداع عنها. أما الأمن لاعتقاد عدم تحقق المعصية أو غفران الذنب بتوبة أو شفاعة أو

عمل فلم يثبت كونه كبيرة. نعم لا إشكال في أن ذلك مرجوح شرعا، بل قد يكون محرّما فقد ورد الأمر بأن يكون المؤمن بين الخوف من اللّه تعالي و الرجاء له. و في الحديث عن الصادق عليه السّلام أنه قال: «ارج اللّه رجاء لا يجرئك علي معصية (معاصيه) و خف اللّه خوفا لا يؤيسك من رحمته».

الثالث: عقوق الوالدين. و المتيقن منه الإسائه إليهما بمرتبة عالية تناسب القطيعة بهما و لا تناسب الصلة معهما. و أما غير ذلك فلم يثبت كونه من الكبائر و إن كان مرجوحا شرعا. بل قد يكون محرّما.

(مسألة 8): تجب إطاعة الوالدين و الإحسان إليهما إذا كان تركها موجبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 434

للعقوق و القطيعة عرفا، و لا يجبان في غير ذلك.

الرابع: قتل المؤمن و من يلحق به كالطفل و المجنون حتي السقط.

و كذا الإعانة علي ذلك و لو بكلمة. بل من الكبائر التعدّي علي المؤمن بالضرب بلا حق.

(مسألة 9): يحرم قتل الإنسان نفسه، و هو من الكبائر.

الخامس: قذف المحصن و المحصنة، و المراد بالإحصان العفة و الستر و لو لعدم ثبوت الفاحشة عليه.

(مسألة 10): المراد بالقذف هنا و إن كان هو الفاحشة كالزنا و اللواط، إلا أن الحكم يعمّ كل قبيح، فإنّ نسبته للبري ء منه من البهتان الذي هو من الكبائر.

السادس: أكل مال اليتيم ظلما، بل مطلق المؤمن.

السابع: الفرار من الزحف في حرب واجبة شرعا.

الثامن: أكل الربا: و هو الفائدة المشروطة في الدّين، و فاضل ما بين الثمن و المثمن عند بيع المكيل أو الموزون من جنس واحد، علي ما يذكر مفصلا في كتاب البيع.

(مسألة 11): كما يحرم الربا علي الآكل يحرم علي المعطي و الكاتب و الشاهد،

و الظاهر أنه من الكبائر في حق الكل.

التاسع و العاشر و الحادي عشر: الزنا و اللواط و السحق.

الثاني عشر: القيادة: و هي السعي بين اثنين لجمعهما علي الوطء المحرّم.

الثالث عشر و الرابع عشر: السحر و الكهانة.

(مسألة 12): الظاهر جواز حلّ السحر بالسحر. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي صورة لزوم الضرر من السحر و انحصار حلّه بالسحر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 435

(مسألة 13): الظاهر عدم جواز تصديق الساحر و الكاهن و غيرهما ممن يخبر بالغيب، بل هو من الكبائر. و لا بأس بالسماع منهم لمجرد الاطّلاع علي ما عندهم في الواقعة و احتمال صدق خبرهم من دون تصديق و جزم بما أخبروا، و هكذا الحال في أخبارهم بالحوادث فإن كان إخبارا جازما كان محرّما، و إلا كان حلالا.

الخامس عشر: الكذب، و خصوصا علي اللّه و رسوله و الأئمة، و منه الفتوي بغير علم و شهادة الزور و البهتان علي المؤمن بنسبة ما يشينه إليه كذبا.

فإن أضيف للكذب اليمين كانت كبيرة أخري، و لا سيما إذا كانت علي أخذ مال مسلم ظلما، حيث تضمنت بعض الأخبار أنها اليمين الغموس الفاجرة التي ورد في كثير من الأخبار عدّها من الكبائر.

(مسألة 14): اليمين المذكورة و إن كانت محرّمة، بل كبيرة إلا أنه لا كفارة عليها بل الخلاص من تبعتها بالتوبة و الاستغفار.

(مسألة 15): لا يفرق في حرمة الكذب و اليمين عليه و كونها من الكبائر بين الإخبار عن أمر سابق و حاضر و مستقبل، نعم إذا رجعت اليمين إلي تعهّد صاحبها بفعل شي ء أو تركه وجب الوفاء بها بالشروط المذكورة في كتاب الأيمان، فإن خالفها مع تمامية الشروط وجبت الكفارة. و إن لم تتم الشروط جاز مخالفتها

من دون كفارة.

(مسألة 16): الكذب لدفع الضرر عن النفس و المال و الأخ المؤمن. و الظاهر توقفه علي تعذر التورية و لو للخوف من ظهور الحال لعدم سيطرة المتكلم عليها.

(مسألة 17): يجوز الكذب للإصلاح و رفع الشحناء و التباغض بين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 436

المؤمنين، و لا يتوقف علي تعذر التورية.

(مسألة 18): ذكر بعضهم أنه يجوز الوعد الكاذب علي الأهل، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا كان لدفع الشرّ و الفساد و لإصلاح الحال معهم أو بينهم نظير ما تقدم.

السادس عشر: منع الزكاة المفروضة، بل حبس كل حق للّه تعالي- كالخمس- أو للناس كالمماطلة في أداء الدين مع القدرة علي الأداء.

السابع عشر: شرب الخمر و كل مسكر.

الثامن عشر: ترك الصلاة و غيرها من فرائض الإسلام و هي الزكاة و الصوم و الحج.

التاسع عشر: نقض العهد.

العشرون: قطيعة الرحم، و هي ترك الإحسان إليه من كل وجه في مقام يتعارف فيه ذلك، فلا تصدق مع عدم تعارف الوصل، و كذا مع تعارفه و القيام ببعض وجوه الصلة و لو بمثل السلام.

الواحد و العشرون: التعرّب بعد الهجرة، و هو الانتقال للبلاد التي تنقص فيها معارف المكلّف الدينية و يزداد جهله بدينه.

الثاني و العشرون: السرقة.

الثالث و العشرون: أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهلّ به لغير اللّه، و هو ما ذكر عليه عند الذبح اسم غير اللّه تعالي من صنم أو نحوه.

الرابع و العشرون: القمار و لو من دون رهن: و هو كل لعبة ابتنت علي المغالبة و اخترعت لكسب المال كلعب الورق و الطاولي و الدوملة و الشطرنج.

(مسألة 19): كما يحرم اللعب بالشطرنج يحرم بيع آلاته و أكل ثمنه و اتخاذ

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 437

آلاته و الاحتفاظ بها- و لو بغير الشراء- من أجل اللعب بها كما يحرم التفرج علي اللاعب بها و السّلام عليه حال لعبة بها، و كل ذلك من الكبائر.

الخامس و العشرون: أكل السحت: و هو المال الحرام بوجه مؤكّد كثمن الميتة و الخمر و كل مسكر، و أجر الزانية و الكاهن، و ثمن آلات الشطرنج و الجارية المغنّية و الكلب الذي لا يصطاد، و مال اليتيم، و الربا بعد العلم، و ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، و ما أصيب بحكم قضاة الجور و إن كان الآخذ محقا، و الرشوة في الحكم و لو بالحق.

السادس و العشرون: البخس في المكيال و الميزان.

السابع و العشرون: الولاية للظالمين، بل مطلق معونتهم سواء كانت بالعمل لهم و الانتساب لأجهزتهم أم بالقيام بعمل خاص بأجرة أو جعالة أو نحوهما.

نعم لا بدّ في الحرمة من تبعية العمل لهم بما هم ظلمة بحيث يكون من شؤون ظلمهم و إن كان في نفسه محلّلا لو لم ينتسب لهم. أما إذا لم يكن كذلك بل كان في شؤونهم الشخصية من دون أن يبتني علي الانتساب لهم بما هم ظلمة، و لا علي الدخول في كيانهم فلا بأس به. و يستثني من ذلك ما إذا استكره علي العمل أو كان الغرض منه نفع المؤمنين علي تفصيل لا يسعه المقام.

الثامن و العشرون: كون الإنسان ممن يتقي شرّه و يخاف لسانه.

التاسع و العشرون: التكبر بالتعالي عن الناس و التّرفع عليهم للبناء علي أنه أرفع منهم.

الثلاثون: الإسراف و التبذير، و هو تجاوز الحد في الإنفاق بنحو يوجب إفساد المال من دون غرض عقلائي.

الواحد و الثلاثون: المحاربة لأولياء اللّه و الموادّة لأعدائه.

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 438

الثاني و الثلاثون: الاشتغال بالملاهي، كضرب الأوتار و الطبول و النفخ في المزامير و غير ذلك من الآلات الموسيقية، بالنحو المبني علي التلذذ و الطرب، علي ما هو المعهود عند أهل الفسوق.

الثالث و الثلاثون: الغناء و هو الصوت المشتمل علي المدّ بنسق خاص من شأنه أن يوجب الطرب مع قصد اللهو به، علي النحو المعهود عند أهل الفسوق أيضا.

(مسألة 20): كما يحرم الاشتغال بالملاهي و الغناء يحرم الاستماع إليها بالنحو المناسب لمحاولة الانفعال بها دون السماع العابر من دون انفعال.

الرابع و الثلاثون: الإصرار علي الصغائر، و هو فعلها استهوانا بها بحيث لا يستنكر الفاعل من نفسه فعلها.

الخامس و الثلاثون: سبّ المؤمن و إذلاله و إهانته.

السادس و الثلاثون: النميمة، و هي أن يحكي لشخص انتقاص غيره له.

السابع و الثلاثون: الرياء. و قد تقدم بعض الكلام فيه في مسائل الوضوء.

الثامن و الثلاثون: الغشّ للمؤمن، و هو إيهامه بالشي ء علي خلاف واقعه بنحو يقتضي وقوعه في ما لا يقدم عليه تجنّبا لضرره الديني أو الدنيوي، من دون فرق بين الغش و في البيع و الشراء و غيره، حتي مثل مدح الخائن أمام شخص من أجل إيهامه بأمانته ليتورّط معه و يستأمنه. أما مجرد إظهار الشي ء علي خلاف واقعه من دون أن يراد به ذلك فليس من الغشّ في شي ء، أو هو غش غير محرم.

التاسع و الثلاثون: كتمان الشهادة، إذا كان المكلّف قد طلب منه تحمل الشهادة. بل مطلقا علي الأحوط وجوبا.

الأربعون: الهجر، و هو الفحش من القول و البذاء فيه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 439

الواحد و الأربعون: غيبة المؤمن، و هي انتقاصه و الوقوع فيه و إعابته في غيبته. و إن

كان في حضوره لم يكن غيبة و إن كان محرّما.

(مسألة 21): ليس من الغيبة ذكر الغيب لا بقصد الانتقاص و الإعابة و لا كشفه إذا كان مستورا و إن كان ذلك محرّما.

(مسألة 22): الظاهر اختصاص الغيبة بصورة سامع يقصد إفهامه، فمع ترديد ذلك وحده، أو مع من لا يفهم كلامه لا تصدق الغيبة. نعم إذا كان المقصود من الذكر الإفهام مع عدم وجود سامع- كما في تسجيل الكلام ليسمعه الآخرون- كان محرّما أيضا و ملحقا بالغيبة.

(مسألة 23): لا بدّ في صدق الغيبة من تعيين المغتاب الذي يعاب، فلو كان مبهما غير معين لم تكن غيبة له، كما لو قال: بعض أهل البلد جبان أو أحد أولاد زيد بخيل. نعم قد يحرم من جهة أخري، كما لو لزم من ذلك توهين مؤمن.

(مسألة 24): تجوز الغيبة في موارد:

الأول: ما إذا كان العيب ظاهرا كالحدة و العجلة. لكن لا بدّ من الاقتصار في الإعابة علي ما يقتضيه العيب المذكور من دون تبشيع و تهويل، فضلا عن إبداء ما ليس عيبا بصورة العيب، كالانتقاص بالهزال و الفقر و السمرة و نحوها.

الثاني: غيبة المتجاهر بالفسق الخالع جلباب الحياء و لو في ما لم يتجاهر فيه، أو إمام من هو متستّر معه، و المراد بالتجاهر بالفسق التجاهر به أمام العامة، و لا يكفي التجاهر أمام خواصه الذين يفضي لهم بسرّه و يعرفون بواطن أمره.

الثالث: غيبة المظلوم للظالم. و الظاهر اختصاصها بذكر ظلامته، دون بقية العيوب المستورة.

الرابع: غيبة المبدع في الدين، لإسقاطه عند الناس دفعا لضرره. بل كل من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 440

يخاف ضرره علي الدين إذا كان الخوف بنحو معتدّ به. لكن يقتصر في الثاني علي مقدار الحاجة

لدفع ضرره.

الخامس: غيبة الشخص لدفع الضرر عنه أو عن المتكلم أو عن مؤمن ثالث.

نعم لا بدّ من كون الضرر الذي يراد دفعه أهم من الغيبة بمقدار معتدّ به.

السادس: كل مورد تزاحم حرمة الغيبة فيه بتكليف مساو لها في الأهمية أو أهم منها.

(مسألة 25): ذكروا من مستثنيات الغيبة نصح المستشير، بل مطلق النصح، و أداء الشهادة. لكن الأمرين لا يستلزمان الغيبة، و هي ذكر العيب بقصد الانتقاص، إذ لا يتوقف الأمران علي الانتقاص، بل يكفي فيهما بيان الواقع لا بقصد الانتقاص و الإعابة. نعم هما قد يلازمان كشف ستر الشخص و هو محرّم كالغيبة.

و من هنا يشكل جوازه في النصيحة، لإمكان تأدّي الغرض ببيان رأي الناصح من دون تعرض للعيب الذي هو سبب ذلك الرأي. نعم لو توقف علي بيان العيب عند النصيحة دفع ضرر مهم يعلم برضا الشارع بكشف ستر الشخص من أجله جاز، و لا ضابط لذلك. و أما أداء الشهادة فالظاهر جوازه إذا ترتب عليه إثبات حق اللّه تعالي أو حقّ الناس، كما في باب الحدود و الضمانات و المعاملات، دون ما عدا ذلك، كالشهادة بفسق شخص مستور لمنع الناس من الصلاة خلفه.

(مسألة 26): يحرم سماع الغيبة إذا ابتني علي التجاوب مع المغتاب و تحقيق غرضه، لأن ذكر العيب لا يوجب انتقاص المقول فيه ما لم يكن هناك سامع يوجه الخطاب إليه، أما سماع الشخص لها من دون أن يوجه الخطاب إليه فلا بأس به. إلا أن يبتني علي الرضا بها، لأن الراضي بعمل قوم يشركهم في تبعة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 441

عملهم.

(مسألة 27): يجب ردّ الغيبة و الدفاع عن المقول فيه، إما بمحاولة بيان عدم كون الأمر المقول في الشخص

الغائب نقصا يعاب به، أو ببيان عذره في ما نسب إليه، و لا أقل من الردع عن الغيبة و النهي عنها، نعم لا بدّ من عدم لزوم محذور شرعي أو عرفي في الرد المذكور. و من أهم المحاذير خوف إغراق القائل في الغيبة و الاستشهاد لصحة كلامه و لبيان أهلية الشخص لما قيل فيه دفاعا عن موقفه و تعصّبا له.

(مسألة 28): لا بدّ في خروج المكلّف من تبعة الغيبة- مضافا إلي التوبة- من أن يحلله الشخص الذي اغتابه، فإن تعذر ذلك- و لو لخوف ترتب فساد علي ذلك- فلا بدّ من الاستغفار له، و هذا يجري في جميع موارد التعدّي و الظلم للعباد. و لنكتف بهذا المقدار من الكلام في الكبائر التي تقدم بيان الضابط فيها حيث يضيق الوقت عن استقصائها كما يضيق عن استقصاء المحرمات غير الكبائر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 442

تتميم

اشارة

و فيه مطالب.

المطلب الأول في بعض مكارم الأخلاق

منها: الاعتصام باللّه تعالي، قال اللّه تعالي وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّٰهِ فَقَدْ هُدِيَ إِليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «أوحي اللّٰه عز و جل إلي داود ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته ثم تكيده السموات و الأرض و من فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن».

و منها: التوكل علي اللّٰه سبحانه، الرؤوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه و القادر علي قضاء حوائجهم. و إذا لم يتوكل عليه تعالي فعلي من يتوكل أعلي نفسه أم علي غيره مع عجزه و جهله قال اللّٰه تعالي وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «إن الغني و العزّ يجولان فإذا ظفرا بموضع من التوكل أوطنا».

و منها: حسن الظن باللّٰه تعالي، قال أمير المؤمنين عليه السّلام في ما قال: «و الذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن باللّٰه إلا كان اللّٰه عند ظن عبده المؤمن، لأن اللّٰه كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجاءه فأحسنوا باللّٰه الظن و ارغبوا إليه».

و منها: الصبر عند البلاء، و الصبر عن محارم اللّٰه تعالي، قال اللّٰه تعالي إِنَّمٰا يُوَفَّي الصّٰابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ، و قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله في حديث: «فاصبر فإن في الصبر علي ما تكره خيرا كثيرا، و اعلم أن النصر مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 443

الصبر، و أن الفرج مع الكرب، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا»، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام «لا يعدم الصبر الظفر و إن

طال به الزمان»، و قال: «الصبر صبران:

صبر عند المصيبة حسن جميل و أحسن من ذلك الصبر عند ما حرّم اللّٰه تعالي عليك».

و منها: العفة، قال أبو جعفر عليه السّلام: «ما عبادة أفضل عند اللّٰه من عفة بطن و فرج»، و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «إنما شيعة جعفر من عفّ بطنه و فرجه، و اشتد جهاده، و عمل لخالقه، و رجا ثوابه، و خاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر».

و منها: الحلم، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله: «ما أعز اللّٰه بجهل قط، و لا أذل بحلم قط»، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره علي الجاهل»، و قال الرضا عليه السّلام: «لا يكون الرجل عابدا حتي يكون حليما».

و منها: التواضع، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله: «من تواضع للّٰه رفعه اللّٰه و من تكبّر خفضه اللّٰه، و من اقتصد في معيشته رزقه اللّٰه، و من بذر حرمه اللّٰه، و من أكثر ذكر الموت أحبه اللّٰه تعالي».

و منها: إنصاف الناس، و لو من النفس، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله «سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، و مواساة الأخ في اللّٰه تعالي علي كل حال».

و منها: اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله «طوبي لمن شغله خوف اللّٰه عز و جل عن خوف الناس، طوبي لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين» و قال صلّي اللّٰه عليه و آله: «إن أسرع الخير ثوابا البر، و إن أسرع الشرّ عقابا البغي، و كفي بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، و

أن يعيّر الناس بما لا يستطيع تركه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 444

و منها: إصلاح النفس عند ميلها إلي الشر، قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من أصلح سريرته أصلح اللّٰه تعالي علانيته، و من عمل لدينه كفاه اللّٰه دنياه، و من أحسن في ما بينه و بين اللّٰه أصلح اللّٰه ما بينه و بين الناس».

و منها: الزهد في الدنيا و ترك الرغبة فيها، قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام:

«من زهد في الدنيا أثبت اللّٰه الحكمة في قلبه، و أنطق بها لسانه، و بصره عيوب الدنيا داءها و دواءها و أخرجه منها سالما إلي دار السّلام»، و قال رجل قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام إني لا ألقاك إلا في السنين فأوصني بشي ء حتي آخذ به، فقال:

أوصيك بتقوي اللّٰه، و الورع و الاجتهاد، و إياك أن تطمع إلي من فوقك، و كفي بما قال اللّٰه عز و جل لرسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله وَ لٰا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِليٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا و قال تعالي فَلٰا تُعْجِبْكَ أَمْوٰالُهُمْ وَ لٰا أَوْلٰادُهُمْ فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله فإنما كان قوته من الشعير، و حلواه من التمر و وقوده من السعف إذا وجده، و إذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط».

المطلب الثاني في بعض مساوئ الأخلاق

منها: الغضب، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل»، و قال أبو عبد اللّٰه: «الغضب مفتاح كل شر»، و قال أبو

جعفر: «إن الرجل ليغضب فما يرضي أبدا حتي يدخل النار فأيما رجل غضب علي قومه و هو قائم فليجلس من فوره ذلك فإنّه سيذهب عنه رجس الشيطان، و أيما رجل غضب علي ذي رحم فليدن منه فليمسّه فإن الرحم إذا مسّت سكنت».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 445

و منها: الحسد، قال أبو جعفر و أبو عبد اللّٰه عليهما السّلام: «إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب»، و قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله ذات يوم لأصحابه: «إنه قد دبّ إليكم داء الأمم ممن قبلكم و هو الحسد ليس بحالق الشعر و لكنه حالق الدين، و ينجي فيه أن يكفّ الإنسان يده و يخزن لسانه و لا يكون ذا غمز علي أخيه المؤمن».

و منها: الظلم، و أشد أنواعه ظلم من لا يجد ناصرا إلا اللّٰه فعن أبي جعفر عليه السّلام قال لما حضر علي بن الحسين عليهما السّلام الوفاة ضمّني إلي صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، و بما ذكر أن أباه أوصاه به قال:

يا بني إياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا اللّٰه. و قد ورد النهي عن كل ظلم في كثير من الروايات فقد قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «ما ظفر بخير من ظفر بالظلم أما أن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم». و قال: «من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده».

المطلب الثالث في التوبة

و هي التي منّ اللّٰه بها علي عباده رأفة منه بهم و رحمة لهم. و قد ورد الحث عليها في آيات كثيرة و أحاديث من النبي

و أوصيائه (عليهم أفضل الصلاة و السّلام) و قد ورد أن العبد إذا اقترف سيئة أنظره اللّٰه تعالي سبع ساعات فإن تاب لم تكتب عليه، و إن لم يتب كتبت عليه سيئة، ثم هو في فسحة من أمره تقبل منه التوبة ما دام فيه الروح- كما تظافرت به النصوص و أكدت عليه- فالواجب علي المؤمن عقلا و نقلا المبادرة إليها و انتهاز الفرصة قبل أن يفجأه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 446

الأجل أو يسودّ قلبه من الذنوب و يطبع عليه، فلا يفيق من سكرته و لا يصحو من غشيته أولئك الذين نسوا اللّٰه فأنساهم أنفسهم، و ما ربك بظلام للعبيد.

و لا بدّ في التوبة من أمرين: الندم علي الذنب و العزم علي ترك العود فيه أبدا، و بذلك تتحقق التوبة النصوح التي ورد ذكرها في الكتاب الكريم و السنة الشريفة فإن غلبته نفسه و سوّل له الشيطان فعاد في الذنب كان عليه المبادرة للتوبة أيضا، و هكذا كلما عاد تاب حتي تقوي توبته و تستحكم حيث لا تغلق التوبة في وجهه أبدا مهما عاد رأفة من اللّٰه و رحمة به، فإنّه عزّ اسمه يحب من عبده أن لا تقعد به المعصية عن التوبة مهما كثرت ذنوبه و عظمت عيوبه، و ليحذر العبد من القنوط و اليأس من رحمة اللّٰه تعالي، فقد تقدم أن ذلك من الكبائر، و هو من أعظم وسائل الشيطان و أقوي حبائله ليسيطر علي العبد و يجرّه إلي الهلكة أعاذنا اللّٰه تعالي منه و من مكره و كيده، و نسأله أن يعصمنا من الزلل في القول و العمل و أن يختم لنا بالتوبة و المغفرة و السعادة و حسن العاقبة، إنه

أرحم الراحمين و ولي المؤمنين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

انتهي الكلام في العبادات ليلة الأربعاء، التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، عام ألف و أربعمائة و أربعة عشر للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلوات و أزكي التحيات.

و الحمد للّٰه رب العالمين.

كتاب الخمس

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.